المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صلاة التسبيح] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ]

- ‌[بَابُ الْمَوْقِفِ]

- ‌[بَابُ الْإِمَامَةِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْمَأْمُومِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ]

- ‌[بَابُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَرَّتَيْنِ]

- ‌[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[بَابُ الْوَتْرِ]

- ‌[بَابُ الْقُنُوتِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[بَابُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ وُجُوبِهَا]

- ‌[بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ]

- ‌[بَابُ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْعَتِيرَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌[بَابٌ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَثَوَابِ الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَذِكْرِهِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ]

- ‌[بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ]

- ‌[الْمَشْيُ بِالْجَنَازَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا]

- ‌[بَابُ دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

الفصل: ‌[باب صلاة التسبيح]

وَخَتَمَ الثَّنَاءَ بِمَا هُوَ مِنْ مَجَامِعِهِ، بَلْ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ صِيَغِ الْحَمْدِ لِافْتِتَاحِ الْقُرْآنِ بِهِ إِشَارَةً إِلَى التَّفَاؤُلِ بِزَوَالِ النِّقْمَةِ وَحُصُولِ النِّعْمَةِ، وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ حَامِدٌ لَهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرَاضٍ عَنْهُ بِكُلِّ فِعَالٍ. (أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ) : بِكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ: أَسْبَابَهَا، وَمَا فِي نُسْخَةِ جَلَالٍ مِنْ فَتْحِ الْجِيمِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: جَمْعُ مُوجِبَةٍ وَهِيَ الْكَلِمَةُ الْمُوجِبَةُ لِقَائِلِهَا الْجَنَّةَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالصِّفَاتَ الَّتِي تَحْصُلُ رَحْمَتُكَ بِسَبَبِهَا. (وَعَزَائِمَ مغْفِرَتِكَ)، أَيْ: مُؤَكِّدَاتِهَا.

قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: أَعْمَالًا تَتَعَزَّمُ وَتَتَأَكَّدُ بِهَا مَغْفِرَتُكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: جَمْعُ عَزِيمَةٍ وَهِيَ الْخَصْلَةُ الَّتِي يَعْزِمُهَا الرَّجُلُ، يَعْنِي الْخِصَالَ الَّتِي تَحْصُلُ مَغْفِرَتُكَ بِسَبَبِهَا، أَيْ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْطِيَ نَصِيبًا وَافِرًا مِنْهُمَا. (وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ)، أَيْ: طَاعَةٍ وَعِبَادَةٍ فَإِنَّهُمَا غَنِيمَةٌ مَأْخُوذَةٌ بِغَلَبَةِ دَوَاعِي عَسْكَرِ الرُّوحِ عَلَى جُنْدِ النَّفْسِ، فَإِنَّ الْحَرْبَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّوَامِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى الْجِهَادَ الْأَكْبَرَ ; لِأَنَّ أَعْدَى عَدِوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ. (وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ)، أَيْ: الْخَلَاصَ مِنْ كُلِّ مَا يَجْرَحُ دِينَ السَّالِكِ. (لَا تَدَعْ)، أَيْ: لَا تَتْرُكْ (لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ)، أَيْ: إِلَّا مَوْصُوفًا بِوَصْفِ الْغُفْرَانِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ وَفِيمَا يَلِيه مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ (وَلَا هَمًّا)، أَيْ: غَمًّا (إِلَّا فَرَّجْتَهُ) : بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفُّ، أَيْ: أَزَلْتَهُ وَكَشَفْتَهُ (وَلَا حَاجَةً هِيَ) : تِلْكَ الْحَاجَةُ (لَكَ رِضًا)، أَيْ: بِهَا، يَعْنِي مُرْضِيَةً (إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. نَقَلَهُ مِيرَكُ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَنْدُبُ تَحَرِّي غَدَاةَ السَّبْتِ لِحَاجَتِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: " «مَنْ غَدَا يَوْمَ السَّبْتِ فِي طَلَبِ حَاجَةٍ يَحِلُّ طَلَبُهَا فَأَنَا ضَامِنٌ لِقَضَائِهَا» ". وَذَكَرَ «الْجَزَرِيُّ» فِي الْحِصْنِ: صَلَاةُ حِفْظِ الْقُرْآنِ تَخْصِيصًا مِنْ بَيْنِ حَاجَاتِ الْإِنْسَانِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُلْحِقَهَا بِهَا هُنَا، قَالَ: وَمَنْ أَرَادَ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخَرِ فَلْيَقُمْ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ، وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَفِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَفِي أَوَّلِهَا، فَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَسُورَةَ يس، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَحم الدُّخَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْفَاتِحَةَ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْفَاتِحَةَ وَتَبَارَكَ الْمُلْكِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَلِيُحْسِنِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَلِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَيَسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَلِإِخْوَانِهِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ بِالْإِيمَانِ، ثُمَّ لْيَقُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ - أَيْ: لَا تُدْرَكْ - أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ - أَيْ: ذَاتِكَ - أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ، كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكِ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَسْتَعْمِلَ - وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَأَنْ تَغْسِلَ - بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ، وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا يُجَابُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا.

