المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب تسوية الصف] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ]

- ‌[بَابُ الْمَوْقِفِ]

- ‌[بَابُ الْإِمَامَةِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْمَأْمُومِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ]

- ‌[بَابُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَرَّتَيْنِ]

- ‌[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[بَابُ الْوَتْرِ]

- ‌[بَابُ الْقُنُوتِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[بَابُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ وُجُوبِهَا]

- ‌[بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ]

- ‌[بَابُ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْعَتِيرَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌[بَابٌ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَثَوَابِ الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَذِكْرِهِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ]

- ‌[بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ]

- ‌[الْمَشْيُ بِالْجَنَازَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا]

- ‌[بَابُ دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

الفصل: ‌[باب تسوية الصف]

ذَكَرَهُ السَّخَاوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْمَنَاقِبِ الْحِسَانِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَفْهَمَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ تَنْقِيصُهُمْ وَلَا نِسْبَتُهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ رَأْيَهُمْ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِهِ ; لِأَنَّهُمْ بُرَآءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ أَوَّلًا يَأْخُذُ بِمَا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِالسُّنَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِقَوْلِ الصَّحَابَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا أَخَذَ بِمَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلًا لَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، بَلْ يَجْتَهِدُ كَمَا اجْتَهَدُوا.

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْهُ: إِذَا جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَإِذَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتَرْنَا، وَإِذَا جَاءَ عَنِ التَّابِعِينَ زَاحَمْنَاهُمْ، وَعَنْهُ أَيْضًا: وَاعَجَبًا لِلنَّاسِ، يَقُولُونَ: أُفْتِي بِالرَّأْيِ، مَا أُفْتِي إِلَّا بِالْأَثَرِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِرَأْيِهِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا مَعَ سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا مَعَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَأَمَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَنَتَخَيَّرُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ أَقْرَبَهُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى السُّنَّةِ وَنَجْتَهِدُ، وَمَا جَاوَزَ ذَلِكَ فَالِاجْتِهَادُ بِالرَّأْيِ لِمَنْ عَرَفَ الِاخْتِلَافَ، وَلِدِقَّةِ قِيَاسَاتِ مَذْهَبِهِ كَانَ الْمُزَنِيُّ يُكْثِرُ النَّظَرَ فِي كَلَامِهِمْ، حَتَّى حَمَلَ ابْنَ أُخْتِهِ الْإِمَامَ الطَّحَاوِيَّ عَلَى أَنِ انْتَقَلَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ نَفْسُهُ اهـ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اعْلَمْ أَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» "، وَقَوْلُهُ:" «إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعَنَّهَا» ". وَالْعُلَمَاءُ خَصُّوهُ بِأُمُورٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا وَمَقِيسَةٍ، فَمِنَ الْأَوَّلِ مَا صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ:"، «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ» " وَكَوْنُهُ لَيْلًا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي مُسْلِمٍ " «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ إِلَّا بِاللَّيْلِ» " وَمِنَ الثَّانِي، حُسْنُ الْمَلَابِسِ، وَمُزَاحَمَةُ الرِّجَالِ ; لِأَنَّ إِخْرَاجَ الطِّيبِ لِتَحْرِيكِ الدَّاعِيَةِ، فَلَمَّا فُقِدَ الْآنَ مِنْهُنَّ هَذَا ; لِأَنَّهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ لِلْخُرُوجِ مَا لَمْ يَكُنَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ مُنِعْنَ مُطْلَقًا، لَا يُقَالُ هَذَا حِينَئِذٍ نَسْخٌ بِالتَّعْلِيلِ ; لِأَنَّا نَقُولُ الْمَنْعُ حِينَئِذٍ ثَبَتَ بِالْعُمُومَاتِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْفِتَنِ، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ بِشَرْطٍ، فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ كَانْتِهَاءِ الْحَاكِمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ.

وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ فِي الصَّحِيحِ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى مَا أَحْدَثَتِ النِّسَاءُ بَعْدَهُ، لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، عَلَى أَنَّ فِيهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِسَنَدِهِ فِي التَّمْهِيدِ، عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ:" «أَيُّهَا النَّاسُ انْهُوا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسَاجِدِ، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمُ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرْنَ فِي الْمَسَاجِدِ» "، وَبِالنَّظَرِ إِلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مُنِعَتْ غَيْرُ الْمُتَزَيِّنَةِ، أَيْضًا لِغَلَبَةِ الْفُسَّاقِ لَيْلًا، وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يُبِيحُهُ ; لِأَنَّ الْفُسَّاقَ فِي زَمَانِنَا كَثُرَ انْتِشَارُهُمْ وَتَعَرُّضُهُمْ بِاللَّيْلِ، بِخِلَافِ الصُّبْحِ فَإِنَّ الْغَالِبَ نَوْمُهُمْ فِي وَقْتِهِ، بَلْ عَمَّمَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْمَنْعَ لِلْعَجَائِزِ وَالشَّوَابِّ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ اهـ. كَلَامُ الْمُحَقِّقِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

ص: 847

[بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ]

ص: 847

[24]

بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1085 -

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ، فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: " عِبَادَ اللَّهِ! لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

[24]

بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ

أَيْ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: الصُّفُوفِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْجِنْسُ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] .

