المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَوْ بِمَا فِي يَدِهَا وفِيهِ مُتَمَوِّلٌ، أَوْ لا عَلَى الأَحْسَنِ، - مختصر خليل - ومعه شفاء الغليل في حل مقفل خليل - جـ ١

[ابن غازي - خليل بن إسحاق الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌[باب يُرْفَعُ الْحَدَثُ وحُكْمُ الْخَبَثِ]

- ‌فصل [الأعيان الطاهرة]

- ‌فصل [حكم إزالة النجاسة]

- ‌فصل [فرائض الوضوء، وسننه، وفضائله]

- ‌[باب الاستنجاء]

- ‌فَصْل [نواقض الوضوء]

- ‌[موجبات الغسل]

- ‌[المسح عَلَى الخفين]

- ‌[فصل في التيمم]

- ‌[فصل]

- ‌[فصل] [

- ‌[باب الصلاة]

- ‌فصل [الأذان والإقامة]

- ‌[شروط صحة الصلاة]

- ‌[فصل]

- ‌[فصل]

- ‌[فصل: فَرَائِضُ الصَّلاةِ]

- ‌[سنن الصلاة ومكروهاتها]

- ‌فصل [القيام وبدله]

- ‌فصل [قضاء الفوائت]

- ‌[فصل فِي أحكام السهو]

- ‌[سجود التلاوة]

- ‌[فصل فِي صلاة النافلة]

- ‌[فصل فِي صلاة الجماعة]

- ‌فصل [فِي استخلاف الإمام]

- ‌[فصل فِي صلاة المسافر]

- ‌[فصل فِي صلاة الجمعة]

- ‌[فصل فِي صلاة الخوف]

- ‌[فصل فِي صلاة العيد]

- ‌[فصل فِي صلاة الكسوف]

- ‌[فصل فِي صلاة الاستسقاء]

- ‌[فصل فِي أحكام الجنائز]

- ‌[صلاة الجنازة]

- ‌[باب فِي الزكاة]

- ‌[زكاة الحرث]

- ‌[زكاة النقود]

- ‌[زكاة الدين]

- ‌[زكاة العروض]

- ‌[زكاة المعادن]

- ‌[فصل فِي مصارف الزكاة]

- ‌[فصل زكاة الفطر]

- ‌[باب الصيام]

- ‌[باب الاعتكاف]

- ‌[باب الحجّ]

- ‌فصل [محظورات الإحرام]

- ‌[موانع الحج]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الأطعمة والأشربة]

- ‌[باب الضحية والعقيقة]

- ‌[باب الأيمان والنذور]

- ‌[فصل في النذر]

- ‌[باب الجهاد]

- ‌[الجزية]

- ‌[المسابقة]

- ‌[باب النكاح]

- ‌[خصائص النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أحكام النكاح]

- ‌[فصل فِي الخيار]

- ‌[فصل]

- ‌[الصداق]

- ‌[نكاح التفويض]

- ‌[التنازع في الزوجية]

- ‌[الوليمة]

- ‌[القسم للزوجات]

- ‌فصل النشوز

- ‌[باب الطلاق]

- ‌[طلاق السنة]

- ‌[باب التخيير والتمليك]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌[باب الإيلاء]

- ‌[باب الظهار]

- ‌[باب اللعان]

- ‌[باب العدة]

- ‌[أحكام زوجة المفقود]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌[تداخل العدة والاستبراء]

- ‌[باب الرضاع]

- ‌[باب النفقة والحضانة]

- ‌[فصل في الحضانة]

الفصل: أَوْ بِمَا فِي يَدِهَا وفِيهِ مُتَمَوِّلٌ، أَوْ لا عَلَى الأَحْسَنِ،

أَوْ بِمَا فِي يَدِهَا وفِيهِ مُتَمَوِّلٌ، أَوْ لا عَلَى الأَحْسَنِ، لا إِنْ خَالَعَتْهُ بِمَا لا شُبْهَةَ لَهَا فِيهِ أَوْ بِتَافِهٍ فِي إِنْ أَعْطَيْتِنِي مَا أُخَالِعُكِ بِهِ، أَوْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثاً بِأَلْفٍ، فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِالثُّلُثِ، وإِنِ ادَّعَى الْخُلْعَ، أَوْ قَدْراً، أَوْ جِنْساً حَلَفَتْ وبَانَتْ، والْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنِ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ كَدَعْوَاهُ مَوْتَ عَبْدٍ، أَوْ عَيْبِهِ قَبْلَهُ. وإِنْ ثَبَتَ [مَوْتُهُ](1) بَعْدَهُ، فَلا عُهْدَةَ.

قوله: (أَوْ بِمَا فِي يَدِهَا وفِيهِ مُتَمَوِّلٌ، أَوْ لا عَلَى الأَحْسَنِ) اليد مؤنثة فمن حقه أن يقول وفِيهَا، ولعلّه لاحظ معنى العضو فذكّر، وأشار بالأحسن لاختيار ابن عبد السلام إذ قال: اللزوم هو الأقرب؛ لأنه خالعها وهو مجوز لما ظهر من أمرها. انتهى وهو خلاف قول اللخمي: قول مالك بعدم اللزوم أحسن إِذَا كان الخلع عن مشاورة، وعند الجد ، وإنما يتسامح الناس فِي مثل هذا عندما يكون من الهزل واللعب.

[طلاق السنة]

طَلاقُ السُّنَّةِ وَاحِدَةٌ بِطُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ بِلا عِدَّةٍ، وإِلا فَبِدْعِيٌّ وكُرِهَ فِي غَيْرِ الْحَيْضِ، ولا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ كَقَبْلَ الْغُسْلِ مِنْهُ، أَوِ التَّيَمُّمِ الْجَائِزِ، ومُنِعَ فِيهِ، ووَقَعَ، وأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ ولَوْ لِمُعْتَادَةِ الدَّمِ لِمَا يُضَافُ فِيهِ لِلأَوَّلِ عَلَى الأَرْجَحِ، والأَحْسَنُ عَدَمُهُ لآخِرِ الْعِدَّةِ، وإِنْ أَبَى هُدِّدَ، ثُمَّ سُجِنَ، ثُمَّ ضُرِبَ [37 / ب] بِمَجْلِسٍ، وإِلا ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ. وجَازَ الْوَطْءُ بِهِ، والتَّوَارُثُ والأَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. وفِي مَنْعِهِ فِي الْحَيْضِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لأَنَّ فِيهَا جَوَازَ طَلاقِ الْحَامِلِ وغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِيهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ تَعَبُّداً لِمَنْعِ الْخُلْعِ وعَدَمِ الْجَوَازِ وإِنْ رَضِيَتْ، وجبرِهِ عَلَى الرَّجْعَةِ وإِنْ لَمْ تَقُمْ خِلافٌ. وصُدِّقَتْ أَنَّهَا حَائِضٌ، ورُجِّحَ إِدْخَالُ خِرْقَةٍ وتَنْظُرُهَا النِّسَاءُ، إِلا أَنْ يَتَرَافَعَا طَاهِراً، فَقَوْلُهُ وعُجِّلَ فَسْخُ الْفَاسِدِ فِي الْحَيْضِ والطَّلاقُ عَلَى الْمُولِي، وأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ لا لِعَيْبٍ، ومَا لِلْوَلِي فَسْخُهُ أَوْ لِعُسْرِهِ بِالنَّفَقَةِ كَاللِّعَانِ، ونُجِّزَتِ الثَّلاثُ فِي شَرِّ الطَّلاقِ ونَحْوِهِ، وفِي طَالِقٌ ثَلاثاً لِلسُّنَّةِ إِنْ دَخَلَ بِهَا، وإِلا فَوَاحِدَةٌ كَخَيْرِهِ، أَوْ وَاحِدَةً عَظِيمَةً أَوْ قَبِيحَةً، أَوْ كَالْقَصْرِ، وثَلاثاً لِلْبِدْعَةِ، أَوْ بَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ، وبَعْضُهُنَّ لِلسَّنَّةِ، فَثَلاثٌ فِيهِمَا.

قوله: (وَثَلاثاً لِلْبِدْعَةِ، أَوْ بَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ، وبَعْضُهُنَّ لِلسَّنَّةِ، فَثَلاثٌ فِيهِمَا) أي: فِي المدخول بها وغير المدخول بها، وهذا مقتضى ما فِي " النوادر ".

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من المطبوعة.

ص: 496

أَرْكَانُهُ (1) أَهْلٌ، وقَصْدٌ، ومَحَلٌّ، ولَفْظٌ وإِنَّمَا يَصِحُّ طَلاقُ الْمُسْلِمِ والْمُكَلَّفِ، ولَوْ سَكِرَ حَرَاماً، وهَلْ إِلا إلا (2) يُمَيِّزَ، أَوْ مُطْلَقاً؟ تَرَدُّدٌ، وطَلاقُ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ.

قوله: (وَهَلْ إِلا إلا يُمَيِّزَ، أَوْ مُطْلَقاً؟ تَرَدُّدٌ) هذا وجه الكلام بإثبات لا النافية، ومن أسقطها وردّ الاستثناء لما دلت عَلَيْهِ لو من الخلاف فقد أبعد.

تنبيه:

هذه إحدى المسائل السبع التي نسب فِيهَا ابن الحاجب للباجي ما لابن رشد كذا قيل (3).

ولَزِمَ، ولَوْ هَزَلَ، لا إِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ فِي الْفَتْوَى، أَوْ لُقِّنَ بِلا فَهْمٍ، أَوْ هَذَى لِمَرَضٍ، أَوْ قَالَ لِمَنِ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ وقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٌ الْتِفَافُ (4) لِسَانِهِ، أَوْ قَالَ: يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَطَلَّقَهَا فَالْمَدْعُوَّةُ.

قوله: (وَقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٌ الْتِفَافُ لِسَانِهِ) التفاف اللسان (5) التواءه وهو بفائين مكتنفتين الألف، ومن جعل بعد الألف تاء مثناة من فوق فقد صحّف (6).

وطَلُقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ، أَوْ أُكْرِهَ.

قوله: (وطَلُقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ) أي حفصة وعمرة، ويحتمل أن يريد طارقاً وعمرة.

ولَوْ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ.

قوله: (ولَوْ، بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ) حكم بمذهب المغيرة، وأشار بـ (لو) لمذهب " المدونة "، والصواب العكس، ولولا ما عطف عَلَيْهِ من قوله:(أو فِي فعل) لكان وَجه الكلام: لا بكتقويم جزء العبد (7).

(1) في المطبوعة: (وركنه).

(2)

في المطبوعة: (أن).

(3)

نص ابن الحاجب: (وقال الباجي المطبق به كالمجنون اتفاقاً إلا في الصلاة) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص 293.

(4)

في الأصل والمطبوعة: (التفات).

(5)

في (ن 3): (أي).

(6)

أكثر الشراح على أنها بالتاء، ولم يتعرض لوجه التصحيف الذي أشار إليه المؤلف هنا أحد.

(7)

نقل الخرشي كلام المؤلف بنصه ضمن كلامه على الإكراه. انظر: شرح الخرشي: 4/ 447، وقريب من لمسألة ما جاء في العتبية: (أرأيت لو أكرهه السلطانُ أكنتَ تراه بارًّا؟ قال: لا يكون بارًّا وإنْ قضي عليه السلطان فقضاه إلَاّ أن =

= يكون نَوَى إلَاّ أن يغلبه السلطان، فإذا لم ينو ذلك فهو حانث إذا أكرهه السلطان؛ لأنَّ مالكاً قال: من رجل سأله رجل حقه فحلف بالطلاق ألَاّ يقضيه شيئاً: إنَّه حانثٌ إن قضى عليه السلطان فقضاه إيَّاه) انظر البيان والتحصيل، لابن رشد، في سماع ابن القاسم، من كِتَاب بَاعَ شَاة: 6/ 251.

ص: 497

أَوْ فِي فِعْلٍ.

قوله: (أَوْ فِي فِعْلٍ) الظاهر أنه معطوف عَلَى ما فِي حيّز (لَوْ)، وذلك مشعر (1) بأن الإكراه عَلَى الفعل مختلف فِيهِ، وأن المشهور أنه إكراه وهذا صحيح غير أنه يفتقر إلى تحرير؛ وذلك أن الأفعال التي ذكروا فِي الباب ضربان:

أحدهما: الفعل الذي يقع به الحنث وفِيهِ طرق:

الأولى طريقة اللخمي قال: إِذَا حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئاً، فأكره عَلَى فعله مثل: أن يحلف أن لا يدخل دار فلان، فحمل حتى أدخلها، أو أكره حتى دخل بنفسه، أو حلف ليدخلنها فِي وقت كذا، فحيل بينه وبين ذلك حتى ذهب الوقت، فهو [50 / ب] فِي جميع ذلك غير حانث.

