المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

1103 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ]

- ‌[بَابُ الْمَوْقِفِ]

- ‌[بَابُ الْإِمَامَةِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْمَأْمُومِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ]

- ‌[بَابُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَرَّتَيْنِ]

- ‌[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[بَابُ الْوَتْرِ]

- ‌[بَابُ الْقُنُوتِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[بَابُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ وُجُوبِهَا]

- ‌[بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ]

- ‌[بَابُ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْعَتِيرَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌[بَابٌ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَثَوَابِ الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَذِكْرِهِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ]

- ‌[بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ]

- ‌[الْمَشْيُ بِالْجَنَازَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا]

- ‌[بَابُ دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

الفصل: 1103 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ

1103 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «تَوَسَّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1103 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " تَوَسَّطُوا الْإِمَامَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ اجْعَلُوا إِمَامَكُمْ مُتَوَسِّطًا بِأَنْ تَقِفُوا فِي الصُّفُوفِ خَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَسَّطَهُمْ: جَلَسَ وَسَطَهُمْ كَتَوَسَّطَهُمْ، وَوَسَّطَهُ تَوْسِيطًا: جَعَلَهُ فِي الْوَسَطِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ تَوَسَّطُوا بِالْإِمَامِ، فَيَكُونَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ. (وَسُدُّوا الْخَلَلَ) أَيْ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 855

1104 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1104 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ) : وَنَحْوَهُ مِنَ الْمُسَابَقَةِ فِي الْخَيْرَاتِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الْمَبَرَّاتِ (حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ) أَيْ: يَجْعَلَهُمْ آخِرَ الْأَمْرِ (فِي النَّارِ) : أَوْ يَجْعَلَهُمْ مُتَأَخِّرِينَ فِي أَهْلِ النَّارِ {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ: 26] لِأَعْمَالِهِمْ وَطِبَاقًا لِأَحْوَالِهِمْ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ عَنِ الْخَيْرَاتِ وَيُدْخِلَهُمُ النَّارَ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.

ص: 855

1105 -

وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي الله عنه، قَالَ:«رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

ــ

1105 -

(وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ) أَيْ: مُنْفَرِدًا عَنِ الصَّفِّ مَعَ سَعَةِ الْمَكَانِ (فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ) : اسْتِحْبَابًا لِارْتِكَابِهِ الْكَرَاهَةَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ تَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا. يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ بَابِ الْمَوْقِفِ. قُلْتُ: لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا خُصُوصًا عَلَى رِوَايَةِ: (لَا تُعِدْ) مِنَ الْإِعَادَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مُنَاقَضَةٌ، وَيُدْفَعُ بِأَنَّ النَّهْيَ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ، أَوْ لِكَوْنِهِ فِي وَقْتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِانْفِرَادُ خَلْفَ الصَّفِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْجَوَازِ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الْحَدِيثَ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْإِعَادَةِ كَانَ اسْتِحْبَابًا. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) .

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَيُوَافِقُهُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ، أَيْضًا:" «لَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ» ". وَمِنْهَا: أَخَذَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ عَنِ الصَّفِّ مَعَ إِمْكَانِ الدُّخُولِ فِيهِ، وَحَمَلَ أَئِمَّتُنَا الْأَوَّلَ عَلَى النَّدْبِ، وَالثَّانِيَ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ لِيُوَافِقَا خَبَرَ الْبُخَارِيِّ، «عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» ". وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ: فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى ; إِذْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ بِهَا، وَأَيْضًا فَهُوَ عليه السلام تَرَكَهُ حَتَّى فَرَغَ، وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَمَا أَقَرَّهُ عَلَى الْمُضِيِّ فِيهَا مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَإِنْ صَحَّحَهُ وَحَسَّنَهُ مَنْ ذُكِرَ أَعَلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: لَا تَعُدْ إِلَى الْإِحْرَامِ خَارِجَ الصَّفِّ، وَقِيلَ: لَا تَعُدْ إِلَى التَّأَخُّرِ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ، وَقِيلَ: لَا تَعُدْ إِلَى إِتْيَانِ الصَّلَاةِ مُسْرِعًا.

