المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب السنن وفضائلها] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ]

- ‌[بَابُ الْمَوْقِفِ]

- ‌[بَابُ الْإِمَامَةِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْمَأْمُومِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ]

- ‌[بَابُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَرَّتَيْنِ]

- ‌[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[بَابُ الْوَتْرِ]

- ‌[بَابُ الْقُنُوتِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[بَابُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ وُجُوبِهَا]

- ‌[بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ]

- ‌[بَابُ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْعَتِيرَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌[بَابٌ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَثَوَابِ الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَذِكْرِهِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ]

- ‌[بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ]

- ‌[الْمَشْيُ بِالْجَنَازَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا]

- ‌[بَابُ دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

الفصل: ‌[باب السنن وفضائلها]

1158 -

وَعَنْ نَافِعٍ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوِ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ ; فَلَا يَعُدْ لَهُمَا. رَوَاهُ مَالِكٌ.

ــ

1158 -

(وَعَنْ نَافِعٍ) أَيْ: مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (قَالَ) أَيْ: نَافِعٌ (إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوِ الصُّبْحَ) : وَفِي مَعْنَاهُ الْعَصْرُ (ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ، فَلَا يَعُدْ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ مِنَ الْعَوْدِ (لَهُمَا) أَيْ: لِلصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعِلَلِ. (رَوَاهُ مَالِكٌ) .

ص: 889

[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1159 -

عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ; بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، " وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ ; إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» ".

[30 -] بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا

أَيِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ (وَفَضَائِلِهَا) : فِي أَوْقَاتِهَا الْمَذْكُورَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ، وَالنَّفْلَ، وَالتَّطَوُّعَ، وَالْمَنْدُوبَ، وَالْمُسْتَحَبَّ، وَالْمُرَغَّبَ فِيهِ، وَالْحَسَنَ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا رَجَّحَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَجَازَ تَرْكُهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمَسْنُونِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ اتِّفَاقًا.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَأَجْنَحَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئًا قَالَ الرَّبُّ سبحانه وتعالى: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» "، قَالَ النَّوَوِيُّ: تَصِحُّ النَّوَافِلُ وَتُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ نَاقِصَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَخَبَرُ: لَا تُقْبَلُ نَافِلَةُ الْمُصَلِّي حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ: ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الرَّاتِبَةِ الْبَعْدِيَّةِ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهَا عَلَى صِحَّةِ الْفَرْضِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ ذَاتِهَا، بَلْ يَتَوَقَّفُ بَعْدِيَّتُهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ غَيْرِهِ لَا تَصِحُّ النَّافِلَةُ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا. ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ أَثِمَ فَإِثْمُهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1159 -

(عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ) : وَهِيَ أُخْتُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، زَوْجَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثْنَتَيْ عَشْرَةَ» ) : بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ (رَكْعَةً) : بِسُكُونِ الْكَافِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْوَاضِحَاتِ ; لِأَنَّهَا عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِّ تَجْرِي بِفَتْحِهَا لِكَوْنِ جَمْعِهَا كَذَلِكَ، (بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) : مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ النِّعْمَةِ (أَرْبَعًا) : بَدَلُ تَفْصِيلٍ (قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ) : وَكُلُّهَا مُؤَكَّدَةٌ وَآخِرُهُ آكَدُهَا حَتَّى قِيلَ بِوُجُوبِهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي رَدِّ قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ بِوُجُوبِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَفِي رَدِّ قَوْلِ الْحَسَنِ أَيْضًا بِوُجُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَوْ تَرَكْتُهَا لَخَشِيتُ أَنْ لَا يُغْفَرَ لِي. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَفِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَتَرَكَ الصَّحِيحَ الْآتِي.

(وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ) : وَفِي نُسْخَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَّهَا) أَيْ: أَمُّ حَبِيبَةَ (قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ) أَيْ: وَلَيْلَةٍ (ثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا) : وَهُوَ مَا لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا السُّنَّةُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ. (غَيْرُ فَرِيضَةٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: تَأْكِيدٌ لِلتَّطَوُّعِ، فَإِنَّ التَّطَوُّعَ التَّبَرُّعُ مِنْ نَفْسِهِ بِفِعْلٍ مِنَ الطَّاعَةِ وَهِيَ قِسْمَانِ: رَاتِبَةٌ وَهِيَ الَّتِي دَاوَمَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَغَيْرُ رَاتِبَةٍ وَهَذَا مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالرُّتُوبُ الدَّوَامُ اهـ.

أَوْ مَعْنَاهُ طَوْعًا وَرَغْبَةً لَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَكُونُ غَيْرَ فَرِيضَةٍ بَدَلًا أَوْ بَيَانًا أَوْ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ. (إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ اهـ. فَكَانَ حَقُّ مُحْيِي السُّنَّةِ أَنْ يَذْكُرَ حَدِيثَ مُسْلِمٍ فِي الصِّحَاحِ، وَحَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ فِي الْحِسَانِ، لِيَكُونَ لِإِجْمَالِ مُسْلِمٍ كَالْبَيَانِ.

ص: 889

1160 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:«صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ» ، قَالَ: وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1160 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَرَادَ مَعِيَّةَ الْمُشَارَكَةِ لَا مَعِيَّةَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهَا فِي النَّفْلِ مَكْرُوهَةٌ سِوَى التَّرَاوِيحِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حَاكِيًا: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44] (رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ) : وَالتَّثْنِيَةُ لَا تُنَافِي الْجَمْعَ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ. (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْأَخِيرَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عَائِدٌ إِلَى الْكُلِّ، وَيُوَافِقُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ:" «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» "، وَيُؤَيِّدُ قَوْلَنَا قَوْلُهُ:(وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَيْضًا صَلَّى فِي بَيْتِهِ عليه السلام وَيُؤَيِّدُهُ مَا بَعْدَهُ. (قَالَ) أَيْ: ابْنُ عُمَرَ (وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ) أَيْ: أُخْتُهُ بِنْتُ عُمَرَ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَاصَّةً ; إِذْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ: رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ حَتَّى أَقُولَ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْكِتَابِ؟ ثُمَّ أَوْرَدَ أَحَادِيثَ عَلَى بُطْلَانِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ (الْإِخْلَاصَ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْأُولَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الْآيَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] إِلَى قَوْلِهِ: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] وَفِي رِوَايَةٍ فِي الثَّانِيَةِ: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53] اهـ. مُلَخَّصًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي الثَّانِيَةِ:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64] قَالَ الْجَزَرِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَةِ السُّورَتَيْنِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ، أَنَّهُمَا لِمَ اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِ اللَّهِ، وَالرَّدِّ عَلَى الْكَافِرِينَ فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ كَانَ الِافْتِتَاحُ بِهِ أَوَّلَ الصُّبْحِ لِتَشْهَدَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ:" «اقْرَأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا، فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ» "، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْفِيفِهِمَا، أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي ثُلُثَ اللَّيْلِ أَوْ أَكْثَرَ، فَقَصَدَ أَنْ يَتَوَفَّرَ نَشَاطُهُ لِلْفَرْضِ، فَكَلَامُ عَائِشَةَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ.