فأما إن حمل حتى أدخل فلا يحنث؛ لأن ذلك الفعل لا (2) يُنسب إليه، فلا يقال: فلان دخل الدار، ويختلف إِذَا أكره حتى دخل بنفسه أو حيل بينه وبين الدخول إِذَا حلف ليدخلنّ، فمن حمل الأيمان عَلَى المقاصد لَمْ يحنثه، ومن حملها عَلَى مجرد اللفظ أحنثه؛ لأن هذا دخل ووجد منه الفعل وينسب إليه، والآخر حلف ليفعلنّ فلم يوجد منه ذلك الفعل.

الطريقة الثانية: لابن حارث قال فيمن حلف لا أدخل دار فلان: لو حمل فأدخلها مكرهاً دون تراخ منه ولا مكث بعد إمكان خروجه لَمْ يحنث اتفاقاً، وكذا لو أدخلته دابة هو راكبها ولَمْ يقدر عَلَى إمساكها زاد فِي سماع عيسى: ولا نزول (3) عنها.

الطريقة الثالثة: لابن رشد فِي نوازل أصبغ قال: لا يحنث بالإكراه فِي: لا أفعل. اتفاقاً، إنما الخلاف فِي: لأفعلنّ، والمشهور حنثه، وقال ابن كنانة لا يحنث.

(1) في (ن 3): (مشار).

(2)

في (ن 1): (لم).

(3)

في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(نزوله).

ص: 498

الطريقة الرابعة: لابن رشد أَيْضاً قال فِي حنثه: ثالثها فِي يمين الحنث لا البر؛ لرواية عيسى، ومقتضى القياس، والمشهور، وعَلَى هذا المشهور اقتصر المصنّف فِي باب: الأيمان والنذور إذ قال: ووجبت به إن لَمْ يكره ببر وهذا فِي الحالف عَلَى فعل نفسه لا غيره.

الضرب الثاني: الأفعال المحظورة شرعاً قال ابن رشد فِي رسم حمل صبياً من سماع عيسى من كتاب: الأيمان بالطلاق: وأما الإكراه عَلَى الأفعال فاختلف فِيهَا فِي المذهب عَلَى قولين:

أحدهما: أن الإكراه فِي ذلك يكون إكراهاً وهو قول سحنون ودليل ما فِي النكاح الثالث من " المدونة ".

والثاني: أن الإكراه لا يكون فِي ذلك إكراهاً ينتفع به المكره، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وذلك فِي مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والسجود لغير الله تعالى والزنا بالمرأة المختارة لذلك أو المكْرِهة له عَلَى أن يزني بها ولا زوج لها .. وما أشبه ذلك مما لا يتعلّق به حقّ لمخلوق، وأما ما يتعلّق به حقٌّ لمخلوق كـ: القتل والغصب .. وشبه ذلك فلا اختلاف فِي أن الإكراه غير نافع فِي ذلك (1).

زاد فِي " الذخيرة ": والفرق بين الأقوال والأفعال أن المفاسد لا تتحقق فِي الأقوال؛ لأن المكْرَه عَلَى كلمة الكفر معظِّم لربه بقلبه، والأيمان ساقطة الاعتبار بخلاف شرب الخمر والقتل ونحوهما فإن المفاسد فِيهَا متحققة، وعبّر ابن عبد السلام عن الفرق بينهما بـ: أن القول لا تأثير له فِي المعاني ولا الذوات بخلاف الفعل فإنه مؤثر.

والذي أشار إليه ابن رشد فِي النكاح الثالث من " المدونة " هو قوله فِي الأسير: فإن ثبت إكراهه ببينة لَمْ تطلّق عَلَيْهِ (2). قال فِي " جامع الطرر ": هذا يقتضي أن من أكره عَلَى شرب الخمر وأكل [لحم](3) الخنزير فإنه يأكل ويشرب كما أقامه منه ابن رشد: لأنه إِذَا أكره عَلَى النصرانية فقد أكره عَلَى الخمر والخنزير .. ونحو ذلك، وقبله أبو الحسن الصغير، فتأمله.

(1) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 6/ 120، 121.

(2)

انظر: تهذيب المدونة، لأبي سعيد البراذعي: 1/ 351.

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

ص: 499

فإذا تقرر هذا وأمكن حمل كلام المصنف عَلَيَّ الضربين كان أولى ولو بنوع تجوّز وتغليب، وربما تستروح من كلامنا عَلَى ألفاظ بعد هذا ما يزيدك بياناً [في ذلك](1). وبالله تعالى سبحانه أستعين.

إِلا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ سِجْنٍ أَوْ قَيْدٍ.

قوله: (إِلا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا) لا مرية أن هذا الاستثناء راجع للقول، كقول المكْرَه: أنت طالق، يريد من وثاق أو يريد وجعه بالطلق وهو المخاض، وأما الفعل بضرْبَيْه فلا يمكن التورية فِيهِ؛ لما علمت من كلام القرافي وابن عبد السلام فوق هذا.

أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلأٍ، أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ. وهَلْ إِنْ كَثُرَ؟ تَرَدُّدٌ، لا أَجْنَبِيٍّ، وأُمِرَ بِالْحَلِفِ لِيَسْلَمَ، وكَذَلِكَ الْعِتْقُ، والنِّكَاحُ، والإِقْرَارُ، والْيَمِينُ، ونَحْوُهُ. وأَمَّا الْكُفْرُ، وسَبُّهُ عليه الصلاة والسلام، وقَذْفُ الْمُسْلِمِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَتْلِ كَالْمَرْأَةِ لا تَجِدُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا، إِلا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا، وصَبْرُهُ أَجْمَلُ.

قوله: (أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ [بِمَلأٍ] (2)) كذا لابن رشد قال ابن عرفة: يريد يسيره، وأما كثيره فإكراه مطلقاً وقوله:(بِمَلأٍ) كذا فِي " الجواهر "(3) وأغفله ابن عرفة.

قوله: (كَالْمَرْأَةِ لا تَجِدُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا، إِلا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا) نصّها فِي كتاب الإكراه من " النوادر ": قال سحنون: فِي كتاب: " الشرح " - المنسوب لابنه - فِي امرأة خافت عَلَى نفسها الموت من الجوع أو العطش، فقال لها رجل أعطي ذلك عَلَى أن أطأك، فإن خافت الموت وَسِعَها ذلك؛ لأن هذا إكراه وليست كالرجل يكره عَلَى الزنا؛ لأنه لا يطأ من خاف عَلَى نفسه الموت، وليس إكراهه فِي ذلك إكراهاً، وأنكر أبو بكر بن اللباد قوله فِي المرأة وقال: يشبه نكاح المتعة. والله تعالى أعلم (4). انتهى.

(1) ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

(2)

ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 4).

(3)

انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 519، ونصه:(والتخويف لذي المرءوة بالصفع في الملإ إكراه).

(4)

انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 10/ 265.

ص: 500

والظنُّ بالعلاّمة أبي عبد الله المقَّري أنه لَمْ يقف عَلَيْهِ فإنه آخر " قواعده " ذكر فتيا أبي موسى [بن](1) الإمام بدرء الحدّ عنها؛ لقولهم: من سرق لجوع لَمْ يقطع، ثم ردّه بأن الجوع يبيح أخذ مال الغير باختلاف فِي لزوم الثمن، فسرقته إن لَمْ تكن جائزة فهي شبهة قوية بخلاف الزنا.

لا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وقَطْعُهُ، وأَنْ يَزْنِيَ.

قوله: (لا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وقَطْعُهُ، وأَنْ يَزْنِيَ) هذه من الأفعال التي تعلّق بها حقٌّ المخلوق، فهي فِي معرض الاستثناء من قوله:(أو فعل)، ومراده هنا [51 / أ] بالزنى: الزنى بمكرهة أو ذات زوج كما دلّ عَلَيْهِ كلام ابن رشد المتقدّم.

وفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلانِ، كَإِجَازَتِهِ كَالطَّلاقِ طَائِعاً، والأَحْسَنُ الْمُضِيُّ.

قوله: (وفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلانِ) هو بحذف مضاف أي: وفِي لزوم يمين طاعة.

ومَحَلُّهُ مَا مُلِكَ قَبْلُهُ وإِنْ تَعْلِيقاً كَقَوْلِهِ لأَجْنَبِيَّةٍ هِي طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا، أَوْ إِنْ دَخَلْتِ، ونَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا، وتَطْلُقُ عُقَيْبَهُ، وعَلَيْهِ النِّصْفُ.

قوله: (كَقَوْلِهِ لأَجْنَبِيَّةٍ هِي طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا) الظرف متعلّق بقوله، كأنه جعل وقوع هذا الكلام عند الخطبة بساطاً يدلّ عَلَى التعليق مع فقد النية، فقوله بعد هذا:(ونوى بعد نكاحها) راجع لقوله: (إن دخلت) فقط وإِلا فمتى نوى بعد نكاحها فلا فرق بين أن يقول عند خطبتها أو دون خطبتها، واعلم أن ابن عرفة لما استنبط التعليق بالسياق من مسألة استرجاعها الواقعة فِي ستور " المدونة " (2) قال: وكثيراً ما يقع شبهة فيمن يقال له: تتزوّج فلانة؟ فيقول: هي عَلَيَّ حرام، أو يسمع حين الخطبة عن المخطوبة أو عن بعض قرابتها ما يكره فيقول ذلك، فكان بعض المفتين يحمله عَلَى التعليق، فيلزمه التحريم محتجّاً بمسألة " المدونة "، وفِيهِ نظر؛ إذ لا يلزم من دلالة السياق عَلَى التعليق فِي الطلاق كونه

(1) ما بين المعكوفتين زيادة: من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

(2)

نص المدونة الذي استدل به ابن عرفة: (وإن قال لأجنبية: أنت طالق غداً، فتزوجها قبل غد فلا شيء عليه، إلا أن ينوي إن تزوجتك، فتطلق مكانها) انظر: تهذيب المدونة، لأبي سعيد البراذعي: 1/ 354.

ص: 501

كذلك فِي التحريم؛ لأن الطلاق لا يعلّقه (1) عاميّ ولا غيره فِي غير الزوجة (2)، [فكونه](3) كذلك مع السياق ناهض فِي الدلالة عَلَى التعليق، والتحريم يعلقه العوامّ فِي غير الزوجة؛ ولذا يحرمون الطعام وغيره.

وأرى أن يستفهم القائل: هل أراد به معنى تحريمه طعاماً أو ثوباً، وأنّه صيّرها كأخته أو خالته؟ أو معنى أنّها طالق؟ فإن أراد الأول لَمْ يلزمه شيء، وإن أراد الأخير لزمه التحريم، وكذا إن لَمْ ينو شيئاً، إذ لا تباح الفروج بالشكّ.

إِلا بَعْدَ ثَلاثٍ عَلَى الأَصْوَبِ وإِنْ دَخَلَ، فَالْمُسَمَّى فَقَطْ كَوَطْءٍ بَعْدَ حِنْثِهِ ولَمْ يَعْلَمْ كَأَنْ أَبْقَى كَثِيراً بِذِكْرِ جِنْسٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ زَمَانٍ يَبْلُغُهُ عُمْرُهُ ظَاهِراً، لا فِي مَنْ تَحْتَهُ إِلا إِذَا تَزَوَّجَهَا.

قوله: (إِلا بَعْدَ ثَلاثٍ عَلَى الأَصْوَبِ) ذكر هذا الفرع فِي هذا المحل من " التوضيح " فقال: لو أتى فِي لفظه بما يقتضى التكرار فقال قبل النكاح: كلما تزوجت فلانة فهي طالق. فظاهر كلام ابن المَوَّاز أنه يلزمه نصف الصداق ولو بعد الثلاث تطليقات، وقال التونسي وعبد الحميد وغيرهما: الصواب أن لا شيء عَلَيْهِ بعد الثلاث. انتهى (4).

والذي لأبي إسحاق فِي شرح " المَوَّازية ": إِذَا عيّن قبيلة تكرر عَلَيْهِ كلما تزوج منها ويلزمه نصف الصداق كلما عقد النكاح فِي واحدة منهن إِلا أن يتكرر نكاحه فِي واحدة ثلاث مرات فيتزوجها رابعة قبل أن تتزوج زوجاً فلا يلزمه لها صداق؛ لأنه نكاح باطل وهي مطلقة ثلاثاً تزوّجت (5) قبل زوج فلا صداق لها قبل البناء. انتهى.

قال صاحب " المناهج ": هذا إِذَا لَمْ يعثر عَلَيْهِ إِلا بعد الوقوع. انتهى، وقال ابن محرزعن ابن المَوَّاز أنه يلزمه نصف الصداق كلّما تزوجها، ولعله يريد فِي الموضع الذي ثبت

(1) في (ن 3): (يعلق).

(2)

في (ن 3): (زوجة).

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 2).

(4)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 164.

(5)

في (ن 3): (تزوجته).