ص: 855

[بَابُ الْمَوْقِفِ]

ص: 855

(25)

بَابُ الْمَوْقِفِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1106 -

«عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ فَعَدَلَنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إِلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[25]

بَابُ الْمَوْقِفِ

أَيْ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1106 -

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ) أَيْ: رَقَدْتُ أَوْ كُنْتُ لَيْلًا (فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ) : مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي) أَيْ: مِنَ اللَّيْلِ، وَظَاهِرُهُ التَّهَجُّدُ (فَقُمْتُ) أَيْ:، وَقَفْتُ (عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ) أَيْ: وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ قَامَ يُصَلِّي (فَعَدَلَنِي) : بِالتَّخْفِيفِ، وَقِيلَ بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: أَمَالَنِي، وَصَرَفَنِي (كَذَلِكَ) أَيْ: آخِذًا بِيَدِي (مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ) : بَيَانٌ لِذَلِكَ: (إِلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ) : مُتَعَلِّقٌ بِعَدَلَنِي، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْكَافُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: عَدَلَنِي عَدْلًا مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هِيَ الْحَالَةُ الْمُشَبَّهَةُ بِهَا الَّتِي صَوَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِيَدِهِ عِنْدَ التَّحَدُّثِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ: فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ.

قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا: جَوَازُ الصَّلَاةِ نَافِلَةً بِالْجَمَاعَةِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَأْمُومَ الْوَاحِدَ يَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ. وَمِنْهَا: جَوَازُ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْهَا: عَدَمُ جَوَازِ تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَدَارَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَكَانَتْ إِدَارَتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَيْسَرَ. وَمِنْهَا: جَوَازُ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرَعَ فِي صَلَاتِهِ مُنْفَرِدَا، ثُمَّ ائْتَمَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ يَسَارَهُ جَازَ وَهُوَ مُسِيءٌ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ عَدَمِ الْإِسَاءَةِ إِذَا كَانَ خَلْفَهُ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَعَلَهُ وَسَأَلَهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا لِأَحَدٍ أَنْ يُسَاوِيَكَ فِي الْمَوْقِفِ، فَدَعَا لَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ غَلَطٍ ; لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ عليه السلام وَكَانَ ذَلِكَ بِمُحَاذَاةِ الْيَمِينِ، وَدُعَاؤُهُ لَهُ لِحُسْنِ تَأْدِيبِهِ، لَا لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إِنْ صَحَّتْ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْإِقَامَةَ عَنْ يَمِينِهِ عليه السلام كَانَتْ بِمُحَاذَاةِ الْيَمِينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ: أُورِدَ كَيْفَ جَازَ النَّفْلُ بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ بِدْعَةٌ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ أَدَاءَهُ بِلَا آذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ بِوَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ، يَجُوزُ عَلَى أَنْ نَقُولُ: كَانَ التَّهَجُّدُ عَلَيْهِ عليه السلام فَرْضًا فَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرُوِيَ مُطَوَّلًا، وَقَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قُلْتُ: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ مُطَوَّلًا.

ص: 856

1107 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ:«قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ، فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ، فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1107 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ) : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ (فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ لَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي) : تَعْلِيمًا لِلْأَدَبِ (ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعْنَا) تَعْلِيمًا لِلْأَدَبِ (ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا) أَيْ: أَخَّرَنَا (حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّهُ عليه السلام أَخَذَ بِيَمِينِهِ شِمَالَ أَحَدِهِمَا وَبِشَمَالِهِ يَمِينَ الْآخَرِ فَدَفَعَهُمَا: قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَيَصْطَفَّ اثْنَانِ فَصَاعِدًا خَلْفَهُ، وَأَنَّ الْحَرَكَةَ الْوَاحِدَةَ وَالْحَرَكَتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ لَا تُبْطِلُ، وَكَذَا مَا زَادَ إِذَا تَفَاصَلَتْ.

