المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما على الإمام] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِّ]

- ‌[بَابُ الْمَوْقِفِ]

- ‌[بَابُ الْإِمَامَةِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْمَأْمُومِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ]

- ‌[بَابُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَرَّتَيْنِ]

- ‌[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[بَابُ الْوَتْرِ]

- ‌[بَابُ الْقُنُوتِ]

- ‌[بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[بَابُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ وُجُوبِهَا]

- ‌[بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ]

- ‌[بَابُ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْعَتِيرَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌[بَابٌ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَثَوَابِ الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَذِكْرِهِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ]

- ‌[بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ]

- ‌[الْمَشْيُ بِالْجَنَازَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا]

- ‌[بَابُ دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ]

الفصل: ‌[باب ما على الإمام]

(لِي قَمِيصًا) : سَبَلًا (فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي) أَيْ: مِثْلَ فَرَحِي (بِذَلِكَ الْقَمِيصِ) : إِمَّا لِأَجْلِ حُصُولِ التَّسَتُّرِ وَعَدَمِ تَكَلُّفِ الضَّبْطِ وَخَوْفِ الْكَشْفِ، وَإِمَّا فَرِحَ بِهِ كَمَا هُوَ عَادَةُ الصِّغَارِ بِالثَّوْبِ الْجَدِيدِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ التَّصْحِيحِ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِمَامَةِ الصَّبِيِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَعَنْهُ فِي الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي النَّفْلِ فَجَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ وَبِمِصْرَ وَالشَّامِ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُمْ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، انْتَهَى.

قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ: اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالصَّبِيِّ جَائِزٌ بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ: فَقَدَّمُونِي إِلَخْ. وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ ; لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ الَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْمُفْتَرِضُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا إِمَامَةُ عَمْرٍو فَلَيْسَ بِمَسْمُوعٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا قَدَّمُوهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ لِمَا كَانَ يَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَدْ قَالَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ إِلَخْ. وَالْعَجَبُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ حُجَّةً، وَاسْتَدَلُّوا بِفِعْلِ صَبِيٍّ مِثْلُ هَذَا حَالُهُ.

ص: 870

1127 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْمَدِينَةَ، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَفِيهِمْ عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

1127 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ) أَيِ: السَّابِقُونَ (الْمَدِينَةَ) : وَفِي رِوَايَةٍ: الْعُصْبَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا قَالَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَبِسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ عَفِيفٌ، مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَفِيهِمْ عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ) : هُوَ زَوْجُ أُمِّ سَلَمَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَالِمًا مَعَ كَوْنِهِ مَفْضُولًا كَانَ أَقْرَأَ، أَوْ هُوَ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، كَانَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الْمَوَالِي، وَمِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الْقُرَّاءِ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ مِنْهُ كَثِيرًا، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَهُوَ أَحَدُهُمْ "، انْتَهَى.

وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ:" «خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» " كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ، وَفِي إِمَامَةِ سَالِمٍ مَعَ وُجُودِ عُمَرَ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُقَدِّمُ الْأَقْرَأَ عَلَى الْفَقِهِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 870

1128 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ لَهُمْ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا: رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ» ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ــ

1128 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ لَهُمْ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا) أَيْ: قَدْرَ شِبْرٍ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ (رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ) أَيْ: لِإِمَامَتِهِ (كَارِهُونَ) : لِعَدَمِ قِيَامِهِ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ (وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ) : وَمَا أَرْضَتْهُ لِعَدَمِ قِيَامِهَا بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ (وَأَخَوَانِ) : بِفَتْحَتَيْنِ (مُتَصَارِمَانِ) أَيْ: مُتَقَاطِعَانِ لِعَدَمِ قِيَامِهِمَا بِحَقِّ الْأُخُوَّةِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ وَجْهُ الْمُلَاءَمَةِ بَيْنَ الْفِقَرِ الثَّلَاثَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْأُخُوَّةُ إِمَّا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ لِمَا وَرَدَ:" «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُصَارِمَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثٍ» "، أَيْ: يَهْجُرَهُ وَيَقْطَعَ مُكَالَمَتَهُ، انْتَهَى. يَعْنِي: عَلَى خِلَافِ دَأْبِهِ وَعَادَتِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) : قَالَ مِيرَكُ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.