ص: 502

ما لَمْ يستكمل الثلاث أو بعد استكمالها، وبعد زوج؛ لأن العقد لا يثبت بعد الثلاث، وإِذَا لَمْ يثبت العقد لَمْ يجب الصداق.

ولَهُ نِكَاحُهَا.

قوله: (ولَهُ نِكَاحُهَا) أشار به لقول ابن راشد القفصي: و [في](1) المذهب أنه يباح له زواجها وتطلّق عَلَيْهِ، والقياس أن لا يباح له زواجها للقاعدة المقررة وهي: أن ما لا يترتب عَلَيْهِ مقصوده لا يشرع، والمقصود بالنكاح الوطء وهو غير حاصل بهذا العقد، وإليه ذهب بعض الفقهاء قال: وهو بمنزلة ما لو قالت له المرأة: أتزوجك عَلَى أني طالق عقب العقد، فإنه لا يجوز ولا تستحقّ عَلَيْهِ صداقاً إن تزوجته ولا فرق بين أن يكون الشرط منه أو منها.

قلنا هنا فائدة وهي: أنه يتزوجها عقب طلاقه إن شاءت إِلا أن يعلق ذلك بلفظ يقتضي التكرار مثل: كلما فلا يباح له زواجها. انتهى. وقبله فِي " التوضيح "(2).

ونِكَاحُ الإِمَاءِ فِي كُلِّ حُرَّةٍ.

قوله: (فِي كُلِّ حُرَّةٍ) راجع للمسألة الثانية فقط.

ولَزِمَ بِهِ فِي (3) الْمَصْرِيَّةِ فِي مَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ، والطَّارِئَةِ إِنْ تَخَلَّقَتْ [38 / ب] بِخُلُقِهِنَّ وفِي مِصْرِ يَلْزَمُ فِي عَمَلِهَا، إِنْ نَوَى، وإِلا فَلِمَحَلِّ لُزُومِ الْجُمُعَةِ، ولَهُ الْمُوَاعَدَةُ بِهَا، لا إِنْ عَمَّ النِّسَاءَ، أَوْ أَبْقَى قَلِيلاً كَكُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، إِلا تَفْوِيضاً أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَتَّى أَنْظُرَهَا فَعَمِيَ، أَوِ الأَبْكَارِ بَعْدَ كُلِّ ثَيِّبٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ خَشِيَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْعَنَتَ، وتَعَذَّرَ التَّسَرِّي أَوْ آخِرُ امْرَأَةٍ، وصُوِّبَ وُقُوفُهُ عَنِ الأُولَى حَتَّى يِنْكِحَ ثَانِيَةً، ثُمَّ كَذَلِكَ، وهُوَ فِي الْمَوْقُوفَةِ كَالْمُولِي واخْتَارَهُ إِلا الأُولَى.

قوله: (وَلَزِمَ بِهِ [فِي] (4) الْمَصْرِيَّةِ فِي مَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ) ليس صورته أن يقول: لا

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

(2)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 166

(3)

في الأصل والمطبوعة: (ولزم في).

(4)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

ص: 503

أتزوج مصرية كما قيل؛ ولكن صورته أن يقول كل مصرية أتزوجها [فهي](1) طالق.

وإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا نُجِّزَ طَلاقُهَا، وتَؤوَّلَتْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلاقُ إِذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَهَا.

قوله: (وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا نُجِّزَ طَلاقُهَا، وتَؤوَّلَتْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلاقُ إِذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَهَا) هذان عند المصنف عَلَى ما بيّنه فِي " التوضيح " تَأْوِيلانِ على " المدونة ": الأول ظاهر " الجواهر "(2)، والثاني فهم اللخمي (3)، ولَمْ يعرج هنا عَلَى الشاذ، وهو قول سحنون بالإيقاف، وما نسب " للجواهر " زعم أنه ظاهر " المدونة " يعني:" تهذيب " البراذعي وفيما قال المصنف نظر، والذي فهم اللخمي وابن محرز عَلَيْهِ عوّل ابن عبد السلام وغيره.

وما أحسن تحصيل ابن عرفة إذ قال: وفِيهَا: إن قال إن لَمْ أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق لزمه الطلاق فيما يتزوّج من غيرها. [51 / ب]

اللخمي عن سحنون: لا يحنث فيما يتزوج من غير الفسطاط ويوقف عنها كمن قال: إن لَمْ أتزوّج من الفسطاط فامرأتي طالق، والأول أشبه؛ لأن قصد القائل أن كلّ امرأة يتزوّجها قبل أن يتزوّج من الفسطاط طالق. ابن محرز: أحسب لمحمد مثل ما فِي " المدونة ". ابن بشير: هما عَلَى الخلاف فِي الأخذ بالأقلّ فيكون مولياً أو بالأكثر فيكون مستثنياً، وقول ابن الحاجب: بناءً عَلَى أنه بمعنى من غيرها أو تعليق محقق (4)، يريد أن معناه عَلَى الأول حمليّة، وعَلَى الثاني شرطية، وتقريرهما بما تقدّم من لفظ اللخمي واضح.

(1) ما بين المعكوفتين زيادة: من (ن 3).

(2)

قال ابن شاس: (ولو قال: إن لم أتزوج من موضع كذا، لموضع سماه، فكل امرأة أتزوجها من غير الموضع المسمى طالق.

فهل يكون بمنزلة القائل: كل امرأة أتزوجها من غير الموضع المسمى طالق، أو يكون بمنزلة المولي، فيوقف عن غير من يتزوج من الموضع المسمى حتى يتزوج منه. في ذلك قولان: المشهور أنه بمنزلة المستثنى) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 521.

(3)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 176، 177.

(4)

انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص 294.

ص: 504

واعْتُبِرَ فِي الْوِلايَةِ (1) عَلَيْهِ حَالُ النُّفُوذِ، فَلَوْ فَعَلَتِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ، ولَوْ نَكَحَهَا فَفَعَلَتْهُ حَنِثَ، إِنْ بَقِيَ مِنَ الْعِصْمَةِ الْمُعَلِّقِ فِيهَا شَيْءٌ كَالظِّهَارِ.

قوله: (واعْتُبِرَ فِي الْوِلايَةِ عَلَيْهِ حَالُ النُّفُوذِ) الضمير فِي (عَلَيْهِ) للمحلّ وهو الزوجة، ابن عبد السلام: المراد بالولاية هنا الشيء الذي يلتزمه الزوج فِي زوجة من طلاق أو ظهار، وكذا ما يلتزمه (2) السيّد فِي عبده وأمته واستعمال هذا اللفظ فِي هذا المحلّ (3) قلق. " التوضيح " المراد أن الولاية عَلَى المحلّ الذي يلتزم فِيهِ الطلاق إنما تعتبر وَقت وَقوع المحلوف عَلَيْهِ لا وَقت الحلف، فإن كانت المرأة زوجته وقت وقوع المحلوف عَلَيْهِ لزمه الطلاق وإِلا فلا (4).

لا مَحْلُوفٌ لَهَا فَفِيهَا وغَيْرِهَا، ولَوْ طَلَّقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طُلِّقَتِ الأَجْنَبِيَّةُ، ولا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا وإِنِ ادَّعَى نِيَّةً، لأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وهَلْ لأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ؟ تَأْوِيلانِ.

قوله: (لا مَحْلُوفٌ لَهَا) يريد أو عَلَيْهَا فإنها بخلاف المحلوف بطلاقها المتقدّمة، وهذا مقتضى مسألة زينب وعزة من كتاب: الإيلاء من " المدونة " خلاف ما فِي كتاب الأيمان بالطلاق منها (5).

(1) في الأصل والمطبوعة: (ولايته).

(2)

في (ن 1): (يلزمه).

(3)

في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(المعني).

(4)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 178.

(5)

نص المسألة: (وإن قال: زينب طالق واحدة، أو قال ثلاثا إن وطئت عزة، فطلق زينب واحدة، فإن انقضت عدتها فله وطء عزة، ثم إن تزوج زينب بعد زوج أو قبل زوج، عاد مولياً فى عزة، فإن وطئ عزة بعد ذلك أو وطئها فى عدة زينب من طلاق واحدة، حنث، ووقع على زينب ما ذكر من الطلاق، ولو طلق زينب ثلاثاً ثم نكحها بعد زوج، لم يعد عليه فى عزة إيلاء لزوال طلاق ذلك الملك كمن حلف بعتق عبدٍ له أن لا يطأ امرأته فمات العبد فقد سقط اليمين، ولو طلق عزة ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج وزينب عنده، عاد مولياً ما بقى من طلاق زينب شىء) انظر: تهذيب المدونة، لأبي سعيد البراذعي: 1/ 382.

ص: 505

وفِيمَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا، إِلا لِنِيَّةِ كَوْنِهَا تَحْتَهُ، ولَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ الثَّلاثَ عَلَى الدُّخُولِ فَعَتَقَ ودُخِلَتْ لَزِمَتِ الثَّلاثُ واثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ، ولَوْ عَلَّقَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لأَبِيهِ عَلَى مَوْتِهِ لَمْ يَنْفُذْ، ولَفْظُهُ طَلَّقْتُ، وأَنَا طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوِ الطَّلاقُ لِي لازِمٌ، لا مُنْطَلِقَةٌ. وتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ، إِلا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ كَاعْتَدِّي، وصُدِّقَ فِي نَفْيِهِ، إِنْ دَلَّ الْبِسَاطَ عَلَى الْعَدِّ، أَوْ كَانَتْ مُوَثَّقَةً فَقَالَتْ أَطْلِقْنِي وإِنْ لَمْ تَسْأَلْ فتَأْوِيلانِ.

قوله: (وفِيمَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا) معطوف عَلَى قوله: (ولزم فِي المصرية)، و (مدة) مرفوع عَلَى أنه فاعل لزم، ويجوز نصبه عَلَى الظرفية أي: ولزمت اليمين فِي قوله: (ما عاشت مدة حياتها).

والثَّلاثُ فِي بَتَّةٍ، وحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أَوْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، أَوْ نَوَاهَا بِخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوِ ادْخُلِي.

قوله: (والثَّلاثُ فِي بَتَّةٍ، وحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أَوْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، أَوْ نَوَاهَا بِخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوِ ادْخُلِي) ليست هذه الألفاظ سواء عَلَى المشهور أما البتة فثلاث دخل بها أم لا، وأما (حبلك عَلَى غاربك) فقال فِي كتاب: التخيير والتمليك من " المدونة ": هي ثلاث ولا ينوي؛ لأن هذا لا يقوله أحد، وقد أبقى من الطلاق شيئاً (1). اللخمي: وهذا يقتضي أن لا ينوي قبل ولا بعد. وفِي كتاب محمد ينوي قبل. وأما: واحدة بائنة وادخلى، فقال فِي كتاب التخيير والتمليك من " المدونة ": وإن قال لها بعد البناء: أنت طالق واحدة بائنة فهي ثلاث، أو قال لها الحقي بأهلك، أو استتري أو ادخلي أو اخرجي يريد بذلك كله واحدة بائنة فهي ثلاث (2). فخصّ ذلك بما بعد البناء، ولعلّ المصنف سكت عن هذا القيد لوضوحه.

وقد بان لك أن الضمير من قوله: (أو نواها) يعود عَلَى واحدة بائنة كما فِي " المدونة "، واقتصر المصنف عَلَى لفظ:(ادخلي) دون ما معه فِي " المدونة " لأنّه أخفّها فهي أحرى؛ ولذلك الحق بها: خلّيت سبيلك إِذَا نوى به (3) واحدة بائنة وإن لَمْ ينو به ذلك فسيقول فِيهِ:

(1) انظر: المدونة، لابن القاسم: 5/ 395،

(2)

انظر: المدونة، لابن القاسم: 5/ 398.

(3)

في (ن 2)، و (ن 3):(بها).

ص: 506

وثلاث إِلا أن ينوي أقلّ مطلقاً فِي: خلّيت سبيلك هذا أمثل ما يحمل عَلَيْهِ كلامه. والله تعالى أعلم.

والثَّلاثُ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي كَالْمَيْتَةِ والدَّمِ، ووَهَبْتُكِ ورَدَدْتُكِ لأَهْلِكِ، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِي حَرَامٌ. أَوْ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنَةٌ، أَوْ أَنَا وحَلَفَ عِنْدَ إِرَادَتِهِ النِّكَاحِ، ودُيِّنَ فِي نَفْيِهِ إِنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ وثَلاثٌ فِي لا عِصْمَةَ لِي عَلَيْكِ، أَوِ اشْتَرَتْهَا مِنْهُ إِلا لِفِدَاءٍ.

قوله: (والثَّلاثُ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي كَالْمَيْتَةِ والدَّمِ، ووَهَبْتُكِ ورَدَدْتُكِ لأَهْلِكِ، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِي حَرَامٌ. أَوْ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنَةٌ، أَوْ أَنَا).