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1085 -

(عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) : أَسْلَمَ صَغِيرًا، وَلِأَبَوَيْهِ صُحْبَةٌ، مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَهُ ثَمَانِ سِنِينَ وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا) أَيْ: بِيَدِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ (حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا) أَيْ: بِالصُّفُوفِ أَوْ بِالتَّسْوِيَةِ (الْقِدَاحَ) : جَمْعُ الْقِدْحِ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ السَّهْمُ قَبْلَ أَنْ يُرَاشَ وَيُرَكَّبَ نَصْلُهُ، وَضُرِبَ الْمَثَلُ لَهُ لِلْمُتَسَاوِيَيْنِ أَبْلَغَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْقِدْحَ لَا يَصْلُحُ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ فِي الِاسْتِوَاءِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ مَعَ الْغُنْيَةِ عَنْهُ بِالْمُفْرَدِ لِمَكَانِ الصُّفُوفِ، أَيْ: يُسَوِّي كُلَّ صَفٍّ عَلَى حِدَةٍ كَمَا يُسَوِّي الصَّانِعُ كُلَّ قِدْحٍ عَلَى حِدَتِهِ، هَذَا كَلَامُ الطِّيبِيِّ، وَابْنِ الْمَلَكِ، وَابْنِ حَجَرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَيِّنٌ لِمَكَانِ إِفْرَادِ الصَّفِّ لَا الصُّفُوفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قِيلَ رُوعِيَ قَوْلُهُ يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ نُكْتَةً ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَأَنَّمَا يُسَوِّيهَا بِالْقِدَاحِ، وَالْبَاءُ لِلْآلَةِ كَمَا فِي: كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ، فَعَكَسَ وَجَعَلَ الصُّفُوفَ هِيَ الَّتِي يُسَوَّى بِهَا الْقِدَاحُ مُبَالَغَةً فِي الِاسْتِوَاءِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى كَوْنِ الْبَاءِ لِلْآلَةِ عَلَى جَعْلِ الضَّمِيرِ إِلَى الصُّفُوفِ كَمَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ ضَمِيرَ (بِهَا) رَاجِعٌ إِلَى التَّسْوِيَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْفِعْلِ، أَوِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الصُّفُوفِ، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ، أَيْ: مُشَبَّهًا بِهَا، وَالْعَكْسُ لِلْمُبَالَغَةِ. (حَتَّى رَأَى) أَيْ: عَلِمَ (أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا) أَيْ: فَهِمْنَا التَّسْوِيَةَ (عَنْهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ لَمْ يَبْرَحْ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى اسْتَوَيْنَا اسْتِوَاءً إِرَادَةً مِنَّا وَتَعَلَّقْنَاهُ مِنْ فِعْلِهِ (ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا) أَيْ إِلَى الْمَسْجِدِ (فَقَامَ) أَيْ: فِي مَقَامِ الْإِمَامَةِ (حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ) أَيْ: قَارَبَ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ (فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا) : بِالْيَاءِ، أَيْ: ظَاهِرًا خَارِجًا (صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ) أَيْ: مِنْ صُدُورِ أَهْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ (فَقَالَ: " عِبَادَ اللَّهِ!) : بِالنَّصْبِ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ لِكَمَالِ قُرْبِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَمْ يَنْهَهُ بِخُصُوصِهِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ الْكَرِيمَةِ مُبَالَغَةً فِي السَّتْرِ، (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ) : قَالَ الْقَاضِي: اللَّامُ هِيَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَمُ، وَلِكَوْنِهِ فِي مَعْرِضِ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَكَّدَهُ بِالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ. (أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) .

قَالَ الْقَاضِي: أَوْ لِلْعَطْفِ رَدَّدَ بَيْنَ تَسْوِيَتِهِمُ الصُّفُوفَ وَمَا هُوَ كَاللَّازِمِ، وَهُوَ اخْتِلَافُ الْوُجُوهِ لِنَقِيضِهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْخَارِجُ صَدْرُهُ عَنِ الصَّفِّ تَفَرَّقَ عَلَى الدَّاخِلِ، وَذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى وُقُوعِ الضَّغِينَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِيقَاعُ الْمُخَالَفَةِ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَهَارَةِ وَالْمُعَادَاةِ، يَعْنِي: فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُهُمْ، وَاخْتِلَافُ الْقُلُوبِ يُفْضِي إِلَى اخْتِلَافِ الْوُجُودِ بِإِعْرَاضِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: بَيَّنَ وُجُوهَ قُلُوبِكُمْ بِأَنْ يَرْفَعَ التَّأَلُّفَ وَالتَّحَابَّ.

قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي: أَدَبُ الظَّاهِرِ عَلَامَةُ أَدَبِ الْبَاطِنِ، فَإِنْ لَمْ تُطِيعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الظَّاهِرِ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلِ، فَيُورِثُ كُدُورَةً، فَيَسْرِي ذَلِكَ إِلَى ظَاهِرِكُمْ، فَيَقَعُ بَيْنَكُمْ عَدَاوَةٌ بِحَيْثُ يُعْرِضُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ: مَعْنَى مُخَالَفَةِ الْوُجُوهِ تَحَوُّلُهَا إِلَى الْإِدْبَارِ، أَوْ تَغَيُّرُ صُوَرِهَا إِلَى صُوَرٍ أُخْرَى، فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى التَّهْدِيدِ، أَوْ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 848

1086 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: " أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا ; فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ: "«أَتِمُّوا الصُّفُوفَ ; فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» ".

ــ

1086 -

(وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ فُعِلَتْ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ، وَوَقَعَ خَطَأٌ فِي نُسْخَةِ ابْنِ حَجَرٍ بِوَضْعِ الصُّفُوفِ مَقَامَ الصَّلَاةِ، فَتَكَلَّفَ فِي تَوْجِيهِ الْحَدِيثِ إِلَى آخِرِهِ بِمَا لَا وَجْهَ لَهُ. (فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ) : قِيلَ: إِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ وَلَيْسَ بِالسَّدِيدِ، أَيِ: الْتَفَتَ إِلَيْنَا (فَقَالَ: " أَقِيمُوا) أَيْ: عَدِّلُوا وَأَتِمُّوا (صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا) أَيْ: تَضَامُّوا وَتَلَاصَقُوا حَتَّى تَتَّصِلَ مَنَاكِبُكُمْ، وَلَا يَكُونَ بَيْنَكُمْ فُرَجٌ، مِنْ رَصَّ الْبِنَاءَ: أَلْصَقَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] فَالْمُشَابَهَةُ مَطْلُوبَةٌ، وَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ فِي الْغُزَاةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الْإِمَامَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ فَيَأْمُرُهُمْ بِتَسْوِيَةِ النَّاسِ. اهـ.

يَعْنِي إِذَا رَأَى خَلَلًا فِي الصَّفِّ ; وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَمْرِ. (فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) أَيْ: بِالْمُكَاشَفَةِ، وَلَا يَلْزَمُ دَوَامُهَا لِيُنَافِيَهُ خَبَرُ: لَا أَعْلَمُ مَا وَرَاءَ جِدَارِي، فَيُخَصُّ هَذَا بِحَالَةِ الصَّلَاةِ وَعِلْمِهِ بِالْمُصَلِّينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ: " أَتِمُّوا الصُّفُوفَ) أَيِ: الْأَوَّلَ (فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) .

ص: 849

1087 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1087 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ» "، أَيْ: مِنْ إِتْمَامِهَا وَإِكْمَالِهَا، أَوْ مِنْ جُمْلَةِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] وَهِيَ تَعْدِيلُ أَرْكَانِهَا، وَحِفْظُهَا مِنْ أَنْ يَقَعَ زَيْغٌ فِي فَرَائِضِهَا وَسُنَنِهَا وَآدَابِهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) إِلَّا أَنَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: (مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ) أَيْ: كَمَالِهَا.

ص: 849

1088 -

وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ " اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» "، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1088 -

(وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا) أَيْ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَعْطَافِنَا حَتَّى لَا نَتَقَدَّمَ وَلَا نَتَأَخَّرَ (فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: فِي حَالِ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ (وَيَقُولُ) أَيْ: حَالَ تَسْوِيَةِ الْمَنَاكِبِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ (اسْتَوُوا) أَيْ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَلَا تَخْتَلِفُوا) أَيْ: بِالْأَبْدَانِ (فَتَخْتَلِفَ) : بِالتَّأْنِيثِ، وَقِيلَ: بِالتَّذْكِيرِ (قُلُوبُكُمْ) أَيْ: أَهْوِيَتُهَا وَإِرَادَتُهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَيَخْتَلِفَ بِالنَّصْبِ، أَيْ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ، وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الْقَلْبَ تَابِعٌ لِلْأَعْضَاءِ، فَإِذَا اخْتَلَفَتِ اخْتَلَفَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ فَسَدَ فَفَسَدَتِ الْأَعْضَاءُ لِأَنَّهُ رَئِيسُهَا. قُلْتُ: الْقَلْبُ مَلَكٌ مُطَاعٌ وَرَئِيسٌ مُتَّبَعٌ، وَالْأَعْضَاءُ كُلُّهَا تَبَعٌ لَهُ، فَإِذَا صَلَحَ الْمَتْبُوعُ صَلَحَ التَّبَعُ، وَإِذَا اسْتَقَامَ الْمَلِكُ اسْتَقَامَتِ الرَّعِيَّةُ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ:" «أَلَا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» ". فَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْأَعْضَاءِ تَعَلُّقًا عَجِيبًا، وَتَأْثِيرًا غَرِيبًا بِحَيْثُ أَنَّهُ يَسْرِي مُخَالَفَةُ كُلٍّ إِلَى الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ مَدَارَ الْأَمْرِ إِلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ تَبْرِيدَ الظَّاهِرِ يُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ، وَكَذَا: بِالْعَكْسِ، وَهُوَ أَقْوَى. (لِيَلِنِي مِنْكُمْ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ قَبْلَ النُّونِ، وَيَجُوزُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى التَّأْكِيدِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي الْمَصَابِيحِ:" لِيَلِيَنِي " قَالَ شَارِحُهُ: الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَهُوَ شَاذٌّ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الْقُرْبِ، وَاللَّامُ لِلْأَمْرِ فَيَجِبُ حَذْفُ الْيَاءِ لِلْجَزْمِ. قِيلَ: لَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنَ الْكَاتِبِ، أَوْ كُتِبَ بِالْيَاءِ ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، ثُمَّ قُرِئَ كَذَا. أَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مِنْ إِشْبَاعِ الْكَسْرَةِ، كَمَا قِيلَ فِي: لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَّعِي، أَوْ تَنْبِيهٌ عَلَى