ص: 890

1161 -

وَعَنْهُ، قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1161 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لَا يُصَلِّي) أَيْ شَيْئًا (بَعْدَ الْجُمُعَةِ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَسْكُنُ (حَتَّى يَنْصَرِفَ) أَيْ: حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ (فَيُصَلِّي) : بِالرَّفْعِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ لَا مِنْ حَيْثُ التَّشْرِيكِ عَلَى يَنْصَرِفَ، أَيْ: لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَإِذَا انْصَرَفَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَيْهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الصَّلَاةَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ ; إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ لَا يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِفَسَادِهِ (رَكْعَتَيْنِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يُرِيدُ بِهِمَا سُنَّةَ الْجُمُعَةِ وَسُنَّتُهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ، وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ:(فِي بَيْتِهِ) : عَمَلًا بِالْأَفْضَلِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَقَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ ثَابِتَةٍ. أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَسَيَأْتِي أَيْضًا. وَفِي رِوَايَةٍ: بَعْدَهَا سِتًّا، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ.

ص: 890

1162 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ رضي الله عنه، قَالَ:«سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ تَطَوُّعِهِ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوَتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْفَجْرِ.

ــ

1162 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ) : تَابِعِيٌّ (قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَيْ: لَيْلًا وَنَهَارًا مَا عَدَا الْفَرَائِضَ. وَلِذَا قَالَ (عَنْ تَطَوُّعِهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ، يَعْنِي بِلَفْظِ (عَنْ) أَوْلَى مِمَّا فِي الْمَصَابِيحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: مِنَ التَّطَوُّعِ. اهـ. فَتَكُونُ " مِنْ " بَيَانِيَّةً وَالْأَوْلَوِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْأَصَحِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى جَائِزَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ، سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ لَفْظِ النُّبُوَّةِ. (فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا) : هَذَا دَلِيلٌ لِمُخْتَارِ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ قَبْلَهَا أَرْبَعٌ، (ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ. ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) : وَلَعَلَّ وَجْهَ تَرْكِ الْعَصْرِ ; لِأَنَّهَا بِصَدَدِ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ)، أَيْ: بَيْتِي (فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَدَاءِ السُّنَّةِ فِي الْبَيْتِ، قِيلَ: فِي زَمَانِنَا إِظْهَارُ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْلَى لِيَعْلَمَهَا النَّاسُ. اهـ.

أَيْ: لِيَعْلَمُوا عِلْمَهَا، أَوْ لِئَلَّا يَنْسُبُوهُ إِلَى الْبِدْعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُتَابَعَةَ السُّنَّةِ أَوْلَى مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ الْمَوْلَى.

(وَكَانَ)، أَيْ: أَحْيَانًا (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ)، أَيْ: بَعْضَ أَوْقَاتِهِ وَسَاعَاتِهِ (تِسْعَ رَكَعَاتٍ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ تَارَةً، وَإِحْدَى عَشْرَةَ تَارَةً وَأَنْقَصَ تَارَةً. اهـ.

وَجَاءَ فِي مُسْلِمٍ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، كَمَا سَيَأْتِي (فِيهِنَّ)، أَيْ: فِي جُمْلَتِهِنَّ وَعَقِبِهِنَّ (الْوَتْرُ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ: الْوَتْرُ وَالتَّهَجُّدُ سَوَاءٌ، وَقِيلَ الْوَتْرُ غَيْرُ التَّهَجُّدِ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَهَلْ جَمِيعُهَا وَتْرٌ أَمْ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْبَاقِي صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ فَالْمَفْهُومُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْوَتْرِ أَنَّ جَمِيعَهَا وَتْرٌ، وَلَيْسَ صَلَاةُ اللَّيْلِ غَيْرَ الْوَتْرِ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى الْوَتْرَ قَبْلُ ثُمَّ نَامَ وَقَامَ وَصَلَّى، فَإِنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ صَلَاةُ اللَّيْلِ. اهـ.

وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْوَتْرَ غَيْرُ التَّهَجُّدِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَاجِبٌ مُنْحَصِرٌ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَنَا، غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَوْ أَوَّلِهِ بِشَرْطِ وُقُوعِهِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، سَوَاءٌ بَعْدَ نَوْمٍ أَوْ قَبْلَهُ، إِلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهُ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِمَنْ يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:" «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وَتْرًا» "، وَأَمَّا الثَّانِي: فَسُنَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِآخِرِ اللَّيْلِ مُطْلَقًا، أَوْ بِنَوْمٍ قَبْلَهُ، أَمَّا الْأَحَادِيثُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا مُفَصَّلًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا)، أَيْ: زَمَانًا طَوِيلًا مِنَ اللَّيْلِ (قَائِمًا وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا) : قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ.: يَعْنِي يُصَلِّي صَلَاةً كَثِيرَةً مِنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، أَوْ يُصَلِّي رَكَعَاتٍ مُطَوَّلَةً فِي بَعْضِ اللَّيَالِي مِنَ الْقِيَامِ، وَفِي بَعْضِهَا مِنَ الْقُعُودِ. (وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ)، أَيْ: لَا يَقْعُدُ قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: يَنْتَقِلُ مِنَ الْقِيَامِ إِلَيْهِمَا، وَكَذَا التَّقْدِيرُ فِي الَّذِي بَعْدَهُ، أَيْ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِمَا مِنَ الْقُعُودِ. (وَكَانَ إِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ)، أَيْ: لَا يَقُومُ لِلرُّكُوعِ. كَذَا فِي الْمَفَاتِيحِ.

قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى كَرَاهَةِ الرُّكُوعِ قَائِمًا لِمَنِ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا. قُلْتُ: لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إِلَى الْأَفْضَلِ، قَالَ: وَحُجَّتُهُمْ مَا رُوِيَ بِأَسَانِيدَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً، أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، ثُمَّ رَكَعَ ". فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَعُ قَائِمًا، فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الرُّكُوعَ قَائِمًا، وَمَنْ أَثْبَتَ الرُّكُوعَ قَاعِدًا لَا يَنْفِي هَذَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ الرُّكُوعَ قَاعِدًا فِي حَالٍ وَقَائِمًا فِي حَالٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ)، أَيْ: ظَهَرَ الصُّبُحُ (صَلَّى) وَفِي نُسْخَةٍ يُصَلِّي (رَكْعَتَيْنِ)، أَيْ: خَفِيفَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُنَنِ الصُّبْحِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّيْخِ مُحْيِي السُّنَّةِ حَيْثُ أَدْرَجَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ. (ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْفَجْرِ)، أَيْ: فَرْضَ الصُّبْحِ.

ص: 891

1163 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1163 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ)، أَيْ: عَلَى مُحَافَظَةِ شَيْءٍ (مِنَ النَّوَافِلِ)، أَيِ الزَّوَائِدِ عَلَى الْفَرَائِضِ مِنَ السُّنَنِ (أَشَدَّ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: خَبَرُ (لَمْ يَكُنْ) وَيَجُوزُ خِلَافُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، أَيْ أَكْثَرَ (تَعَاهُدًا) أَيْ: مُحَافَظَةً وَمُدَاوَمَةً (مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ تَعَاهُدِهِ عليه السلام (عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهَا " عَلَى " مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهَا (تَعَاهُدًا) وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ التَّمْيِيزِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَبَرَ (لَمْ يَكُنْ) (عَلَى شَيْءٍ) أَيْ: لَمْ يَكُنْ يَتَعَاهَدُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ، وَ (أَشَدَّ تَعَاهُدًا) حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَلَى تَأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ التَّعَاهُدُ مُتَعَاهَدًا، كَقَوْلِهِ: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً. اهـ.

وَحِينَئِذٍ (عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) يَتَعَلَّقُ بِتَعَاهُدًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلَا إِلَى غَنِيمَةٍ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، قَالَ: " عَلَيْكَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهِمَا فَضِيلَةً» ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «لَا تَدَعُوا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ» ". وَرَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا بِلَفْظِ: " «هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ فِيهِمَا رَغَبُ الدَّهْرِ» " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

ص: 892

1164 -

وَعَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1164 -

(وَعَنْهَا)، أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ")، أَيْ: فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ، وَمَا هُوَ دُنْيَوِيٌّ لَا الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الصَّادِرَةُ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنْ حَمَلَ الدُّنْيَا عَلَى أَعْرَاضِهَا وَزَهْرَتِهَا، فَالْخَيْرُ إِمَّا مُجْرًى عَلَى زَعْمِ مَنْ يَرَى فِيهَا خَيْرًا، أَوْ يَكُونُ مِنْ بَابِ: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا، وَإِنْ حَمَلَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَتَكُونُ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِنْهُمَا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " الصَّلَاةُ جَوْفَ اللَّيْلِ " مَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ.

ص: 892

1165 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» "، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ:" لِمَنْ شَاءَ " كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1165 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ")، أَيْ: رَكْعَتَيْنِ. كَمَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، قَالَ مُحْيِي الدِّينِ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْغُرُوبِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، أَوْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا وَرَدَ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ.

وَفِيهَا وَجْهَانِ: أَشْهَرُهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ، وَالْأَصَحُّ يُسْتَحَبُّ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَعَلَيْهِ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالْخَلَفِ، كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. قُلْتُ: وَإِمَامُهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: وَذَلِكَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عَنْ وَقْتِهِ، أَيْ: عَنْ وَقْتِهِ الْحَقِيقِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَنْ وَقْتِهِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. (قَالَ فِي الثَّالِثَةِ)، أَيْ: عَقِبَهَا (" لِمَنْ شَاءَ ")، أَيْ: ذَلِكَ الْأَمْرُ لِمَنْ شَاءَ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. (كَرَاهِيَةَ)، أَيْ: عِلَّةٌ لِقَالَ، أَيْ: مَخَافَةَ (أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً) .

قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ غَيْرُهُ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: سُنَّةٌ، أَيْ: عَزِيمَةٌ لَازِمَةٌ مُتَمَسِّكِينَ بِقَوْلِهِ: (صَلُّوا) فَإِنَّهُ أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَتَعْلِيقُهُ بِالْمَشِيئَةِ يَدْفَعُ حَمْلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَكُونُ مَنْدُوبًا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ قَوْلُهُ: سُنَّةٌ، أَيْ فَرِيضَةٌ إِذْ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِمْ: الْخِتَانُ سُنَّةٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِيُعْرَفَ بِهِ خُرُوجُ الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ، ثُمَّ أُمِرُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِتَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ، وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ. اهـ.

وَأَمَّا مَا نُقِلَ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ خَبَرَ أَنَّهُ عليه السلام فَعَلَهُمَا، فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَوَّلِ الْأَمْرِ، أَوْ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، أَوْ عَلَى خَصَائِصِهِ. وَخَبَرُ الشَّيْخَيْنِ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، مُطْلَقٌ قَابِلٌ لِلتَّقْيِيدِ بِمَا عَدَا الْمَغْرِبَ، وَكَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي مُسْلِمٍ: إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ لَهُمَا، مَعَ أَنَّ الْمَنْفِيَّ الْمَحْصُورَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ ; لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالنَّفْيَ عَلَى الِانْتِهَاءِ، وَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ هَذَا الْمُرَامِ، فَعَلَيْهِ شَرْحَ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْهُمَامِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 892

1166 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي أُخْرَى لَهُ، قَالَ:" «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» ".

ــ

1166 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(وَفِي أُخْرَى) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَفَى الْأُخْرَى (لَهُ)، أَيْ لِمُسْلِمٍ (قَالَ:" إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا ") : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ السُّنَّةِ بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ. اهـ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَهَا سِتٌّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، أَوْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ سِتًّا، وَهُوَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَرْبَعِ لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ مِثْلَهَا، وَأَخَذَ مِنْ مَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ لَا سُنَّةَ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَهَا، وَابْتَدَعَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبْلَهَا بِدَعَةٌ، كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِتَوْقِيفٍ.