الشرط راجع للاستثناء، فأما: أنت عَلَيَّ كالميتة والدم ولحم الخنزير. فقال فِي كتاب: " التخيير والتمليك " هي ثلاث وإن لَمْ ينو بها الطلاق (1)، قال أبو الحسن الصغير: ولو كان قبل البناء وقال أردت واحدة لنُوِّى، وأما وَهبتك ورددتك لأهلك وخليّة وبرية وبائن، قال: مني، أو لَمْ يقل: فصرّح فِيهَا فِي الكتاب المذكور بمثل ما هنا (2).

قال اللخمي: هو المشهور من قول مالك وأصحابه، وأما أنت حرام فكذلك، قال عَلَيَّ أو لَمْ يقله، قاله اللخمي بخلاف ما يأتي، وأما: ما أنقلب إليه من أهل حرام فلم أقف عَلَيْهِ عَلَى هذا الوجه الذي ذكره المصنف، ولكن قال اللخمي: إن قال ما أنقلب إليه من أهلي حرام أو قال ما أنقلب إليه حرام، ولَمْ يذكر الأهل فهو طلاق، فإن قال: حاشيت الزوجة. لَمْ يصدّق؛ إِذَا سمى الأهل، ويصدق إِذَا لَمْ يسم الأهل، واختلف إِذَا قال: ما أنقلب إليه حرام إن كنت لي بامرأة أو إن لَمْ أضربك؟ فقال ابن القاسم: لا يحنث فِي زوجته؛ لأنه أخرجها من اليمين حين أوقع يمينه عَلَيْهَا علمنا أنه لَمْ يردها بالتحريم، وإنما أراد غيرها قال: وكذلك إِذَا قال للعبد إذا لم أبعك اليوم فرقيقي أحرار فإنه يحنث فِي رقيقه ولا يحنث فِيهِ. وقال أصبغ: يحنث فِي الزوجة وفِي العبد. انتهى.

(1) انظر: المدونة، لابن القاسم: 5/ 395، ونصها:(إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَالدَّمِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ولَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هِيَ الْبَتَّةُ وإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ).

(2)

السابق: 5/ 396.

ص: 507

ومنه اختصر ابن شاس (1) ولَمْ يتنازل لما تنازل له المصنف، وحكى فِي " التوضيح " عن ابن العربي أنه قال: يلزمه [52 / أ] إِذَا قال: ما أنقلب إليه حرام ما يلزمه فِي قوله: الحلال (2) عَلَيَّ حرام وهو الطلاق إِلا أن يحاشيها. قال: ومثله للخمي إن لَمْ يقل: من أهلي (3).

وثَلاثٌ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقاً فِي خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ.

قوله: (وثَلاثٌ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقاً فِي خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ) تقدّم أنه لا يناقض ما قبله إذ لَمْ يتواردا عَلَى محلٍّ واحدٍ.

ووَاحِدَةٌ فِي فَارَقْتُكِ ونُوِّيَ فِيهِ وفِي عَدَدِهِ فِي، اذْهَبِي، وانْصَرِفِي، أَوْ لَمْ أَتَزَوَّجْكِ، أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: لا، وأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مُعْتَقَةٌ، أَوِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ، أَوْ لَسْتِ لِي [38 / ب] بِامْرَأَةٍ، إِلا أَنْ يُعَلِّقَ فِي الأَخِيرِ، وإِنْ قَالَ لا نِكَاحَ بَيْنِي وبَيْنَكِ، أَوْ لا مِلْكَ لِي عَلَيْكِ، أَوْ لا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ عِتَاباً، وإِلا فَبَتَاتٌ.

قوله: (ووَاحِدَةٌ فِي فَارَقْتُكِ) بعد ما حكى اللخمي ما فِيهَا من الخلاف قال: والقول أنها واحدة دخل أو لَمْ يدخل أحسن؛ لأنّ الفراق والطلاق وَاحد، ومن فارق فقد طلّق ومن طلّق فقد فارق، قال الله عز وجل {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] وقال {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] ولَمْ يأمرنا بالثلاث. انتهى، ونبذه شيخ شيوخنا الفقيه المحقق أبو القاسم التازغدري فقال: ليس هذا أمر بالطلاق، وإنما هو تخيير فِي ترك الارتجاع، والذي فِي " المدونة ": قال ابن وَهب عن مالك: وقوله: (قد خليت سبيلك) كقوله: قد فارقتك (4). أبو الحسن الصغير: وفارقتك واحدة.

(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 510.

(2)

في الأصل: (الحال).

(3)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 207.

(4)

انظر المدونة، لابن القاسم: 5/ 402.

ص: 508

وَهَلْ تَحْرُمُ. بِوَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ حَرَامٌ، أَوْ عَلَى وَجْهِكِ أَوْ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ.

قوله: (وهَلْ تَحْرُمُ بِوَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ [حَرَامٌ] (1)؟ أَوْ عَلَى وَجْهِكِ، أَوْ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ) هذه ثلاثة ألفاظ حكى فِيهَا قولين:

الأول: وجهي من وجهك حرام. الثاني: وَجهي عَلَى وَجهك حرام. الثالث: ما أعيش فِيهِ حرام.

[أمّا الأول فقال فِي سماع عيسى من كتاب التخيير: من قال لامرأته: وَجهي من وَجهك حرام](2). لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره. ابن رشد: اتفاقاً؛ لأنه كقوله: أنت عَلَيَّ حرام (3) هي بعد البناء ثلاث، (4) لا ينوَّا فِي أقلّ منها، إِلا أن يأتي مستفتياً (5).

ابن عرفة: قوله: هذا نصّ فِي أنه ينوّا بعد البناء إن كان مستفتياً كنقل ابن سحنون خلاف ظاهر " المدونة " وغيرها، وقول ابن رشد: اتفاقاً. قصور؛ لقول اللخمي: وقال محمد بن عبد الحكم: لا شيء عَلَيْهِ، وذهب فِي ذلك إلى ما اعتاده بعض الناس فِي قولهم عيني من عينك حرام، ووجهي من وجهك حرام، يريدون بذلك البغض والمباعدة. انتهى.

وقد كان اللائق بالمصنف أن يجزم بما حكى عَلَيْهِ ابن رشد الاتفاق؛ فإن ذلك أدل دليل عَلَى شذوذ مقابله.

وأما الثاني: فقال اللخمي: إن قال وجهي عَلَى وجهك حرام. كان طلاقاً، وقبله ابن راشد القفصي وابن عبد السلام، وزعم المصنف فِي " التوضيح "(6) أن اللخمي نصّ فِيهِ عَلَى عدم اللزوم بعد أن أشار لقول ابن راشد القفصي باللزوم، فادعى الخلاف فِيهِ،

(1) ما بين المعكوفتين زيادة من: (ن 1)، و (ن 2).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

(3)

في (ن 3): (حرام ثلاثة).

(4)

زاد في: (ن 3): (لا ينوي فيها: أي).

(5)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 5/ 269، وهو في سماع عيسى، من رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده.

(6)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 205، 206.

ص: 509

وجرى عَلَى ذلك هنا، وذلك كله وَهم. فقف عَلَى نصوص ما ذكرنا يتضح لك ما قررنا، فكان الواجب عَلَيْهِ أن يقطع هنا باللزوم.

وأما الثالث: فالقَوْلانِ فِيهِ معروفان. قال اللخمي: قال محمد فيمن قال: ما أعيش فِيهِ حرام: لا شيء عَلَيْهِ، يريد أن الزوجة ليست من العيش، فلم تدخل فِي ذلك بمجرد اللفظ إِلا أن ينويها فيلزمه. قال عبد الحقّ: وأعرف فيها قولاً آخر، أن زوجته تحرم عَلَيْهِ، وأظنّه فِي " السليمانية ". انتهى. وما ظنّك بظنّ عبد الحقّ لِلَّهِ (1).

أَوْ لا شَيْءَ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَهَا يَا حَرَامُ، أَوِ الْحَلالُ حَرَامٌ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ ولَمْ يُرِدْ إِدْخَالَهَا قَوْلانِ.

قوله: (أَوْ لا شَيْءَ [عَلَيْهِ] (2). كَقَوْلِهِ لَهَا يَا حَرَامُ، أَوِ الْحَلالُ حَرَامٌ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ ولَمْ يُرِدْ إِدْخَالَهَا قَوْلانِ) أما الأول فيريد إِذَا كان فِي بلد لا يريدون به الطلاق (3)، وهو قوله (4) أنت حرام وسحت، وكقوله ذلك لماله، ذكره ابن يونس.

وأما الأوسطان: فقال اللخمي: ولو قال: الحلال حرام ولَمْ يقل عَلَيَّ أو قال عَلَيَّ حرام ولَمْ يقل أنت لَمْ يكن عَلَيْهِ فِي ذلك شيء، ولَمْ يحك ابن عرفة خلافه.

وأما الرابع فقال المَتِّيْطِي: كُتب من أشبيلية إلى القيروان فِي رجلٍ قال: جميع ما أملك عَلَيَّ حرام هل يكون كقوله: الحلال عَلَيَّ حرام، وتدخل الزوجة فِي التحريم إِلا أن يحاشيها أو لا تدخل؟، فقد اختلف فِيهَا عندنا ولَمْ توجد رواية فقال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: قوله: جميع ما أملك عَلَيَّ حرام لا تدخل فِيهِ الزوجة إِلا أن يدخلها بنية أو قول، وقد قال ابن القاسم فِي الذي قال: الأملاك عَلَيَّ حرام: أن الزوجة لا تدخل فِي ذلك، وقال ابن المَوَّاز: إن نوى عموم الأشياء دخلت الزوجة فِيهَا كالقائل: الحلال عَلَيَّ حرام.

(1) هذا اختصار من المؤلف لبعض كلام ابن شاس، انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 510.

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل، و (ن 4).

(3)

في (ن 3): (طلاقاً).

(4)

في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(كقوله).

ص: 510

وقال الشيخ أبو عمران: الزوجات لسن ملكاً للأزواج، وإنما الأملاك الأموال، والإماء من الأملاك.

وأما قوله: الحلال عَلَيَّ حرام، فلو قال فِي ذلك من جميع ما أملك لَمْ يكن عَلَيْهِ شيء، [52 / ب] وإِذَا قال الحلال عَلَيَّ حرام. سرى التحريم إلى الزوجات إِذَا لَمْ يعزلهن بنية، وأما الذي لفظ بتحريم ما يملك فلم يدخل فِي يمينه الزوجات اللاتي لا يملكهن، فاستغنى عن أن يستثنيهن ثانية. انتهى.

فقصد المصنف أن ينبهك عَلَى هذا الفرق إذ قال فِي الأيمان والنذور: (إِلا أن يعزل فِي يمينه أولاً كالزوجة فِي الحلال عَلَيَّ حرام وهي المحاشاة).

وإِنْ قَالَ ساَئِبَةٌ مِنِّي، أَوْ عَتِيقَةٌ، أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَكِ حَلالٌ ولا حَرَامٌ. حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، فَإِنْ نَكَلَ نُوِّيَ فِي عَدَدِهِ وعُوقِبَ، ولا يُنَوَّى فِي الْعَدَدِ إِنْ أَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلاقِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ، أَوْ بَرِيَّةٌ، أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ جَوَاباً لِقَوْلِهَا: أَوَدُّ لَوْ فَرَّجَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ صُحْبَتِكَ. وإِنْ قَصَدَهُ، بِكَاسْقِنِي الْمَاءَ، أَوْ بِكُلِّ كَلامٍ لَزِمَ، لا إِنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلاقِ فَلَفَظَ بِهَذَا غَلَطاً، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَجِّزَ الثَّلاثَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وسَكَتْ. وسُفِّهَ قَائِلٌ يَا أُمِّي، ويَا أُخْتِي.

قوله: (وإِنْ قَالَ ساَئِبَةٌ مِنِّي، أَوْ عَتِيقَةٌ، أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَكِ حَلالٌ ولا حَرَامٌ. حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، فَإِنْ نَكَلَ نُوِّيَ فِي عَدَدِهِ وعُوقِبَ) هذا قريب من قوله قبل: (ونوى فِيهِ وفِي عدده فِي اذهبي

إلى آخره)، إِلا أنه صرّح فِي " المدونة " في هذا باليمين والعقوبة ولَمْ يصرّح بهما فِي الأول، فحكى المصنف فِي كلّ [واحدة](1) عَلَى ما وَجده مع أنه استدل فِي " التوضيح " لليمين فِي الأول باليمين فِي هذا (2).

ووقع لابن القاسم فِي أول رسم من طلاق السنة تأديب من قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا (3). وهذا يدلّ عَلَى استواء المحلّين أو تقاربهما؛ ولذلك ذكر المصنف معتقة فِي

(1) ما بين المعكوفتين زيادة: من (ن 2)، و (ن 3).

