المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ الْقُنُوتِ] الْفَصْلُ الْأَوَّلُ - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ]

- ‌[بَابُ الْمَوْقِفِ]

- ‌[بَابُ الْإِمَامَةِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْمَأْمُومِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ]

- ‌[بَابُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَرَّتَيْنِ]

- ‌[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[بَابُ الْوَتْرِ]

- ‌[بَابُ الْقُنُوتِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[بَابُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ وُجُوبِهَا]

- ‌[بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ]

- ‌[بَابُ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْعَتِيرَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌[بَابٌ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَثَوَابِ الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَذِكْرِهِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ]

- ‌[بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ]

- ‌[الْمَشْيُ بِالْجَنَازَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا]

- ‌[بَابُ دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ الْقُنُوتِ] الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

[بَابُ الْقُنُوتِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

ص: 958

1288 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ ; قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ "، يَجْهَرُ بِذَلِكَ. وكان يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ: " اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا "، لِأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] الْآيَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[36]

بَابُ الْقُنُوتِ

قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هُوَ فِي الْأَصْلِ الطَّاعَةُ، ثُمَّ سُمِّيَ طُولُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ قُنُوتًا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ هُنَا الدُّعَاءُ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي الْقُنُوتِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا نَقَلَ الْأَبْهَرِيُّ عَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1288 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ)، أَيْ: لِضَرَرِهِ (أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ)، أَيْ: لِنَفْعِهِ (قَنَتَ) : وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ بِالصُّبْحِ أَوْ تَعْمِيمَ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَخَذَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي أَخِيرَةِ سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ الَّتِي تَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، كَوَبَاءٍ وَقَحْطٍ وَطَاعُونٍ، وَخَاصَّةً بِبَعْضِهِمْ كَأَسْرِ الْعَالِمِ أَوِ الشُّجَاعِ مِمَّنْ تَعَدَّى نَفْعُهُ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَمْ يَقُلْ بِهِ فِيهَا غَيْرُ الشَّافِعِيِّ غَلَطٌ مِنْهُ، بَلْ قَنَتَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي الْمَغْرِبِ بِصِفِّينَ اهـ. وَنِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى الطَّحَاوِيِّ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ غَلَطٌ ; إِذْ أَطْبَقَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى جَوَازِ الْقُنُوتِ عِنْدَ النَّازِلَةِ. (بَعْدَ الرُّكُوعِ) : قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لَكِنْ رُوَاةُ الْقُنُوتِ بَعْدَهُ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ، فَهُوَ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْفُقَهَاءُ الرَّاشِدُونَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَات عَنْهُمْ وَأَكْثَرِهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ الْبَاقِلَّانِيِّ: يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ التَّرْجِيحُ بِظَنِّيٍّ كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ أَوِ الْأَدِلَّةِ، أَوْ كَثْرَةِ أَوْصَافِهِمْ بِخِلَافِ الْقَطْعِيِّ كَتَقْدِيمِ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ اخْتِيَارٌ لَهُ، قُلْتُ: بَلْ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْخِيَارِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ، وَسَمَّاهُ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُورَ. (فَرُبَّمَا قَالَ)، أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِذَا قَالَ) : وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ، أَيْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَتِهِ: إِذْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. اللَّهُمَّ أَنْجِ) : أَمْرٌ مِنَ الْإِنْجَاءِ، أَيْ خَلِّصْ (الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ) : هُوَ أَخُو خَالِدٍ، أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا، فَلَمَّا فُدِيَ أَسْلَمَ فَقِيلَ لَهُ: هَلَّا أَسْلَمْتَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَدَيَ؟ فَقَالَ: كَرِهَتْ أَنْ يُظَنَّ بِي أَنِّي إِنَّمَا أَسْلَمْتُ جَزَعًا، فَحُبِسَ بِمَكَّةَ ثُمَّ أَفْلَتَ مِنْ أَسْرِهِمْ بِدُعَائِهِ عليه الصلاة والسلام وَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ) : بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَعُذِّبَ فِي اللَّهِ، وَمُنِعَ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ. (وَعَيَّاشَ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّة (ابْنَ أَبِي رَبِيعَةَ) : وَهُوَ أَخُو أَبِي جَهْلٍ لِأُمِّهِ، أَسْلَمَ قَدِيمًا فَأَوْثَقَهُ أَبُو جَهْلٍ بِمَكَّةَ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ جَدُّهُمُ الْمُغَيَّرَةُ، وَهُمْ أَسْبَاطٌ كُلُّ وَاحِدٍ ابْنُ عَمِّ الْآخَرِ، دَعَا لَهُمْ صلى الله عليه وسلم بِالنَّجَاةِ مِنْ أَسْرِ كُفَّارِ مَكَّةَ وَقَهْرِهِمْ. (اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ، أَيْ: شِدَّتَكَ وَعُقُوبَتَكَ (عَلَى مُضَرَ) ، أَيْ كُفَّارِهِمْ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْوَطْءُ فِي الْأَصْلِ الدَّوْسُ بِالْقَدَمِ، فَسُمِّيَ بِهِ الْغَزْوُ وَالْقَتْلُ ; لِأَنَّ مَنْ يَطَأْ عَلَى الشَّيْءِ بِرِجْلِهِ فَقَدِ اسْتَقْصَى فِي إِهْلَاكِهِ وَإِمَاتَتِهِ، وَالْمَعْنَى خُذْهُمْ أَخْذًا شَدِيدًا (وَاجْعَلْهَا)، أَيْ وَطْأَتَكَ (سِنِينَ) : جَمَعْ سَنَةٍ وَهُوَ الْقَحْطُ، أَيْ: اجْعَلْ عَذَابَكَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ تُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ قَحْطًا عَظِيمًا سَبْعَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ، (كَسِنِي يُوسُفَ) ، أَيْ كَسِنِي أَيَّامِ يُوسُفَ عليه الصلاة والسلام مِنَ الْقَحْطِ الْعَامِّ فِي سَبْعَةِ أَعْوَامٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ فِي وَاجْعَلْهَا إِمَّا لِلْوَطْأَةِ وَإِمَّا لِلْأَيَّامِ الَّتِي يَسْتَمِرُّونَ فِيهَا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَفْعُولُ الثَّانِي، وَهُوَ (سِنِينَ) جَمْعُ سَنَةٍ بِمَعْنَى الْقَحْطِ، وَهِيَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا، وَسِنِي يُوسُفَ هِيَ السَّبْعُ الشِّدَادُ الَّتِي أَصَابَهُمْ فِيهَا الْقَحْطُ. (يَجْهَرُ بِذَلِكَ) ، أَيْ بِالدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقُنُوت فِي غَيْرِ الْوِتْرِ.