ص: 893

الْفَصْلُ الثَّانِي

1167 -

وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا ; حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

1167 -

(عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ حَافَظَ ")، أَيْ: دَاوَمَ وَوَاظَبَ (" عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا ") : رَكْعَتَانِ مِنْهَا مُؤَكَّدَةٌ وَرَكْعَتَانِ مُسْتَحَبَّةٌ، فَالْأَوْلَى بِتَسْلِيمَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأُولَى، (" حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ")، أَيْ: مُطْلَقًا أَوْ مُؤَبَّدًا.

(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: فَتَمَسُّ وَجْهَهُ النَّارُ أَبَدًا. اهـ. أَيْ: مَا حَافَظَ أَحَدٌ فَتَمَسُّ ذَاتَهُ نَارُ جَهَنَّمَ أَصْلًا، أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ. (وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 893

1168 -

وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ، تُفَتَّحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

1168 -

(وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (" أَرْبَعٌ ")، أَيْ: رَكَعَاتٌ (" قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ ") : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيْ تُصَلَّى بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. أَيِ: الْأَفْضَلُ فِيهَا ذَلِكَ (" تُفْتَحُ ") : بِالتَّأْنِيثِ وَيَجُوزُ التَّذْكِيرُ، وَبِالتَّخْفِيفِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ (" لَهُنَّ ")، أَيْ: لِأَجْلِ طُلُوعِهِنَّ بَعْدَ قَبُولِهِنَّ (" أَبْوَابُ السَّمَاءِ ")، أَيْ: يُرْفَعُ بِهَا إِلَى الْحَضْرَةِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْقَبُولِ. (" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) : قَالَ مِيرَكُ: وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِمَا احْتِمَالُ التَّحْسِينِ.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَلَفْظُهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ رَأَيْتُهُ يُدِيمُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَالَ: " «إِنَّهُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَلَا يُغْلَقُ مِنْهَا بَابٌ حَتَّى يُصَلَّى الظُّهْرُ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ لِي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَيْرٌ» " كَذَا قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتَلَفُوا فِي سُنَّةِ النَّهَارِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مَثْنَى مَثْنَى كَصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ تَطَوُّعَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَفْضَلُ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأَرْبَعُ أَفْضَلُ فِي الْمَلَوَيْنِ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَعْيِينُ تَسْلِيمٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ، أَوْ تَعْيِينُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 893

1169 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: " إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

1169 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ) : وَتِلْكَ الرَّكَعَاتُ الْأَرْبَعُ سُنَّةُ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهُ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَأَرَادَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا غَيْرُهَا وَسَمَّاهَا سُنَّةَ الزَّوَالِ، (وَقَالَ:" إِنَّهَا ") : أَيْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ (" سَاعَةٌ تُفْتَحُ ") : بِالْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ (" فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ") : لِطُلُوعِ أَعْمَالِ الصَّالِحِينَ (" فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ ") : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُضَمُّ (" لِي فِيهَا ") : أَيْ: فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (" عَمَلٌ صَالِحٌ ")، أَيْ: إِلَى السَّمَاءِ وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] . (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ:(وَصَحَّحَهُ) غَيْرُ صَحِيحٍ.

ص: 894

1170 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ [وَأَبُو دَاوُدَ] .

ــ

1170 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا "، أَيْ: شَخْصًا، وَالْجُمْلَةُ دُعَاءٌ أَوْ إِخْبَارٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي، مَعَ أَنَّ دَعْوَتَهُ مُسْتَجَابَةٌ لَا تَتَخَلَّفُ، فَدُعَاؤُهُ فِي مَعْنَى الْإِخْبَارِ مُتَضَمِّنٌ لِلْبِشَارَةِ (" صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا ") : وَالْمُرَادُ سُنَّةُ الْعَصْرِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَهَى مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ [وَأَبُو دَاوُدَ] ) : قَالَ مِيرَكُ: وَحَسَّنَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَحَّحَاهُ وَإِنْ أَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. (وَأَبُو دَاوُدَ) .

ص: 894

1171 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

1171 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ) : وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ لَفْظُ الْحَدِيثِ يَأْبَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ فِيهِ لِلتَّحَلُّلِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَيُسَنُّ لِلْمُسَلِّمِ مِنْهَا أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَخَلْفِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمُؤْمِنِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. اهـ. لَكِنَّ مَا تَقَدَّمَ أَنْسَبُ إِلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا صَلَّى أَرْبَعًا أَنْ يَكُونَ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلِاخْتِلَافِ الْآثَارِ خَيَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْقَدُورِيُّ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ: حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، نَقَلَهُ مِيرَكُ.

ص: 894

1172 -

وَعَنْهُ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1172 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ عَلِيٍّ (قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» )، أَيْ: أَحْيَانًا فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَرْبَعِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

ص: 894

1173 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ ; عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ ابْنِ أَبِي خَثْعَمٍ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ جِدًّا.

ــ

1173 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ ")، أَيْ: فَرْضِهِ (" سِتَّ رَكَعَاتٍ ") : الْمَفْهُومُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الرَّاتِبَتَيْنِ دَاخِلَتَانِ فِي السِّتِّ، وَكَذَا فِي الْعِشْرِينَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي. قَالَهُ