(2)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 199، 200.

(3)

نصّ المسألة، كما في سماع ابن القاسم، من كتاب قطع الشجر:(وقال مالك في رجل دخل عليه رجل، وعنده امرأته فقال: ما هذه المرأة؟ قال: مولاة لي، هل لك أن أزوجكها؟ قال: نعم فخرج، فكان يهزل. قال مالك: لا أرى عيه طلاقاً إلا أن ينوي ذلك. قال ابن القاسم: أرى أن يحلف ما أراد بذلك طلاقاً، ثم لا شيء عليه، ويؤدب).

ص: 511

الأول تبعاً " للجواهر " إذ عدّه من الكنايات المحتملة، وعتيقة فِي الثاني كما فِي " المدونة "، ومعنى ليس بيني وبينك حلال ولا حرام ليس بيني وبينك شيء. قاله أبو الحسن الصغير.

ولَزِمَتْ بِالإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وبِمُجَرَّدِ إِرْسَالِهِ بِهِ مَعَ رَسُولٍ، أَوْ بِالْكِتَابِ عَازِماً، أَوْ لا إِنْ وَصَلَ إِلَيْهَا، وفِي لُزُومِهِ بِكَلامِهِ [النَّفْسِيِّ](1) خِلافٌ.

قوله: (وفِي لُزُومِهِ بِكَلامِهِ النَّفْسِيِّ خِلافٌ) عدل عن التعبير (2) بالنية إلى التعبير (3) بالكلام النفسي لما حرره القرافي فِي الفرق الثاني من قواعده إذ قال: اختلف العلماء فِي الطلاق بالقلب من غير نطق واختلفت عبارات الفقهاء فيه (4)، فمنهم من يقول فِي الطلاق بالنية: قَوْلانِ، وهم الجمهور، ومنهم من يقول: من اعتقد الطلاق بقلبه ولَمْ يلفظ به بلسانه ففيه قَوْلانِ، وهذه عبارة ابن الجلاب (5) والعبارتان غير مفصحتين عن المسألة، فإن من نوى طلاق امرأته وعزم عَلَيْهِ وصمم ثم بدا له لا يلزمه طلاق إجماعاً.

فقولهم فِي الطلاق بالنية قَوْلانِ متروك، الظاهر إجماعاً، وكذلك من اعتقد أن امرأته مطلقة، وجزم بذلك ثم تبيّن له خلاف ذلك لَمْ يلزمه طلاق إجماعاً؛ وإنما العبارة الحسنة ما أتى به صاحب " الجواهر "(6)، وذكر أن ذلك معناه الكلام النفساني، ومعناه إِذَا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولَمْ يتلفّظ به بلسانه فهو موضع الخلاف، وكذلك أشار إليه القاضي أبو الوليد ابن رشد وقال: إنهما إن اجتمعا - أعني النفساني واللساني - لزم الطلاق، فإن انفرد أحدهما عن صاحبه فقَوْلانِ، فصارت النية لفظاً مشتركاً فِيهِ بين معان مختلفة فِي

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من أصل المختصر.

(2)

في (ن 3): (التغيير).

(3)

في (ن 3): (التغيير).

(4)

في (ن 3): (في ذلك).

(5)

في الأصل، و (ن 2)،:(الحاجب)، وعبارة ابن الحاجب:(إذا أوقع الطلاق بقلبه خاصة جازماً فروايتان) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: 297، وانظر: عبارة ابن الجلاب التي نقلها المؤلف في التفريع: 2/ 12.

(6)

عبارة ابن شاس: (فأما لو عقد الطلاق بقلبه جزماً من غير تردد، أي: طلق بالنطق النفسي الذي هو كلام النفس، من غير أن يقترن به قول ولا فعل، لكان في وقوع الطلاق عليه بمجرد ذلك روايتان) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 2/ 514.

ص: 512

اصطلاح أرباب المذهب يطلق عَلَى القصد والكلام النفساني، فيقولون: صريح الطلاق لا يحتاج إلى النية إجماعاً (1)، وفِي احتياجه إلى النية قَوْلانِ، وهو تناقض ظاهر؛ لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ فِي موضوعه، فإن ذلك إنما يحتاج إليه فِي الكناية دون الصريح، ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة التصريح (2) احترازاً من النائم ومن سبقه لسانه، ويريدون بالثالث الكلام النفساني، وقد بسطت هذه المباحث فِي كتاب:" الأمنية فِي إدراك النية " إِذَا تقرر أن الطلاق ينشأ بالكلام النفساني، فقد صارت هذه المسألة من مسائل الإنشاء بكلام النفس.

وكذلك اليمين أَيْضاً وَقع الخلاف فِيهَا، هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وَحده، أو لابد من اللفظ؟، وبهذا التقرير يظهر فساد قياس من قاس لزوم الطلاق بكلام النفس عَلَى الكفر والإيمان، فإنهما يكفي فيهما كلام النفس، وقع (3) ذلك فِي " الجلاب " وغيره (4)، ووجه الفساد أن هذا إنشاء والكفر لا يقع بالإنشاء إنما يقع بالإخبار والاعتقاد، وكذلك الإيمان والاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام، وهما بابان مختلفان فلا يقاس أحدهما عَلَى الآخر، ومن وَجهٍ آخر وهو أن الصحيح فِي الإيمان أنه لا يكفي فِيهِ مجرد الاعتقاد، بل لابد من النطق باللسان مع الإمكان عَلَى مشهور مذاهب العلماء كما حكاه القاضي عياض فِي " الشفاء " وغيره، فينعكس هذا القياس عَلَى قائسه عَلَى هذا التقدير ويقال: وجب أن يفتقر إلى اللفظ قياساً عَلَى الإيمان بالله تعالى إن سُلّم له أن البابين واحد، فكيف وهما مختلفان، والقياس إنما يجري فِي المتماثلات. انتهى (5).

(1) زاد في: (ن 2)، (ن 4):(وهو يحتاج إلى النية إجماعاً).

(2)

في الأصل، (ن 1)، و (ن 2):(الصريح).

(3)

في (ن 1): (ووقع).

(4)

قال في التفريع: (من اعتقد الطلاق بقلبه، ولم يلفظ به لسانه ففيه عن مالك روايتان، إحداهما: أنه يلزمه الطلاق باعتقاده كما يكون كافراً أو مؤمناً باعتقاده. والرواية الأخرى: أنه لا يكون مطلّقاً إلا بلفظه) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 2/ 12.

(5)

انظر: الفروق، للقرافي: 1/ 77.

ص: 513

وقال الإمام أبو القاسم بن الشاط السبتي فِي كتاب " أنوار الشروق عَلَى أنوار البروق ": قول الشهاب فِي هذا صحيح ظاهر، وقال فِي [53 / أ] " الذخيرة ": المراد بالنية فِي العبادات القصد وليس مراداً هنا، بل المراد [الكلام النفساني وهو غير العزوم والإرادات والعلوم والاعتقادات بل معناه يقول فِي نفسه: أنت طالق كما يقول بلسانه (1).

وقال فِي فصل الإكراه منها: النية فِي المذهب لها معنيان:

أحدهما] (2) الكلام النفساني وهو المراد بقولهم فِي الطلاق بالنية قَوْلانِ، وبقولهم: إن الصريح لابد فِيهِ من النية عَلَى الأصحّ مع أن الصريح (3) مستغنٍ عن النية التي هي القصد بالإجماع.

وثانيهما: القصد الذي هو الإرادة وهو قسمان:

أحدهما: القصد لإنشاء الصيغة، والنطق بها، وما أعلم فِي اشتراطه خلافاً، ولذلك من أراد أن ينطق بكلام فنطق بالطلاق؛ لأن لسانه التفّ لا يلزمه، وكذلك النائم والساهي.

وثانيهما: القصد لإزالة العصمة باللفظ وليس شرطاً فِي الصريح اتفاقاً، وكذلك ما اشتهر من الكنايات، فإذا تحرر هذا فالمكره (4) لَمْ يختل منه القصد للصيغة بل قصدها وقصد اقتطاعها عن (5) معناها عَلَى قول اللخمي، وأما عَلَى ظاهر الروايات كما فِي " الجواهر " فلا حاجة لذلك، وتجديد قصد آخر لا يوجب اختلالاً (6) فِي القصد الأول، فعدّ صاحب " الجواهر " له فيمن اختل قصده مشكل، وكذلك العجمي لَمْ يختل فِي حقّه القصد للصيغة بل قصدها لكنه لَمْ يقصدها لمعنى الطلاق لجهله بالوضع، لكن الصريح لا يفتقر

(1) انظر: الذخيرة، للقرافي: 1/ 240

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1).

(3)

في (ن 3): (التصريح).

(4)

في (ن 3): (فالمكروه).

(5)

في (ن 1)، و (ن 2):(على).

(6)

في (ن 2): (اختلافاً).

ص: 514

إِلا لقصد الصيغة، وإن غفل عن معناها فذكره (1) أَيْضاً فيمن اختل قصده مشكل، بل الذي يتجه فِيهِ أن يقال: أسقط الشرع طلاقه قياساً عَلَى المكره بجامع عدم الداعية لإزالة العصمة، والداعية غير القصد لأنها سببه (2).

سؤال:

انعقد الإجماع عَلَى عدم اشتراط القصد فِي الصريح، واللخمي وصاحب " المقدمات " يقَوْلانِ: الصحيح من المذهب اشتراط النية فكيف الجمع بينهما؟

جوابه:

أن المشترط (3) النية التي هي الكلام النفساني فلابد من أن يطلّق (4) بقلبه كما يطلّق بلسانه، وهو يسمى نية كما تقدّم، وبهذا يجمع بين النقلين. انتهى.

وقال تلميذه ابن راشد القفصي: ومما يدل عَلَى أن نية الطلاق لا توجب طلاقاً: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] المعنى: إِذَا أردتم إيقاع الطلاق فأوقعوه فِي حال تستقبل فِيهِ المرأة عدتها، ولو كان الطلاق يقع بالنية للزمه (5) طلقة بإرادة الطلاق، وأخرى بإصدار اللفظ.

وإِنْ كَرَّرَ الطَّلاقَ بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ، فَثَلاثٌ إِنْ دَخَلَ كَمَعَ طَلْقَتَيْنِ مُطْلَقاً، وبِلا عَطْفٍ ثَلاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا، إِنْ نَسَقَهُ، إِلا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ فِيهِمَا فِي غَيْرِ مُعَلَّقٍ بِمُتَعَدِّدٍ، ولَوْ طَلَّقَ فَقِيلَ مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إِخْبَارَهُ، فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ قَوْلانِ و [فِي](6) نِصْفِ طَلْقَةٍ، أَوْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفِ وثُلُثِ طَلْقَةٍ، أَوْ وَاحِدَةٍ فِي وَاحِدَةٍ.

قوله: (وإِنْ كَرَّرَ الطَّلاقَ بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ، فَثَلاثٌ إِنْ دَخَلَ) تبع فِي هذا الشرط

(1) في (ن 3): (فذكر).

(2)

في (ن 2): (سببها) وانظر: الذخيرة، للقرافي: 4/ 58.

(3)

في الأصل: (الشرط).

(4)

في (ن 1): (ينطق).

(5)

في الأصل، و (ن 2)، و (ن 3):(لألزمه).

(6)

ما بين المعكوفتين زيادة من: أصل المختصر.

ص: 515

ابن شاس وابن الحاجب (1) مع أنه مرّضه فِي " التوضيح " تبعاً لابن عبد السلام، وقال ابن عرفة: من أنصف علم أن لفظ " المدونة " في لزوم الثلاث فِي: ثمّ والواو ظاهرٌ، ونص فِي من بنى أو لَمْ يبن، وهو مقتضى مشهور المذهب فيمن اتبع الخلع طلاقاً، ووجه فِي " التوضيح " ما قاله ابن شاس وابن الحاجب فِي: ثمّ، والفاء بأن غير المدخول بها تبين بالواحدة، والعطف بهما يقتضي التراخي، وقد يعترض عَلَى ذلك بأن المهلة المستفادة منهما إنما هي فِي غير الإنشاء كقوله فِي الإخبار: طلقت فلانة ثم طلقتها (2) يخبر بذلك عن أمر قد وَقع، وأما إِذَا كان الكلام إنشاءً فلا؛ لاستلزام الإنشاء الحال (3). انتهى، وأصله لابن عبد السلام إِلا أنه قال: هذا مقصور عَلَى (ثم) دون (الفاء) و (الواو) وهو التحقيق.

أَوْ مَتَى مَا فَعَلْتُ، وكُرِّرَ، أَوْ طَالِقٌ أَبَداً طَلْقَةٌ واثْنَتَانِ فِي رُبُعِ طَلْقَةٍ ونِصْفِ طَلْقَةٍ، ووَاحِدَةٍ فِي اثْنَتَيْنِ، والطَّلاقَ كُلَّهُ، إِلا نِصْفَهُ، وأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ تَزَوَّجْتُكِ، ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَهِيَ طَالِقٌ، وثَلاثٌ فِي إِلا نِصْفَ طَلْقَةٍ.