قُلْتُ: لَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا إِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ وَحِينَئِذٍ لَا خِلَافَ فِيهِ، قَالَ: وَعَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لِقَوْمٍ بِأَسْمَائِهِمْ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ الدُّعَاءَ عَلَى الْكُفَّارِ وَالظَّلَمَةِ لَا يُفْسِدُهَا، قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: الْقُنُوتُ مَسْنُونٌ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ دَائِمًا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالِ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ كَعَدُوٍّ أَوْ قَحْطٍ أَوْ وَبَاءٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ ضَرَرٍ

ص: 958

ظَاهِرٍ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ قَنَتُوا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وإِلا فَلَا. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ مَسْنُونِيَّتِهِ فِي الصُّبْحِ غَيْرُ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.

(وَكَانَ يَقُولُ بَعْضَ صِلَاتِهِ) : وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الصُّبْحِ أَوْ فِي الْوِتْرِ أَوْ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَهُ وَلَوْ قَبْل السَّلَامِ: (اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا "، لِأَحْيَاءٍ)، أَيْ: لِقَبَائِلَ جَمْعُ حَيٍّ بِمَعْنَى الْقَبِيلَةِ (مِنَ الْعَرَبِ)، أَيْ: أَبْعِدْهُمْ وَاطْرُدْهُمْ عَنْ رَحْمَتِكَ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الدُّعَاءَ بِالْإِمَاتَةِ عَلَى الْكُفْرِ، وَفِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ فُلَانًا يَقْتَضِي أَنَّهُ ذَكَرَهُمْ بِأَعْلَامِهِمْ، وَقَوْلُهُ: لِأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ ذَكَرَهُمْ بِذِكْرِ قَبَائِلِهِمْ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِي قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ: عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رَعْلٍ إِلَخْ. قُلْتُ: لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَ أَعْلَامًا خَاصَّةً فِي قَبَائِلِهِمُ الْعَامَّةِ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِ (فُلَانًا وَفُلَانًا) الْقَبَائِلَ نَفْسَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لِأَحْيَاءٍ الْمُتَعَلِّقِ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: قَالَ ذَلِكَ لِأَحْيَاءٍ، أَيْ: عَنْهُمُ اهـ.

وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِ (يَقُولُ) ، سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِمُ الْخَاصُّ أَوِ الْعَامُّ، (حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى) : كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: ثُمَّ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ مُسْتَغْنى عَنْهُ لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ حَتَّى بِقَوْلِهِ، وَكَانَ يَقُولُ الدَّالُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] ، أَيْ: شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ هِدَايَةِ الْخَلْقِ بِمَعْنَى تَوْفِيقِهِمْ، وَمِنْ إِهْلَاكِ الْأَعْدَاءِ وَإِمَاتَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، فَإِمَّا أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ بِتَوْفِيقِهِمْ لِلْإِسْلَامِ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ بِإِمَاتَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَتَسْلِيطِكَ عَلَيْهِمْ. (الْآيَةَ) : بِتَثْلِيثِهَا وَتَمَامِهَا، {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] أَوْ بِمَعْنَى إِلَى أَنْ، أَيِ اصْبِرْ عَلَى مَا يُصِيبُكَ إِلَى أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ، وَلْيَكُنْ رِضَاكَ مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَلَا تَقُلْ وَلَا تَفْعَلْ شَيْئًا بِاخْتِيَارِك، كَذَا فِي الْمَفَاتِيحِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَهُ مِيرَكُ.

ص: 959

1289 -

«وَعَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ، كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، إِنَّهُ كَانَ بَعَثَ أُنَاسًا يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ، سَبْعُونَ رَجُلًا، فَأُصِيبُوا، فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1289 -

(وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ الْأَحْوَلِ) : تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ (قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ)، أَيْ: فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوِ الْوَتَرِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ النَّازِلَةِ (كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ)، أَيْ: كَانَ الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَرَّ أَنَّهُ صَحَّ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فِي الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ رَوَاهُ بِعَدَدٍ أَكْثَرَ، قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنْ لَا عِبْرَةَ بِالْأَكْثَرِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَعْدِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ حَيْثُ قَالَ أَنَسٌ:(إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ)، أَيْ: فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ مُطْلَقًا (شَهْرًا)، أَيْ: فَقَطْ (إِنَّهُ) بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ لِلتَّعْلِيلِ لِلتَّحْدِيدِ بِالشَّهْرِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ (كَانَ بَعَثَ)، أَيْ: أَرْسَلَ (أُنَاسًا)، أَيْ: جَمَاعَةً (يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ) : لِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهِمْ وَحِفْظِهِمْ لِلْقُرْآنِ (إِلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ) : لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأَحْكَامِ الْإِيمَانِ (سَبْعُونَ)، أَيْ: هُمْ سَبْعُونَ (رَجُلًا) : مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ يُقِيمُونَ فِيهَا وَيَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانُوا أَرْدَاءً لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ نَازِلَةٌ لِوُصُولِهِمْ غَايَةً بَالِغَةً مِنَ الشَّجَاعَةِ، وَكَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ، وَهُمْ قَوْمٌ غُرَبَاءُ فُقَرَاءُ زُهَّادٌ كَانُوا يَأْوُونَ فِي صِفَةِ آخِرِ مَسْجِدِهِ عليه الصلاة والسلام بِظُلَلٍ يَبِيتُونَ فِيهَا يُكْثِرُونَ بِمَنْ يَقْدَمُ وَيُقِلُّونَ بِمَنْ يَمُوتُ، أَوْ يُسَافِرُ أَوْ يَتَزَوَّجُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجرٍ أَنَّهُمْ مَا يَزِيدُونَ عَلَى السَبْعِينَ، بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ لِيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيِقْرَأُوا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا نَزَلُوا بِئْرَ مَعُونَةَ وَهِيَ