ص: 856

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أُصَلِّي مِنْ خَلْفِكُمَا؟ قَالَا: نَعَمْ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ رَكَعْنَا، فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخْذَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمُ الْوَقْفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ:(هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ) . قِيلَ: كَأَنَّهُمَا ذُهِلَا، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ لَمْ يَرْفَعْهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَرَفَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ، وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ إِلَخْ. وَإِذَا صَحَّ الرَّفْعُ، فَالْجَوَابُ إِمَّا بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ، أَوْ مَا قَالَ الْحَازِمِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ إِذْ فِيهَا التَّطْبِيقُ وَأَحْكَامٌ أُخْرَى هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ عليه السلام الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ جَابِرٍ، فَإِنَّهُ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي بَعْدَ بَدْرٍ اهـ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَغَايَةُ مَا فِيهِ خَفَاءُ النَّاسِخِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ ; إِذْ لَمْ يَكُنْ دَأْبُهُ عليه السلام إِلَّا إِمَامَةَ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ دُونَ الِاثْنَيْنِ إِلَّا فِي النُّدْرَةِ كَهَذِهِ الْقِصَّةِ وَحَدِيثِ الْيَتِيمِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ فَلَمْ يَطَّلِعْ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلِمَهُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ.

ص: 857

1108 -

«وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1108 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا) : مُتَعَلِّقٌ بِصَلَّيْتُ، قِيلَ قَوْلُهُ: يَتِيمٌ اسْمُ عَلَمٍ لِأَخِي أَنَسٍ، وَقَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ الشَّيْخِ اسْمُ الْيَتِيمِ ضُمَيْرَةُ، وَهُوَ جَدُّ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: كَذَا سَمَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، وَأَظُنُّهُ سَمِعَهَا مِنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: وَضُمَيْرَةُ هُوَ ضَمْرَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اهـ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْيَتِيمُ هُوَ ضُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ قَالَهَا النَّوَوِيُّ. (خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأُمُّ سُلَيْمٍ) أَيْ: أُمُّ أَنَسٍ (خَلْفَنَا) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ يَقِفُ مَعَ الرِّجَالِ، قُلْتُ: هَذَا إِنْ ثَبَتَ أَنَّ أَنَسًا حِينَئِذٍ كَانَ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ ; لِأَنَّهُ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، وَخَدَمُهُ عَشْرَ سِنِينَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: أَقُولُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا، مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، «عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا» ، فَالْعَجَبُ مِنَ الْمُصَنِّفِ فِي عَزْوِهِ الْحَدِيثَ إِلَى مُسْلِمٍ فَقَطْ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ الشَّيْخَ الْجَزَرِيَّ أَيْضًا عَزَاهُ إِلَى مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ، وَاللَّهُ الْهَادِي. قُلْتُ: سُبْحَانَ مَنْ لَا يَغْفَلُ وَلَا يَنْسَى.

ص: 857

1109 -

(وَعَنْهُ)«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ، قَالَ: فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1109 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِ) أَيْ: بِأَنَسٍ (وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (قَالَ) أَيْ: أَنَسٌ (فَأَقَامَنِي) أَيْ: أَمَرَنِي بِالْقِيَامِ (عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ص: 857

1110 -

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

1110 -

(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ) أَيِ: النَّبِيُّ (رَاكِعٌ، فَرَكَعَ، أَيْ: نَوَى وَكَبَّرَ قَائِمًا.

