المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صلاة الخوف] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ]

- ‌[بَابُ الْمَوْقِفِ]

- ‌[بَابُ الْإِمَامَةِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْمَأْمُومِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ]

- ‌[بَابُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَرَّتَيْنِ]

- ‌[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[بَابُ الْوَتْرِ]

- ‌[بَابُ الْقُنُوتِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[بَابُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ وُجُوبِهَا]

- ‌[بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ]

- ‌[بَابُ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْعَتِيرَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌[بَابٌ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَثَوَابِ الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَذِكْرِهِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ]

- ‌[بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ]

- ‌[الْمَشْيُ بِالْجَنَازَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا]

- ‌[بَابُ دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

الفصل: ‌[باب صلاة الخوف]

كَامِلَةٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّصْرِيحِ، بَلْ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُخَالِفِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَهُمُ، الْمَمْنُوعِ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ. (" فَلْيُصَلِّ ") : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ. (" أَرْبَعًا ") أَيِ: الظُّهْرَ. (أَوْ قَالَ: " الظُّهْرَ ") أَيْ: بَدَلَ (أَرْبَعًا) . (رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ) : وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِلَفْظِ:" «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ". وَقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَاعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ، وَيُغْنِي عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:" «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ". وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِمَا صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ، وَبَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ سُجُودِ السَّهْوِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ.

قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: لَهُمَا إِطْلَاقُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " فَاقْضُوا ". قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ فِي الْحُكْمِ، فَمَنْ أَخَذَ بِلَفْظِ:" أَتِمُّوا " قَالَ: مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَمَنْ أَخَذَ بِلَفْظِ " فَاقْضُوا " قَالَ: مَا يُدْرِكُهُ آخِرُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَمَا رَوَاهُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ أَضَافَ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا لَمْ يَثْبُتْ. اهـ.

وَأَمَّا لَفْظُ الْمِشْكَاةِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ، فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ الْمُخَالَفَةِ، لِأَنَّ مَعْنَى مَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ أَيْ: مَنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْهُمَا، فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ أَيْ: لَا قَضَاءَ الْجُمُعَةِ. وَأَمَّا تَفْسِيرُ الرَّكْعَتَانِ بِالرُّكُوعَانِ، فَمِنْ بَابِ صَرْفِ النَّصِّ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ إِلَيْهِ، وَلَا حَدِيثٍ دَالٍّ عَلَيْهِ، هَذَا وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْفَوْتِ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْجُمُعَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا، فَإِنَّ مِنْهَا الْمِصْرَ، لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ، وَلَا أَضْحَى، إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، أَوْ فِي مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: صَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَكَفَى بِعَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - قُدْوَةً، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَكَانَ كَعْبٌ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ تَرَحَّمَ عَلَى أَسْعَدَ لِذَلِكَ قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ. فَكَانَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً ; لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الْجُمُعَةُ، وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَتِلْكَ الْحَرَّةُ مِنْ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ، وَلِلْفِنَاءِ حُكْمُ الْمِصْرِ، فَيَسْلَمُ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَنِ الْمُعَارِضِ، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَوْنِهِ سَمَاعًا ; لِأَنَّ دَلِيلَ الِافْتِرَاضِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى يُفِيدُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَمْكِنَةِ، فَإِقْدَامُهُ عَلَى نَفْيِهَا فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ سَمَاعٍ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ الْمُسْتَمِرِّ فِي مِثْلِهِ، وَفِي الصَّلَوَاتِ الْبَاقِيَاتِ أَيْضًا، وَلِذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ حِينَ فَتَحُوا الْبِلَادَ اشْتَغَلُوا بِنَصْبِ الْمَنَابِرِ وَالْجُمَعِ إِلَّا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ وَلَوْ آحَادًا اهـ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمِصْرِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَلَّمَا يَتَّفِقُ وُقُوعُهُ فِي بَلَدٍ، وَلِذَا قَالُوا: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ، يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَنْوِي بِهَا آخِرَ فَرْضٍ أَدْرَكْتُ وَقْتَهُ، وَلَمْ أُؤَدِّهِ بَعْدُ، فَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ وَقَعَتْ ظُهْرًا، وَإِنْ صَحَّتْ وَكَانَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَنَفْلٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ سُنَّةِ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَرْبَعًا بِالنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ سُنَّةِ الْوَقْتِ، فَإِنْ صَحَّتِ الْجُمُعَةُ يَكُونُ الْمُصَلِّي قَدْ أَدَّى سُنَّتَهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَإِلَّا فَقَدَ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ سُنَّتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأَرْبَعِ الَّتِي بِنِيَّةِ آخِرِ الظُّهْرِ ; فَإِنَّهُ إِنْ وَقَعَ فَرْضًا فَلَا تَضُرُّهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ، وَإِنْ وَقَعَ نَفْلًا فَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَاجِبَةٌ اهـ.

وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مِصْرٌ لِصَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام فِيهِمَا ; لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَأَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ حَدِّ الْمِصْرِ - عَلَى مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - أَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ، وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَلَا شَكَّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُنَفِّذَ لِلْأَحْكَامِ عَزِيزٌ، بَلْ مَعْدُومٌ مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ ; لِأَنَّ غَالِبَ الْقُضَاةِ يَأْخُذُونَ الْقَضَاءَ بِالدَّرَاهِمِ، وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةٍ تَقَلُّدِهِ، ثُمَّ غَالِبُهُمْ يَأْخُذُونَ الرِّشَا، وَاخْتُلِفَ فِي انْعِزَالِهِمْ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ انْعِزَالِهِمْ، ثُمَّ أَكْثَرُهُمْ مَا يُنَفِّذُونَ الْأَحْكَامَ إِمَّا لِجَهْلِهِمْ أَوْ لِعَدَمِ الْتِفَاتِهِمْ، وَوُجُودِ فِسْقِهِمْ، وَلَوْ فُرِضَ فَرْدٌ مِنْهُمْ مُتَّصِفٌ بِأَوْصَافِ الْقَضَاءِ، وَأَرَادُوا إِجْرَاءَ الْأَحْكَامِ عَلَى وَفْقِ نِظَامِ الْإِسْلَامِ مَنَعَهُمُ الْأُمَرَاءُ وَالْحُكَّامُ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الدِّينِ مِنْ شِيَمِ الْمُتَّقِينَ.