ص: 959

مَوْضِعٌ بِبِلَادٍ هُذَيْلٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ، فَصَدَّهُمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فِي أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُليْمٍ عُصَيَّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَالْقَارَةِ فَقَاتَلُوهُمْ، (فَأُصِيبُوا)، أَيْ: قُتِلُوا جَمِيعًا وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ فَإِنَّهُ تَخَلَّصَ وَبِهِ رَمَقٌ، وَظَنُّوا أَنَّهُ مَاتَ فَعَاشَ حَتَّى اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَمِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَلَمْ يُوجَدْ جَسَدُهُ دَفَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَكَانَتِ الْوَاقِعَةُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَحَزِنَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُزْنًا شَدِيدًا.

قَالَ أَنَسٌ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ. (فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ)، أَيْ: عَلَى قَاتِلِيهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَهُمْ، أَيْ: لِهِدَايَتِهِمْ، أَوْ هِيَ بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ يَعْنِي ثُمَّ لَمْ يَقْنُتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصُّبْحِ أَبَدًا أَوْ مُطْلَقًا بَعْدَ الرُّكُوعِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: ثُمَّ تَرَكَهُ، أَيْ تَرَكَ الْقُنُوتَ مُطْلَقًا، أَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، أَوْ تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَعَ فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا:«دَعَا عليه الصلاة والسلام عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ، وَأَعْتُرِضَ عَلَى ذِكْرِ لِحْيَانَ هُنَا فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُمْ مِمَّنْ أَصَابَ الْقُرَّاءَ يَوْمئِذٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَصَابَهُمْ لِحْيَانُ بَعْثُ الرَّجِيعِ، وَإِنَّمَا أَتَى الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ كُلِّهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَدَعَا عَلَى الَّذِينَ أَصَابُوا أَصْحَابَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ دُعَاءً وَاحِدًا، وَسَبَبُ هَذَا الْبَعْثِ أَنَّ قَوْمًا مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُمْ مَنْ يُفَقِّهُهُمْ، فَبَعَثَ مَعَهُمْ سِتَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ، فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْا عَلَى الرَّجِيعِ - مَاءٍ لِهُذَيْلٍ بِالْهَرَاةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ - فَأَتَاهُمْ بَنُو لِحْيَانَ - بَطْنٌ مِنْ هُذَيْلٍ - فَقَتَلُوا عَاصِمًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى دَارِهِمْ، وَأَسَرُوا خُبَيْبًا، وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ، فَبَاعُوهُمْ بِمَكَّةَ. وَتَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ تُوهِمُ أَيْضًا أَنَّ بَعْثَ الرَّجِيعِ وَبِئْرَ مَعُونَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنَّمَا أَدْمَجَهُمَا مَعًا لِقُرْبِهَا مِنْهَا، بَلْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ صَفَرٌ عَلَى رَأْسِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ.

الْفَصْلُ الثَّانِي

الْفَصْلُ الثَّانِي

ص: 960

1290 -

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مَنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1290 -

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَتَابِعًا)، أَيْ: مُوَالِيًا فِي أَيَّامِهِ أَوْ فِي صَلَاتِهِ (فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذَا قَالَ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) : وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ كَمَا تَقَدَّمَ. (مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: الْأَخِيرَةِ (يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) : مُصَغَّرٌ (عَلَى رِعْلٍ) : بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمِلَةِ، بَطْنٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، (وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (وَيُؤَمِّنُ)، أَيْ: يَقُولُ: آمِينَ (مَنْ خَلْفَهُ)، أَيْ: مِنَ الْمَأْمُومِينَ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْفَرْضِ لَيْسَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، بَلْ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ مِنْ قَحْطٍ وَغَلَبَةِ عَدُوٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 960