وَرَكَعَ (قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ) : لِيُدْرِكَهُ عليه السلام فَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ، فَقَدْ أَدْرَكَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ (ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ) أَيْ: بِخُطْوَتَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ غَيْرِ مُتَوَالِيَةٍ (فَذُكِرَ) : عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقِيلَ مَعْلُومٌ (ذَلِكَ) أَيْ: مَا فَعَلَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: " زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا) : عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْعِبَادَةِ (وَلَا تَعُدْ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ مِنَ الْعَوْدِ، أَيْ: لَا تَفْعَلْهُ مِثْلَ مَا فَعَلْتَهُ ثَانِيًا. وَرُوِيَ وَلَا تَعْدُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الدَّالِ مِنَ الْعَدْوِ، أَيْ: لَا تُسْرِعْ فِي الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَاصْبِرْ حَتَّى تَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، ثُمَّ اشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنَ الْإِعَادَةِ، أَيْ: لَا تُعِدِ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّيْتَهَا.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فِيهِ أَقْوَالٌ، أَحَدُهَا: لَا تَعْدُ مِنَ الْعَدْوِ، كَقَوْلِهِ:" «لَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ» "، وَالثَّانِي: لَا تَعُدْ إِلَى التَّأَخُّرِ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَفُوتَكَ الرَّكْعَةُ مَعَ الْإِمَامِ، وَالثَّالِثُ: لَا تَعُدْ إِلَى الْإِحْرَامِ خَلْفَ الصَّفِّ نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمَعْنَى الثَّالِثَ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ، وَالْأَجْمَعُ مَا قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ ضَبَطْنَاهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْعَيْنِ مِنَ الْعَوْدِ، أَيْ: لَا تَعُدْ إِلَى مَا صَنَعْتَ مِنَ السَّعْيِ الشَّدِيدِ، ثُمَّ مِنَ الرُّكُوعِ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مِنَ الْمَشْيِ إِلَى الصَّفِّ.

ص: 857

وَقَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: " لَا تَعُدْ " بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ مِنَ الْعَوْدِ، أَيْ: لَا تَعُدْ ثَانِيًا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْمَشْيُ إِلَى الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْخُطْوَةُ وَالْخُطْوَتَانِ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ، فَالْأَوْلَى التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهَاهُ عَنِ اقْتِدَائِهِ مُنْفَرِدًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى الصَّفِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ: وَلَا تُعِدْ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنَ الْإِعَادَةِ، أَيْ: لَا تُعِدْ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ، وَضَمِّ الدَّالِ مِنَ الْعَدْوِ، أَيْ: لَا تُسْرِعْ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ رِوَايَةٌ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي أَمْثَالِهِ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ أَلْفَاظَ النُّبُوَّةِ وَتَغْيِيرِهَا كَوْنُهُمْ لَمْ يَحْفَظُوهَا أَوْ مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ بِالرِّوَايَةِ، فَيَذْكُرُونَ مَا يَحْتَمِلُهُ الْخَطُّ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِاللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، نَقَلَهُ مِيرَكُ.

قَالَ الْقَاضِي: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُبْطِلٍ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَوَكِيعٌ، وَأَحْمَدُ: مُبْطِلٌ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَ الِانْفِرَادُ مُفْسِدًا لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ مُنْعَقِدَةً لِاقْتِرَانِ الْمُفْسِدِ بِتَحْرِيمِهَا، وَمَعْنَى لَا تَعُدْ لَا تَفْعَلْ ثَانِيًا مِثْلَ مَا فَعَلْتَ إِنْ جُعِلَ نَهْيًا عَنِ اقْتِدَائِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ رُكُوعُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ ; إِذْ لَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمٍ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْمَشْيِ إِلَى الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْخُطْوَةَ وَالْخُطْوَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُفْسِدِ الصَّلَاةَ لَكِنَّ الْأَوْلَى التَّحَرُّزُ عَنْهَا. قِيلَ: فَعَلَى هَذَا النَّهْيِ عَنِ الْعَوْدِ أُمِرَ بَأَنْ يَقِفَ حَيْثُ أَحْرَمَ وَيُتِمَّ الصَّلَاةَ مُنْفَرِدًا، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَمُحْيِي السُّنَّةِ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ لَا يُبْطِلُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَأَرْشَدَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَعُدْ، فَإِنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ ; إِذْ لَوْ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ لِأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، أَيْ: أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ وُجُوبًا لِأَدَاءِ صَلَاتِهِ عَلَى وَجْهِ الْحُرْمَةِ لَا لِأَجْلِ فَسَادِهَا، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 858

الْفَصْلُ الثَّانِي

1111 -

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كُنَّا ثَلَاثَةً أَنْ يَتَقَدَّمَنَا أَحَدُنَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