ص: 992

[بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ]

ص: 992

[40]

بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ

1328 -

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: " يَا عَبَّاسُ! يَا عَمَّاهُ! أَلَا أُعْطِيكَ؟ أَلَا أَمْنَحُكَ؟ أَلَا أُخْبِرُكَ؟ أَلَا أَفْعَلُ بِكَ؟ عَشْرَ خِصَالٍ إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ: أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ، قُلْتَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ، فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا، فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمْرِكَ مَرَّةً» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ ".

[40]

بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ

أَيْ: هَذَا مَبْحَثُهَا أَوْ بَيَانُهَا.

1328 -

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ، وَحَذْفِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ. (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: (يَا عَبَّاسُ) : طَلَبًا لِمَزِيدِ إِقْبَالِهِ (يَا عَمَّاهُ) : إِشَارَةٌ إِلَى مَزِيدِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَهُوَ مُنَادَى مُضَافٌ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، فَقُلِبَتْ يَاؤُهُ أَلِفًا، وَأُلْحِقَتْ بِهَاءِ السَّكْتِ، كَيَاغُلَامَاهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (أَلَا أُعْطِيكَ؟) : أَلَا لِلتَّنْبِيهِ، أَوِ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ، وَأَجَابَ بِغَيْرِ جَوَابٍ لِظُهُورِ الصَّوَابِ. (أَلَا أَمْنَحُكَ؟)، أَيْ: أَلَا أُعْطِيكَ مِنْحَةً، وَالْمُرَادُ بِالْمِنْحَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى فِعْلِ مَا تُفِيدُهُ الْخِصَالُ الْعَشْرُ، وَهُوَ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْأَوَّلِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْمَنْحُ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شَاةً أَوْ نَاقَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا، ثُمَّ يَرُدَّهَا إِذَا ذَهَبَ دَرُّهَا هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى قِيلَ فِي كُلِّ عَطَاءٍ. (أَلَا أُخْبِرُكَ؟) : وَفِي الْحِصْنِ: أَلَا أَحْبُوكَ؟ يُقَالُ: حَبَاهُ كَذَا وَبِكَذَا إِذَا أَعْطَاهُ، وَالْحِبَاءُ الْعَطِيَّةُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (أَلَا أَفْعَلُ بِكَ؟) : وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: بِاللَّامِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالْبَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: أَلَا أَفْعَلُ بِكَ أَنَّهُ قَالَ: غَيْرُ وَاحِدٍ، كَذَا فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَالصَّوَابُ: أَلَا أَفْعَلُ لَكَ؟ اهـ

وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ، وَلَا صَوَابَ فِي ذَلِكَ، بَلِ الَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ هُوَ الْبَاءُ، فَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ مَا قَالُوهُ بِسَبَبِ التَّحْرِيفِ وَالتَّصْحِيفِ الَّذِي وَقَعَ فِي أَصْلِهِ مِنْ نُسْخَةِ الْمِشْكَاةِ، كَمَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ الْمَوَاضِعُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَإِنَّمَا أَضَافَ عليه الصلاة والسلام فِعْلَ الْخِصَالِ إِلَى نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا، وَالْهَادِي إِلَيْهَا، وَكَرَّرَ أَلْفَاظًا مُتَقَارِبَةَ الْمَعْنَى تَقْرِيرًا لِلتَّأْكِيدِ، وَتَأْيِيدًا لِلتَّشْوِيقِ، وَتَوْطِئَةً لِلِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الصَّلَاةِ. (عَشْرَ خِصَالٍ) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِلْأَفْعَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ، وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ هِيَ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْخَصْلَةُ هِيَ الْخَلَّةُ وَهِيَ الِاخْتِلَالُ الْعَارِضُ لِلنَّفْسِ، إِمَّا لِشَهْوَتِهَا الشَّيْءَ، أَوْ لِحَاجَتِهَا إِلَيْهِ، فَالْخَصْلَةُ كَمَا تُقَالُ لِلْمَعَانِي الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ تُقَالُ أَيْضًا لِمَا تَقَعُ حَاجَتُهُ إِلَيْهِ، أَيْ: عَشَرَةُ أَنْوَاعِ ذُنُوبِكَ، وَالْخِصَالُ الْعَشْرُ مُنْحَصِرَةٌ فِي قَوْلِهِ: أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَقَدْ زَادَهَا إِيضَاحًا بِقَوْلِهِ: عَشْرَ خِصَالٍ بَعْدَ حَصْرِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، أَيْ: هَذِهِ عَشْرُ خِصَالٍ، فَقَدْ سَقَطَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، أَيْ: فِي الْمَصَابِيحِ شَيْءٌ مِنْ مَوْضِعَيْنِ، الْأَوَّلُ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ سَقَطَ مِنْهُ (قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ)، وَالثَّانِي بَعْدَ قَوْلِهِ:(وَعَلَانِيَتَهُ) سَقَطَ مِنْهُ عَشْرُ خِصَالٍ، فَالْحَدِيثُ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمَصَابِيحِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، كَذَا حَقَّقَهُ التُّورِبِشْتِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: فَمَنْ نَصَبَ عَشْرًا فَالْمَعْنَى خُذْهَا أَوْ دُونَكَ عَشْرَ خِصَالٍ، وَقِيلَ: عِدَّهَا، قِيلَ: وَمَعْنَى الْأَخِيرَةِ أَلَا أُصَيِّرُكَ ذَا عَشْرِ خِصَالٍ، أَوْ أَلَا آمُرُكَ بِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ أَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَهُ تَصِيرُ ذَا عَشْرِ خِصَالٍ يُغْفَرُ بِهَا ذَنْبُكَ، وَفُهِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَقَالَ مِيرَكُ: مَنْصُوبٌ عَلَى تَنَازُعِ الْأَفْعَالِ قَبْلَهَا، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: مُكَفِّرَ عَشْرِ خِصَالٍ يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ: (إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ) ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُضَافُ مُقَدَّرًا وُجِّهَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ اهـ.

وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِذَا فَعَلْتَ مَا أُعَلِّمُكَ. (غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ) : ثُمَّ قَالَ مِيرَكُ: فَالْخِصَالُ الْعَشْرُ هِيَ الْأَقْسَامُ الْعَشْرَةُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَمِنْ أَجْلِ خُلُوِّ أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ مِنْ قَدِيمِهِ وَحَدِيثِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْعَشْرِ الْخِصَالِ التَّسْبِيحَاتُ وَالتَّحْمِيدَاتُ وَالتَّهْلِيلَاتُ وَالتَّكْبِيرَاتُ، فَإِنَّهَا سِوَى الْقِيَامِ عَشْرٌ عَشْرٌ اهـ. فَفِيهِ تَغْلِيبٌ (أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) : بِالنَّصْبِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ، أَيْ: مَبْدَأَهُ وَمُنْتَهَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنَ الذَّنْبِ مَا لَا يُوَاقِعُهُ الْإِنْسَانُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ كُلَّ ذَنَبٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ. (قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ)، أَيْ: جَدِيدَهُ كَمَا فِي أَصْلِ الْأَصِيلِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِثْبَاتُهُمَا أَشْهَرُ مِنْ إِسْقَاطِهِمَا فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ اهـ.

