الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1148 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ، وَمَنْ فَاتَتْهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ. رَوَاهُ مَالِكٌ.
ــ
1148 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَوْقُوفًا. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَاحْتِمَالُ الْمَرْفُوعِ بَعِيدٌ، لَكِنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَوْقُوفِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ. (مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) أَيِ: الرُّكُوعَ (فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ) أَيِ: الرَّكْعَةَ أَوِ الصَّلَاةَ، أَيْ: فَضِيلَةُ جَمَاعَتِهَا بِكَمَالِهَا، (وَمَنْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ) أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَقْرَأْهَا فِي صَلَاتِهِ وَقَرَأَ غَيْرَهَا، (فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ) ; لِأَنَّهَا أَصْلُ الْقُرْآنِ فَثَوَابُ صَلَاتِهِ نَاقِصٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام:" «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» "، أَيْ: صَلَاتُهُ نَاقِصَةٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ وَفَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْكِتَابِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ فَاتَهُ ثَوَابُ كَثِيرٌ اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِنَوْعٍ مِنَ التَّقْصِيرِ، مَعَ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ بِفَوْتِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إِذِ الْحُكْمُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَفُوتُ الْمُقْتَدِيَ (رَوَاهُ مَالِكٌ
) .
1149 -
وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، فَإِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ الشَّيْطَانِ. رَوَاهُ مَالِكٌ) .
ــ
1149 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ) أَيِ: الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ (قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ: قَبْلَ رَفْعِهِ وَخَفْضِهِ، (فَإِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ الشَّيْطَانِ) : حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا يَعْنِي فِي تَصَرُّفِهِ وَقَبُولِ أَمْرِهِ. (رَوَاهُ مَالِكٌ) : كَانَ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: رَوَاهُمَا مَالِكٌ.
[بَابُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَرَّتَيْنِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
1150 -
«عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[29]
بَابُ مَنْ صَلَّى
أَيْ: فِيمَنْ صَلَّى (صَلَاةً مَرَّتَيْنِ) أَيْ: حَقِيقَةً أَوْ صُورَةً.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
1150 -
(عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي) أَيْ: سُنَّةَ الْعَشَاءِ أَوْ نَفْلًا (مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ، وَفِي مَسْجِدِهِ وَلِتَعَلُّمِ الْآدَابِ مِنْهُ (ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ) أَيْ: فَرْضَهُ، وَحَمْلُ فِعْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ جَوَازًا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ عَكْسُ مَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ الْقَاضِي: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ. قُلْتُ: هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ نَوَى بِالصَّلَاتَيْنِ فَرْضَ الْعِشَاءِ قَالَ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُعَادُ إِلَّا الظَّهْرُ وَالْعِشَاءُ فِيهِ مُسَامَحَةٌ ; لِأَنَّ الْإِعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ وَهِيَ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ عَيْنَ الْأُولَى مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ، نَعَمْ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِإِعَادَتِهِمَا بَعْدَهُمَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ لِلْعِلَلِ الْآتِيَةِ:
قَالَ: أَمَّا الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ فَلِلنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُمَا. قُلْتُ: وَلِخُصُوصِ خَبَرِ: " «مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فَلْيُصَلِّ إِلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ» ". وَقَدْ أُعِلَّ بِالْوَقْفِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ قَالَ: وَصَلَهُ ثِقَةٌ، قَالَ: وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلِأَنَّهُ وِتْرُ النَّهَارِ فَلَوْ أَعَادَهَا صَارَ شَفْعًا. قُلْتُ: وَلِعِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ النَّفْلَ لَا يَكُونُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لِلنَّهْيِ عَنِ الْبُتَيْرَاءِ وَإِنْ ضَمَّ رَكْعَةً صَارَ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ الْمَغْرِبَ إِنَّمَا تُعَادُ بِزِيَادَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَوْلٌ شَاذٌّ، قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يُعِدْهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا أَعَادَهَا فِي الْجَمَاعَةِ إِلَّا الْمَغْرِبَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُعِيدُ إِلَّا الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ، وَقَالَ: عَلَى أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ جَائِزٌ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ نَافِلَةً لِمُعَاذٍ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. قُلْتُ: كَوْنُ الثَّانِيَةِ نَافِلَةً لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ مُعَاذٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ لَفْظُ مُسْلِمٍ: فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ. قُلْتُ: لَيْسَ فِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى مُدَّعَاهُمْ.