ص: 1050

[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

ص: 1050

[46]

بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

" الْفَصْلُ الْأَوَّلُ "

1420 -

عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» . وَرَوَى نَافِعٌ نَحْوَهُ. وَزَادَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا، قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، قَالَ نَافِعٌ: لَا أُرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

[46]

بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

أَيْ: أَحْكَامِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ ثَابِتَةُ الْحُكْمِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحُكِيَ عَنِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102]، وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ قَيْدٌ وَاقِعِيٌّ نَحْوُ قَوْلِهِ: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مُعْتَدٌّ بِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي التَّرْجِيحِ، قِيلَ: جَاءَتْ فِي الْأَخْبَارِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا، وَقِيلَ: أَقَلُّ. وَقِيلَ: أَكْثَرُ، وَقَدْ أَخَذَ بِكُلِّ رِوَايَةٍ مِنْهَا جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ أَحْمَدَ: لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ صَلَّى بِوَاحِدَةٍ مِمَّا صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ لَا يُغَيِّرُ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ، وَمَعْنَى الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ، الَّذِي أَخَذَ بِظَاهِرِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمَأْمُومَ يَنْفَرِدُ فِيهِ عَنِ الْإِمَامِ بِرَكْعَةٍ كَمَا يَأْتِي ; لِيَلْتَئِمَ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُصَلِّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْخَوْفِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ.

" الْفَصْلُ الْأَوَّلُ "

1420 -

(عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ) أَيِ: ابْنُ عُمَرَ (غَزَوْتُ) أَيِ: الْكُفَّارَ. فِي الْقَامُوسِ غَزَا الْعَدُوَّ: سَارَ إِلَى قِتَالِهِمْ. (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : حَالٌ (قِبَلَ نَجْدٍ) : بِكَسْرِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ، نَصْبًا عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ: نَاحِيَتَهُ، وَالنَّجْدُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَالْمُرَادُ هُنَا نَجْدُ الْحِجَازِ لَا نَجْدُ الْيَمَنِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا ارْتَفَعَ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ تِهَامَةَ إِلَى الْعِرَاقِ. (فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ) أَيْ: حَاذَيْنَاهُ وَقَابَلْنَاهُ. فِي النِّهَايَةِ الْمُوَازَاةُ: الْمُقَابَلَةُ وَالْمُوَاجَهَةُ، يُقَالُ: وَازَيْتُهُ إِذَا حَاذَيْتُهُ. وَفِي الصَّحَّاحِ هُوَ بَإَذَائِهِ أَيْ: بِحِذَائِهِ، وَقَدْ آزَيْتُهُ أَيْ: حَاذَيْتُهُ، وَلَا تَقُلْ وَازَيْتُهُ. وَالْمَفْهُومُ مِنَ الْقَامُوسِ أَيْضًا أَنَّهُ مَهْمُوزٌ فَقَطْ، لَكِنَّ رِوَايَةَ الْمُحْدَثِينَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَقْلِ اللُّغَوِيِّينَ، مَعَ أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، لَا سِيَّمَا وَوَافَقَهُمْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَوْ هُمَا لُغَتَانِ كَالْمُوَاكَلَةِ وَالْمُوَاخَذَةِ. (فَصَافَفْنَا) أَيْ: قُمْنَا صَفَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي. (لَهُمْ) أَيْ: لِحَرْبِهِمْ، أَوْ جَعَلْنَا نُفُوسَنَا صَفَّيْنِ فِي مُقَابَلَتِهِمْ. (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي) أَيْ: بِالْجَمَاعَةِ إِمَامًا. (لَنَا) أَيْ: لِتَحْصِيلِ ثَوَابِنَا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَنَا حَيْثُ لَمْ يُصَلِّ مَعَ جَمَاعَةٍ، وَتَرَكَ جَمَاعَةً أُخْرَى يُصَلُّونَ مَعَ غَيْرِهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَرَاهَةِ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْقَوْمُ حَاضِرِينَ، وَإِشْعَارٌ بِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ خَلْفَ التَّنَفُّلِ، وَإِلَّا لَأَمْكَنَهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّتَيْنِ بِالطَّائِفَتَيْنِ، وَالْحَدِيثُ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ عَلَى وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ، حَيْثُ مَا تُرِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.

ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إِنَّمَا تَلْزَمُ إِذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ، وَيُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إِمَامٌ آخَرُ تَمَامَهَا. (فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُمُ السَّابِقُونَ فِي الْإِسْلَامِ. (وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ) : وَهُمُ اللَّاحِقُونَ. (عَلَى الْعَدُوِّ) أَيْ: عَلَى جَانِبِهِمْ بِالْوُقُوفِ فِي مُقَابَلَتِهِمْ لِدَفْعِ مُقَاتَلَتِهِمْ. (وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: أَتَى بِالرُّكُوعِ. (بِمَنْ مَعَهُ) :

ص: 1051

أَيْ: مَعَ الَّذِينَ قَامُوا مَعَهُ. (وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ: بِمَنْ مَعَهُ. (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أَيِ: الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ تِلْكَ الرَّكْعَةَ. (مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا) أَيِ: الَّتِي مَا صَلَّتْ. (فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: فَعَلَ الرُّكُوعَ. (بِهِمْ) : وَقَوْلُ ابْنِ الْمَلَكِ أَيْ: صَلَّى لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: (رَكْعَةً) بِمَعْنَى رُكُوعًا ; لِقَوْلِهِ: (وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) إِذِ الرَّكْعَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِانْضِمَامِ السَّجْدَتَيْنِ. (ثُمَّ سَلَّمَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ. (فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنَ الْمَأْمُومِينَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ. (فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) وَتَفْصِيلُهُ: أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ ذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الْأُولَى إِلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ، وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَأَتَمُّوا مُنْفَرِدِينَ، وَسَلَّمُوا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: كَذَا قِيلَ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُشْعِرْ بِذَلِكَ اهـ.

وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَشْيُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَإِتْمَامُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَكَانِهَا مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ، وَهُوَ أَقَلُّ تَغْيِيرًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَمَامِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ، وَسَاقَ إِسْنَادَ الْإِمَامِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ: فِيهِ، فَالْمَوْقُوفُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ اهـ.

وَبِهِ انْدَفَعَ كَلَامُ النَّوَوِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ فِرْقَةً مِنَ الْفِرْقَتَيْنِ جَاءَتْ إِلَى مَكَانِهَا ثُمَّ أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّ كُلًّا صَلَّى بَعْدَ سَلَامِهِ عليه الصلاة والسلام مَا بَقِيَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ مَجِيءٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ اقْتَدَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

وَاخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ، ثُمَّ الْمَذْهَبُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تُتِمُّ صَلَاتَهَا بِلَا قِرَاءَةٍ كَاللَّاحِقِ، وَالطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ تُتِمُّهَا بِالْقِرَاءَةِ كَالْمَسْبُوقِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مُقِيمًا وَالصَّلَاةُ رُبَاعِيَّةٌ، فَيُصَلِّيَ مَعَ كُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَغْرِبُ مُطْلَقًا تُصَلَّى مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، هَذَا وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: قَدْ جَازَتْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مَعَ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ فِيهَا بِلَا ضَرُورَةٍ ; لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِهَا مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَوْمٍ، وَالْكَيْفِيَّةُ الْآتِيَةُ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ فِي يَوْمٍ آخَرَ، وَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلَةٌ لِاحْتِيَاجِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ، وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

(وَرَوَى نَافِعٌ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا. (نَحْوَهُ) أَيْ: مَعْنَى مَا رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ: كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ. إِلَخْ. فَالصِّيغَةُ فِي الْحَدِيثِ صِيغَةُ الْفَتْوَى لَا إِخْبَارٌ عَمَّا كَانَ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ، وَإِلَّا لَقَالَ: قَامَ عليه الصلاة والسلام دُونَ أَنْ يَقُولَ: قَامَ الْإِمَامُ ; وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى. إِلَخِ اهـ. وَبِهِ يَتَبَيَّنُ تَحْقِيقُ هَذَا الْحَدِيثُ.

(وَزَادَ) أَيْ: نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ، عَنْ سَالِمٍ عَنْهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ: زَادَ ابْنُ عُمَرَ. (فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ) أَيْ: هُنَاكَ أَوْ وَقَعَ خَوْفٌ شَدِيدٌ، وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ. (هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنَ الْخَوْفِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُجَرَّدُ الْمُصَافَّةِ، وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْجَمَاعَةَ بِأَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ. (صَلَّوْا) أَيِ: النَّاسُ مُنْفَرِدِينَ. (رِجَالًا) : بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ، جَمْعُ رُجْلَانٍ بِضَمِّ الرَّاءِ، بِمَعْنَى الرَّاجِلِ ضِدِّ الرَّاكِبِ، وَقِيلَ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، جَمْعُ رَاجِلٍ، كَذَا قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ رِجَالًا بِالتَّخْفِيفِ جَمْعُ رَاجِلٍ، وَكَذَا (قِيَامًا) جَمْعُ قَائِمٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَصْدَرٌ

ص: 1052

بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ: قَائِمِينَ. وَهُمَا حَالَانِ مِنْ فَاعِلِ صَلَّوْا، أَيْ: صَلَّوْا حَالَ كَوْنِهِمْ رَاجِلِينَ قَائِمِينَ. (عَلَى أَقْدَامِهِمْ) : وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَيَّنَ بِقَوْلِهِ قِيَامًا أَنَّ رِجَالًا جَمْعُ رَاجِلٍ لَا رَجُلٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْإِيمَاءِ إِلَيْهِمَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُمَا ; لِقَوْلِهِ: قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ قِيَامَهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ فِي كُلِّ حَالَاتِهِمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ. (أَوْ رُكْبَانًا) أَيْ: رَاكِبِينَ، فَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ، أَوِ الْإِبَاحَةِ، أَوِ التَّنْوِيعِ. (مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) أَيْ: بِحَسَبِ مَا يَتَسَهَّلُ لَهُمْ، وَفِي تَقْدِيمِ الرَّاجِلِ وَالْمُسْتَقْبِلِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَفْضَلِيَّةِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ. وَفِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ: يُفْسِدُهَا الْمَشْيُ، وَالرُّكُوبُ، وَالْقِتَالُ. (قَالَ نَافِعٌ: لَا أُرَى بِالضَّمِّ) أَيْ: لَا أَظُنُّ. (ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ) أَيِ: الْمَزِيدَ الْمَوْقُوفَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ. إِلَخْ. أَوْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ إِلَخْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا، لَكِنْ جَزَمَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِالْأَوَّلِ. قُلْتُ: فَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ كَمَا ظَنَّ نَافِعٌ، فَقَدْ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُلْزِمُهُمْ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَلَمْ يُجِزْ لَهُمْ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ، وَقِيلَ: تَمْتَنِعُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ وَيَجِبُ تَأْخِيرُهَا، حَتَّى يَزُولَ الْخَوْفُ، كَمَا فَعَلَ عليه الصلاة والسلام يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَغَلَطَ فَاعِلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَضِيَّةُ الْخَنْدَقِ مَنْسُوخَةٌ كَمَا مَرَّ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ قَضِيَّةَ الْخَنْدَقِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا اشْتِدَادُ الْخَوْفِ. قَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَلَا يَجِبُ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ. قَالَ: وَيُسَنُّ لَهُمُ الْجَمَاعَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِامْتِنَاعِهَا مَمْنُوعٌ. قُلْتُ: التَّصْرِيحُ فِي الْآيَةِ مَمْنُوعٌ، فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْإِمَامِ مَدْفُوعٌ. قَالَ: وَمِنَ الشَّوَاذِّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ مَكَانَ كُلِّ رَكْعَةٍ تَكْبِيرَةٌ، وَبِأَنَّهُ يُجْزِئُ رَكْعَةٌ يُومِئُ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَتَكْبِيرَةٌ اهـ.

وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِهِ أَرَادَ إِدْرَاكَ حُرْمَةِ الْوَقْتِ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْفِعْلِ، لَا أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنِ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ خُصَيْفٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:«قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامُوا صَفًّا خَلْفَهُ مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ عليه السلام رَكْعَةً، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ، وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِهِمْ عليه السلام رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا» ، وَأُعِلَّ بِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ أَبِيهِ، وَخُصَيْفٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

ص: 1053

1421 -

وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، «عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ــ

1421 -

(وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ) : بِضَمِّ الرَّاءِ. (عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ) : بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَبِالتَّاءِ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ، أَنْصَارِيٌّ، مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ، مَشْهُورٌ، عَزِيزُ الْحَدِيثِ، سَمِعَ أَبَاهُ، وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) قِيلَ: إِنَّ اسْمَ هَذَا الْمُبْهَمِ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ ; لِأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ رَوَى حَدِيثَ صَلَاةِ الْخَوْفِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ أَبُوهُ ; لِأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ فَقَالَ: عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ صَالَحًا سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ سَهْلٍ ; فَلِذَلِكَ كَانَ يُبْهِمُهُ تَارَةً، وَيُعَيِّنُهُ أُخْرَى، ذَكَرَهُ مِيرَكُ.

قُلْتُ: وَهَذَا الْمُحْتَمَلُ مُتَعَيِّنٌ لَمَّا ثَبَتَ حَدِيثُهُ عَنْهُمَا وَلَوْ رُجِّحَ أَحَدُهُمَا، وَمِثْلُ هَذَا الْإِبْهَامِ لَا يَضُرُّ فِي الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى قَصْدِ الْعَامِّ، وَكُلُّ الصَّحَابَةِ عُدُولٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ. (يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَ (يَوْمَ) ظَرْفٌ. (صَلَّى) قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ ذَاتَ الرِّقَاعِ ; لِأَنَّ أَقْدَامَ الْأَصْحَابِ قَدْ نُقِّبَتْ، فَشَدُّوا الرِّقَاعَ أَيِ: الْخِرَقَ، جَمْعُ الرُّقْعَةِ بِمَعْنَى الْخِرْقَةِ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الثَّوْبِ عَلَى أَرْجُلِهِمْ،

ص: 1053

فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الرِّقَاعِ، هَذَا مَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ نَقْلًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِأَرْضٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالرِّقَاعِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ فِيهِ جَبَلًا بَعْضُهُ أَحْمَرُ، وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ، وَبَعْضُهُ أَسْوَدُ. قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ. قَالَ السَّيِّدُ: وَقَوْلُ جَابِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ: كَمَا سَيَأْتِي " وَحَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ " يُشْعِرُ بِأَنَّهُ اسْمُ مَكَانٍ بِعَيْنِهِ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أُطْلِقَ اسْمُ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ اهـ.

(صَلَاةَ الْخَوْفِ) : مَفْعُولُ (صَلَّى)، (أَنَّ طَائِفَةً) قَالَ الطِّيبِيُّ: مُتَعَلِّقٌ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَمَّنْ أَيْ: رُوِيَ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ طَائِفَةً. (صَفَّتْ مَعَهُ) أَيْ: لِلصَّلَاةِ. (وَطَائِفَةً) : بِالنَّصْبِ لِلْعَطْفِ، وَقِيلَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَيْ: وَطَائِفَةٌ أُخْرَى. (وِجَاهَ الْعَدُوِّ) : بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا، أَيْ: حِذَاءَهُمْ وَقُبَالَتَهُمْ، وَنَصْبُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: صِفَةٌ لِطَائِفَةٍ أَيْ: وَطَائِفَةٌ صَفَّتْ مُقَابِلَ الْعَدْوِ. وَفِي النِّهَايَةِ: " وِجَاهَ " بِكَسْرِ الْوَاوِ وَيُضَمُّ. وَفِي رِوَايَةٍ تِجَاهَ الْعَدْوِ فَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، مِثْلُهَا فِي تُقَاةٍ وَتُخَمَةٍ. (فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ) أَيْ: لَمَّا قَامَ. (ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفَارَقَهُ بِالنِّيَّةِ هَؤُلَاءِ الْمُقْتَدُونَ بِهِ اهـ.