قوله: (أَوْ مَتَى مَا فَعَلْتُ، وكُرِّرَ) أي: إِذَا قال لها: أنت طالق متى فعلت كذا وكرر الفعل المحلوف عَلَيْهِ فلا يلزمه إِلا طلقة، فهو كقوله فِي باب الأيمان (أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ بِجَمْعٍ أَوْ بِكُلَّمَا أَوْ مَهْمَا لَا مَتَى مَا) يريد إِلا أن يُنوَّي بها معنى كلّما كما فِي " المدونة ".

تنبيه:

قرن المصنف (متى) فِي باب الأيمان بما، كما فِي " المدونة "، وجرّدها (4) منها هنا كما عند ابن رشد. قال ابن عرفة: ويستشكل قوله فِي " المدونة " إلا أن ينوي (بمتى ما)

(1) قال ابن الحاجب: (وبالفاء وثم ثلاث في المدخول بها، ولا يُنوَّي، وواحدة في غيرها قال مالك وفي النسق بالواو إشكال) انظر: جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص: 297، وقد وقع فيه بدل:(وفي النسق بالواو إشكال)(وفي الوارد إشكال)، وقد وقع هذا في نسختين من مطبوعتي جامع الأمهات الأولى طبعة اليمامة ص 297، والثانية الطبعة الأولى للمكتبة العلمية، ص 171، وأصلحنا النص من مخطوطة التوضيح التي عزونا لها، ومخطوطتنا لجامع الأمهات لوحة رقم 228، وهي نقل ابن شاس عن مالك انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 529.

(2)

في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(قد).

(3)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 220، 221.

(4)

في (ن 1): (فردها).

ص: 516

معنى (كلّما) بأن نية التكرار توجب التكرار بكلّ لفظ فلا وَجه لتخصيصه بمتى ما، ولذا لَمْ يعتبر ابن رشد اقترانها (1) بما، ويجاب: بأن (متى ما) قريبة من (كلّما)، فمجرّد إرادة كونها بمعناها يثبت التكرار بها دون يريد تعارض لفظ " المدونة "، ونقل القاضي وغيره من الأصوليين وابن بشير أنها مثل كلّما، فإذا تقرر هذا فإن ضبط قول المصنف [53 / ب] أو متى فعلتُ بضم التاء كان كرّر مبنياً للفاعل، وإن ضبط بكسر التاء كان كرر مبنياً للمفعول وإِلا قيل: وكررت بتاء التأنيث (2). فاعلمه.

أَوِ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ، أَوْ كُلَّمَا حِضْتِ.

قوله: (أَوِ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ) ابن عرفة: هذا إن كان عالماً بالحساب وإِلا فهو ما نوى.

أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا، أَوْ إِذَا مَا طَلَّقْتُكِ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاقِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وطَلَّقَهَا وَاحِدَةً.

قوله: (أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا، أَوْ إِذَا مَا طَلَّقْتُكِ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاقِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) حاصل ما فِي " النوادر " أنه إِذَا قال: كلّما أو متى ما، أو إِذَا ما وَقع عليك طلاقي فأنت طالق لزمه بطلاقها واحدة ثلاث، ولو قال: طلّقتك. بدل: وَقع عليك طلاقي. فرجع سحنون إلى كونه كذلك، وكان يقول: إنما يلزمه اثنتان، وبه قال بعض أصحابه. انتهى.

ومبنى الخلاف: هل فاعل السبب فاعل المسبب أم لا؟ قال ابن عرفة: ظاهره أن (إِذَا ما)، و (متى ما)، مثل (كلّما) دون إرادة كونهما مثلها خلاف نصّ " المدونة "، ونصّ رواية ابن حبيب فِي باب تكرير الطلاق، وفِي لفظ ابن شاس أن مهما ومتى ما مثل أن فِي عدم التكرار. انتهى (3)، واتبع المصنف هنا ما فِي " النوادر " وهو خلاف ما تقدّم فِي قوله أو

(1) في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(اقترانهما).

(2)

انظر: نقول المؤلف في: تهذيب المدونة، للبراذعي: 2/ 354، والمدونة، لابن القاسم: 6/ 17، وجامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:236.

(3)

انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 537.

ص: 517

متى فعلت، وكرر وخلاف قوله فِي باب: الأيمان لا متي ما، وكأنه استشعر هذا فِي " التوضيح " إذ قال: وألحقّ سحنون بكلّما فيما ذكرناه إذا (1) ما ومتى ما (2).

وإِنْ شَرَّكَ طَلَقْنَ ثَلاثاً [ثَلاثاً](3) وإِنْ قَالَ أَنْتِ شَرِيكَةُ مُطَلَّقَةٍ ثَلاثاً ولِثَالِثَةٍ، وأَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ، والطَّرَفَانِ ثَلاثاً، أَوْ إِنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلاثاً وطَلْقَةٌ فِي أَرْبَعٍ قَالَ لَهُنَّ بَيْنَكُنَّ [طَلْقَةٌ](4)، مَا لَمْ يَزِدِ الْعَدَدُ عَلَى الرَّابِعَةِ. سَحْنُونُ.

قوله: (أَوْ إِنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ (5) ثَلاثاً) قال الأستاذ الطرطوشي: هذه المترجمة بالسريجية؛ لقول ابن سريج الشافعي: قال فقهاء الشافعية: لا يقع عَلَيْهَا الطلاق أبداً (6)، وقالت طائفة منهم يقع [المنجز دون المعلق وقالت طائفة: منهم يقع] (7) مع المنجز تمام الثلاث من المعلّق، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو الذي نختاره وليس لأصحابنا فيه (8) ما يعوّل عَلَيْهِ، وقد ذكر ابن عرفة تمام كلامه فقف عَلَيْهِ.

وأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ.

قوله: (وأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ) أي مجزيء الطلاق.

(1) في الأصل: (إذ).

(2)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 256.

(3)

ما بين المعكوفتين زيادة: من المطبوعة.

(4)

ما بين المعكوفتين زيادة: من المطبوعة.

(5)

في (ن 1): (بعده).

(6)

قال في الإقناع للشافعية: (لو قال لزوجته إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً، فطلقها طلقة أو أكثر وقع المنجز فقط، ولا يقع معه المعلق لزيادته على المملوك، وقيل لا يقع شيء؛ لأنه لو وقع المنجز لوقع المعلق قبله بحكم التعليق، ولو وقع المعلق لم يقع المنجز، وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق، وهذه المسألة تسمى: السريجية منسوبة لابن سريج) انظر الإقناع، للشربيني: 2/ 447. وانظر: إيراد العدوي لها في حاشيته على الخرشي: 7/ 522.

(7)

ما بين المعكوفتين زيادة: من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

(8)

في (ن 1)، و (ن 2):(فيها).

ص: 518

كَمُطَلِّقِ جُزْءٍ، وإِنْ كَيَدٍ، ولَزِمَ بِشَعْرُكِ طَالِقٌ، أَوْ كَلامُكِ عَلَى الأَحْسَنِ، لا بِسُعَالٍ وبُصَاقٍ ودَمْعٍ وصَحَّ اسْتِثْنَاءٌ بِإِلا، إِنِ اتَّصَلَ ولَمْ يَسْتَغْرِقْ، فَفِي ثَلاثٍ، إِلا ثَلاثاً، إِلا وَاحِدَةً، أَوْ ثَلاثاً، أَوِ الْبَتَّةَ، إِلا اثْنَتَيْنِ، إِلا وَاحِدَةً اثْنَتَانِ ووَاحِدَةٌ واثْنَتَيْنِ، إِلا اثْنَتَيْنِ [39 / أ]، إِنْ كَانَ مِنَ الْجَمِيعِ فَوَاحِدَةٌ، وإِلا فَثَلاثٌ، وفِي إِلْغَاءِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلاثِ واعْتِبَارِهِ قَوْلانِ، ونُجِّزَ إِنْ عُلِّقَ بِمَاضٍ مُمْتَنِعٍ عَقْلاً أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعاً، أَوْ جَائِزٍ كَلَوْ جِئْتَ قَضَيْتُكَ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ، ويُشْبِهُ بُلُوغُهُمَا عَادَةً كَبَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ يَوْمَ مَوْتِي، أَوْ إِنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ.

قوله: (كَمُطَلِّقِ جُزْءٍ) أي: من المرأة، فهو تنظير لا تمثيل.

أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَراً، أَوْ لِهَزْلِهِ كَطَلاقٍ أَمْسِ، أَوْ بِمَا لا صَبْرَ عَنْهُ كَإِنْ قُمْتِ، أَوْ غَالِبٍ كَإِنْ حِضْتِ أَوْ مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ كَإِنْ صَلَّيْتِ، أَوْ بِمَا لا يُعْلَمُ حَالاً كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلامٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، أَوْ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ قَلْبَانِ، أَوْ فُلانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ إِنْ كُنْتِ حَامِلاً، أَوْ لَمْ تَكُونِي، وحُمِلَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ، واخْتَارَ مَعَ الْعَزْلِ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إِطْلاعُنَا عَلَيْهِ كَإِنْ شَاءَ اللهُ أَوِ الْمَلائِكَةُ، أَوِ الْجِنُّ، أَوْ صَرَفَ الْمَشِيئَةَ إِلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ، بِخِلافِ إِلا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ أَوْ كَإِنْ لَمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ غَداً [فَأَنْتِ طَالِقٌ](1) إِلا أَنْ يَعُمَّ الزَّمَنَ.

قوله: (أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَراً، أَوْ لِهَزْلِهِ) الصواب إسقاط (أو) حتى يكون كقول ابن الحاجب حنث لهزله (2)، وقد سلّم فِي " التوضيح " أن تعليله (3) بالهزل ظاهر، وينبغي أن يوقف عَلَيَّ ما لابن عبد السلام وابن عرفة مما هو خلاف هذا تعليلاً وحكماً (4).

أَوْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ فَيُنْظَرُ (5). وهَلْ يُنْتَظَرُ فِي الْبِرِّ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ أَوْ يُنَجَّزُ كَالْحِنْثِ؟ تَأْوِيلانِ، أَوْ بِمُحَرَّمٍ. كَإِنْ لَمْ أَزِنْ إِلا أَنْ يُتَحَقَّقُ قَبْلَ التَّنْجِيزِ.

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من المطبوعة.

(2)

انظر جامع الأمهات، لابن الحاجب، ص:301.

(3)

في (ن 1): (تعليقه)، وانظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 268، ونصه:(وعلل المصنف الحنث بهزله وهو ظاهر).

(4)

تبعه في تصويبه الحطاب والخرشي في شرحيهما للمسألة، انظر: مواهب الجليل: 4/ 70، شرح الخرشي: 4/ 490.

(5)

في أصل المختصر والمطبوعة: (فينتظر).

ص: 519

قوله: (أَوْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ فَيُنْظَرُ (1)) كذا فِي " التوضيح "(2) تبعاً لقول عياض فِي (التنبيهات): لو حلف لعادة جرت له وعلامات عرفها واعتادها ليس من جهة التخرّص (3) وتأثير النجوم عند من زعمها لَمْ يحنث حتى يكون ما حلف عَلَيْهِ؛ لقوله عليه السلام: " إِذَا أنشأت بحرية ثم تشاءمت تلك عين غديقة "(4) ونقله عن بعض الشيوخ، والذي فِي رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب: الأيمان بالطلاق: ومن قال لامرأته أنت طالقٌ إن لَمْ تمطر السماء غداً أو إلى رأس الشهر

وما أشبه ذلك عجل عَلَيْهِ الطلاق ولا ينتظر به استخبار ذلك وإن وجد ذلك حقاً قبل أن تطلق عَلَيْهِ لَمْ تطلق عَلَيْهِ.

قال ابن رشد: ينقسم ذلك إلى وجهين:

أحدهما: أن يرمي بذلك مرمى الغيب، ويحلف عَلَى أن ذلك لابد أن يكون، أو أنه لا يكون قطعاً من جهة الكهانة أو التنجيم أو تقحماً عَلَى الشكّ دون سبب من تجربة أو توسم شيء ظنه، فِي هذا الاختلاف أنه يعجل عَلَيْهِ الطلاق ساعة حلف، ولا ينتظر به، فإن غفل عن ذلك ولَمْ يطلق عَلَيْهِ حتى جاء الأمر عَلَى ما حلف عَلَيْهِ فقال المغيرة وعيسى: يطلق عَلَيْهِ، وقال ابن القاسم: هنا لا يطلّق عَلَيْهِ.