1151 -
وَعَنْهُ، قَالَ:«كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمُ الْعِشَاءَ وَهِيَ لَهُ نَافِلَةٌ.» رَوَاهُ.
ــ
1151 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ (قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ) أَيِ: الْعِشَاءَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، سَوَاءٌ نَوَى بِهَا مُعَاذٌ سُنَّةَ الْعِشَاءِ أَوْ نَفْلًا، (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمُ الْعِشَاءَ) أَيْ: فَرْضَ الْعِشَاءِ (وَهِيَ) أَيِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ بِالْجَمَاعَةِ نَفْلًا وَفَرْضًا، أَوِ الصَّلَاةَ الْأُولَى، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ وَهَذِهِ (لَهُ نَافِلَةٌ) أَيْ: زِيَادَةُ خَيْرٍ مَثُوبَةً، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَعْنَى هِيَ أَيِ الْعِشَاءُ ثَانِيًا لَهُ نَافِلَةٌ، وَلِقَوْمِهِ مَكْتُوبَةُ الْعِشَاءِ فَمَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ مُعَاذٍ إِذْ لَمْ يُعْرَفْ هَذَا إِلَّا مِنْ قِبَلِهِ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ بِقَلْبِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّ النِّيَّةَ بِاللِّسَانِ بِدْعَةٌ مَا وَرَدَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ فِي الصَّحِيحِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا وَتَسْلِيمِهِمْ فِي تَأْوِيلِهَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ ظَنِّ بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ. (رَوَاهُ) : بَيَّضَ لَهُ الْمُصَنِّفُ لِيُبَيِّنَ رَاوِيَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمْ يُبَيِّنِ الْمُؤَلِّفُ رَاوِيَهُ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ مَا وَجَدَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أُثْبِتَ فِي الْمَصَابِيحِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَمَّا الثَّانِي بِالزِّيَادَةِ الَّتِي فِيهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: نَافِلَةٌ لَهُ، فَلَمْ نَجِدْهُ فِي أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَلِّفُ أَوْرَدَهُ بَيَانًا لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَخَفِيَ قَصْدُهُ لِإِهْمَالِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، أَوْ هُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَزِيدًا مِنْ خَائِضٍ اقْتَحَمَ بِهِ الْفُضُولُ إِلَى مَهَامِهَ لَمْ يَعْرِفْ طُرُقَهَا.
وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: قَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ: إِنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، قَالَ مِيرَكُ: لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ: وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهُ لِلْحِسَابِ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي أَحَدِهِمَا وَلَا فِي وَاحِدٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: وَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةُ الْعِشَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: هَذِهِ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ اهـ.
قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعْنًى لِمُوَافَقَةِ مَذْهَبِهِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إِنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَجَاءَ بِهِ تَامًّا، وَسَاقَهُ أَحْسَنَ مِنْ سِيَاقِ ابْنِ جُرَيْجٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ، فَمِنْ أَيِّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ كَانَ الْقَوْلُ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حَقِيقَةِ فِعْلِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَذَلِكَ أَمْ لَا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا ذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ إِنَّمَا قَالُوا قَوْلًا عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ مُعَاذٍ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَانَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ أُخْبِرَ بِهِ لَأَقَرَّهُ أَوْ غَيَّرَهُ، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا مِنْهُ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ اهـ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
1152 -
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
1152 -
(عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: شَهِدْتُ) أَيْ: حَضَرْتُ (مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَجَّتَهُ) أَيْ: حَجَّةَ الْوَدَاعِ (فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ) : وَهُوَ مَسْجِدٌ مَشْهُورٌ بِمِنًى، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ مِنْ غَلِيظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنِ الْمَسِيلِ، يَعْنِي هَذَا وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِهِ. (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ) أَيْ: أَدَّاهَا وَسَلَّمَ مِنْهَا (وَانْحَرَفَ) أَيِ:
انْصَرَفَ عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ جَعَلَ يَمِينَهُ لِلْمَأْمُومِينَ وَيَسَارَهُ لِلْقِبْلَةِ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ (فَإِذَا هُوَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (بِرَجُلَيْنِ) أَيْ: حَاضِرَيْهِمَا (فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، قَالَ: " عَلَيَّ) : اسْمُ فِعْلٍ (بِهِمَا) أَيْ: ائْتُونِي بِهِمَا وَأَحْضِرُوهُمَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَلَيَّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُمَا حَالٌ، أَيْ أَقْبِلَا عَلَيَّ وَأْتِيَا بِهِمَا، أَوِ اسْمُ فِعْلٍ وَبِهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ، أَيْ: أَحْضِرْهُمَا عِنْدِي (فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ) : بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ تُحَرَّكُ مِنْ أَرْعَدَ الرَّجُلُ إِذْ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَهَى الْفَزَعُ وَالِاضْطِرَابُ. (فَرَائِصُهُمَا) : جَمْعُ الْفَرِيصَةِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبِ الدَّابَّةِ وَكَتِفِهَا، وَهِيَ تَرْجُفُ عِنْدَ الْخَوْفِ، أَيْ تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ، وَالْمَعْنَى يَخَافَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ تَثْنِيَةُ فَرِيصَةٍ وَهْمٌ مِنْهُ. نَعَمْ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّثْنِيَةُ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا حَذَرًا مِنِ اجْتِمَاعِ التَّثْنِيَتَيْنِ فِي كَلِمَتَيْنِ عُدَّتَا كَلِمَةً لِكَمَالِ امْتِزَاجِهِمَا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] هَذَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا مِنَ الْجَمْعِيَّةِ ; لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرِيصَتَانِ. (فَقَالَ: " مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟) : مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ (فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا) أَيْ: مَنَازِلِنَا (قَالَ: " فَلَا تَفْعَلَا) أَيْ: كَذَلِكَ ثَانِيًا (إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ) أَيْ: مَعَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ (فَإِنَّهُمَا) أَيِ: الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةُ (لَكُمَا نَافِلَةٌ) : أَوِ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ زَائِدَةٌ فِي الْمَثُوبَةِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الصَّارِفُ لِلْأَمْرِ مِنَ الْوُجُوبِ جَعَلَهَا نَافِلَةً، وَالْجَوَابُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مُقَدَّمٌ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَعْلُومَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكَيْفَ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِذَا صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْتَ فَصَلِّهَا إِلَّا الْفَجْرَ وَالْمَغْرِبَ» " قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ ; لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَعْلِيلِ إِخْرَاجِهِ الْفَجْرَ مِمَّا يَلْحَقُ بِهِ الْعَصْرُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، نَقْلَهُ مِيرَكُ. (وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
1153 -
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
1153 -
(عَنْ بُسْرٍ) : بِضَمٍّ وَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي الْبِدَايَةِ الْجَزَرِيَّةِ، وَقَدْ عَدَّ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ مَنِ اسْمُهُ بُسْرٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ، بُسْرَ بْنَ مِحْجَنٍ الدَّيْلَمِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ: وَقِيلَ: بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَالْمُعْجَمَةِ، صَدُوقُ الرِّوَايَةِ، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ: حِجَازِيٌّ، وَقِيلَ: صَحَابِيٌّ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَابِعِيٌّ. (ابْنُ مِحْجَنٍ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ (عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ) أَيْ أَبَاهُ (كَانَ فِي مَجْلِسٍ) أَيْ: دَاخِلَ الْمَسْجِدِ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُذِّنَ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ (بِالصَّلَاةِ) أَيْ: أُقِيمَ (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَوْ أُذِّنَ فَقَامَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ (فَصَلَّى، وَرَجَعَ، وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ) أَيْ: مَكَانِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهُ، (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ) أَيْ: جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟ " فَقَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدْ
صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِذَا جِئْتَ الْمَسْجِدَ وَكُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلِّ) أَيْ: نَافِلَةً لَا قَضَاءً وَلَا إِعَادَةً (مَعَ النَّاسِ وَإِنْ) : وَصْلِيَّةٌ، أَيْ: وَلَوْ (كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: تَكْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: وَكُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ اهـ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالِي: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 119] وَخَصَّ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ. (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ
) .
1154 -
ــ
1154 -
(وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ) : قَبِيلَةٌ (أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (يُصَلِّي أَحَدُنَا فِي مَنْزِلِهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ، وَتُقَامُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَتُقَامُ (الصَّلَاةُ، فَأُصَلِّي مَعَهُمْ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّجْرِيدِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقُولَ: أُصَلِّي فِي مَنْزِلِي، بَدَلَ قَوْلِهِ: يُصَلِّي أَحَدُنَا اهـ.