وَهُوَ مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ نَقْلًا وَلَا عَقْلًا، مَعَ أَنَّهُ يَفُوتُهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ (ثُمَّ) أَيْ: بَعْدَ سَلَامِهِمُ (انْصَرَفُوا) أَيْ: إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ. (فَصَلَّوْا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى) أَيْ: وَهُوَ قَائِمٌ يَنْتَظِرُهُمْ فَاقْتَدَوْا بِهِ. (فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ) أَيْ: عَلَيْهِ. (مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ) أَيْ: لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ. (ثَبَتَ جَالِسًا) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَامُوا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ. (وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ) أَيْ: مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ جَلَسُوا مَعَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. (ثُمَّ) أَيْ: بَعْدَ تَشَهُّدِهِمْ. (سَلَّمَ بِهِمْ) أَيْ: بِالطَّائِفَةِ الْأَخِيرَةِ، أَيْ: مَعَهُمْ لِيَحْصُلَ لَهُمْ فَضِيلَةُ التَّسْلِيمِ مَعَهُ، كَمَا حَصَلَ لِلْأَوَّلِينَ فَضِيلَةُ التَّحْرِيمِ مَعَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِالْأَوَّلِ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

(وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَمُسْلِمٌ، وَالْأَرْبَعَةُ أَيْضًا. (بِطَرِيقٍ آخَرَ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ) أَيْ: نَحْوَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ. (عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) قُلْتُ: وَمَعَ وُجُودِ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيمَا سَبَقَ: إِنَّ الْمُبْهَمَ هُوَ أَبُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الرَّجِيحِ؟ ! قَالَ السَّيِّدُ: وَأَبُو حَثْمَةَ هَذَا كَانَ دَلِيلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَارِصًا لِخَيْبَرَ.

ص: 1054

1422 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرَطَهُ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: " لَا ". قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ: " اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ، فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ، قَالَ: فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1422 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ) : أَيْ: جَابِرٌ. (كُنَّا) أَيْ: مَعْشَرَ الصَّحَابَةِ عِنْدَ إِرَادَةِ نُزُولِ الْمَنْزِلِ. (إِذَا أَتَيْنَا) أَيْ: مَرَرْنَا. (عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ) أَيْ: كَثِيرَةِ الظِّلِّ. (تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِعَدَمِ الْخَيْمَةِ لَهُ)، يَعْنِي: فَكَذَا فَعَلْنَا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، وَنَزَلَ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ لِلِاسْتِرَاحَةِ إِلَى حِينِ الِاجْتِمَاعِ. (قَالَ) أَيْ: جَابِرٌ. (فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ: فَجْأَةً. (وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ) أَيْ: قَرِيبَةٍ مِنْهُ، أَوْ بِشَجَرَةٍ هُوَ عليه الصلاة والسلام تَحْتَ ظِلِّهَا. (فَأَخَذَ) أَيِ: الْمُشْرِكُ. (سَيْفَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِمَّا لِكَوْنِهِ نَائِمًا، أَوْ غَافِلًا عَنْهُ، وَالتَّغَايُرُ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَوَّلًا، وَنَبِيِّ اللَّهِ ثَانِيًا، إِنَّمَا هُوَ لِلتَّفَنُّنِ، وَحَذَرًا مِنَ الثِّقَلِ لِتَوَالِي لَفْظَيْنِ مُتَّحِدَيْنِ. (فَاخْتَرَطَهُ) أَيْ: سَلَّهُ مِنْ غِمْدِهِ: وَهُوَ غِلَافُهُ. (فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَتَخَافُنِي؟) أَيْ: فِي هَذَا الْحَالِ. (قَالَ: " لَا ") : فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَمَالِ لَا يَخَافُ إِلَّا مِنَ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ ; لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. (قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ) أَيْ: يُخَلِّصُكَ الْآنَ. (مِنِّي؟) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ

ص: 1054

ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ أَيْ: لَا يَمْنَعُكَ أَحَدٌ مِنِّي. قُلْتُ: لَا يُلَائِمُهُ. (قَالَ: " اللَّهُ ") أَيْ: هُوَ الَّذِي سَلَّطَكَ عَلَيَّ. (" يَمْنَعُنِي مِنْكَ ") : إِذْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَ يَكْفِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُ " فَبَسَطَ اعْتِمَادًا عَلَى اللَّهِ، وَاعْتِضَادًا بِحِفْظِهِ وَكَلَاءَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] . قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى فَرْطِ شَجَاعَتِهِ، وَصَبْرِهِ عَلَى الْأَذَى، وَحِلْمِهِ عَلَى الْجُهَّالِ. (قَالَ) أَيْ: جَابِرٌ. (فَتَهَدَّدَهُ) أَيْ: هَدَّدَهُ وَخَوَّفَهُ. (أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَمَدَ السَّيْفَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ الْمُخَفَّفَةِ وَتُشَدَّدُ، أَيْ: أَدْخَلَهُ فِي غِلَافِهِ. (وَعَلَّقَهُ) أَيْ: فِي مَكَانِهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ. ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ إِذْ هُمْ بِهِ أَصَابَهُ دَاءٌ بِصُلْبِهِ، فَبَدَرَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، وَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ أَسْلَمَ وَاهْتَدَى بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَرَوَى أَبُو عَوَانَةَ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ وَإِنَّمَا عَاهَدَ أَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا لَمْ يُعَاقِبْهُ تَأَلُّفًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ.