والثاني: أن لا يرمي بذلك مرمى الغيب، وإنما حلف عَلَيْهِ لأنه غلب عَلَى ظنه عن تجربة أو شيء توسمه، فهذا يعجّل عَلَيْهِ الطلاق، ولا يستأنى به لينظر هل يكون ذلك أم لا، فإن لَمْ يطلق عَلَيْهِ حتى جاء الأمر عَلَى ما حلف عَلَيْهِ لَمْ يطلق عَلَيْهِ، وهو قول عيسى ودليل قول ابن القاسم فِي سماع أبي زيد. (5) انتهى.

والذي فِي " المقدمات ": من حلف عَلَى ما لا طريق له إلى معرفته عُجّل عَلَيْهِ

(1) في (ن 1)، و (ن 3):(في نتظر).

(2)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 260.

(3)

في الأصل، (ن 3):(التخريص).

(4)

الموطأ برقم (452)، كتاب الاستسقاء، باب الاستمطار بالنجوم.

(5)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 6/ 150، 151.

ص: 520

الطلاق (1) ولا يستأنى به. واختلف إن غفل عنه حتى جاء الأمر عَلَى ما حلف عَلَيْهِ فيتخرّج ذلك عَلَى ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يطلق عَلَيْهِ. والثاني: أنه لا يطلّق عَلَيْهِ. والثالث: أنه إن كان حلف عَلَى غالب ظنه لأمرٍ توسمه مما لا يجوز له فِي الشرع لَمْ تطلّق عَلَيْهِ، وإن حلف عَلَى ما ظهر له بكهانةٍ أو تنجيم أو عَلَى الشكّ أو عَلَى تعمّد الكذب طلّق عَلَيْهِ (2). انتهى فما ذكر ابن رشد فيمن غفل عنه جعله [54 / أ] المصنف ابتداءً وَفاقاً لعياض. والله سبحانه أعلم.

أَوْ بِمَا لا يُعْلَمُ حَالاً ومَآلاً، ودُيِّنَ إِنْ أَمْكَنَ حَالاً، وادَّعَاهُ، فَلَوْ حَلَفَ اثْنَانِ عَلَى النَّقِيضِ كَإِنْ كَانَ هَذَا غُرَاباً، ولَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِيناً طُلِّقَتْ، ولا يَحْنَثُ إِنْ عَلَّقَهُ بِمُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ كَإِنْ لَمَسْتُ السَّمَاءَ، أَوْ إِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ، أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَةُ الْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهِ، أَوْ لا يُشْبِهُ الْبُلُوغُ إِلَيْهِ، أَوْ طَلَّقْتُكِ وأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ إِذَا مِتُّ، أَوْ مَتَى إِلا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَهُ، أَوْ إِنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً، أَوْ إِذَا حَمَلْتِ، إِلا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً، وإِنْ قَبْلَ يَمِينِهِ كَإِنْ حَمَلْتِ ووَضَعْتِ، أَوْ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ غَالِبٍ، وانْتُظِرَ إِنْ أَثْبَتَ كَيَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ وتَبَيَّنَ الْوُقُوعُ أَوَّلَهُ إِنْ قَدِمَ فِي نِصْفِهِ وإِلا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ مِثْلُ إِنْ شَاءَ، بِخِلافِ إِلا أَنْ يَبْدُوَ لِي كَالنَّذْرِ، والْعِتْقِ. وإِنْ نَفَى ولَمْ يُؤَجِّلْ كَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ مُنِعَ مِنْهَا.

قوله: (أَوْ بِمَا لا يُعْلَمُ حَالاً ومَآلاً) ككونه من أهل الجنة أو النار، ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريجه عَلَى الخلاف فِي مشيئة الملائكة أو الجن

إِلا إِنْ لَمْ أُحْبِلْهَا، أَوْ إِنْ لَمْ أَطَأْهَا، وهَلْ يُمْنَعُ مُطْلَقاً؟ أَوْ إِلا فِي كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، ولَيْسَ وَقْتَ سَفَرٍ؟ تَأْوِيلانِ، إِلا إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ مُطْلَقاً أَوْ إِلَى أَجَلٍ، أَوْ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ بِرَأْسِ الشَّهْرِ الْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ الْبَتَّةَ، أَوِ الآنَ فَيُنْجِزُ.

قوله: (إلا (3) إِنْ لَمْ أُحْبِلْهَا، أَوْ إِنْ لَمْ أَطَأْهَا) كذا فِي بعض النسخ بإلا الاستثنائية، وفِي بعضها بلا النافية، وكلاهما يؤدي المعنى، إِلا أن الأول أشبه بنص " المقدمات "، وهو أبعد من القلق فِي عبارة المصنف، يظهر بالتأمل.

(1) في (ن 1)، و (ن 2):(بالطلاق).

(2)

انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد: 1/ 309.

(3)

في (ن 3): (لا).

ص: 521

ويَقَعُ ولَوْ مَضَى زَمَانُهُ.

قوله: (ويَقَعُ ولَوْ مَضَى زَمَانُهُ) يعني فيما إِذَا قال: إن لَمْ أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق الآن البتة.

كَطَالِقٌ الْيَوْمَ، إِنْ كَلَّمْتِ فُلاناً غَداً. وَإِنْ قَالَ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ الآنَ الْبَتَّةَ، فَإِنْ عَجَّلَهَا أَجْزَأَتْ، وإِلا قِيلَ لَهُ إِمَّا عَجَّلْتَهَا وإِلا بَانَتْ وإِنْ حَلَفَ عَلَى [39 / ب] فِعْلِ غَيْرِهِ، فَفِي الْبِرِّ كَنَفْسِهِ، وهَلْ كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ؟ أَوْ لا يُضْرَبُ لَهُ أَجْلُ الإِيلاءِ ويُتَلَوَّمُ لَهُ؟ قَوْلانِ.

قوله: (كَطَالِقٌ الْيَوْمَ، إِنْ كَلَّمْتِ فُلاناً غَداً) هذا قياس يستظهر به عَلَى مخالفة ابن عبد السلام فِي التي قبلها؛ وذلك أن ابن عبد السلام قال فِيهَا: لا يلزم الحالف شيء بوجهٍ؛ لأنه إِذَا حلف عَلَى إيقاع البتة رأس الشهر بوقوع البتة الآن فله طلب تحصيل المحلوف عَلَيْهِ، وهو إيقاع البتة عند رأس الشهر، فإذا جاء رأس الشهر فله ترك ذلك الطلب واختيار الحنث كما لكلِّ حالف، فإذا اختاره لَمْ يكن (1) وقوع الحنث عَلَيْهِ؛ لانعدام زمان البتة المحلوف بها؛ لأنه إنما استلزمها (2) فِي زمان الحال الذي عاد ماضياً عند رأس الشهر.

قال فِي " التوضيح ": وما قاله من عدم وَقوع الطلاق الماضي زمانه يأتي عَلَى ما قاله ابن عبد الحكم فيمن قال لزوجته: أنت طالق اليوم إن كلّمت فلاناً غداً، أنه إن كلّمه غداً فلا شيء عَلَيْهِ؛ لأن الغد مضى وهي زوجة، وقد انقضى وقت وقوع الطلاق، ومثله لابن القاسم فِي " المَوَّازية " فيمن قال لامرأة (3): إن تزوجتك فأنت طالق غداً، فتزوجها بعد غد فلا شيء عَلَيْهِ، وإن تزوجها قبل غد طُلّقت عَلَيْهِ، لكن قال أبو محمد: قول ابن عبد الحكم خلاف أصل مالك والطلاق يلزمه إِذَا كلّمه غداً، وليس لتعلّق الطلاق بالأيام (4) وَجه.

(1) في (ن 2): (يمكن).

(2)

في (ن 1): (التزمتها)، وفي (ن 2)، و (ن 3):(التزمها).

(3)

في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(لامرأته).

(4)

في (ن 2): (بالإمام)، وفي (ن 3):(بألا يلزم).

ص: 522

وفِي " العتبية ": فأنت طالق اليوم إن دخل فلان الحمام غداً: لَمْ تكن طالقاً إِلا أن يدخل فلان الحمام غداً، وله وَطؤها (1)، نقل ذلك كله عياض فِي باب الظهار، وعَلَى هذا تلزمه البتة، ولو مضى زمنها، وأَيْضاً فالمسألة المذكورة بإثر هذه مما يرد ما قال ابن عبد السلام؛ لأنه لو كان ما قاله صحيحاً للزم فيما إِذَا قيل: إن لَمْ أطلقك واحدة بعد شهر فأنت طالق الآن البتة ألا يلزمه شيء، لما ذكر، ولكان لا يحسن الخلاف فِي تعجيل الواحدة فانظره (2). انتهى.

قلت: ما ذكره عياض عن " العتبية " هو فِي رسم لَمْ يدرك من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ونصّه: " وسئل عن رجلٍ قال لامرأته: أنت طالق اليوم إن دخل فلان غداً الحمام قال: لا تطلّق عَلَيْهِ حتى يدخل. قال ويمسها، ولَمْ يحملها ابن رشد: عَلَى ظاهرها كما عند أبي محمد وأبي الفضل عياض، بل قال هذا كلام فِيهِ تجوز، وقد وقع مثله فِي كتاب الظهار من " المدونة " في باب: الظهار إلى أجل، فليس عَلَى ظاهره؛ لأن فِيهِ تقديماً وتأخيراً ومعناه عَلَى الحقيقة دون تقديم وتأخير: وسئل عن رجلٍ قال اليوم لامرأته: أنت طالق إن دخل فلان غداً الحمام، فهذا صواب الكلام، وعَلَيْهِ (3) أتي الجواب: بأنه لا تطلّق عَلَيْهِ حتى يدخل " وقوله: (ويمسّها) يريد: فيما بينه وبين غد وهو صحيح؛ لأنها (4) يمين بالطلاق وهو فِيهَا عَلَى برٍ فلا اختلاف أن له أن يطأ إلى الأجل (5). انتهى.

وقد حرر الإمام ابن عرفة المسألة غاية التحرير، فإنه لما ذكر المسألة السريجية المتقدمة الذكر وما يلتحق بها قال: إنها تتوقف عَلَى أصل وهو: جعل أمر مستقبل سبباً فِي طلاق مقيّد بزمن ماضٍ عنه هل يلزم اعتباراً بوقت التعليق أو لا يلزم، اعتباراً بوقت حصول

(1) انظر البيان والتحصيل، لابن رشد: 6/ 168.

(2)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 252، 253.

(3)

في الأصل: (وعلى).

(4)

في (ن 2): (لأنه).

(5)

في الأصل، و (ن 2):(أجل)

وانظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 6/ 168.

ص: 523

السبب، ثم ذكر سماع عيسى المذكور وقبول أبي محمد له، وتأويل ابن رشد ثم قال: ولابن محرز عن ابن القاسم: فيمن (1) قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق أمس دخولك. لزمه. ابن عبد الحكم إن قال: أنت طالق اليوم إن كلّمت فلاناً غدا، فكلّمه فلا شيء عَلَيْهِ.

أبو محمد: هذا خلاف أصل مالك، بل يلزمه الطلاق؛ لأنه لا يتعلّق بزمن، ابن عرفة: ففي المعلّق مقيداً بزمان قبل زمان سببه طريقان الإلغاء لابن رشد مع نصّ ابن عبد الحكم، والاعتبار لابن محرز مع أبي محمد، ونصّ ابن القاسم. قال: فإن قيل: قد وقع لمحمد عن ابن القاسم فيمن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق غداً. إن تزوجها غداً لزمه، وبعده لا شيء عَلَيْهِ، وهذا خلاف متقدم نقل ابن محرز [54 / ب] عنه.

قلنا: يفرق بأن (2) زمن إنشاء التعليق فيما نقله ابن محرز قابل للطلاق لو نجز، وفيما نقله عنه محمد غير قابل، ومقتضى طريقة أبي محمد وهي (3) أسعد بالروايات صحة ما فهمه الطرطوشي عن المذهب فِي السريجية، وتبعه ابن العربي وابن شاس (4). انتهى. فإن سلّم أن مسألة ابن عبد السلام (5) من هذا القبيل فهو قد سلك الطريقة الأولى والمصنف مال إلى الثانية، فإن أراد بقوله: كطالق اليوم. الاستظهار بالقياس عَلَى هذا الفرع كما قدمنا فعلى ما ذكر أبو محمد أنه أصل مالك، وإن أراد مطلق التنظير فهو عَلَى ما اختاره فِي ذلك. والله تعالى أعلم.

وإِنْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْتُ، صُدِّقَ بِيَمِينٍ، بِخِلافِ إِقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيُنَجَّزَ، ولا تُمَكِّنْهُ زَوْجَتُهُ، إَنْ سَمِعَتْ إِقْرَارَهُ وبَانَتْ، ولا تَتَزَيَّنُ إِلا كُرْهاً، ولْتَفْتَدِ مِنْهُ، وفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا قَوْلانِ، وأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي، أَوْ تَبْغَضِينِي، وهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِلا أَنْ تُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثُ فَيُنَجَّزُ؟ تَأْوِيلانِ. وفِيهَا مَا يَدُلُّ لَهُمَا.