ص: 870

[بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ]

ص: 870

[27]

بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1129 -

«عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[27]

بَابُ مَا عَلَى الْإِمَامِ

أَيْ: مِنْ مُرَاعَاةِ الْمَأْمُومِينَ بِالتَّخْفِيفِ فِي الصَّلَاةِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

1129 -

(عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ) أَيْ: مَعَ طُولِ عُمُرِهِ فَإِنَّهُ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ مِائَةٌ وَثَلَاثُ سِنِينَ. (أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : قَالَ الْقَاضِي: خِفَّةُ الصَّلَاةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ تَطْوِيلِ قِرَاءَتِهَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَكَذَا قَصْرِ الْمُنْفَصِلِ، وَعَنْ تَرْكِ الدَّعَوَاتِ الطَّوِيلَةِ فِي الِانْتِقَالَاتِ، وَتَمَامُهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَاللُّبْثِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا بِقَدْرِ مَا يُسَبِّحُ ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَفِيهِ، إِيهَامٌ أَنَّهُ مَا كَانَ يَقْرَأُ أَوْسَاطَ الْمُفَصَّلِ وَطُوَالَهَا، وَقَدْ ثَبَتَ قِرَاءَتُهُ إِيَّاهَا، فَالْمَعْنَى بِالْخِفَّةِ أَنَّهُ مَا كَانَ يَمْطُطُهَا وَيَمْدُدُهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَئِمَّةُ الْمُعَظَّمَةُ حَتَّى فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّهُمْ يَمُدُّونَ فِي الْمَدَّاتِ الطَّبِيعِيَّةِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَلِفَاتٍ، وَيُطَوِّلُونَ السَّكَتَاتِ فِي مَوَاضِعِ الْوُقُوفَاتِ، وَيَزِيدُونَ فِي عَدَدِ التَّسْبِيحَاتِ انْتِظَارًا لِفَرَاغِ الْمُكَبِّرِينَ الْمُطَوِّلِينَ فِي النَّغَمَاتِ، بَلْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ عليه السلام مُجَوَّدَةً مُحَسَّنَةً مُرَتَّلَةً مُبَيَّنَةً، وَمِنْ خَاصِّيَّةِ قِرَاءَتِهِ اللَّطِيفَةِ أَنَّهَا كَانَتْ خَفِيفَةً عَلَى النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ، وَلَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً ; لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ لَا تَشْبَعُ مِنْهَا وَالْأَشْبَاحَ لَا تَقْنَعُ بِهَا، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُطِيلَ التَّسْبِيحَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ بِهِ الْقَوْمُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِقَدْرِ السُّنَّةِ ; لِأَنَّ التَّطْوِيلَ سَبَبُ التَّنْفِيرِ، وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ رَضِيَ الْقَوْمُ بِالزِّيَادَةِ لَا يُكْرَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قَدْرِ أَقَلِّ السُّنَّةِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ لِمَلَلِهِمْ. (وَإِنْ كَانَ) أَيْ: وَإِنَّهُ كَانَ (لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنْ هَذِهِ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلِ الْمُبْتَدَأِ وَلَزِمَتْهَا اللَّامُ فَارِقَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّافِيَةِ وَالشَّرْطِيَّةِ (فَيُخَفِّفُ) أَيْ: صَلَاتَهُ بَعْدَ إِرَادَةِ إِطَالَتِهَا كَمَا سَيَجِيءُ مُصَرَّحًا (مَخَافَةَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَيْ خَوْفًا (أَنْ تُفْتَنَ) : مِنَ الْفِتْنَةِ أَوِ الِافْتِتَانِ، أَيْ: مِنْ أَنْ تَتَشَوَّشَ وَتَحْزَنَ (أُمُّهُ) : وَقِيلَ: يُشَوَّشُ قَلْبُهَا وَيَزُولُ ذَوْقُهَا وَحُضُورُهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فُتِنَ الرَّجُلُ، أَيْ: أَصَابَهُ فِتْنَةٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ رَحْمَةً عَلَى الْأُمِّ وَالطِّفْلِ أَيْضًا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَحَسَّ بِرَجُلٍ يُرِيدُ مَعَهُ الصَّلَاةَ وَهُوَ رَاكِعٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ رَاكِعًا لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ ; لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ لِحَاجَةِ إِنْسَانٍ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ كَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي أَمْرٍ أُخْرَوِيٍّ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ شِرْكًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، انْتَهَى.