ص: 894

الطِّيبِيُّ، فَيُصَلِّي الْمُؤَكَّدَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ، وَفِي الْبَاقِي بِالْخِيَارِ. (" لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ ")، أَيْ: فِي أَثْنَاءِ أَدَائِهِنَّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِذَا سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ (" بِسُوءٍ ")، أَيْ: بِكَلَامٍ سَيِّئٍ أَوْ بِمَا يُوجِبُ سُوءًا (" عُدِلْنَ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَقِيلَ بِالْمَعْلُومِ (" لَهُ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: يُقَالُ: عَدَلْتُ فُلَانًا بِفُلَانٍ: إِذَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمَا (" بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا مِنْ بَابِ الْحَثِّ وَالتَّحْرِيضِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُفَضَّلَ مَا لَا يُعْرَفُ عَلَى مَا يُعْرَفُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ؛ حَثًّا وَتَحْرِيضًا، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ: ثَوَابُ الْقَلِيلِ مُضَعَّفًا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْكَثِيرِ غَيْرَ مُضَعَّفٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَعَلَّ الْقَلِيلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْحَالِ يُضَاعَفُ عَلَى الْكَثِيرِ فِي غَيْرِهِمَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الصَّلَاةُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ الْمُنْذِرِيِّ: وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. (وَقَالَ) ، أَيِ التِّرْمِذِيُّ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ ابْنِ أَبِي خَثْعَمٍ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ)، أَيِ الْبُخَارِيَّ (يَقُولُ: هُوَ) ، أَيْ: عُمَرُ (مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ) ، أَيِ الْبُخَارِيُّ (جِدًّا) ، أَيْ تَضْعِيفًا قَوِيًّا، قَالَ مِيرَكُ نَاقِلًا عَنِ التَّصْحِيحِ: وَالْعَجَبُ مِنْ مُحْيِي السُّنَّةِ كَيْفَ سَكَتَ عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ؟ قُلْتُ: يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، مَعَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، قَالَ مِيرَكُ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ:«رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يُصَلِّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ، وَقَالَ: رَأَيْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ» ، وَقَالَ:" مَنْ «صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» ". حَدِيثٌ غَرِيبٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحُ بْنُ قَطَنٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَصَالِحٌ هَذَا لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ فِيهِ جَرْحٌ وَلَا تَعْدِيلٌ.

ص: 895

1174 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ عِشْرِينَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

1174 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ ")، أَيْ: بَعْدَ فَرْضِهِ (" عِشْرِينَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا ")، أَيْ عَظِيمًا مُشْتَمِلًا عَلَى أَنْوَاعِ النِّعَمِ. (" فِي الْجَنَّةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ مُنْقَطِعًا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُتَّصِلًا مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَيَعْقُوبُ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهَا حَدِيثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّيهَا عِشْرِينَ وَيَقُولُ: " «هَذِهِ صَلَاةُ الْأَوَّلِينَ فَمَنْ صَلَّاهَا غُفِرَ لَهُ» ". وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُصَلُّونَهَا، قَالَ جَمْعٌ: وَرُوِيَتْ أَرْبَعًا، وَرُوِيَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا عِشْرُونَ. وَرُوِيَ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْهَا جُمْلَةً.

ص: 895

1175 -

وَعَنْهَا، قَالَتْ:«مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ، إِلَّا صَلَّى أَرْبَعَ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1175 -

(وَعَنْهَا)، أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ)، أَيْ: فِي نَوْبَتِي (إِلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ)، أَيْ: رَكْعَتَانِ مُؤَكَّدَةٌ بِتَسْلِيمَةٍ وَرَكْعَتَانِ مُسْتَحَبَّةٌ، (أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ) : يُحْتَمَلُ الشَّكُّ وَالتَّنْوِيعُ. فَرَكْعَتَانِ نَافِلَةٌ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 895

1176 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَ {وَأَدْبَارِ السُّجُودِ} [ق: 40] الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

1176 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْحِكَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ - وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 48 - 49] وَجَوَّزَ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (" الرَّكْعَتَانِ فِي الْفَجْرِ ")، أَيْ: فَرْضُهُ، وَالْإِدْبَارُ وَالدُّبُورُ الذَّهَابُ يَعْنِي: عَقِيبَ ذَهَابِ النُّجُومِ، وَهُوَ سُنَّةُ الصُّبْحِ. {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا قِرَاءَتَانِ مُتَوَاتِرَتَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ - وَمِنَ اللَّيِلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 39 - 40] قَالَ الطِّيبِيُّ: صَلَاةُ أَدْبَارِ السُّجُودِ. وَأَدْبَارُ نَصْبُهُ بِسَبِّحْ فِي التَّنْزِيلِ أَوْقَعَهُ مُضَافًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْحِكَايَةِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ فَرِيضَةُ الْمَغْرِبِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَطْلَقَ السُّجُودَ وَأَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ إِطْلَاقًا لِلْجُزْءِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْكُلِّ. انْتَهَى. وَفِي جَعْلِهِ جُزْءًا أَعْظَمَ نَظَرٌ، وَيَجُوزُ رَفْعُ (أَدْبَارَ السُّجُودِ) عَلَى الِابْتِدَائِيَّةِ، وَخَبَرُهُ (" الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ غَرِيبٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ.

ص: 896

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

1177 -

عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ:«سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " أَرْبَعُ [رَكَعَاتٍ] قَبْلَ الظُّهْرِ، بَعْدَ الزَّوَالِ، تُحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ فِي صَلَاةِ السَّحَرِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ تِلْكَ السَّاعَةَ "، ثُمَّ قَرَأَ: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل: 48] » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ ".