ص: 993

وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ التُّورِبِشْتِيُّ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (خَطَأَهُ) : بِفُتْحَتَيْنِ وَهَمْزَةٍ (وَعَمْدَهُ) : قِيلَ: يُشْكِلُ بِأَنَّ الْخَطَأَ لَا إِثْمَ فِيهِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ) . فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ جُمْلَةِ الذَّنْبِ؟ وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذَّنْبِ مَا فِيهِ نَقْصٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِثْمٌ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مَغْفِرَةُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخَطَأِ مِنْ نَحْوِ الْإِتْلَافِ مِنْ ثُبُوتِ بَدَلِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَمَعْنَى الْمَغْفِرَةِ حِينَئِذٍ إِرْضَاءُ الْخُصُومِ، وَفَكُّ النَّفْسِ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ عليه السلام: ["«نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةٌ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ» "] . (صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالضَّمِيرُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِ: ذَنْبَكَ، وَسَقَطَ مِنَ الْمِشْكَاةِ هُنَا لَفْظُ عَشْرِ خِصَالٍ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْحِصْنُ وَغَيْرُهُ.

قَالَ فِي الْأَزْهَارِ: فَإِنْ قُلْتَ: أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَا يَلِيهِ، وَكَذَا بَاقِيهِ فَمَا الْحَاجَةُ إِلَى تَعَدُّدِ أَنْوَاعِ الذُّنُوبِ؟ قُلْتُ: ذَكَرَهُ قَطْعًا لِوَهْمِ أَنَّ ذَلِكَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ رُبَّمَا يَكُونُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَعَلَى هَذَا فِي أَقْرَانِهِ، وَأَيْضًا فِي التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَقْسَامِ حَثٌّ لِلْمُخَاطَبِ عَلَى الْمَحْثُوثِ عَلَيْهِ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ، ثُمَّ كُلٌّ مِنَ الْأَقْسَامِ أَعَمُّ مِمَّا يَلِيه مِنْ وَجْهٍ ; إِذِ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ قَدْ يَكُونُ قَدِيمًا، وَقَدْ يَكُونُ حَدِيثًا، وَالْقَدِيمُ وَالْحَدِيثُ قَدْ يَكُونُ خَطَأً وَقَدْ يَكُونُ عَمْدًا، وَالْخَطَأُ وَالْعَمْدُ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا وَقَدْ يَكُونُ كَبِيرًا، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ قَدْ يَكُونُ سِرًّا وَقَدْ يَكُونُ عَلَنًا، وَعَلَى هَذَا مِنَ الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ، فَإِنَّ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا إِلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ. (أَنْ تُصَلِّيَ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: " أَنْ " مُفَسِّرَةٌ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ فِي مَعْنَى الْقَوْلِ، أَوْ هِيَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالْمُقَدَّرُ عَائِدٌ إِلَى ذَلِكَ، أَيْ: هُوَ يَعْنِي الْمَأْمُورَ بِهِ أَنْ تُصَلِّيَ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ هِيَ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْخِصَالِ الْعَشْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ تُصَلِّي بِنِيَّةِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ، وَلَوْ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فِيمَا يَظْهَرُ، قُلْتُ: هَذَا مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، مَانِعَةٌ مِنْ إِرَادَةِ الْإِطْلَاقِ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَاضِيَةٌ عَلَيْهِ، وَالشَّافِعِيَّةُ اسْتَثْنَوْا الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُقَدَّمٌ، وَهَذِهِ لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَظَهَرَ بُطْلَانُ مَا ظَهَرَ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا (تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) : وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي تَعْيِينِهَا وَتَعْيِينِ أَفْضَلِ أَوْقَاتِ صَلَاتِهَا، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا أَرْبَعًا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ: الْحَدِيدِ، وَالْحَشْرِ، وَالصَّفِّ، وَالْجُمُعَةِ، وَالتَّغَابُنِ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهَا فِي الِاسْمِ، (فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ)، أَيْ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ. (وَأَنْتَ قَائِمٌ، قُلْتَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) : زَادَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً) : بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا السِّيَاقُ أَنَّ التَّسْبِيحَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ أَخَذَ بِهِ أَئِمَّتُنَا، وَأَمَّا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مِنْ جَعْلِهِ الْخَمْسَ عَشْرَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَشْرًا، وَلَا يُسَبِّحُ فِي الِاعْتِدَالِ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا: لَكِنْ جَلَالَتُهُ تَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، فَجَعَلَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ عَشْرًا، لَكِنَّهُ أَسْقَطَ فِي مُقَابَلَتِهَا مَا يُقَالُ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِشْرِينَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا وَرَدَ فِي أَثَرٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. (ثُمَّ تَرْكَعُ، فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا)، أَيْ: بَعْدَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ، كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. (ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا) ، أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ، (ثُمَّ تَهْوِي) : فِي الصِّحَاحِ: هَوَى بِالْفَتْحِ يَهْوِي بِالْكَسْرِ هُوِيًّا إِذَا سَقَطَ إِلَى أَسْفَلَ، (سَاجِدًا) : حَالٌ (فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا) :