1111 -

(عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ) : بِضَمِّ الدَّالِ وَتُفْتَحُ (قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كُنَّا ثَلَاثَةً) : وَهُوَ أَقَلُّ كَمَالِ الْجَمَاعَةِ (أَنْ يَتَقَدَّمَنَا أَحَدُنَا) : مَعْمُولُ أَمَرَنَا عَلَى حَذْفِ الْبَاءِ، أَيْ: بِأَنْ يَتَقَدَّمَنَا أَحَدُنَا، وَ (إِذَا كُنَّا) ظَرْفٌ (يَتَقَدَّمُنَا) وَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ لِلِاتِّسَاعِ فِي الظُّرُوفِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ يَكُونُ أَحَدُنَا إِمَامًا، وَكَذَا اثْنَيْنِ فَيَؤُمُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، قُلْتُ: لَكِنْ إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ يَكُونُ التَّقَدُّمُ حِسًّا وَمَعْنًى، وَإِذَا كَانَ اثْنَانِ فَالتَّقَدُّمُ مَعْنَوِيٌّ ; لِأَنَّ الْمَأْمُومَ الْمُنْفَرِدَ يَقِفُ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِسْمَاعِيلَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ اهـ. وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ.

ص: 858

1112 -

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ أَمَّ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ، وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ، فَاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَقَامٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ» "؟ فَقَالَ عَمَّارٌ: لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدِي. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1112 -

وَعَنْ عَمَّارٍ: أَنَّهُ أَمَّ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ) : بِالْهَمْزِ بَلَدُ كِسْرَى قُرَيْبَ الْكُوفَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَدِينَةٌ قَدِيمَةٌ عَلَى دِجْلَةَ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ (وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ) أَيْ: وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَوْ قَامَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ فِي الْمَكَانِ الْأَعْلَى لَا يُكْرَهُ، وَفِي الِانْفِرَادِ بِالْمَكَانِ أَسْفَلَ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَخُصُّونَ إِمَامَهُمْ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْكَرَاهَةُ ; لِأَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً بِالْإِمَامِ، وَمِقْدَارُ الِارْتِفَاعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ

ص: 858

كَرَاهَةُ الِانْفِرَادِ، قِيلَ: مِقْدَارُ قَامَةٍ، وَقِيلَ: مَا يَقَعُ بِهِ الِامْتِيَازُ، وَقِيلَ: مِقْدَارُ ذِرَاعٍ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِي قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (يُصَلِّي) : حَقِيقَةً أَوْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، (وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ) أَيْ: قَائِمُونَ فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ مِنْ مَكَانِهِ (فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ) أَيْ: مِنَ الصَّفِّ (فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ: أَمْسَكَهُمَا وَجَرَّ عَمَّارًا مِنْ خَلْفِهِ لِيَنْزِلَ إِلَى أَسْفَلَ وَيَسْتَوِيَ مَعَ الْمَأْمُومِينَ (فَاتَّبَعَهُ) : بِالتَّشْدِيدِ (عَمَّارٌ) أَيْ: طَاوَعَهُ (حَتَّى أَنْزَلَهُ) أَيْ: مِنَ الدُّكَّانِ (حُذَيْفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ (يَقُولُ: " إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَقَامٍ أَرْفَعَ) أَيْ: أَعْلَى (مِنْ مَقَامِهِمْ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) : عَطْفٌ عَلَى مَفْعُولِ يَقُولُ (فَقَالَ) أَيْ: لَهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (عَمَّارٌ: لِذَلِكَ) أَيْ: لِأَجْلِ سَمَاعِي هَذَا النَّهْيَ مِنْهُ أَوَّلًا وَتَذَكُّرِي بِفِعْلِكَ ثَانِيًا (اتَّبَعْتُكَ) أَيْ: فِي النُّزُولِ (حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدِي) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالتَّثْنِيَةِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ كَوْنِ مَوْضِعِ الْإِمَامِ أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ الْمَأْمُومِينَ، لَكِنْ إِنَّمَا تَكُونُ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ لَوْ كَانَ مَوْضِعُهُ أَعْلَى مِنْ أَهْلِ الصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهُ، لَا مِنْ مَوْضِعِ جَمِيعِ الصُّفُوفِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : مِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِالْمَدَائِنِ. فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَتَقَدَّمَ عَمَّارٌ فَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي وَذَكَرَهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ كَمَا تَرَى رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَكِنْ رَوَى هَمَّامٌ قَالَ: أَمَّ حُذَيْفَةُ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ، فَأَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَذَبَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي، وَفِي رِوَايَةٍ: جَذَبْتَنِي، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، أَيْضًا، وَقَالَ الْحَاكِمُ: إِنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ: إِنَّ حُذَيْفَةَ هُوَ الْإِمَامُ وَابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِقَمِيصِهِ فَجَذَبَهُ، الْحَدِيثَ. وَلَا تَخَالُفَ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، وَلَا بَعُدَ أَنْ حُذَيْفَةَ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ وَاقِعَتِهِ مَعَ عَمَّارٍ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ غَالِبٌ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، قَالَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لَهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَيَبْقَى النَّاسُ خَلْفَهُ؟ اهـ. نَقَلُهُ مَيْرَكٌ عَنِ التَّصْحِيحِ.