1291 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

1291 -

(وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا)، أَيْ: بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا سَبَقَ. (ثُمَّ تَرَكَهُ)، أَيْ: الْقُنُوتَ فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا، أَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَفِي مُسْلِمٍ أَتَمُّ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ ثُمَّ تَرَكَهُ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنْ لَا يُقْنَتَ فِي الصَّلَوَاتِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالَّذِي بَعْدَهُ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُقْنَتُ فِي الصُّبْحِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ نَزَلَتْ نَازِلَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ قَنَتَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَرَكَهُ، أَيْ: تَرَكَ اللَّعْنَ وَالدُّعَاءَ عَلَى الْقَبَائِلِ، أَوْ تَرْكَهُ فِي الصَّلَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ فِي

ص: 960

الصُّبْحِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» : قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْخِلَافِيَّةُ الثَّانِيَةُ لَهُ، أَيْ: لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا حَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ أَنَسٍ:«مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لِأَنَّا أَقْرُبُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَمَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ.

وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِّي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكَتْ وَتَعَالَيْتَ» ". وَفِي هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَعَافِنَا بِالْجَمْعِ خِلَافَ الْمَنْقُولِ، لَكِنَّهُمْ لَفَّقُوهُ مِنْ حَدِيثٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ عَامٌ لَا يَخُصُّ الْقُنُوتَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَهُوَ إِمَامٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مُنْفَرِدًا لِيَحْفَظَ الرَّاوِي مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ يُفِيدُ الْمُوَاظِبَةَ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَنَّهُ رُوِيَ يَعْنِي الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِثْلَ: عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَأَنَسٍ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَائِشَةَ، وَقَالَ: ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنَ التَّابِعِينَ، وَالْجَوَابُ أَوَّلًا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الَّذِي هُوَ النَّصُّ فِي مَطْلُوبِهِمْ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِعَبْدِ اللَّهِ هَذَا، ثُمَّ نَقُولُ فِي دَفْعِ مَا قَبْلَهُ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ تَمَسُّكًا بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:«لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصُّبْحِ إِلَّا شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ» . وَحَاصِلُ تَضْعِيفِهِمْ، أَيِ الشَّافِعِيَّةِ إِيَّاهُ، أَيِ الْقَصَّابَ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرُ الْوَهْمِ، قُلْنَا: بِمِثْلِ هَذَا ضَعَّفَ جَمَاعَةٌ أَبَا جَعْفَرٍ فَكَافَأَهُ الْقَصَّابُ، ثُمَّ يُقَوِّي ظَنَّ ثُبُوتِ مَا رَوَاهُ الْقَصَّابُ، أَنَّ شَبَابَةَ رَوَى عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ:«قُلْنَا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: إِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ، فَقَالَ: كَذَبُوا إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا وَاحِدًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ، فَهَذَا عَنْ أَنَسٍ صَرِيحٌ فِي مُنَاقَضَةِ رِوَايَةٍ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْهُ، وَفِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَيَزْدَادُ اعْتِضَادُهُ، بَلْ يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ مَا نَسِينَاهُ لِأُنْسٍ مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْقُنُوتِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ» ، وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، قَالَهُ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ.

وَأَنصُّ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّفْيِ الْعَامِّ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْنُتْ فِي الْفَجْرِ قَطُّ إِلَّا شَهْرًا وَاحِدًا لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَنَتَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ يَدْعُو عَلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ، فَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَنَسٌ نَفْسُهُ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ، كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ غَالِبِ بْنِ فَرَقَدٍ الطَّحَّانِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ شَهْرَيْنِ، فَلَمْ يَقْنُتْ فِي صَلَاةِ الْغَدْوَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسْخُ وَجَبَ حَمْلُ الَّذِي عَنْ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ إِمَّا عَلَى الْغَلَطِ أَوْ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام:" «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» "، أَيْ: الْقِيَامُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَطْوَلُ الصَّلَوَاتِ قِيَامًا، وَالْإِشْكَالُ نَشَأَ مِنِ اشْتِرَاكِ لَفْظِ الْقُنُوتِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ وَبَيْنَ الْخُضُوعِ وَالسُّكُوتِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى قُنُوتِ النَّوَازِلِ كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي النَّوَازِلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا إِلَخْ. وَيَكُونُ قَوْلُهُ: ثُمَّ تَرَكَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ يَعْنِي الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ لَا مُطْلَقًا.