(قَالَ) : أَيْ: جَابِرٌ. (فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ) أَيْ: أُذِّنَ وَأُقِيمَ لِلظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ. (فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَتَأَخَّرُوا أَيْ: عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّوْا فِيهِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَسَلَّمُوا عَنْهُمَا، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ تَأَخَّرُوا قَاصِدِينَ جِهَةَ الْعَدُوِّ، إِذْ لَا مَعْنَى لِلتَّأَخُّرِ عَنْ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ السَّلَامِ عَنْهَا، وَمَعَ هَذَا لَا دَلَالَةَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْهَا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ:" ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِهِمْ تَأَخَّرُوا ". فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ.

(وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى) أَيْ: بَعْدَ مَجِيئِهِمْ إِلَيْهِ عليه الصلاة والسلام. (رَكْعَتَيْنِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ سَعْدٍ: لَمْ يَجِدْ فِي مَحَالِّهِمْ إِلَّا نِسْوَةً، فَأَخَذَهُنَّ إِذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَتَأْيِيدٌ لِقَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ: لَقِيَ جَمْعًا مِنْهُمْ فَتَقَارَبَ النَّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، وَقَدْ أَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى صَلَّى عليه الصلاة والسلام بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْخَوْفِ اهـ.

وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ رَأَيْتَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلَيِ ابْنِ سَعْدٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ ; فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُحْمَلُ عَلَى الْآخَرِ، وَالثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ. قَالَ الْمُظْهِرُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، مَعَ أَنَّ الْمَوْضِعَ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ اهـ. فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَرَّتَيْنِ. مَرَّةً كَمَا رَوَاهُ سَهْلٌ، وَمَرَّةً كَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهَذَا عَلَى الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ ; بِدَلِيلِ الِاسْتِظْلَالِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَمَا سَيَجِيءُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ زَيْنُ الْعَرَبَ: قِيلَ: جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ آيَةِ الْقَصْرِ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ أَقَامُوا فِيهِ. قَالَ: وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ؟ ! إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَذَلِكَ إِلَّا بِتَقْدِيرِ الْقَصْرِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَوْمَ قَصَرُوا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتِمٌّ، لَكِنْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ عِنْدَهُ مَنِ ائْتَمَّ بِمُتِمٍّ يُتِمُّ، وَإِنْ كَانَا مُسَافِرَيْنِ، وَلْيُحَقَّقْ هَذَا الْمَوْضِعُ، وَلَمْ أَجِدْ لِلشُّرَّاحِ كَلَامًا فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ.

أَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَبِيَدِهِ أَزِمَّةُ التَّحْقِيقِ: إِنَّ مَا قِيلَ: أَنَّهُ قَبْلَ آيَةِ الْقَصْرِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، بَلِ الصَّوَابُ الَّذِي لَا وَجْهَ لَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ حَدِيثٍ مَحْمُولًا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ لَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ، إِذْ صَلَاةُ الْخَوْفِ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الْقِيَاسِ، بَلْ مُخْتَصَّةٌ مُنْحَصِرَةٌ بِمَا وَرَدَ عَنْ سَيِّدِ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: رَكْعَتَيْنِ أَيْ: مَعَ الْإِمَامِ، كَمَا أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْمُرَادَ بِرَكْعَةٍ أَيْ: مَعَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ: مَعْنَاهُ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا، وَبِالثَّانِيَةِ كَذَلِكَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّانِيَةِ مُتَنَفِّلًا وَهُمْ مُفْتَرِضُونَ اهـ.

وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ. قُلْتُ: مَعَ عَدَمِ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا قِيلَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِي جَوَازِهِ، وَيُتْرَكَ ظَاهِرُهُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ. وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ.

ص: 1055

قُلْتُ: ثَبَتَ الْعَرْشُ أَوَّلًا فَانْقُشْ، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَصَابِيحِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَالِ كَوْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُقِيمًا، وَالْمُقِيمُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْمِصْرِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَوْمَ قَضَوْا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَضَوْا، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ فِي الْأَحَادِيثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِالْقَصْرِ، فَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ شَافِعِيٌّ مُنْصِفٌ غَايَةَ الْإِنْصَافِ، وَمُجْتَهِدٌ مُجْتَمِعُ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ، حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِيهِ، وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بِمَا فِيهِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى كَلَامِهِ شَيْءٌ مِمَّا نَظَرَ زَيْنُ الْعَرَبِ فِيهِ، إِلَّا أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمِصْرِ اتِّفَاقِيٌّ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي خَارِجِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا.

وَفِي الْأَزْهَارِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: لِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ شُرُوطٌ: أَحُدُّهَا: أَنْ يَكُونُوا مُسَافِرِينَ. قُلْتُ: أَوْ مُقِيمِينَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَخَافَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْعَدُوِّ وَالْهُجُومِ عَلَيْهِمْ. قُلْتُ: هَذَا شَرْطٌ لِمُطْلَقِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، لَا لِخُصُوصِ صَلَاتِهِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمْ فِرْقَتَيْنِ. قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا عَامٌّ غَيْرُ مَخْصُوصٍ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ. قَالَ: وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي عُيُونِ التَّارِيخِ: فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ اهـ.

قَالَ السَّيِّدُ: هَذَانِ الْقَوْلَانِ يُخَالِفَانِ نَصَّ الْبُخَارِيِّ ; فَإِنَّهُ قَالَ: غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ هِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ ; لِأَنَّ أَبَا مُوسَى قَدِمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ فِي السُّنَّةِ السَّابِعَةِ، وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ ذَاتَ الرِّقَاعِ بِلَا خِلَافٍ، إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ مَرَّةً فِي الْخَامِسَةِ، وَمَرَّةً فِي السَّابِعَةِ أَوِ الثَّامِنَةِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: الَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ أَنَّهَا بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ ; لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ لَمْ تَكُنْ شُرِعَتْ، وَقَدْ ثَبَتَ وُقُوعُ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَدَلَّ عَلَى تَأَخُّرِهَا عَنِ الْخَنْدَقِ. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِنَّمَا شُرِعَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فِي الصَّحِيحِ، فَلِذَا لَمْ يُصَلِّهَا إِذْ ذَاكَ. وَقَوْلُهُ فِي الْكَافِي: إِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ قَبْلَ الْخَنْدَقِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ.

وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ لِلنَّسَائِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ. فَذَكَرَهُ إِلَى أَنْ قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي صِفَةِ تِلْكَ الصَّلَاةِ لِاخْتِلَافِ أَيَّامِهَا. فَقَدْ صَلَّى عليه الصلاة والسلام بِعُسْفَانَ، وَبَطْنِ نَخْلَةَ، وَبِذَاتِ الرِّقَاعِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا رَآهُ مِنَ الْأَحْوَطِ، فَالْأَحْوَطِ فِي الْحِرَاسَةِ، وَالتَّوَقِّي مِنَ الْعَدُوِّ، وَأَخَذَ بِكُلِّ رِوَايَةٍ مِنْهَا جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.

(قَالَ) أَيْ: جَابِرٌ. (فَكَانَتْ) أَيْ: وَقْعَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ. (لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ) أَيْ: مَعَهُ عليه الصلاة والسلام كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَبِنَفْسِهِ رَكْعَتَيْنِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 1056

1423 -

وَعَنْهُ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعَنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، ثُمَّ قَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1423 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ. (قَالَ: صَلَّى) أَيْ: بِنَا كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ. (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ) الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي. (فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: لِلتَّحْرِيمِ. (وَكَبَّرْنَا) : الْوَاوُ لِلْجَمْعِيَّةِ فَتُفِيدُ الْمَعِيَّةَ، وَيَبْعُدُ تَقْدِيرُ ابْنِ حَجَرٍ الْبُعْدِيَّةَ. (جَمِيعًا) : أَرَادَ بِهِ الصَّفَّيْنِ. (ثُمَّ رَكَعَ) أَيْ: بَعْدَ الْقِرَاءَةِ. (وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ) أَيْ: نَزَلَ. (بِالسُّجُودِ) أَيْ: مُلْتَبِسًا بِهِ

ص: 1056

أَوْ بِسَبَبِهِ. (وَالصَّفُّ) : يَجُوزُ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ انْحَدَرَ، وَجَازَ لِوُجُودِ الْفَصْلِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ. وَالْعَطْفُ أَلْطَفُ لِمَا يَلْزَمُ فِي الْمَفْعُولِ مَعَهُ مِنْ مُتَابَعَةِ الْأَشْرَفِ لِلْأَضْعَفِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْعَطْفُ أَوْلَى لِإِيهَامِ الْآخَرِ أَنَّهُمْ قَارَنُوهُ فِي الِانْحِدَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مُقَارَنَةَ الْإِمَامِ فِي جُزْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ مَكْرُوهَةٌ لَا يَفْعَلُهَا الصَّحَابَةُ اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ، ثُمَّ نَفْيُ فِعْلِهَا عَنِ الصَّحَابَةِ مُحْتَاجٌ إِلَى حُجَّةٍ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّهَا تُوجَدُ ; لِأَنَّ إِثْبَاتَ النَّفْيِ مُتَعَذِّرٌ، كَمَا أَنَّ نَفْيَ الْإِثْبَاتِ مُتَعَسِّرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الصَّفُّ مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ أَيْ: كَذَلِكَ، وَالْمَعْنَى مِثْلَ نُزُولِهِ لِلسُّجُودِ نَزَلَ الصَّفُّ. (الَّذِي يَلِيهِ) أَيِ: الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ، وَالْإِفْرَادُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الصَّفِّ الْمُرَادِ بِهِ الْقَوْمُ. (وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ) أَيِ: الَّذِينَ تَأَخَّرُوا لِلْحِرَاسَةِ لِمَنْ أَمَامَهُمْ فِي سُجُودِهِمْ. (فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ) أَيْ: صَدْرِهِمْ وَمُقَابَلَتِهِمْ ; كَيْلَا يَهْجُمُوا عَلَى مُقَاتِلَتِهِمْ. (فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ) أَيْ: أَدَّاهُ، وَالْمَعْنَى: فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ. (وَقَامَ) أَيْ: مَعَهُ. (الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ) أَيِ: انْهَبَطَ. (الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ) أَيِ: الَّذِينَ تَأَخَّرُوا لِلْحِرَاسَةِ لِمَنْ أَمَامَهُمْ فِي سُجُودِهِمْ. (بِالسُّجُودِ) أَيْ: بِسَبَبِهِ أَوْ إِلَيْهِ. (ثُمَّ) أَيْ: لَمَّا فَرَغُوا مِنْ سَجْدَتِهِمْ. (قَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ: وَوَقَفُوا مَكَانَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ) أَيْ: بَعْدَ أَنِ اسْتَوَوْا مَعَ الْأَوَّلِينَ فِي الْقِيَامِ خَلْفَهُ عليه الصلاة والسلام فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِأَنْ وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤَخَّرِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنَ الْمُقَدَّمِ انْتَهَى، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَتَأَخَّرَ الْمُقَدَّمُ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِخُطْوَةٍ أَوْ خُطْوَتَيْنِ اهـ. وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَا تُقَاسُ عَلَى صَلَاةِ الْأَمْنِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى أَنْ لَا يَزِيدَ فِعْلُ كُلٍّ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى خُطْوَتَيْنِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِنْ تَوَالَتْ أَفْعَالُهُ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ صِحَّةَ هَذَا الشَّرْطِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِثْبَاتِ أَدِلَّةٍ أُخْرَى لَوْ وُجِدَتْ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، ثُمَّ الْحِكْمَةُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ حِيَازَةُ فَضِيلَةِ الْمَعِيَّةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ جَبْرًا لِمَا فَاتَهُمْ مِنَ الْمَعِيَّةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوَّلِيَّةِ. (ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: قَامَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ ثُمَّ رَكَعَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَيُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ، بَلْ عَلَى آيَةٍ أَيِّ آيَةٍ بِمُقْتَضَى الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ. (وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ) أَيِ: انْخَفَضَ لَهُ. (وَالصَّفُّ) : بِالْوَجْهَيْنِ. (الَّذِي يَلِيهِ) الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِلصَّفِّ، وَقَدَّرَ ابْنُ حَجَرٍ لَفْظَ (وَهُوَ) قَبْلَ الْمَوْصُولِ الثَّانِي. (وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ) : وَهُوَ الَّذِي كَانَ مُقَدَّمًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى. (فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: نَحْوَ الْعَدْوِ. (فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ) : بِالْإِعْرَابَيْنِ. (الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: بَعْدَ انْحِدَارِهِمْ. (وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا: فَكَانَ صَلَاةُ الْجَمْعِ رَكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ) ، غَايَتُهُ أَنَّهُ تَأَخَّرَتِ الْمُتَابَعَةُ لِلْإِمَامِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ حَالَةَ الْقَوْمَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَيُعَضِّدُهُ انْحِدَارُ الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْلِيمِهِمْ جَمِيعًا أَنَّ الْمُنْحَدِرِينِ لَمْ يَقْعُدُوا لِلتَّشَهُّدِ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ السَّلَامُ عَنِ الْإِمَامِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ سَلَّمُوا جَمِيعًا لِعَدَمِ لُزُومِ الْمَعِيَّةِ مِنَ الْجَمْعِيَّةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ.