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

1177 -

(عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " أَرْبَعٌ ")، أَيْ: مِنَ الرَّكَعَاتِ. (" قَبْلَ الظُّهْرِ، بَعْدَ الزَّوَالِ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: قَبْلَ الظُّهْرِ صِفَةٌ لِأَرْبَعٍ، وَخَبَرُهُ (" تُحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ ")، أَيِ: الْكَائِنُ (" فِي صَلَاةِ السَّحَرِ ")، أَيْ: تُوَازِي أَرْبَعًا فِي الْفَجْرِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْفَرِيضَةِ لِمُوَافَقَةِ الْمُصَلِّي، أَيْ: بَعْدَ الزَّوَالِ سَائِرَ الْكَائِنَاتِ فِي الْخُضُوعِ وَالدُّخُورِ لِبَارِئِهَا، فَإِنَّ الشَّمْسَ أَعْلَى وَأَعْظَمُ مَنْظُورٍ فِي الْكَائِنَاتِ، وَعِنْدَ زَوَالِهَا يَظْهَرُ هُبُوطُهَا وَانْحِطَاطُهَا، وَسَائِرُ مَا يَتَفَيَّأُ بِهَا ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ. انْتَهَى. يَعْنِي: وَوَقْتَ الصُّبْحِ مُقَدِّمَةُ طُلُوعِهَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَطَرِيقُ الْمُلَاءَمَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، قَالَ مَيْرَ بَادٍ شَاهْ: لَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْعُدُولِ عَنِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ حَمْلُ السَّحَرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَتَشْبِيهُ هَذِهِ الْأَرْبَعِ بِأَرْبَعٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُشَبَّهِ بِهِ مَشْهُودًا بِمَزِيدِ الْفَضْلِ. انْتَهَى. يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى:{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعُدُولَ إِنَّمَا هُوَ لِيَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى ; إِذْ لَيْسَ التَّهَجُّدُ أَفْضَلَ مِنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ، وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ السَّحَرَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَيُوَجَّهُ كَوْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَقْوَى بِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ أَشَقُّ وَأَتْعَبُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَهْمَا أَمْكَنَ فَهُوَ أَوْلَى وَأَحْسَنُ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ تَعْدِلُ فِي الْفَضْلِ أَرْبَعًا مُمَاثِلَةً لَهُنَّ مِنْ جُمْلَةِ صَلَاةِ السَّحَرِ الْمَشْهُودِ لَهَا بِالْفَضْلِ الْأَعْظَمِ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم كَالدَّلِيلِ عَلَى الْمُدَّعَى. (" وَمَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ ")، أَيْ: يُنَزِّهُهُ عَنِ الزَّوَالِ ; لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْكَمَالِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ (" تِلْكَ السَّاعَةَ ") : بِالنَّصْبِ، أَيْ حِينَ زَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ كَمَالِ صُعُودِهَا.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ: يُنَزِّهُهُ تَنْزِيهًا خَاصًّا تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، وَالتَّسْبِيحُ فِي الْآيَتَيْنِ بِلِسَانِ الْقَالِ وَالْحَالِ. (ثُمَّ قَرَأَ)، أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ عُمَرُ {يَتَفَيَّأُ} [النحل: 48] بِالتَّذْكِيرِ، وَأَنَّثَهُ الْبَصْرِيُّ، أَيْ: يَتَمَيَّلُ وَيَدُورُ وَيَرْجِعُ {ظِلَالُهُ} [النحل: 48]، أَيْ ظِلَالُ كُلِّ شَيْءٍ {عَنِ الْيَمِينِ} [النحل: 48] : أُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ {وَالشَّمَائِلِ} [النحل: 48] : فِيهِ تَفَنُّنٌ، أَيْ: يَمِينُ كُلِّ شَيْءٍ وَشَمَالِهِ {سُجَّدًا} [النحل: 48]، أَيْ: سَاجِدِينَ مُنْقَادِينَ {لِلَّهِ} [النحل: 48] : حَالٌ {وَهُمْ} [النحل: 48]، أَيِ: الْخَلْقُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَا مِنْ شَيْءٍ، وَفِيهِ تَغْلِيبُ الْعُقَلَاءِ {دَاخِرُونَ} [النحل: 48] ، أَيْ: صَاغِرُونَ أَذِلَّاءُ خَاضِعُونَ، حَالٌ أُخْرَى مُتَدَاخِلَةٌ أَوْ مُتَرَادِفَةٌ، وَهِيَ أَوْلَى لِحُصُولِهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَسَائِرِ الْأَحْوَالِ.

ص: 896

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَوَلَمْ يَرَوْا، أَيْ بِالْغَيْبَةِ وَالْخِطَابِ، إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ، أَيْ: مِنَ الْأَجْرَامِ الَّتِي لَهَا ظِلَالٌ مُتَفَيِّئَةٌ عَنْ أَيْمَانِهَا وَشَمَائِلِهَا، كَيْفَ تَنْقَادُ لِلَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مُمْتَنِعَةٍ عَلَيْهِ فِيمَا سَخَّرَهَا مِنَ التَّفَيُّؤِ، وَالْأَجْرَامُ فِي أَنْفُسِهَا دَاخِرَةٌ أَيْضًا مُنْقَادَةٌ صَاغِرَةٌ، وَالشَّمْسُ وَإِنْ كَانَتْ أَعْظَمَ وَأَعْلَى مَنْظُورٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ إِلَّا أَنَّهَا عِنْدَ الزَّوَالِ يَظْهَرُ هُبُوطُهَا وَانْحِطَاطُهَا، وَأَنَّهَا آيِلَةٌ إِلَى الْفَنَاءِ وَالذَّهَابِ، وَلِذَا قَالَ سَيِّدُ الْمُوَحِّدِينَ:{لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: 76] ، فَأَشَارَ عليه السلام أَنَّ الْمُصَلِّيَ حِينَئِذٍ مُوَافِقٌ لِسَائِرِ الْكَائِنَاتِ فِي الْخُضُوعِ لِخَالِقِهَا، فَهُوَ وَقْتُ خُضُوعٍ وَافْتِقَارٍ، فَسَاوَى وَقْتَ السَّحَرِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ تَجَلِّي الْحَقِّ وَغَفْلَةِ الْخَلْقِ وَمَحَلِّ اسْتِغْفَارٍ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) ، أَيْ (وَ) رَوَاهُ (الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

ص: 897

1178 -

«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَتْ: وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ.

ــ

1178 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قَالَ النَّوَوِيُّ: تَعْنِي بَعْدَ وُفُودِ قَوْمِ عَبْدِ الْقَيْسِ (رَكْعَتَيْنِ) : قَضَاءً أَوَّلًا، ثُمَّ اسْتِمْرَارًا ثَانِيًا (بَعْدَ الْعَصْرِ) :. وَلَعَلَّهُ عليه السلام كَانَ نَاذِرًا، أَوْ هُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عليه السلام كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَمِنْ ثَمَّ عَزَّرَ عُمَرُ رضي الله عنه مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. (عِنْدِي)، أَيْ: فِي بَيْتِي (قَطُّ)، أَيْ: أَبَدًا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

(وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَتْ: وَالَّذِي) : قَسَمٌ (ذَهَبَ بِهِ)، أَيْ: تَوَفَّاهُ (مَا تَرَكَهُمَا)، أَيْ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ) .