وَجَعَلَ اقْتِصَارَهُ عليه السلام لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ غَيْرِ مَرَضِيٍّ، وَفِي اسْتِدْلَالِهِ نَظَرٌ ; إِذْ فَرَّقَ بَيْنَ تَخْفِيفِ الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْإِطَالَةِ لِغَرَضٍ، وَبَيْنَ إِطَالَةِ الْعِبَادَةِ بِسَبَبِ شَخْصٍ، فَإِنَّهُ مِنَ الرِّيَاءِ الْمُتَعَارَفِ، وَقَالَ الْفُضَيْلُ مُبَالِغًا: الْعِبَادَةُ لِغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ، وَتَرْكُهَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى رِيَاءٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُخَلِّصَكَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَأَيْضًا الْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِالتَّخْفِيفِ وَمَنْهِيٌّ عَنِ الْإِطَالَةِ، وَأَيْضًا تَرْكُ التَّخْفِيفِ مُضِرٌّ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِ تَرْكِ الْإِطَالَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلِيٌّ أَصْلًا. نَعَمْ لَوْ صُوِّرَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ، لَكِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي لَا تَقَرُّبًا بِالرُّكُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ الْجَائِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يُطِيلَ وَإِلَّا صَحَّ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى، وَأَمَّا لَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ تَقَرُّبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَجَ قَلْبُهُ بِشَيْءٍ سِوَى التَّقَرُّبِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا بَأْسَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُلَقَّبُ بِمَسْأَلَةِ الرِّيَاءِ، فَالِاحْتِرَازُ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهَا أَوْلَى، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مُلَخَّصًا.

وَأَمَّا مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَنْتَظِرُ فِي صَلَاتِهِ مَادَامَ يَسْمَعُ وَقْعَ نَعْلٍ فَضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّفُ فِي إِقَامَةِ صَلَاتِهِ، أَوْ تُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا إِذَا عَرَفَ الْجَائِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُطِيلُ الْأُولَى مِنَ الظُّهْرِ كَيْ يُدْرِكَهَا النَّاسُ، لَكِنَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ ظَنِّ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ بِهِ صلى الله عليه وسلم. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 871

1130 -

وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

1130 -

(وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا) أَيْ إِطَالَةً نِسْبِيَّةً أَوْ عَلَى خِلَافِ عَادَتِي، (فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ) أَيْ: أَخْتَصِرُ (فِي صَلَاتِي) : وَأَتَرَخَّصُ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ الِاقْتِصَارِ وَتَرْكِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: أُخَفِّفُ، كَأَنَّهُ تَجَاوَزَ مَا قَصَدَهُ، أَيْ مَا قَصَدَ فِعْلَهُ لَوْلَا بُكَاءُ الصَّبِيِّ، قَالَ: وَمَعْنَى التَّجَوُّزِ: أَنَّهُ قَطَعَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ وَأَسْرَعَ فِي أَفْعَالِهِ، انْتَهَى. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي سُورَةٍ قَصِيرَةٍ بَعْدَمَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَازَ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ، وَهُمَا قَصْدُ الْإِطَالَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَتَرْكِ الْمَلَالَةِ، وَلِذَا وَرَدَ: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ ". (مِمَّا أَعْلَمُ) : مِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ لِلِاخْتِصَارِ، أَيْ: مِنْ أَجْلِ مَا أَعْلَمُ (مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ) أَيْ: حُزْنِهَا، وَمِنْ بَيَانِيَّةٌ لِمَا (مِنْ بُكَائِهِ) : تَعْلِيلِيَّةٌ لِلْوَجْدِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 872