ص: 849

الْأَصْلِ كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرُ) أَوْ أَنَّهُ لُغَةٌ فِي أَنَّ سُكُونَهُ تَقْدِيرِيٌّ (أُولُو الْأَحْلَامِ) : جَمْعُ حِلْمٍ بِالْكَسْرِ كَأَنَّهُ مِنَ الْحِلْمِ وَالسُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَالْأَنَاةِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأُمُورِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ عَنْ هَيَجَانِ الْغَضَبِ، وَيُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ ; لِأَنَّهَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْلِ وَشِعَارِ الْعُقَلَاءِ، وَقِيلَ: أُولُو الْأَحْلَامِ: الْبَالِغُونَ، وَالْحُلْمُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْبُلُوغُ وَأَصْلُهُ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ. (وَالنُّهَى) : بِضَمِّ النُّونِ جَمْعُ نُهْيَةٍ، وَهُوَ الْعَقْلُ النَّاهِي عَنِ الْقَبَائِحِ، أَيْ: لِيَدْنُ مِنِّي الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ لِشَرَفِهِمْ وَمَزِيدِ تَفَطُّنِهِمْ وَتَيَقُّظِهِمْ وَضَبْطِهِمْ لِصَلَاتِهِ، وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَارِضٌ يَخْلُفُوهُ فِي الْإِمَامَةِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: أَمَرَ بِتَقَدُّمِ الْعُقَلَاءِ ذَوِي الْأَخْطَارِ وَالْعِرْفَانِ لِيَحْفَظُوا صَلَاتَهُ، وَيَضْبِطُوا الْأَحْكَامَ وَالسُّنَنَ، فَيُبَلِّغُوا مَنْ بَعْدَهُمْ، وَفِي ذَلِكَ مَعَ الْإِفْصَاحِ عَنْ جَلَالَةِ شَأْنِهِ حَثٌّ لَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْفَضِيلَةِ، وَإِرْشَادٌ لِمَنْ قَصَرَ حَالُهُمْ عَنِ الْمُسَاهَمَةِ مَعَهُمْ فِي الْمَنْزِلَةِ إِلَى تَحَرِّي مَا يُزَاحِمُهُمْ فِيهَا. (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) : كَالْمُرَاهِقِينَ، أَوِ الَّذِينَ يَقْرَبُونَ الْأَوَّلِينَ فِي النُّهَى وَالْحِلْمِ، (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) : كَالصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ، أَوِ الَّذِينَ هُمْ أَنْزَلُ مَرْتَبَةً مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ حِلْمًا وَعَقْلًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ هَلُمَّ جَرًّا، فَالتَّقْدِيرُ: ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَالنِّسَاءِ، فَإِنَّ نَوْعَ الذَّكَرِ أَشْرَفُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمُ الْخَنَاثَى، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْتِيبِ الصُّفُوفِ.

(قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ) : أَيِ الْمَذْكُورُ (فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا خِطَابٌ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ هَيَّجُوا الْفِتَنَ، وَأَرَادَ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالْفِتَنِ عَدَمُ تَسْوِيَةِ صُفُوفِكُمْ اهـ. وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَشَدَّ أَصْلُ الْفِعْلِ وَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 850

1089 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " ثَلَاثًا " وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1089 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لِيَلِنِي) : بِحَذْفِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ (مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى) : رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ لِيَحْفَظُوا عَنْهُ، (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، " ثَلَاثًا) أَيْ: كَرَّرَ ثُمَّ وَمَا بَعْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ) : جَمْعُ هَيْشَةٍ، وَهِيَ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ، نَهَاهُمْ عَنْهَا ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ حُضُورٌ بَيْنَ يَدَيِ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا فِيهَا عَلَى السُّكُوتِ وَآدَابِ الْعُبُودِيَّةِ، وَقِيلَ: هِيَ الِاخْتِلَاطُ، وَالْمَعْنَى لَا تَكُونُوا مُخْتَلِطِينَ اخْتِلَاطَ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ فَلَا يَتَمَيَّزُ أَصْحَابُ الْأَحْلَامِ وَالْعُقُولِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا يَتَمَيَّزُ الصِّبْيَانُ وَالْإِنَاثُ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْأَنْسَبُ بِالْمَقَامِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: قُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِأُمُورِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُكُمْ عَنْ أَنْ تَلُونِي. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 850