ص: 859

1113 -

«وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ سُئِلَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ؟ فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ، وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ، وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، حَتَّى سَجَدَ بِالْأَرْضِ» . هَذَا لَفَظُ الْبُخَارِيِّ، وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ نَحْوُهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ:«فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» .

ــ

1113 -

(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ) : كَانَ اسْمُهُ حَزْنًا، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَهْلًا. (أَنَّهُ سُئِلَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ؟) : اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ ; إِذِ السُّؤَالُ عَنْ مِنْبَرِهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الطَّرْفَاءِ، وَالْغَابَةُ غَيْضَةٌ ذَاتُ شَجَرٍ كَثِيرٍ، وَهِيَ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: الْأَثْلُ هُوَ الطَّرْفَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ شَجَرَةٌ شَبِيهٌ بِالطَّرْفَاءِ إِلَّا أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْهُ (عَمِلَهُ فُلَانٌ) قِيلَ: اسْمُهُ بَاقُومُ الرُّومِيُّ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: ذُكِرَ أَنَّهُ صَنَعَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ. (مَوْلَى فُلَانَةَ) : قِيلَ: اسْمُهَا عَائِشَةُ أَنْصَارِيَّةٌ، وَقِيلَ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَعْرِفْ نَسَبَهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ. (لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مُتَعَلِّقٌ بِعَمَلِهِ (وَقَامَ عَلَيْهِ) أَيْ: لِلتَّعْلِيمِ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ عَمِلَ) أَيْ: صَنَعَ (وَوُضِعَ) أَيْ: فِي مَكَانِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَسْجِدِ (فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ) أَيْ: لِلتَّحْرِيمَةِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي الدَّرَجَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ (وَقَامَ النَّاسُ ". خَلْفَهُ) : اقْتِدَاءً بِهِ (فَقَرَأَ وَرَكَعَ، وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، أَيْ: بِخُطْوَتَيْنِ (الْقَهْقَرَى) أَيِ: الرُّجُوعَ الْقَهْقَرَى مَصْدَرٌ، وَهُوَ الرُّجُوعُ إِلَى خَلْفٍ، أَيْ

ص: 859

الرُّجُوعُ الْمَعْرُوفُ بِهَذَا الِاسْمِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ مَشَى إِلَى خَلْفِ ظَهْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعُودَ إِلَى جِهَةِ مَشْيِهِ، (فَسَجَدَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ) : قَالَ الْمُظْهِرُ: هَذَا الْمِنْبَرُ كَانَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ، فَالنُّزُولُ يَتَيَسَّرُ بِخُطْوَةٍ أَوْ خُطْوَتَيْنِ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَرَادَ تَعْلِيمَ الْقَوْمِ، أَيِ: الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ الصَّلَاةَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ أَعْلَى، قِيلَ: قَوْلُهُ: عَمِلَ إِلَخْ. زِيَادَةٌ فِي الْجَوَابِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: الْمُهِمُّ أَنْ يَعْرِفَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْغَرِيبَةَ، إِنَّمَا ذَكَرَ حِكَايَةَ صُنْعِ الصَّانِعِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ عَارِفٌ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الْأَحْوَالِ وَالْفَوَائِدِ، (ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَرَكَعَ (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، حَتَّى سَجَدَ بِالْأَرْضِ. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ) : أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ هُنَا تَأَسِّيًا بِالْمَصَابِيحِ، حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي الْحِسَانِ لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّهُ مُقَيِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ.

(وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ نَحْوُهُ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ (وَفِي آخِرِهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَقَالَ، أَيِ الرَّاوِي فِي آخِرِهِ، أَيْ آخِرِ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، (فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ (إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ (لِتَأْتَمُّوا بِي) أَيْ: لِتَقْتَدُوا بِي فِي الصَّلَاةِ أَوَّلًا (وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي) أَيْ: كَيْفِيَّتَهَا ثَانِيًا، قَالَ مِيرَكُ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ مِنَ الْمِشْكَاةِ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا مِنَ الْبُخَارِيِّ: وَلِتَعَلَّمُوا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، قُلْتُ: وَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ، فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ.

ص: 860

1114 -

«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُجْرَتِهِ وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1114 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلَّى) أَيِ: التَّرَاوِيحَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُجْرَتِهِ) : وَهِيَ مَوْضِعٌ صَنَعَهُ مِنَ الْحَصِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِلِاعْتِكَافِ، (وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِهِ) أَيْ: يَقْتَدُونَ بِهِ (مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ) أَيْ: خَلْفَهَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِهِمْ، قُلْتُ: سِيَّمَا فِي النَّفْلِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَالُوا: الْحُجْرَةُ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي اتَّخَذَهُ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ صَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، وَقِيلَ: هِيَ حُجْرَةُ عَائِشَةَ وَلَيْسَ بِذَاكَ، وَإِلَّا قَالَتْ حُجْرَتِي، وَأَيْضًا صَلَاتُهُ لَا تَصِحُّ فِي حُجْرَتِهَا مَعَ اقْتِدَاءِ النَّاسِ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا بِشَرَائِطَ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ، وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ بَابَهَا كَانَ حِذَاءَ الْقِبْلَةِ، فَإِذًا لَا يُتَصَوَّرُ اقْتِدَاءُ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّفْ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِأَنْ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ.

قُلْتُ: فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ وَالَّتِي تَلِيهَا نَظَرُ تَأَمُّلٍ: وَعِبَارَتُهُ: وَأَيْضًا صَلَاتُهُ لَا تَصِحُّ إِلَخْ. لَا يَصِحُّ، بَلِ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: وَاقْتِدَاءُ النَّاسِ بِهِ وَهُوَ فِي حُجْرَتِهَا لَا يَصِحُّ إِلَخْ. ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي صِحَّةِ الْقُدْوَةِ بِشَخْصٍ عِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِهِ لَا غَيْرُ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَوِ اكْتَفَى بِذَلِكَ لَبَطَلَ السَّعْيُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالدُّعَاءُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَاشْتِرَاطُ اتِّحَادِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى مَا فُصِّلَ فِي الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ مَقَاصِدِ الِاقْتِدَاءِ اجْتِمَاعُ جَمْعٍ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ عُرْفًا، كَمَا عُهِدَ عَلَيْهِ الْجَمَاعَاتُ فِي الْعُصُورِ الْخَالِيَةِ، وَمَبْنَى الْعِبَادَاتِ عَلَى رِعَايَةِ الِاتِّبَاعِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُجْرَةِ كَمَا قَالُوهُ الْمَحَلُّ الَّذِي اتَّخَذَهُ عليه السلام فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ، حِينَ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ، وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ «أَنَّهُ عليه السلام اتَّخَذَ حُجْرَةً مِنْ حَصِيرٍ صَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ» ، قِيلَ: وَيُؤَيِّدُهُ، أَيْضًا مَا ثَبَتَ أَنَّ بَابَهَا كَانَ حِذَاءَ الْقِبْلَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ اقْتِدَاءُ مَنْ بِالْمَسْجِدِ بِهِ عليه السلام وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّفْ إِلَخْ. وَفِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ، بَلْ يُتَصَوَّرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ لِحِكْمَةٍ أُخْرَى، لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا إِلَّا إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخُرُوجِهِ إِلَيْهِمْ لَكَفَى. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ أَيْضًا

ص: 860