1131 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1131 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ) أَيْ: إِمَامًا لَهُمْ، أَوِ اللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ (فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ) أَيِ: الْمَرِيضَ (وَالضَّعِيفَ) أَيْ: فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، أَوْ فِي الْعِبَادَةِ لِأَجْلِ الْكَسَالَةِ، فَبِالْإِطَالَةِ تَحْصُلُ لَهُ الْمَلَالَةُ (وَالْكَبِيرَ) أَيْ: فِي السِّنِّ (وَإِذَا «صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» ) : وَكَذَا إِذَا كَانَ الْقَوْمُ مَحْصُورِينَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمَذْكُورِينَ، وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يُنَافِي قَوْلَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 872

1132 -

«وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

1132 -

(وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) أَيْ: صَلَاةِ الصُّبْحِ بِالْجَمَاعَةِ (مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ) : يَعْنِي: إِمَامَ مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ (مِمَّا يُطِيلُ بِنَا) أَيْ: مِنْ أَجْلِ إِطَالَتِهِ بِنَا، فَمِنْ الْأُولَى تَعْلِيلِيَّةٌ لِلتَّأَخُّرِ، وَالثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنْهَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ابْتِدَائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ (أَتَأَخَّرُ) وَالثَّانِيَةُ مَعَ مَا فِي حَيِّزِهَا بَدَلٌ مِنْهَا، وَمَعْنَى تَأَخُّرِهِ عَنِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ. (فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَةِ إِنْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةً، وَعَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ إِنْ كَانَتْ عِلْمِيَّةً (غَضَبًا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَوْمَئِذٍ) ; لِأَنَّهُ عليه السلام مَبْعُوثٌ لِلْوَصْلِ، وَهَذَا بَاعِثٌ لِلْفَصْلِ، وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ فِي مَوْعِظَةٍ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: كَانَ الْيَوْمَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ فِي الْأَيَّامِ الْأُخَرِ، وَفِيهِ وَعِيدٌ عَلَى مَنْ يَسْعَى فِي تَخَلُّفِ الْغَيْرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ. قُلْتُ: وَلَوْ بِإِطَالَةِ الطَّاعَةِ. (ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ مِنْكُمْ) أَيْ: بَعْضُكُمْ (مُنَفِّرِينَ) أَيْ: لِلنَّاسِ مِنَ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ لِتَطْوِيلِكُمُ الصَّلَاةَ (فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى) : قِيلَ: " مَا " زَائِدَةٌ، وَقِيلَ مَنْصُوبَةُ الْمَحَلِّ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، أَيْ: أَيُّكُم أَيَّ صَلَاةٍ صَلَّى (بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ) أَيْ: لِيَقْتَصِرْ عَلَى الْقَدْرِ الْمُنَاسِبِ لِلْوَقْتِ، قَالَ الطِّيبِيُّ:" مَا " زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى الْإِبْهَامِ فِي أَيْ، وَصَلَّى فِعْلُ شَرْطٍ، وَلْيَتَجَوَّزْ جَوَابُهُ (فَإِنَّ فِيهِمْ) أَيْ: فِي جُمْلَتِهِمْ (الضَّعِيفَ) : بِالْعِلَّةِ أَوِ الْهِمَّةِ (وَالْكَبِيرَ) : بِالسِّنِّ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ (وَذَا الْحَاجَةِ) أَيْ: وَلَوْ كَانَ قَوِيًّا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ص: 872

1133 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي.