1090 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:«رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: " تَقَدَّمُوا وَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1090 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا) أَيْ: فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: فِي أَخْذِ الْعِلْمِ (فَقَالَ لَهُمْ: " تَقَدَّمُوا وَأْتَمُّوا بِي) أَيِ: اصْنَعُوا كَمَا أَصْنَعُ (وَلْيَأْتَمَّ) : بِسُكُونِ اللَّامِ وَتُكْسَرُ (بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ) أَيْ: مِنَ الْمُصَلِّينَ أَوْ مِنَ التَّابِعِينَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَرَادَ التَّأَخُّرَ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ، أَوِ التَّأَخُّرَ عَنِ الْعِلْمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ: لِيَقِفْ الْأَلِبَّاءُ وَالْعُلَمَاءُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَلْيَقِفَ مَنْ دُونَهُمْ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، فَإِنَّ الصَّفَّ الثَّانِيَ يَقْتَدُونَ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ ظَاهِرًا لَا حُكْمًا، وَعَلَى الثَّانِي الْمَعْنَى لِيَتَعَلَّمْ كُلُّكُمْ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَلْيَتَعَلَّمْ التَّابِعُونَ مِنْكُمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَلُونَكُمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ. (لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ) أَيْ: عَنِ الصَّفِّ، أَوْ عَنِ الْخَيْرَاتِ، أَوْ عَنِ الْعِلْمِ، أَوْ عَنِ اكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ وَاجْتِنَابِ الرَّذَائِلِ (حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ) أَيْ: فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ، أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَعِظَمِ فَضْلِهِ، وَرَفِيعِ الْمَنْزِلَةِ، وَعَنِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ص: 850

1091 -

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَآنَا حَلَقًا، فَقَالَ: " مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟ ! ". ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: " يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُولَى، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1091 -

(وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَآنَا حَلَقًا) : بِفَتْحِ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ حَلْقَةٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ كَقَصْعَةٍ وَقِصَعٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ جُلُوسًا حَلْقَةً حَلْقَةً كُلُّ صَفِّ مِنَّا قَدْ تَحَلَّقَ، انْتَهَى. أَوْ كُلُّ إِنْسَانٍ انْضَمَّ إِلَى قَرِيبِهِ أَوْ صَاحِبِهِ. (فَقَالَ:" مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟) : جَمْعُ عِزَةٍ، أَيْ: جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقِينَ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنْكَارُهُ عَلَى رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَالْمَقْصُودُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ كَائِنِينَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، لَمْ يَقُلْ مَا لَكُمْ ; لِأَنَّ مَا لِي أَرَاكُمْ أَبْلَغُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20] (ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، أَيْ: مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ هَذَا (فَقَالَ: " أَلَا تَصُفُّونَ) أَيْ: لِلصَّلَاةِ (كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ، أَيْ: عِنْدَ قِيَامِهَا لِطَاعَةِ رَبِّهَا، أَوْ عِنْدَ عَرْشِ رَبِّهَا (فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: " يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُولَى) : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَالْمَعْنَى لَا يَشْرَعُونَ فِي صَفٍّ حَتَّى يَكْمُلَ الَّذِي قَبْلَهُ. (وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ص: 851

1092 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا. وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1092 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا) : لِقُرْبِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ وَبُعْدِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ (وَشَرُّهَا آخِرُهَا) : لِقُرْبِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ وَبُعْدِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ، فَإِنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ أَعْلَمُ بِحَالِ الْإِمَامِ فَتَكُونُ مُتَابَعَتُهُ أَكْثَرَ وَثَوَابُهُ أَوْفَرَ. (وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا) : لِبُعْدِهِنَّ مِنَ الرِّجَالِ (وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) : لِقُرْبِهِنَّ مِنَ الرِّجَالِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِأَنَّ مَرْتَبَةَ النِّسَاءِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ مَرْتَبَةِ الذُّكُورِ، فَيَكُونُ آخِرُ الصُّفُوفِ أَلْيَقَ بِمَرْتَبَتِهِنَّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الرِّجَالُ مَأْمُورُونَ بِالتَّقَدُّمِ، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ تَقَدُّمًا فَهُوَ أَشَدُّ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الشَّرْعِ، فَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا لَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَمَأْمُورَاتٌ بِالِاحْتِجَابِ.