(1) في (ن 1)، و (ن 2):(من).

(2)

في (ن 1): (بين).

(3)

في (ن 1): (وهو).

(4)

انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 520.

(5)

في (ن 3): (عبد الحكم).

ص: 524

قوله: (إِلا كُرْهاً) ينطبق عَلَى التمكين والتزين، ومعناه: إِلا مكرهة فكأنه تخصيص لقوله فِي " المدونة ": ولا يأتيها إِلا وهي كارهة (1)؛ إذ المكرهة أخصّ من الكارهة.

وبِالأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا. ولا يُؤْمَرُ إِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لا، إِلا أَنْ يَسْتَنِدَ وهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ دَاخِلاً شَكَّ فِي كَوْنِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وهَلْ يُجْبَرُ؟ تَأْوِيلانِ. وإِنْ شَكَّ أَهِنْدٌ هِيَ أَمْ غَيْرُهَا؟ أَوْ قَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ. طَلُقَتَا، وإِنْ قَالَ: أَوْ أَنْتِ، خُيِّرَ، ولا أَنْتِ، طَلُقَتِ الأُولَى.

قوله: (وَبِالأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا) معطوف عَلَى (بِالْفِرَاقِ)(2) بحذف مضاف أي: وأمر بالفراق [في كذا وبإنفاذ الأيمان المشكوك فِيهَا يشير به لقوله فِي كتاب: الأيمان بالطلاق](3) من " المدونة ": ومن لَمْ يدر بما حلف بطلاق أو بعتاق أو بمشي أو صدقة، فليطلّق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدّق بثلث ماله ويمشي إلى مكة، يؤمر بذلك كله من غير قضاء (4).

إِلا أَنْ يُرِيدَ الإِضْرَابَ، وإِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً؟ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلا بَعْدَ زَوْجٍ.

قوله: (إِلا أَنْ يُرِيدَ الإِضْرَابَ (5)) أي: بلا ويحتمل بلا وبأو، فيرجع للفرعين، عَلَى أن اللخمي إنما ذكرالإضراب (6) فِي لا.

وصدق، إن ذكر فِي العدة.

قوله: (وصدق، إن ذكر فِي العدة) ليس العدة بشرطٍ فِي التصديق بل فِي الرجعة، وقد زاد فِي " المدونة ": وإن ذكر ذلك بعد العدة كان خاطباً ويصدّق فِي ذلك (7).

(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 2/ 370، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 6/ 46.

(2)

في (ن 3): (الفراق).

(3)

ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 3).

(4)

انظر: تهذيب المدونة، للبراذعي: 2/ 252، 253.

(5)

في الأصل: (الاضطراب).

(6)

في الأصل: (الاضطراب).

(7)

انظر: تهذيب المدونة، البراذعي: 2/ 352.

ص: 525

ثُمَّ إِنْ تَزَوَّجَهَا وطَلَّقَهَا فَكَذَلِكَ، إِلا أَنْ يَبُتَّ.

قوله: (ثُمَّ إِنْ تَزَوَّجَهَا وطَلَّقَهَا فَكَذَلِكَ) قيّده فِي " التوضيح " بأن يطلقها واحدة واحدة أو اثنتين اثنتين قال: ولا يحصل الدوران مع الاختلاف وإن كان ظاهر كلام جماعة حصوله، وبيان ذلك [أنه](1) إِذَا طلّقها فِي الثاني طلقتين وفِي الثالث طلقة وفِي الرابع طلقة، فإن فرض المشكوك فِيهِ ثلاثاً فهذه الأخيرة أول عصمة مستأنفة، وإن فرض اثنتين فهذه الأخيرة مستأنفة ثانية، وكذلك إن فرض واحدة فاعلمه. انتهى (2).

يعني: أن ما زاد عَلَى النصاب يلغى، ويصير الأمر فِيهِ كمن طلّق زوجه أربعاً، والضابط هو ما يأتي لابن عرفة. قال اللخمي وإن شكّ هل طلّق واحدة أو ثلاثاً أمر أن لا يرتجع الآن ولا يقربها حتى تنكح زوجاً غيره، فإن تزوّجها بعد زوج ثم طلّقها كان له أن يرتجعها (3) قولاً وَاحداً، فإن كان طلاقه الأول ثلاثاً فقد أحلّها الزوج الآخر وبقيت عنده الآن عَلَى تطليقتين، وإن كان طلاقه الأول واحدة كانت هذه طلقة ثانية وبقيت عنده عَلَى واحدة، فإن طلّقها طلقةً أخرى لَمْ تحل له حتى تنكح زوجاً غيره لإمكان أن يكون طلاقه الأول واحدة، فتكون هذه ثالثة (4).

وإن شكّ: هل طلّق واحدة أو اثنتين كان له أن يرتجع الآن، فإن ارتجعها ثم طلّق لَمْ يرتجعها ولا (5) يقربها حتى تنكح زوجاً غيره؛ لإمكان أن يكون الأول اثنتين وهذه الثالثة، وإن شكّ هل طلّق اثنتين أو ثلاثاً، ولَمْ يشك فِي واحدة أنه أوقعها لَمْ يقربها إِلا بعد زوج؛ لإمكان أن تكون الأولى ثلاثاً، فإن تزوجها بعد زوجٍ ثمّ طلّقها أمسك عنها أَيْضاً حتى تنكح زوجاً غيره؛ لإمكان أن تكون الأولى اثنتين وهذه الثالثة، فإن تزوّجها أَيْضاً بعد

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

(2)

انظر التوضيح، لخليل بن إسحاق: 6/ 281.

(3)

في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(يرتجع).

(4)

في (ن 1)، و (ن 3):(ثلاثة).

(5)

في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(لم).

ص: 526

زوج ثم طلّقها كان له أن يرتجع فإن، كان الأول ثلاثاً (1) فقد بقي له فِيهَا واحدة، وإن كان الأول اثنتين فقد بقي له فيه (2) اثنتان (3).

قال ابن عرفة: صور الشكّ فِي العدد أربع: مسألة الكتاب، والشكّ فِي واحدة أو اثنتين، والشكّ فِي واحدة أو ثلاث، والشكّ فِي اثنتين أو ثلاث، وضابط ما تحرم عَلَيْهِ فِيهِ قبل زوج إن طلّقها بعد أن تزوجها بعد زوج طلاقاً دون البتات كلما لَمْ ينقسم (4) مجموع طلاقه بعد زوج مع عدد طلاق كلّ شك بانفراد (5) عَلَى ثلاث لَمْ تحرم، وإن انقسم (6) ولو فِي صورة واحدة حرمت. قال الطرطوشي: إن شكّ فِي عدد طلاقه لزمه أكثره، ولو تيقن واحدة وشكّ فِي الثانية لَمْ يلزمه إِلا واحدة.

قال ابن عرفة: لأن الأول شكّ فِي عدد ما وَقع، والثاني شكّ فِي الوقوع.

وإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ، فَحَلَفَ [الآخَرُ](7) لا دَخَلْتُ حُنِّثَ الأَوَّلُ.

قوله: (وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ، فَحَلَفَ الآخَرُ لا دَخَلْتُ حُنِّثَ الأَوَّلُ) أي: أجبر (8) عَلَى الحنث، فضبطه بضم الحاء وكسر النون المشددة مبنياً للمجهول أدلّ عَلَى المعنى، ومما يناسب هذا الفرع من وَجه ما قاله فِي كتاب الهبات من " المدونة ": ومن لزمه دين لرجل أو ضمان عارية [55 / أ] يغاب (9) عَلَيْهَا، فحلف بالطلاق ثلاثاً ليؤدين ذلك، وحلف الطالب بالطلاق ثلاثاً أن قبله، فأما الدين فيجبر الطالب عَلَى قبضه،

(1) في (ن 3): (ثالثاً).

(2)

في (ن 1)، و (ن 2):(فيها).

(3)

في (ن 3): (اثنان).

(4)

في (ن 3): (ينفسخ).

(5)

في (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3):(بانفراده).

(6)

في (ن 3): (انفسخ).

(7)

ما بين المعكوفتين ساقط من أصل المختصر.

(8)

في (ن 3): (جبر).

(9)

في (ن 1): (يغلب).

ص: 527

ويحنث ولا يجبر فِي أخذ قيمة العارية، ويحنث (1) المستعير إن أراد ليأخذنّه منّي، فإن أراد لأغرمنّه له قَبِله أو لَمْ يقبله لَمْ يحنث وَاحد منهما.

والفرق أن الدين لزم ذمته، والعارية إنما ضمنها لغيبة أمرها، فإنما يقضي بالقيمة لمن طلبها، فِي ظاهر الحكم وله تركها، وقد تسقط أن لو قامت بينة بهلاكها (2).

ولأبي إسحاق التونسي النظّار فِي هذه أبحاث حسان يوقف عَلَيْهَا فِي محلها.

وإِنْ قَالَ إِنْ كَلَّمْتِ (3)، إِنْ دَخَلْتِ لَمْ تَطْلُقْ إِلا بِهِمَا، وإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَرَامٍ، وآخَرُ بِبَتَّةٍ، أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا، أَوْ بِكَلامِهِ فِي السُّوقِ والْمَسْجِدِ، أَوْ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْماً بِمِصْرَ ويَوْماً بِمَكَّةَ. لُفِّقَتْ كَشَاهِدٍ بِوَاحِدَةٍ، وآخَرَ بِأَزْيَدَ، وحَلَفَ عَلَى الزَّائِدِ، وإِلا سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ، لا بِفِعْلَيْنِ أَوْ فِعْلٍ وقَوْلٍ كَوَاحِدٍ بِتَعْلِيقِهِ بِالدُّخُولِ، وآخَرَ بِالدُّخُولِ، وإِنْ شَهِدَا بِطَلاقِ وَاحِدَةٍ ونَسِيَاهَا لَمْ تُقْبَلْ وحَلَفَ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً.

قوله: (وإِنْ قَالَ إِنْ كَلَّمْتِ، إِنْ دَخَلْتِ لَمْ تَطْلُقْ إِلا بِهِمَا) هذا تعليق التعليق. قال ابن عرفة: وتعليق التعليق تعليق عَلَى مجموع الأمرين، كإن دخلت هذه الدار فأنت طالق إن كانت لزيد، لا يحنث إِلا بدخولها، وكونها لزيد ولو عَلَى التحنيث بالأقل، وهنا أشبع ابن عرفة الكلام فِي الحلف عَلَى التعليق مثل قوله: والله إن فعلت كذا [لا](4) كنت لي بامرأة فقف عَلَيْهِ.

وإِنْ شَهِدَ ثَلاثَةٌ بِيَمِينٍ ونَكَلَ، فَالثَّلاثُ.

قوله: (وَإِنْ شَهِدَ ثَلاثَةٌ بِيَمِينٍ ونَكَلَ، [فَالثَّلاثُ] (5)) هذا تأويل القابسي مسألة ربيعة الواقعة آخر كتاب الأيمان بالطلاق من " المدونة "، ففيها: قال ربيعة: ومن شهد عَلَيْهِ ثلاثة نفر كلّ وَاحد بطلقة ليس معه صاحبه فأمر أن يحلف فأبى فليفرق بينهما، وتعتدّ من

(1) في (ن 1): (يحلف).

(2)

انظر: المدونة، للبراذعي: 4/ 366.

(3)

في أصل المختصر: (كلمت زيداً).

(4)

في (ن 3): (إلا).

(5)

في (ن 3): (فالثلاثة).

ص: 528

يوم نكل (1). وقضى عَلَيْهِ عياض. قال القابسي: معناه أن كلّ وَاحد شهد [عَلَيْهِ](2) بيمين حنث فِيهَا؛ فلذلك إِذَا نكل طلّق عَلَيْهِ بالثلاث، فظاهر هذا أنه يحلف لتكذيب كل واحد قال: وأما لو كان فِي غير يمين لزمته طلقة يريد لاجتماعهم عَلَيْهَا ويحلف مع الآخر، فإن نكل لزمته اثنتان فعلى هذا يكون وَفاقاً للمذهب عَلَى أحد القولين لمالك فِي التطليق عَلَيْهِ بالنكول، وذهب غيره إلى أن قول ربيعة خلاف؛ لأن ظاهره أنه إن حلف لَمْ يلزمه شيء، ومالك يلزمه واحدة لاجتماع اثنين عَلَيْهَا، وهو قول مطرف وعبد الملك وأصبغ.

(1) النص أعلاه لتهذيب المدونة، للبراذعي: 2/ 368، وانظر: المدونة، لابن القاسم: 6/ 43.

(2)

ما بين المعكوفتين زيادة: من (ن 1)، و (ن 2)، و (ن 3).

ص: 529