ص: 1057

" الْفَصْلُ الثَّانِي "

1424 -

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ بِبَطْنِ نَخْلٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ» . رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ".

ــ

" الْفَصْلُ الثَّانِي "

1424 -

(عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ) : لَيْسَ لِلِاسْتِمْرَارِ، بَلْ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى الْمُضِيِّ. (يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ) أَيْ: فِي حَالَةِ الْخَوْفِ الْكَائِنِ. (بِبَطْنِ نَخْلٍ) : اسْمُ مَوْضِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ) وَفِي الْأَزْهَارِ أَنَّهُ بِنَجْدٍ مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ، وَقِيلَ: بَطْنُ النَّخْلِ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَصْرُ. قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَفَارَقُوهُ وَأَتَمُّوا لِنَفْسِهِمْ وَمَضَوْا، وَجَاءَتِ الْأُخْرَى وَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَقَامُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ.

قَوْلُهُ: " قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَصْرُ غَرِيبٌ وَعَجِيبٌ وَبِعِيدٌ مِنْ فَهْمِ اللَّبِيبِ ; لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مِنَ الْمَدِينَةِ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ مِنْهَا يَقْصُرُ، وَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا أَيْضًا يَقْصُرُ، فَكَيْفَ قَصَرَ هَذَا التَّصَوُّرُ؟ ! ثُمَّ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ الَّتِي هِيَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَيَأْبَى عَنْ إِتْمَامِهِ عليه الصلاة والسلام تَكْرَارُ الرَّاوِي لَفْظَ السَّلَامِ، هَذَا وَلَا إِشْكَالَ فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْقَصْرِ، وَقَدْ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ نَفْلًا، وَعَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا مُشْكِلٌ جِدًّا ; فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى السَّفَرِ لَزِمَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَنَا، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْحَضَرِ يَأْبَاهُ السَّلَامُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، وَأَمَّا الْقَوْمُ فَأَتَمُّوا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(رَوَاهُ) أَيْ: صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ. (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ مُطَوَّلًا) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصُفَّ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضُهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ.

ص: 1058

" الْفَصْلُ الثَّالِثُ "

1425 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ بَيْنَ ضَجْنَانَ وَعُسْفَانَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لِهَؤُلَاءِ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَهِيَ الْعَصْرُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ، فَتَمِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ أَصْحَابَهُ شَطْرَيْنِ، فَيُصَلِّيَ بِهِمْ، وَتَقُومَ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَرَاءَهُمْ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، فَتَكُونَ لَهُمْ رَكْعَةٌ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَانِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.

"

الْفَصْلُ الثَّالِثُ "

1425 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ بَيْنَ ضَجْنَانَ) : بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْجِيمِ، وَالنُّونِ، مَوْضِعٌ أَوْ جَبَلٌ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَوْضِعٌ أَوْ جَبَلٌ قُرَيْبَ عُسْفَانَ، وَفِي الْمُغْنِي: جَبَلٌ بِمَكَّةَ، وَفِي الْقَامُوسِ: ضَجْنَانُ كَسَكْرَانَ، جَبَلٌ قُرَيْبَ مَكَّةَ، وَجَبَلٌ آخَرُ بِالْبَادِيَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ. (وَعُسْفَانَ) : كَعُثْمَانَ، مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَفِي النِّهَايَةِ: قَرْيَةٌ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ، وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْأَوَّلُ مُنْصَرِفٌ دُونَ الثَّانِي، وَالْمَضْبُوطُ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ عَدَمُ انْصِرَافِهِمَا، وَزَادَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَحَاصَرَ الْمُشْرِكِينَ. (فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ) أَيْ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. (لِهَؤُلَاءِ) أَيْ: لِلْمُسْلِمِينَ. (صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ) أَيْ: مِنْ

ص: 1058