قُلْتُ: بَلْ بِالتَّأَخُّرِ، أَيْضًا لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ: أَخِّرُوهُنَّ كَمَا أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، فَهِيَ لِذَلِكَ شَرٌّ مِنَ اللَّاتِي يَكُنَّ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا بِصَفٍّ آخَرَ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ نَحْوُ مِنْبَرٍ وَإِنْ تَأَخَّرَ أَصْحَابُهُ فِي الْمَجِيءِ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَتَخَلَّلْهُ شَيْءٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ أَصْحَابُهُ، وَعَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ جَاءَ أَوَّلًا وَإِنْ صَلَّى فِي صَفٍّ مُتَأَخِّرٍ، ثُمَّ قِيلَ: مَحَلُّ أَفْضَلِيَّةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُنْكَرٌ كَلُبْسِ حَرِيرٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ شَاغِلٍ، وَإِلَّا فَالتَّأَخُّرُ عَنْهُ أَسْلَمَ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : كَانَ يُمْكِنُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُجْمِلَ وَيَقُولَ: رَوَى الْأَحَادِيثَ الْخَمْسَةَ مُسْلِمٌ، كَمَا هُوَ دَأْبُهُ، وَلَعَلَّ عَادَتَهُ فِيمَا إِذَا كَانَ لِلْأَحَادِيثِ سَنَدٌ وَاحِدٌ بِاتِّفَاقِ رِجَالِهِ وَخِلَافِهَا فِي خِلَافِهِ.

ص: 851

الْفَصْلُ الثَّانِي

1093 -

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ ; فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

1093 -

(عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رُصُّوا) : بِضَمِّ الرَّاءِ (صُفُوفَكُمْ) أَيْ: سَوُّوهَا وَضُمُّوا بَعْضَكُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَكُمْ فُرْجَةٌ (وَقَارِبُوا بَيْنَهَا) أَيْ: بَيْنَ الصُّفُوفِ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ بَيْنَ صَفَّيْنِ

ص: 851

صَفٌّ آخَرُ، فَيَصِيرُ تَقَارُبُ أَشْبَاحِكُمْ سَبَبًا لِتَعَاضُدِ أَرْوَاحِكُمْ، وَلَا يَقْدِرُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَا عُذْرَ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ (وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ) أَيْ: بِأَنْ لَا يَتَرَفَّعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِأَنْ يَقِفَ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْآخَرِ قَالَهُ الْقَاضِي، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَعْنَاقِ إِذْ لَيْسَ عَلَى الطَّوِيلِ أَنْ يَجْعَلَ عُنُقَهُ مُحَاذِيًا لِلْقَصِيرِ، انْتَهَى. وَأَمَّا تَفْسِيرُ مُحَاذَاةِ الْأَعْنَاقِ بِالْمُحَاذَاةِ بِالْمَنَاكِبِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ، فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ:" «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ» "(فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لِأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَنْ خَلَلِ الصَّفِّ) : بِفَتْحَتَيْنِ، أَيْ: فُرْجَتِهِ، أَوْ كَثْرَةِ تَبَاعُدِهَا عَنْ بَعْضٍ. (كَأَنَّهَا الْحَذَفُ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الْغَنَمُ السُّودُ الصِّغَارُ مِنْ غَنَمِ الْحِجَازِ، وَقِيلَ: صِغَارٌ جُرْدٌ لَيْسَ لَهَا آذَانٌ وَلَا أَذْنَابٌ، يُجَاءُ بِهَا مِنَ الْيَمَنِ، أَيْ: كَأَنَّ الشَّيْطَانَ وَأُنِّثَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا أُنِّثَ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الْخَبَرِ لِلْجِنْسِ، يَكُونُ فِي الْمَعْنَى جَمْعًا، وَفِي نُسْخَةٍ (كَأَنَّهُ) وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قَالَ الْمُظْهِرُ: الضَّمِيرُ فِي (كَأَنَّهَا) رَاجِعٌ إِلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: جَعَلَ نَفْسَهُ شَاةً أَوْ مَاعِزَةً كَأَنَّهَا الْحَذَفُ، وَقِيلَ: وَيَجُوزُ التَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّيْطَانِ، وَيَجُوزُ تَأْنِيثُهُ بِاعْتِبَارِ الْحَذَفِ لِوُقُوعِهِ بَيْنَهُمَا فَلَا حَاجَةَ إِلَى مُقَدَّرٍ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَسَكَتَ عَلَيْهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، نَقَلَهُ مِيرَكُ وَقَالَ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا.

ص: 852

1094 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ. فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1094 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ) أَيِ: الْأَوَّلَ (ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ. فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ قَالَهُ مِيرَكُ.

ص: 852

1095 -

وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَلُونَ الصُّفُوفَ الْأُولَى، وَمَا مِنْ خُطْوَةٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ خُطْوَةٍ يَمْشِيهَا يَصِلُ بِهَا صَفًّا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1095 -

(وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَلُونَ) أَيْ: يَقُومُونَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَوْ يُبَاشِرُونَ وَيَتَوَلَّوْنَ (الصُّفُوفَ الْأُولَى) : فَالْأَفْضَلُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ (وَمَا مِنْ خُطْوَةٍ) : بِالْفَتْحِ وَيُضَمُّ، وَمِنْ زَائِدَةٌ. وَخُطْوَةٌ اسْمُ " مَا " وَقَوْلُهُ:(أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ) : بِالنَّصْبِ خَبَرُهُ، وَالْأَصَحُّ رَفْعُهُ فَهُوَ اسْمُهُ، وَمِنْ خُطْوَةٍ خَبَرُهُ (مِنْ خُطْوَةٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَحَبَّ (يَمْشِيهَا) : بِالْغَيْبَةِ صِفَةُ خُطْوَةٍ، أَيْ: يَمْشِيهَا الرَّجُلُ، وَكَذَا (يَصِلُ بِهَا صَفًّا) : وَقِيلَ: بِالْخِطَابِ فِيهِمَا، وَالضَّمِيرَانِ لِلْخُطْوَةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