وَأَمَّا قُنُوتُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيُّ فَإِنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ أَنَّ الْقُنُوتَ وَالدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى الْكَافِرِينَ قَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَا أَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ لِاعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ الْقُنُوتَ الْمُسْتَمِرَّ لَيْسَ بِسَنِّ الدُّعَاءِ لِهَؤُلَاءِ وَلَا عَلَى هَؤُلَاءِ فِي كُلِّ صَبَاحٍ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرِ لَفْظِ الرَّاوِي، مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمٍ أَوْ عَلَى قَوْمٍ» وَهُوَ سَنَدٌ صَحِيحٌ، فَلَزِمَ أَنَّ مُرَادَهُ مَا قُلْنَا أَوْ بَقَاءُ قُنُوتِ النَّوَازِلِ ; لِأَنَّ قُنُوتَهُ الَّذِي رَوَاهُ كَانَ كَقُنُوتِ النَّوَازِلِ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ نَذْكُرُهَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْعَزِيزُ.

ص: 961

1292 -

وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ! «إِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، هَاهُنَا بِالْكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ؟ قَالَ، أَيْ بُنَيَّ! مُحْدَثٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

1292 -

(وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ) : قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: وَالِدُهُ صَحَابِيٌّ، وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ الْأَشْيَمِ عَلَى وَزْنِ الْأَحْمَرِ، (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ!) : بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا (إِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ)، أَيْ: بِالْمَدِينَةِ كَثِيرًا (وَعَلِيٍّ)، أَيْ: وَصَلَّيْتَ خَلْفَ عَلِيٍّ (هَاهُنَا بِالْكُوفَةِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هُمَا ظَرْفَانِ، مُتَعَلِّقَانِ بِقَوْلِهِ:" وَعَلِيٍّ " عَلَى أَنَّ الْعَطْفَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْدِيدِ دُونَ الِانْسِحَابِ ; لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ وَحْدَهُ بِالْكُوفَةِ. (نَحْوًا)، أَيْ: قَدْرًا (مِنْ خَمْسِ سِنِينَ)، أَيْ: مُدَّةَ مَجْمُوعِ أَيَّامِ مُلَازَمَةِ الْجَمِيعِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَرْبَعُ سِنِينَ وَأَشْهُرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مُدَّةَ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه (أَكَانُوا يَقْنُتُونَ؟)، أَيْ: فِي الصُّبْحِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَكَانُوا بِإِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَبِإِسْقَاطِهَا فِي نَسْخِ الْمَصَابِيحِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ: وَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ اهـ. فَالسُّؤَالُ مُقَدَّرٌ، وَفِي ضِمْنِ الْجُمْلَةِ مُضْمَرٌ.