وَالْأَظْهَرُ كَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ: فَيُصَلِّي مَعَهُمْ فَالْتَفَتَ وَكَذَا قَوْلُهُ: (فَأَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا) أَيْ: شُبْهَةً (مِنْ ذَلِكَ) : هَلْ لِي أَوْ عَلَيَّ؟ (فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ) أَيْ: عَنْ مِثْلِ هَذَا السُّؤَالِ (النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ، أَيِ: الْآتِي وَهُوَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ مِنْ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ بَعْدَمَا صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا اهـ. وَتَسْمِيَتُهَا إِعَادَةً مَجَازٌ إِذِ الثَّانِيَةُ نَافِلَةٌ فَهِيَ غَيْرُ الْأُولَى، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ مَكْرُوهَةٌ، فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا خِلَافُ الْأَوْلَى.
(قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَالَ: (فَذَلِكَ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُنَا الرَّجُلُ خِلَافَ مَا ذَكَرَ الطِّيبِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (لَهُ سَهْمُ جَمْعٍ) أَيْ: نَصِيبٌ مِنْ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: فَأَجِدُ فِي نَفْسِي، أَيْ أَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ حَزَازَةً هَلْ ذَلِكَ لِي أَوْ عَلَيَّ؟ فَقِيلَ: لَهُ سَهْمُ جَمْعٍ، أَيْ: ذَلِكَ لَكَ لَا عَلَيْكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنِّي أَجِدُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ رَوْحًا أَوْ رَاحَةً، فَقِيلَ: ذَلِكَ الرَّوْحُ نَصِيبُكَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ اهـ.
وَهَذَا الْجَوَابُ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ مَا حَدَثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ الْمُوَافِقِ فِي الْفَرْضِ أَوْلَى، ثُمَّ إِذَا صَلَّى نَافِلَةً قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَهُ مَعَ الْإِمَامِ الْمُخَالِفِ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ يَكُونُ لَهُ الْحَظُّ الْأَوْفَى. (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
1155 -
ــ
1155 -
عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ) : دَفْعٌ لِوَهْمِ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ جَلَسَ وَاقْتَدَى (فِي الصَّلَاةِ) : يَعْنِي إِذْ كُنْتُ صَلَّيْتُ (فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَآنِي جَالِسًا) أَيْ: عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ (فَقَالَ: " أَلَمْ تُسْلِمْ) أَيْ: أَمَا أَسْلَمْتَ (يَا يَزِيدُ؟ قُلْتُ) : وَفِي نُسْخَةٍ، فَقُلْتُ:(بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ أَسْلَمْتُ) : فِيهِ تَأْكِيدَانِ (قَالَ: " وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ؟) : فَإِنَّهُ مِنْ عَلَامَةِ الْإِسْلَامِ الدَّالِّ عَلَى الْإِيمَانِ (قَالَ: إِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي، أَحْسَبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةٌ
حَالِيَةٌ، أَيْ: ظَانًّا فَرَاغَ صَلَاتِكَمْ اهـ. فَفِيهِ اعْتِذَارَانِ. (فَقَالَ: " إِذَا جِئْتَ الصَّلَاةَ) أَيِ: الْجَمَاعَةَ أَوْ مَسْجِدَهَا (فَوَجَدْتَ النَّاسَ يُصَلُّونَ) أَيْ: مُصَلِّينَ (فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ) : لِيَحْصُلَ لَكَ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ وَزِيَادَةُ النَّافِلَةِ (تَكُنْ) أَيْ: صَلَاتُكَ الْأُولَى (لَكَ نَافِلَةً) : بِالنَّصْبِ (وَهَذِهِ) أَيِ: الَّتِي صَلَّيْتَهَا الْآنَ، قِيلَ: وَيَحْتَمِلُ الْعَكْسَ (مَكْتُوبَةٌ) : بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ بِالنَّصْبِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي جَعْلِ الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْوَقْتِ الْمُسْقِطَةِ لِلْقَضَاءِ نَافِلَةً، وَالصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُسْقِطَةٍ لِلْقَضَاءِ فَرِيضَةً، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تُصَلَّى بِالْجَمَاعَةِ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ اعْتِدَادَهَا اهـ. وَهُوَ مُشِيرٌ إِلَى كَوْنِ الْجَمَاعَةِ وَاجِبَةً أَوْ فَرْضًا أَوْ شَرْطًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
) .
1156 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْإِمَامِ، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ، قَالَ الرَّجُلُ، أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذَلِكَ إِلَيْكَ؟ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عز وجل، يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ. رَوَاهُ مَالِكٌ.