ص: 897

1179 -

وَعَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ. فَقَالَ: «كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْأَيْدِيَ عَلَى صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ. وَكُنَّا نُصْلِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1179 -

(وَعَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ) : بِضَمَّتَيْنِ، وَأَمَّا الْحَبُّ الْهِنْدِيُّ فَهُوَ بِضَمَّتَيْنِ وَكَسْرَتَيْنِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ. (قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ. فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْأَيْدِيَ عَلَى صَلَاةٍ) ، أَيْ: نَافِلَةٍ (بَعْدَ الْعَصْرِ) ، أَيْ، أَيْدِي مَنْ عَقَدَ الصَّلَاةَ وَأَحْرَمَ بِالتَّكْبِيرِ، أَيْ: يَمْنَعُهُمْ مِنْهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّهُ رضي الله عنه مَا وَقَفَ عَلَى قَوْلِ عَائِشَةَ، قُلْتُ: هَذَا مِنْ عَدَمِ وُقُوفِ الْقَائِلِ عَلَى كَمَالِ اطَّلَاعِ عُمَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ عُذْرُ مَنْ يُصَلِّي عَدَمَ الْاطَّلَاعِ عَلَى التَّخْصِيصِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَذَا قَوْلُ أَنَسٍ. (وَكُنَّا نُصْلِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) : مُخَالِفٌ لَهُ، أَيْ: لِعُمَرَ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَرَوْا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً. (فَقُلْتُ) قَوْلُ الْمُخْتَارِ الرَّاوِي (لَهُ)، أَيْ: لِأَنَسٍ (أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَنْهَ مَنْ صَلَّى. انْتَهَى. وَفِيهِ تَقْرِيرٌ مِنْهُ عليه السلام وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْمَنْعِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: ثُمَّ الثَّابِتُ بَعْدَ هَذَا نَفْيُ الْمَنْدُوبِيَّةِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا، إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ، وَمَا ذُكِرَ مِنَ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ، فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ الْقِنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ، وَالرَّكْعَتَانِ لَا تَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إِذَا تَجَوَّزَ فِيهِمَا. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ عَدَمُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، عليه السلام. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 897

1180 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كُنَّا بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1180 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ابْتَدَرُوا) : يُحْتَمَلُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَوِ التَّابِعِينَ، أَيْ: تَسَابَقُوا (السَّوَارِيَ) : بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ جَمْعُ سَارِيَةٍ، أَيِ: الْإِسْطِوَانَاتُ الْفَاصِلَةُ وَمُرَاعَاةً لِلسُّتْرَةِ أَيْضًا، وَقَوْلُ الطِّيبِيِّ: بِالتَّشْدِيدِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ، فَفِي الْقَامُوسِ: السَّارِيَةُ: السَّحَابُ تَسْرِي لَيْلًا جَمْعُهُ سَوَارٍ، وَالْإِسْطِوَانَةُ. ذَكَرَهُ فِي مَادَّةِ (سَ رَ يَ) وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالتَّخْفِيفِ ; لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ، وَهِيَ أَنَّ فَاعِلَةً اسْمًا أَوْ صِفَةً تُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ كَالْجَوَارِي. وَلَا تَتَوَهَّمْ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعَوَارِي جَمْعِ عَارِيَةٍ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ ذَكَرَهَا فِي مَادَّةِ (عَ وَرَ) وَجَوَّزَ التَّشْدِيدَ وَالتَّخْفِيفَ فِي الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ، فَيَاؤُهُ لِلنِّسْبَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ (عَوَارِيُّ) بِالتَّشْدِيدِ، كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْعَارِ، لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ. انْتَهَى. وَعَلَى تَقْدِيرِ خِفَّتِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَخْفِيفًا لِلنِّسْبَةِ، وَأَنْ يَكُونَ جَمْعَ عَارِيَةٍ مِنَ الْعُرَى، فَحِينَئِذٍ سُمِّيَ بِهَا ; لِأَنَّهَا عَارِيَةٌ عَنِ الْمِلْكِ حِينَ الِاسْتِعَارَةِ، وَالْمَعْنَى وَقَفَ كُلُّ مَنْ سَبَقَ خَلْفَ أُسْطُوَانَةٍ. (فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ) : بِكَسْرِ هَمْزَةٍ إِنَّ وَجُوِّزَ فَتْحُهَا (لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: (حَتَّى) عَاطِفَةٌ لِمَا بَعْدَهَا عَلَى جُمْلَةِ ابْتَدَرُوا، (فَيَحْسِبُ) : بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا، أَيْ: فَيَظُنُّ (أَنَّ الصَّلَاةَ)، أَيِ: الَّتِي هِيَ فَرْضُ الْمَغْرِبِ (قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهَا) أَيْ: تِلْكَ الصَّلَاةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ. وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (يُصَلِّيهِمَا) : بِالتَّثْنِيَةِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي يَقِفُ كُلُّ وَاحِدٍ خَلْفَ سَارِيَةٍ يُصَلِّي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى إِثْبَاتِ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ. انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كَانَ نَادِرًا ; لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُعَجِّلُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِجْمَاعًا، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ، بَلْ خُرُوجُهُ عَنْ وَقْتِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، فَلَعَلَّهُ وَقَعَ هَذَا عَنْ بَعْضٍ فِي وَقْتٍ فَهِمُوا تَأْخِيرَهُ عليه السلام لِعُذْرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. أَوْ كَانَتَا أَوَّلًا ثُمَّ تُرِكَتَا عَلَى مَا قِيلَ، وَعَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 898

1181 -

«وَعَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَيْتُ عُقْبَةَ الْجُهَنِيَّ، فَقُلْتُ: أَلَا أُعَجِّبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ؟ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. فَقَالَ عُقْبَةُ: إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الْآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

1181 -

(وَعَنْ مَرْثَدٍ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالثَّاءِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَيْتُ عُقْبَةَ الْجُهَنِيَّ) : نِسْبَةً إِلَى جُهَيْنَةَ، قَبِيلَةٌ (فَقُلْتُ: أَلَا أُعَجِّبُكَ) : بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: أَلَا أُوقِعُكَ فِي التَّعَجُّبِ (مِنْ أَبِي تَمِيمٍ)، أَيْ: مِنْ فِعْلِهِ، قَالَ مِيرَكُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي الْأَسْحَمِ بِمُهْمَلَتَيْنِ، الْجَيْشَانِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ، أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، ثُمَّ قَدِمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَسَكَنَهَا، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَقَدْ عَدَّهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحَابَةِ لِهَذَا الْإِدْرَاكِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ. (يَرْكَعُ) أَيْ: يُصَلِّي (رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؟ فَقَالَ عُقْبَةُ: إِنَّا) أَيْ: مَعْشَرَ الصَّحَابَةِ يَعْنِي بَعْضَهُمْ (كُنَّا نَفْعَلُهُ)، أَيْ: أَحْيَانًا (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ)، أَيْ: فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الْآنَ؟) ، أَيْ: عَنْهَا (قَالَ: الشُّغْلُ) : بِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا، أَيْ: شُغْلُ الدُّنْيَا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِبَاحَتِهَا، وَإِلَّا فَالشُّغْلُ لَا يَمْنَعُ التَّابِعِيَّ عَنِ السُّنَّةِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 898

1182 -

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى مَسْجِدَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَصَلَّى فِيهِ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ بَعْدَهَا، فَقَالَ: " هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: قَامَ نَاسٌ يَتَنَفَّلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "«عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ» ".