قَالَ، أَيْ: أَبِي (أَيْ بُنَيَّ!) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا (مُحْدَثٌ) : بِفَتْحِ الدَّالِ، أَيْ: الْقُنُوتُ بِدْعَةٌ أَحْدَثَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ، قِيلَ: لَا يَلْزَمُ نَفْيُ الْقُنُوتِ مِنْ نَفْيِ هَذَا الصَّحَابِيِّ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ الصَّفِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَسْمَعِ الْقُنُوتَ يَعْنِي: وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ، وَقِيلَ: يُرِيدُ نَفْيَ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَالْوَتْرِ، وَهُوَ أَبْعَدُ أَوْ سَمِعَ كَلِمَاتٍ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا مِنَ الصَّحَابَةِ، فَأَنْكَرَهَا، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُهُ إِطْلَاقُ جَوَابِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ هَذَا الصَّحَابِيِّ، فَأَنْكَرَهَا. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُهُ إِطْلَاقُ جَوَابِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ هَذَا الصَّحَابِيِّ نَفْيُ الْقُنُوتِ وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ، وَقَدْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ بِالْإِثْبَاتِ مِثْلُ: الْحَسَنِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْأَجْوِبَةِ، وَسَيَأْتِيكَ بَقِيَّتُهَا، وَمِنْ أَغْرَبِ مَا قِيلَ فِي التَّأْوِيلِ أَنَّ تَرْكَ الْقُنُوتِ مُحْدَثٌ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِرَدِّهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ نَقَلَهُ مِيرَكُ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقْنُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ صِلَاتِهِ» ضَعِيفٌ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ» ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: مَا أَحْفَظُهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. مُعَارَضٌ بِمَنْ حَفِظَهُ، قُلْتُ: أَقَلُّ مَا يُقَالُ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا، وَالْأَصْلُ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْقُنُوتِ. (وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَكَيْفَ يَكُونُ الْقُنُوتُ سُنَّةً رَاتِبَةً جَهْرِيَّةً، وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ:«صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهَا بِدْعَةٌ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. بِاللَّفْظِ الَّذِي تَقَدَّمَ، قَالَ: وَهُوَ أَيْضًا يَنْفِي قَوْلَ الْحَازِمِيِّ فِي أَنَّ الْقُنُوتَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ عَلَيْهِ الْجُمْهُورَ مَعَارَضٌ بِقَوْلِ حَافِظٍ آخَرَ إِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى عَدَمِهِ. قُلْتُ: بَلِ الْجُمْهُورُ هُمُ الْخُلَفَاءُ وَأَتْبَاعُهُمْ، فَمَنْ يَصْلُحُ بَعْدَهُمْ أَنْ يُسَمَّى جُمْهُورًا؟ قَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا قَنَتَ فِي الصُّبْحِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اسْتَنْصَرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّهُ كَانَ مُنْكَرًا عِنْدَ النَّاسِ، وَلَيْسَ النَّاسُ إِذْ ذَاكَ إِلَّا الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ، وَأُخْرِجَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَأُخْرِجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ: مَا شَهِدْتُ وَمَا عَلِمْتُ، وَمَا أَسْنَدَ الْحَازِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُنُوتِ فَقَالَ: أَمَّا أَنَّهُ قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَبِرْنَا وَنَسِينَا، وَأَتُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ فَسَلُوهُ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَقْنُتُ لِمَا صَحَّ عَنْهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ صَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَنَتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَلَمْ يَرَهُ قَانِتًا فِي الْفَجْرِ، وَهَذَا سَنَدٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ،

ص: 962

وَنِسْبَةُ ابْنِ عُمَرَ إِلَى النِّسْيَانِ فِي مِثْلِ هَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَإِنَّمَا يَقْرُبُ ادِّعَاؤُهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تُسْمَعُ وَتُحْفَظُ، وَالْأَفْعَالُ الَّتِي تُفْعَلُ أَحْيَانًا فِي الْعُمْرِ، أَمَّا فِعْلٌ يَقْصِدُ الْإِنْسَانُ إِلَى فِعْلِهِ كُلَّ غَدْوَةٍ مَعَ خَلْقٍ كُلُّهُمْ يَفْعَلُهُ مِنْ صُبْحٍ إِلَى صُبْحٍ يَنْسَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَقُولُ: مَا شَهِدْتُ وَلَا عَلِمْتُ وَيَتْرُكُهُ مَعَ أَنَّهُ يُصْبِحُ فَيَرَى غَيْرَهُ يَفْعَلُهُ فَلَا يَتَذَكَّرُ، فَلَا يَكُونُ مَعَ شَيْءٍ مِنَ الْعَقْلِ، وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ إِلَى هُنَا يَقْطَعُ بِأَنَّ الْقُنُوتَ لَمْ يَكُنْ سُنَّةً رَاتِبَةً ; إِذْ لَوْ كَانَ رَاتِبَةً لَفَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام كُلَّ صُبْحٍ يَجْهَرُ بِهِ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَوْ يَسَّرَ بِهِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَتَحَقَّقْ بِهَذَا الِاخْتِلَافِ، بَلْ كَانَ سَبِيلَهُ أَنْ يُنْقَلَ كَنَقْلِ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ وَمُخَافَتَتِهَا، وَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، فَإِنَّ مُوَاظَبَتَهُ عَلَى وُقُوفِهِ بَعْدَ فَرَاغِ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ زَمَانًا سَاكِتًا فِيمَا يَظْهَرُ كَقَوْلِ مَالِكٍ، كَمَا يُدْرِكُهُ مَنْ خَلْفَهُ، وَتَتَوَفَّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَاذَا، وَأَقْرَبُ الْأُمُورِ فِي تَوْجِيهِ نِسْبَةِ سَعِيدٍ النِّسْيَانَ لِابْنِ عُمَرَ إِنْ صَحَّ عَنْهُ أَنْ يُرَادَ قُنُوتُ النَّازِلَةِ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ نَفَى الْقُنُوتَ مُطْلَقًا فَقَالَ سَعِيدٌ: قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ يَعْنِي فِي النَّازِلَةِ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ لُزُومِ سَبَبِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَنَتَ عِنْدَ مُحَارَبَةِ الصَّحَابَةِ مُسَيْلِمَةَ، وَعِنْدَ مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ قَنَتَ عُمَرُ، وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ فِي مُحَارَبَةِ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ فِي مُحَارَبَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.