ص: 994

أَيْ بَعْدَ تَسْبِيحِ السُّجُودِ، (ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا) : مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ دُعَاءٍ عِنْدَنَا، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَهَا بَعْدَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَنَحْوِهِ. (ثُمَّ تَسْجُدُ) ، أَيْ ثَانِيًا (فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ)، أَيْ: مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (فَتَقُولُهَا عَشْرًا)، أَيْ: قَبْلَ أَنْ تَقُومَ عَلَى مَا فِي الْحِصْنِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ وَجِلْسَةَ التَّشَهُّدِ، (فَذَلِكَ)، أَيْ: مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّسْبِيحَاتِ (خَمْسٌ وَسَبْعُونَ)، أَيْ: مَرَّةً عَلَى مَا فِي الْحِصْنِ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ)، أَيْ: ثَابِتَةٌ فِيهَا (تَفْعَلُ ذَلِكَ)، أَيْ: مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ (فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ)، أَيْ: فِي مَجْمُوعِهَا بِلَا مُخَالَفَةٍ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّلَاثِ فَتَصِيرُ ثَلَاثَمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ (إِنِ اسْتَطَعْتَ) : اسْتِئْنَافٌ، أَيْ: إِنْ قَدَرْتَ (أَنْ تُصَلِّيَهَا)، أَيْ: هَذِهِ الصَّلَاةَ (فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ)، أَيْ: فِي كُلِّ يَوْمٍ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ، أَوْ مَعَ وُجُودِهَا لِعَائِقٍ، (فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَتُسَكَّنُ، أَيْ: فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ (مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) : لِمَا تَقَدَّمَ (فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَتُسَكَّنُ (مَرَّةً ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ)، أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَيْضًا (وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ اهـ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مَا فِي الْحِصْنِ.

ص: 995

1329 -

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَهُ.

ــ

1329 -

(وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَهُ) : وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ غَيْرُ حَدِيثٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَثِيرُ شَيْءٍ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، وَذَكَرُوا الْفَضْلَ فِيهَا، نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِمَّنْ رَوَاهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْخَطِيبُ، وَالْآجُرِّيُّ، وَأَبُو سَعِيدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، اخْتَلَفَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ جَمَاعَةٌ اهـ.

وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ " حَسَنٌ "، وَقَدْ أَسَاءَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ بِذِكْرِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَصَحُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي فَضَائِلِ السُّوَرِ فَضْلُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَأَصَحُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي فَضَائِلِ الصَّلَوَاتِ فَضْلُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: صَلَاةُ التَّسْبِيحِ مُرَغَّبٌ فِيهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَادَهَا فِي كُلِّ حِينٍ، وَلَا يَتَغَافَلُ عَنْهَا قَالَ: وَيَبْدَأُ فِي الرُّكُوعِ بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا، وَفِي السُّجُودِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا، ثُمَّ يُسَبِّحُ التَّسْبِيحَاتِ الْمَذْكُورَةَ، وَقِيلَ لَهُ: إِنْ سَهَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ هَلْ يُسَبِّحُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ عَشْرًا عَشْرًا؟ قَالَ: لَا إِنَّمَا هِيَ ثَلَاثُمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ.

ص: 995

قُلْتُ: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِنْ سَهَا وَنَقَّصَ عَدَدًا مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يَأْتِي بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ تَكْمِلَةً لِلْعَدَدِ الْمَطْلُوبِ.

وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ صَلَّاهَا لَيْلًا فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ صَلَّاهَا نَهَارًا فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ، غَيْرَ أَنَّ التَّسْبِيحَ الَّذِي يَقُولُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ يُؤَدِّي إِلَى جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكُ يُسَبِّحُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَشْرًا، وَالْبَاقِي كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَجَلَالَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ تَمْنَعُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ، وَإِنَّمَا أُحِبُّ الْعَمَلَ بِمَا تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّسْبِيحِ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ الْفَصْلُ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْقِيَامِ، فَإِنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ حِينَئِذٍ مَشْرُوعَةٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَيَنْبَغِي لِلْمُتَعَبِّدِ أَنْ يَعْمَلَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَارَةً، وَيَعْمَلَ بِحَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أُخْرَى، وَأَنْ يَفْعَلَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا تَارَةً بِالزَّلْزَلَةِ، وَالْعَادِيَاتِ، وَالْفَتْحِ، وَالْإِخْلَاصِ، وَتَارَةً بِ (أَلْهَاكُمُ، وَالْعَصْرِ، وَالْكَافِرُونَ، وَالْإِخْلَاصِ) وَأَنْ يَكُونَ دُعَاؤُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَدْعُو لِحَاجَتِهِ، فَفِي كُلِّ شَيْءٍ ذَكَرْتُهُ وَرَدَتْ سُنَّةٌ، أَمَّا كَوْنُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ يَرْوِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ائْتِنِي غَدًا أَحْبُوكَ وَأُثِيبُكَ وَأُعْطِيكَ " حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُعْطِينِي عَطِيَّةً، أَيْ حِسِّيَّةً، وَالْحَالُ أَنَّهَا مَعْنَوِيَّةٌ، قَالَ:" إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَقُمْ فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ " فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ:" ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَاسْتَوِ جَالِسًا وَلَا تَقُمْ حَتَّى تُسَبِّحَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرَ عَشْرًا، وَتُهَلِّلَ عَشْرًا، ثُمَّ تَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَعْظَمَ أَهْلِ الْأَرْضِ ذَنْبًا غُفِرَ لَكَ ".

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُصَلِّيَهَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ؟ قَالَ: صَلِّهَا مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: إِنَّهُ يَقُولُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ: بِسُبْحَانِكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ يُسَبِّحُ خَمْسَ عَشْرَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَعَشْرًا بَعْدَهَا، وَالْبَاقِي عَشْرًا عَشْرًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَاعِدًا، وَهَذَا هُوَ الْأَحْسَنُ وَهُوَ اخْتِيَارُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ زَادَ بَعْدَ التَّسْبِيحِ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَحَسُنٌ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.

وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ اللُّمْعَةِ فِي رَغَائِبِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيِّ، نَزِيلِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ: يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ عِنْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ التَّكَاثُرَ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالْعَصْرِ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْكَافِرُونَ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْإِخْلَاصَ، فَإِذَا كَمُلَتِ الثَّلَاثُمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ قَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَوْفِيقَ أَهْلِ الْهُدَى، وَأَعْمَالَ أَهْلِ الْيَقِينِ، وَمُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ، وَعَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ، وَحَذَرَ أَهْلِ الْخَشْيَةِ، وَتَعَبُّدَ أَهْلِ الْوَرَعِ، وَعِرْفَانَ أَهْلِ الْعِلْمِ، حَتَّى أَخَافَكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَخَافَةً تَحْجِزُنِي عَنْ مَعَاصِيكَ، وَحَتَّى أَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ عَمَلًا أَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّضَا، وَحَتَّى أُنَاصِحَكَ فِي التَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْكَ، وَحَتَّى أُخْلِصَ لَكَ النَّصِيحَةَ حُبًّا لَكَ، وَحَتَّى أَتَوَكَّلَ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا حُسْنَ ظَنٍّ بِكَ، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ، رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَالْأَقْرَبُ مِنْ الِاعْتِدَالِ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَهَذَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا عِنْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ اهـ. كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْمَرْحُومُ قُطْبُ الدِّينِ الْمُفْتِي بِالْحَرَمِ الْأَمِينِ فِي رِسَالَتِهِ أَدْعِيَةِ الْحَجِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ فِي الْكَلِمِ الطَّيِّبِ، عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَفْظُهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَوْفِيقَ أَهْلِ الْهُدَى، وَأَعْمَالَ أَهْلِ الْيَقِينِ، وَمُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ، وَعَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ، وَجِدَّ أَهْلِ الْخَشْيَةِ، وَطَلَبَ أَهْلِ الرَّغْبَةِ، وَتَعَبُّدَ أَهْلِ الْوَرَعِ، وَعِرْفَانَ أَهْلِ الْعِلْمِ، حَتَّى أَخَافَكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَخَافَةً تَحْجِزُنِي عَنْ مَعَاصِيكَ، وَحَتَّى أَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ عَمَلًا أَسْتَحِقُّ بِهِ رِضَاكَ، وَحَتَّى أُنَاصِحَكَ بِالتَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْكَ، وَحَتَّى أُخْلِصَ لَكَ النَّصِيحَةَ حَيَاءً مِنْكَ، وَحَتَّى أَتَوَكَّلَ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا حُسْنَ ظَنٍّ بِكَ سُبْحَانَ خَالِقِ النَّارِ اهـ. وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ بِاعْتِبَارِ حُسْنِ سَنَدِهِ كَمَا لَا يَخْفَى.