ــ

1182 -

(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى مَسْجِدَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ) : طَائِفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (فَصَلَّى فِيهِ الْمَغْرِبَ)، أَيْ: فَرْضَهُ أَوْ سُنَّتَهُ (فَلَمَّا قَضَوْا)، أَيْ: بَعْضُ الْقَوْمِ (صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ)، أَيْ: يُصَلُّونَ نَافِلَةً بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ. (بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ (فَقَالَ: " هَذِهِ ")، أَيِ: النَّوَافِلُ (" صَلَاةُ الْبُيُوتِ ") : بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا، أَيِ الْأَفْضَلُ كَوْنُهَا فِيهَا ; لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ فِيهِ حَظٌّ لِلْبُيُوتِ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي الْقُوتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلَى بَيْتِهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ بِالِاتِّفَاقِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: قَامَ نَاسٌ يَتَنَفَّلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ» ") : إِرْشَادًا لِمَا هُوَ الْأَفْضَلُ.

ص: 898

1183 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1183 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ)، أَيْ: أَحْيَانًا لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ. (حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُمَا فِيهِ لِعُذْرٍ مَنَعَهُ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ أَعْذَارِ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ. قُلْتُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، أَوْ وَقْتِ الِاعْتِكَافِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُمَا فِي الْبَيْتِ، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلِمَ بِذَلِكَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 899

1184 -

وَعَنْ مَكْحُولٍ، يَبْلُغُ بِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، رُفِعَتْ صَلَاتُهُ فِي عِلِّيِّينَ» ". مُرْسَلًا.

ــ

1184 -

(وَعَنْ مَكْحُولٍ، يَبْلُغُ بِهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ بِالْحَدِيثِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. اهـ. فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ ; لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ، وَأَسْقَطَ مِنَ السَّنَدِ ذِكْرَ الصَّحَابِيِّ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَرْوِي:(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ ")، أَيْ: فَرْضِهِ أَوْ سُنَّتِهِ (" قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ ")، أَيْ: بِكَلَامِ الدُّنْيَا (" رَكْعَتَيْنِ ") : يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا سُنَّتَا الْبَعْدِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا مِنْ سُنَّةِ وَقْتِ الْغَفْلَةِ (وَفِي رِوَايَةٍ:" أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ") : يُحْتَمَلُ أَنَّ مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ سُنَّتَهَا الْبَعْدِيَّةَ، وَرَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْغَفْلَةِ، وَأَنَّ الْكُلَّ مِنْ صَلَاةِ الْغَفْلَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُمَا بِصَلَاةِ الْأَوَّابِينَ، كَمَا وَرَدَ. فَكَأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِطَوَافِ الْغَفْلَةِ فِي رَمَضَانَ (" رُفِعَتْ صَلَاتُهُ ")، أَيْ: نَافِلَتُهُ، أَوْ مَعَ فَرِيضَتِهِ، (" فِي عِلِّيِّينَ ") : كِنَايَةً عَنْ غَايَةِ قَبُولِهَا وَعَظِيمِ ثَوَابِهَا. فِي الْقَامُوسِ: عِلِّيُّونَ جَمْعُ عِلِّيٍّ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، تَصْعَدُ إِلَيْهِ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ. اهـ. أَيْ: وَأَعْمَالُهُمْ. (مُرْسَلًا)، أَيْ: يُبَلِّغُ بِهِ حَالَ كَوْنِ الْحَدِيثِ مُرْسَلًا ; لِأَنَّ مَكْحُولًا تَابِعِيٌّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْإِرْسَالُ هُنَا لَا يَضُرُّ ; لِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالضَّعِيفِ الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ يُعْمَلُ بِهِمَا فِي الْفَضَائِلِ. اهـ. وَهَذَا فِي مَذْهَبِهِ، وَإِلَّا فَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

ص: 899

1185 -

وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، نَحْوَهُ، وَزَادَ: فَكَانَ يَقُولُ: " «عَجِّلُوا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُمَا تُرْفَعَانِ مَعَ الْمَكْتُوبَةِ» ". رَوَاهُمَا رَزِينٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الزِّيَادَةَ عَنْهُ نَحْوَهَا فِي:" شُعَبِ الْإِيمَانِ ".

ــ

1185 -

(وَعَنْ حُذَيْفَةَ)، أَيْ: مَرْوِيٌّ عَنْهُ (نَحْوُهُ)، أَيْ: نَحْوُ حَدِيثِ مَكْحُولٍ بِمَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ. (وَزَادَ)، أَيْ: حُذَيْفَةُ (فَكَانَ يَقُولُ)، أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (" عَجِّلُوا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ")، أَيْ: بِالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا أَوْ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهِمَا، وَلَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا سُنَّتُهُ بِلَا خِلَافٍ (" فَإِنَّهُمَا تُرْفَعَانِ مَعَ الْمَكْتُوبَةِ ")، أَيْ: مَعَ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ وَمُكَمِّلَةٌ لَهَا وَقْتَ الْعَرْضِ. (رَوَاهُمَا رَزِينٌ) قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ الْمُنْذِرِيِّ: وَلَمْ أَرَهُمَا فِي الْأُصُولِ. (وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الزِّيَادَةَ)، أَيِ: الْمَذْكُورَةَ (عَنْهُ)، أَيْ: عَنْ حُذَيْفَةَ (نَحْوَهَا) : بَدَلٌ، أَيْ: رُوِيَ نَحْوَ زِيَادَةِ رَزِينٍ عَنْهُ، (فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) : فَتَتَقَوَّى بِذَلِكَ رِوَايَةُ رَزِينٍ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، لَكِنْ إِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لَوْ عَدَّ شُعَبَ الْإِيمَانِ مِنَ الْأُصُولِ.

ص: 899

1186 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: إِنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ، إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا نُوصِلَ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

1186 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: إِنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ)، أَيْ: عَمْرًا (إِلَى السَّائِبِ) : رضي الله عنه (يَسْأَلُهُ)، أَيْ: يَسْأَلُ عَمْرٌو السَّائِبَ (عَنْ شَيْءٍ رَآهُ)، أَيْ: ذَلِكَ الشَّيْءُ (مِنْهُ)، أَيْ: مِنَ السَّائِبِ

ص: 899