ص: 852

1096 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1096 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ) : جَمْعُ مَيْمَنَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: مَيَامِينِ الصُّفُوفِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَدُلُّ عَلَى شَرَفِ يَمِينِ الصُّفُوفِ كَمَا ذُكِرَ فِي التَّفْسِيرِ: إِنَّ اللَّهَ يُنَزِّلُ الرَّحْمَةَ أَوَّلًا عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ إِلَى آخِرِ الْيَمِينِ، ثُمَّ عَلَى الْيَسَارِ إِلَى آخِرِهِ، قِيلَ: وَإِذَا خَلَا الْيَسَارُ عَنِ الْمُصَلِّينِ يَصِيرُ أَفْضَلَ مِنَ الْيَمِينِ مُرَاعَاةً لِلطَّرَفَيْنِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَسَكَتَ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، نَقَلَهُ مِيرَكُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْبَرَاءِ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، أَيْ: أَوَّلًا عِنْدَ السَّلَامِ، أَوْ مُطْلَقًا عِنْدَ الِانْصِرَافِ.

ص: 852

1097 -

وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا إِذَا قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، فَإِذَا اسَتْوَيْنَا كَبَّرَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1097 -

(وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا) : بِالْيَدِ، أَوِ الْإِشَارَةِ، أَوِ الْقَوْلِ (إِذَا قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ: لِلْجَمَاعَةِ (فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ) أَيْ: لِلْإِحْرَامِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَوِّيَ الصُّفُوفَ ثُمَّ يُكَبِّرُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 853

1098 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَنْ يَمِينِهِ: " اعْتَدِلُوا، سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ". وَعَنْ يَسَارِهِ: " اعْتَدِلُوا، سَوُّوا صُفُوفَكُمْ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1098 -

(وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ: فِي إِبْدَاءِ الْأَمْرِ (يَقُولُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ: مُنْصَرِفًا بِوَجْهِهِ عَنْ جِهَةِ يَمِينِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى يَمِينِ الصَّفِّ (اعْتَدِلُوا) أَيِ: اسْتَقِيمُوا (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ". وَعَنْ يَسَارِهِ " اعْتَدِلُوا) أَيْ: فِي الْقِيَامِ (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ) : بِعَدَمِ تَخْلِيَةِ الْفُرْجَةِ، أَوِ الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ أَوْ تَأْكِيدٌ لَهُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 853

1099 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1099 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خِيَارُكُمْ) أَيْ: فِي الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ، (أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ) : نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ (فِي الصَّلَاةِ) : قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الصَّفِّ وَأَمَرَهُ أَحَدٌ بِالِاسْتِوَاءِ، أَوْ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَنْكِبِهِ يَنْقَادُ وَلَا يَتَكَبَّرُ، فَالْمَعْنَى أَسْرَعُكُمُ انْقِيَادًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لُزُومُ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَلْتَفِتُ وَلَا يُحَاكُّ بِمَنْكِبِهِ مَنْكِبَ صَاحِبِهِ، فَالْمَعْنَى أَكْثَرُكُمْ سَكِينَةً وَوَقَارًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَمْتَنِعُ أَحَدُكُمْ لِضِيقِ الْمَكَانِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ بَيْنَ الصَّفِّ لِسَدِّ الْخَلَلِ، نَقَلَهُ السَّيِّدُ، وَقَالَ مِيرَكُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالْبَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ:" «وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ» "(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ الْمُنْذِرِيُّ، قَالَ مِيرَكُ: وَكَانَ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: رَوَى جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَبُو دَاوُدَ.

ص: 853

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

1100 -

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " اسْتَوُوا، اسْتَوُوا ; فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

1100 -

(عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " اسْتَوُوا، اسْتَوُوا، اسْتَوُوا) : ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلتَّأْكِيدِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ وَقَعَ إِجْمَالًا، وَالثَّانِي لِأَهْلِ الْيَمِينِ، وَالثَّالِثُ لِأَهْلِ الْيَسَارِ، (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ) : بِالْمُشَاهَدَةِ أَوِ الْمُكَاشَفَةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 853

1101 -

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَعَلَى الثَّانِي؟ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَعَلَى الثَّانِي؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَعَلَى الثَّانِي؟ قَالَ: " وَعَلَى الثَّانِي " وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ» " يَعْنِي أَوْلَادَ الضَّأْنِ الصِّغَارِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