ص: 963

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

1293 -

عَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه، أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي، فَإِذَا كَانَتِ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: أَبَقَ أُبَيٌّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

1293 -

- (عَنِ الْحَسَنِ) ، أَيِ الْبَصْرِيِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، جَمَعَ النَّاسَ)، أَيِ: الرِّجَالَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَجَمَعَهُنَّ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ كَمَا سَيَأْتِي (عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) : وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْفَصْلَ، (فَكَانَ)، أَيْ: أُبَيٌّ (يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً) : وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْهُمَامِ: مِنَ الشَّهْرِ يَعْنِي مِنْ رَمَضَانَ (وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ)، أَيْ: فِي الْوَتْرِ، وَلَعَلَّهُ مُقَيَّدٌ بِالدُّعَاءِ عَلَى الْكَفَّارِ لِمَا مَرَّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ السُّنَّةَ إِذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ أَنْ يُلْعَنَ الْكَفَرَةُ فِي الْوَتْرِ، ثُمَّ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي اخْتِيَارِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفَاؤُلًا بِزَوَالِهِمْ وَانْتِقَالِهِمْ مِنْ مَحَالِلِهِمْ وَانْتِقَاصِهِمْ، كَمَا اخْتِيرَ النِّصْفُ الْأَخِيرُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ لِلْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ لِخُرُوجِ الْمَرَضِ وَزَوَالِ الْعَاهَةِ. (إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي)، أَيِ: الْأَخِيرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْهُمَامِ بِلَفْظِ الثَّانِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الْبَاقِيَ مُوهِمٌ وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ، (فَإِذَا كَانَتِ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ يَتَخَلَّفُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: تَخَلَّفَ بِالْمَاضِي، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْهُمَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. (فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّهَا صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ، (فَكَانُوا) : وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ (يَقُولُونَ: أَبَقَ أُبَيٌّ)، أَيْ: هَرَبَ عَنَّا، قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِمْ: أَبَقَ إِظْهَارُ كَرَاهِيَةِ تَخَلُّفِهِ فَشَبَّهُوهُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصافات: 140] سَمَّى هَرَبَ يُونُسَ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهِ إِبَاقًا مَجَازًا، وَلَعَلَّ تَخَلُّفَ أُبَيٍّ كَانَ تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ صَلَّاهَا بِالْقَوْمِ ثُمَّ تَخَلَّفَ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ أَنَّ تَخَلُّفَهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ لِعِلَّةٍ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِتَخَلُّفِهِ رضي الله عنه، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حُدُوثِ عُذْرٍ مِنَ الْأَعْذَارِ لَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ عُذْرُهُ أَنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُ التَّخَلِّيَ فِي هَذَا الْعَشْرِ الَّذِي لَا أَفْضَلَ مِنْهُ لِيَعُودَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَمَالِ فِي خَلْوَتِهِ فِيهِ مَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ فِي جَلْوَتِهِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلِلْمَتْنِ طُرُقٌ أُخْرَى ضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَمَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ عليه الصلاة والسلام يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ إِلَخْ، ضَعِيفٌ بِأَبِي عَاتِكَةَ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، مَعَ أَنَّهُ الْقُنُوتُ فِيهِ

ص: 963