ص: 996

1330 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ تبارك وتعالى: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلُ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

1330 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ) : بِالرَّفْعِ عَلَى نِيَابَةِ الْفَاعِلِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ)، أَيْ: طَاعَاتِهِ (صَلَاتُهُ)، أَيِ: الْفَرِيضَةُ، قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الدِّمَاءُ " أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِي مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ اهـ. أَوِ الْأَوَّلَ مِنْ تَرْكِ الْعِبَادَاتِ، وَالثَّانِي مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ. (فَإِنْ صَلُحَتْ) : بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: صَلَاحُهَا بِأَدَائِهَا صَحِيحَةً اهـ. أَوْ بِوُقُوعِهَا مَقْبُولَةً. (فَقَدْ أَفْلَحَ)، أَيْ: فَازَ بِمَقْصُودِهِ (وَأَنْجَحَ)، أَيْ: ظَفَرَ بِمَطْلُوبِهِ، فَيَكُونُ فِيهِ تَأْكِيدٌ، أَوْ فَازَ بِمَعْنَى خُلِّصَ مِنَ الْعِقَابِ، وَأَنْجَحَ، أَيْ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ، (وَإِنْ فَسَدَتْ) : بِأَنْ لَمْ تُؤَدَّ أَوْ أُدِّيَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ، أَوْ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ، (فَقَدْ خَابَ) : بِحِرْمَانِ الْمَثُوبَةِ (وَخَسِرَ) : بِوُقُوعِ الْعُقُوبَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى خَابَ نَدِمَ وَخَسِرَ، أَيْ صَارَ مَحْرُومًا مِنَ الْفَوْزِ وَالْخَلَاصِ قَبْلَ الْعَذَابِ. (فَإِنِ انْتَقَصَ) : بِمَعْنَى نَقَصَ اللَّازِمِ (مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ)، أَيْ: مِنَ الْفَرَائِضِ (قَالَ الرَّبُّ تبارك وتعالى : مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ (انْظُرُوا) : يَا مَلَائِكَتِي (هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطُوِّعٍ؟) : فِي صَحِيفَتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ، أَيْ: سُنَّةٍ أَوْ نَافِلَةٍ مِنْ صَلَاةٍ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَعْلَمِ الْعَبْدُ نُقْصَانَ فَرْضِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ، (فَيُكَمَّلُ) : بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفَّفُ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَبِالنَّصْبِ وَيُرْفَعُ (بِهَا)، أَيْ: بِنَافِلَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيْ: بِالتَّطَوُّعِ وَتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ

بِاعْتِبَارِ النَّافِلَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ نَصْبُ " فَيُكَمَّلُ " عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ:" فَكَمِّلُوا بِهَا فَرِيضَتَهُ "، وَإِنَّمَا أُنِّثَ ضَمِيرُ التَّطَوُّعِ فِي بِهَا نَظَرًا إِلَى الصَّلَاةِ. (مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ)، أَيْ: مِقْدَارُهُ، (ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ) : مِنَ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا (عَلَى ذَلِكَ)، أَيْ: إِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْمَفْرُوضِ يُكَمَّلُ لَهُ بِالتَّطَوُّعِ.

(وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ) : يَعْنِي: الْأَعْمَالَ الْمَالِيَّةَ مِثْلَ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ عَلَى السَّوِيَّةِ، (ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ)، أَيْ: سَائِرُ الْأَعْمَالِ مِنَ الْجِنَايَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ (عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ) : مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْحَسَنَاتِ، فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيْ: عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، فَمَنْ كَانَ حَقٌّ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَيُدْفَعُ إِلَى صَاحِبِهِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

ص: 997

1331 -

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ.

ــ

1331 -

(وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ) : وَقَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا خَبَرُ: لَا تُقْبَلُ نَافِلَةُ الْمُصَلِّي حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ فَضَعِيفٌ.

ص: 997