ــ

1133 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يُصَلُّونَ) : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: أَئِمَّتُكُمْ يُصَلُّونَ (لَكُمْ) : وَأَنْتُمْ تَقْتَدُونَ بِهِمْ وَتَتْبَعُونَ لَهُمْ لِيَحْصُلَ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ وَلَكُمْ، فَفِيهِ تَغْلِيبٌ لِلْخِطَابِ، قَالَ الْقَاضِي: الضَّمِيرُ الْغَائِبُ لِلْأَئِمَّةِ، وَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ ضُمَنَاءُ لِصَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ فَكَأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ لَهُمْ (فَإِنْ أَصَابُوا) أَيْ: أَتَوْا بِجَمِيعِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ (فَلَكُمْ) أَيْ: لَكُمْ وَلَهُمْ عَلَى التَّغْلِيبِ ; لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى، وَالْمَعْنَى فَقَدْ حَصَلَ الْأَجْرُ لَكُمْ وَلَهُمْ، أَوْ حَصَلَتِ الصَّلَاةُ تَامَّةً كَامِلَةً، (وَإِنْ أَخْطَئُوا) : بِأَنْ أَخَلُّوا بِبَعْضِ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (فَلَكُمْ) أَيِ الْأَجْرُ (وَعَلَيْهِمْ) أَيِ: الْوِزْرُ ; لِأَنَّهُمْ ضُمَنَاءُ، أَوْ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ لَكُمْ وَالتَّبِعَةُ مِنَ الْوَبَالِ وَالنُّقْصَانِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمَأْمُومُ بِحَالِهِ فِيمَا أَخْطَأَهُ، وَإِنْ عَلِمَ فَعَلَيْهِ الْوَبَالُ وَالْإِعَادَةُ، قَالَ الْمُظْهِرُ: إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى " لَكُمْ " إِذْ يُفْهَمُ مِنْ تَجَاوُزِ ثَوَابِ الْإِصَابَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ ثُبُوتُهُ لَهُمْ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا صَلَّى جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَصَلَاةُ الْقَوْمِ صَحِيحَةٌ، سَوَاءً كَانَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِحَدَثِهِ مُتَعَمِّدًا لِلْإِمَامَةِ أَوْ جَاهِلًا اهـ.

وَعِنْدَنَا إِذَا عَلِمَ الْمَأْمُومُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ جُنُبًا قَالَ: يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، عَنْ جَعْفَرٍ، أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: صَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ جُنُبًا فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِدِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَلَّى مَعَكَ أَنْ يُعِيدَ، قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ. وَيَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ إِجْمَاعًا وَالْمُصَلِّي بِلَا طَهَارَةٍ لَا إِحْرَامَ لَهُ.

فَرْعٌ: أَمَّهُمْ زَمَانًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ كَافِرٌ، أَوْ صَلَّيْتُ مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ، أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ، لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِعَادَةٌ ; لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ لِفِسْقِهِ بِاعْتِرَافِهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْهُمَامِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . (وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ) أَيْ: فِي الْمَصَابِيحِ (عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي) أَيْ: عَنِ الْحِسَانِ، وَهُوَ دَفْعٌ لِوَهْمِ الْإِسْقَاطِ، وَرَفْعٌ لِوُرُودِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى قَوْلِهِ: الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ غَيْرِ الثَّانِي.

ص: 873

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

1134 -

«عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه، قَالَ: آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا أَمَمْتَ قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ:" «أُمَّ قَوْمَكَ "، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا. قَالَ: " ادْنُهْ "، فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ فِي صَدْرِي بَيْنَ ثَدْيَيَّ، ثُمَّ قَالَ:" تَحَوَّلْ "، فَوَضَعَهَا فِي ظَهْرِي بَيْنَ كَتِفَيَّ، ثُمَّ قَالَ:" أُمَّ قَوْمَكَ، فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ» ".

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

1134 -

(عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: آخِرُ مَا عَهِدَ) أَيْ: أَوْصَى (إِلَيَّ) : وَأَمَرَنِي بِهِ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا أَمَمْتَ) : بِالتَّخْفِيفِ (قَوْمًا) أَيْ: صِرْتَ إِمَامَ قَوْمٍ (فَأَخِفَّ) : بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهُ (بِهِمُ الصَّلَاةَ) : فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ نَاشِئَةٌ مِنَ التَّرْكِيبِ ذَكَرْنَاهَا سَابِقًا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

(وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) أَيْ لِمُسْلِمٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بِفَتْحِ أَنْ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا (قَالَ لَهُ) أَيْ: لِعُثْمَانَ (أُمَّ) : أَمْرٌ عَلَى زِنَةِ مُدَّ (قَوْمَكَ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَرَى فِي نَفْسِي مَا لَا أَسْتَطِيعُ عَلَى شَرَائِطِ الْإِمَامَةِ وَإِيفَاءِ حَقِّهَا لِمَا فِي صَدْرِي مِنَ الْوَسَاوِسِ، وَقِلَّةِ تَحَمُّلِي الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ، فَيَكُونُ وَضْعُ

ص: 873