1101 -

(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) : بِإِنْزَالِ الرَّحْمَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالدُّعَاءِ بِالتَّوْفِيقِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. (عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ) : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا وَدُعَاءً، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي (قَالُوا) أَيْ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَعَلَى الثَّانِي؟) أَيْ: قُلْ وَعَلَى الثَّانِي، وَيُسَمَّى هَذَا الْعَطْفُ عَطْفَ تَلْقِينٍ وَالْتِمَاسٍ كَمَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام:" «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَقِّقِينَ» " الْحَدِيثَ. (قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ) أَيْ: ثَانِيًا، (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَعَلَى الثَّانِي؟ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ) أَيْ ثَالِثًا (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَعَلَى الثَّانِي؟ قَالَ: " وَعَلَى الثَّانِي) : فَالتَّكْرَارُ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ وَحُصُولَ الْكَمَالِ لِلْأَوَّلِ، وَتَثْلِيثَ الرَّحْمَةِ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ. (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ) أَيْ: بِالِاعْتِدَالِ وَعَدَمِ الِاخْتِلَالِ. (وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ) أَيْ: بِالْوُقُوفِ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ (وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ) : بِالِانْقِيَادِ وَالِانْضِمَامِ (وَسُدُّوا الْخَلَلَ) أَيْ: مِنَ الصُّفُوفِ، أَوْ مِمَّا بَيْنَهُنَّ، (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَكُمْ) : لِيُشَوِّشَ عَلَيْكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ بِالْإِغْوَاءِ وَالْإِشْغَالِ (بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ) أَيْ: فِي صُورَتِهَا (يَعْنِي: أَوْلَادَ الضَّأْنِ الصِّغَارِ) : تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي (رَوَاهُ أَحْمَدُ) : بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، نَقَلَهُ مِيرَكُ.

ص: 854

1102 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتِ الشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهُ قَطَعَهُ اللَّهُ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْهُ قَوْلَهُ: " وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا " إِلَى آخِرِهِ.

ــ

1102 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَقِيمُوا الصُّفُوفَ) أَيْ: عَدِّلُوهَا وَسَوُّوهَا (وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ) بِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَوَاقِفِ أَوْ بِالتَّقَارُبِ (وَسُدُّوا الْخَلَلَ) أَيِ: الْفُرْجَةَ فِي الصُّفُوفِ (وَلِينُوا) أَيْ: كُونُوا لَيِّنِينَ هَيِّنِينَ مُنْقَادِينَ (بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ) أَيْ: إِذَا أَخَذُوا بِهَا لِيُقَدِّمُوكُمْ أَوْ يُؤَخِّرُوكُمْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ الصَّفُّ لِتَنَالُوا فَضْلَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لِينُوا بِيَدِ مَنْ يَجُرُّكُمْ مِنَ الصَّفِّ، أَيْ: وَافِقُوهُ وَتَأَخَّرُوا مَعَهُ لِتُزِيلُوا عَنْهُ وَصْمَةَ الِانْفِرَادِ الَّتِي أَبْطَلَ بِهَا بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَجَاءَ فِي مُرْسَلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ:" «إِنْ جَاءَ فَلَمْ يَجِدْ خَلَلًا أَوْ أَحَدًا فَلْيَخْتَلِجْ إِلَيْهِ رَجُلًا مِنَ الصَّفِّ، فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمَ أَجْرَ الْمُخْتَلَجِ» "، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ مُحَصِّلٌ لَهُ فَضِيلَةَ مَا فَاتَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّفِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنَ الْأَجْرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ تَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ. (وَلَا تَذَرُوا) أَيْ: لَا تَتْرُكُوا (فُرُجَاتِ الشَّيْطَانِ) أَيِ: الْجِنِّيِّ وَالْإِنْسِيِّ، وَالْفُرُجَاتُ: بِضَمِّ الْفَاءِ وَالرَّاءِ جَمْعُ فُرْجَةٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ. (وَمَنْ) . وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَمَنْ (وَصَلَ صَفًّا) : بِالْحُضُورِ فِيهِ وَسَدِّ الْخَلَلِ مِنْهُ (وَصَلَهُ اللَّهُ) أَيْ: بِرَحْمَتِهِ (وَمَنْ قَطَعَهُ) أَيْ: بِالْغَيْبَةِ، أَوْ بِعَدَمِ السَّدِّ، أَوْ بِوَضْعِ شَيْءٍ مَانِعٍ. (قَطَعَهُ اللَّهُ) أَيْ: مِنْ رَحْمَتِهِ الشَّامِلَةِ وَعِنَايَتِهِ الْكَامِلَةِ، وَفِيهِ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدُ بَلِيغٌ، وَلِذَا عَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ فِي كِتَابِهِ الزَّوَاجِرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، أَيِ: الْحَدِيثَ بِكَمَالِهِ. (وَرَوَى النَّسَائِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَابْنُ خُزَيْمَةَ كَذَلِكَ (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْحَدِيثِ (قَوْلَهُ) : عليه السلام مَفْعُولُ رَوَى (وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا " إِلَى آخِرِهِ) : بَيَانُ الْمَقُولِ، أَيْ: لَا صَدْرُ الْحَدِيثِ.

ص: 854