ــ
1156 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي) أَيْ بِالْجَمَاعَةِ أَوِ الِانْفِرَادِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ " ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْإِمَامِ، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟) أَيْ: أَزِيدُ فِي صَلَاتِي فَأُصَلِّي مَعَهُ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، أَوِ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَتَقْدِيمُ الْهَمْزَةِ لِلصَّدَارَةِ، (قَالَ لَهُ: نَعَمْ قَالَ الرَّجُلُ: أَيَّتَهُمَا) : بِالنَّصْبِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ بِالرَّفْعِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، أَيْ: أَيَّةَ الصَّلَاتَيْنِ (أَجْعَلُ صَلَاتِي؟) أَيْ: أَعُدُّ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيَّ مِنْهُمَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَخُصَّ إِحْدَاهُمَا بِالنَّفْلِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّسْخِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْإِعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، كَمَا سَيَأْتِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّ الْإِعَادَةَ مَكْرُوهَةٌ بِغَيْرِ سَبَبٍ عِنْدَنَا. (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذَلِكَ إِلَيْكَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: إِخْبَارٌ فِي مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عز وجل : وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ مَالِكٍ (يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ) ; لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْقَبُولِ، وَهُوَ مَخْفِيٌّ عَلَى الْعِبَادِ، وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَجْعَلُونَ الْأُولَى فَرِيضَةً، وَأَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي الْأُولَى فَسَادٌ، فَيَحْسِبُ اللَّهُ تَعَالَى نَافِلَتَهُ بَدَلًا عَنْ فَرِيضَتِهِ، فَالِاعْتِبَارُ الْأُخْرَوِيُّ غَيْرُ النَّظَرِ الْفِقْهِيِّ الدُّنْيَوِيِّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَأَفْتَى بِهِ أَنَّ الْفَرْضَ إِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا، لَكِنْ صَرَّحَ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ فِي الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ: "«صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، أَيْ لِأَوَّلِهِ، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً» " اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ إِذْ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْفَرِيضَةَ نَافِلَةً وَالنَّافِلَةَ فَرِيضَةً. (رَوَاهُ مَالِكٌ
) .
1157 -
«وَعَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلَى مَيْمُونَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَيْنَا ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ. فَقُلْتُ: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ فَقَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
1157 -
(وَعَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ: أَتَيْنَا ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ) : بِفَتْحِ الْبَاءِ ضَرْبٌ مِنَ الْحِجَارَةِ يُفْرَشُ بِهِ الْأَرْضُ، ثُمَّ سُمِّيَ الْمَكَانُ بَلَاطًا اتِّسَاعًا، وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ. (وَهُمْ) أَيْ: أَهْلُهُ (يُصَلُّونَ. فَقُلْتُ: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ) : وَلَعَلَّهُ صَلَّى جَمَاعَةً، أَوْ كَانَ الْوَقْتُ صُبْحًا أَوْ عَصْرًا أَوْ مَغْرِبًا (وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا تُصَلُّوا صَلَاةً) أَيْ: وَاحِدَةً بِطَرِيقَةِ الْفَرِيضَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (فِي يَوْمٍ) أَيْ: فِي وَقْتٍ (مَرَّتَيْنِ) أَيْ: بِالْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرِهَا إِلَّا إِذَا وَقَعَ نُقْصَانٌ فِي الْأُولَى، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، قَالَ مِيرَكُ: إِنْ حُمِلَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ كَانَ مُنَافِيًا لِحَدِيثِ مُعَاذٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ قَوْمِهِ. قُلْتُ: يُحْمَلُ فِعْلُ مُعَاذٍ عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ بِأَنَّهُ نَوَى أَوَّلًا نَفْلًا، ثُمَّ نَوَى فَرْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا، أَوْ بِالْعَكْسِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ مِيرَكُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِعَادَةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ مُنْفَرِدًا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّ مَنْ صَلَّى وَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ مُنْفَرِدًا، فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَنَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْإِعَادَةِ إِلَّا مَا وَرَدَ بِهِ الدَّلِيلُ، وَلَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي الْإِعَادَةِ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَالَ مِيرَكُ: وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ، وَلَا لِمَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ. قُلْتُ: مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَذْهَبِنَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ جَوَابًا لِلسَّائِلِ ; إِذْ كَلَامُهُ فِي الْإِعَادَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَأَيْضًا لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ تَصْرِيحٌ بِالْإِعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِنَّمَا هِيَ إِعَادَةٌ صُورِيَّةٌ، فَيَكُونُ النَّهْيُ مَحْمُولًا عَلَى الْحَقِيقَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَاتِّفَاقًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَهَذَا أَوْلَى، وَبِالِاخْتِيَارِ أَحْرَى. (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) .