الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي بَعْضِ كَلَامِهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُلُودُ بِخِلَافِ الْأُمَمِ ; لِأَنَّهُ يَخْلُو مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ، أَوْ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ، وَلَا يَصِحُّ الثَّانِي فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَالْقَضِيَّتَانِ فِي الْأُمَمِ كُلِّهَا مُتَسَاوِيَتَانِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الشَّفَاعَةِ الْعَامَّةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ عليه الصلاة والسلام لِأُمَّتِهِ الْمَرْحُومَةِ. (فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي: وَلَمْ يَقُلْ هُنَا: شُكْرًا لِمَا سَبَقَ مُكَرَّرًا. قَالَ الْمُظْهِرُ: لَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أُمَّتِهِ مَغْفُورِينَ بِحَيْثُ لَا تُصِيبُهُمُ النَّارُ ; لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ كَثِيرًا مِنَ الْآيَاتِ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَهْدِيدِ آكِلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالرِّبَا، وَالزَّانِي، وَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَقَاتِلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ سَأَلَ أَنْ يَخُصَّ أُمَّتَهُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ بِأَنْ لَا يَمْسَخَ صُوَرَهُمْ بِسَبَبِ الذُّنُوبِ، وَأَنْ لَا يُخَلِّدَهُمْ فِي النَّارِ بِسَبَبِ الْكَبَائِرِ، بَلْ يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ مَاتَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ تَطْهِيرِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْخَوَاصِّ الَّتِي خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ عَلَى هَذَا، كَذَا الْكِتَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، وَالْعَفْوُ مِنَ الْكَرِيمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَرْجَى مِنَ الْعَذَابِ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ. وَأَمَّا دُخُولُ النَّارِ فَلَيْسَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ اهـ. وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ نَظَرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّنَّةَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ: عَلَى تَعَذُّبِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ: عَلَى غُفْرَانِهِمْ، فَأَقُولُ: لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْعَقَائِدِ مِنْ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي الْجُمْلَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُغْفَرُ لِجَمِيعِهِمْ ثَانِيًا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ مُحْكَمَةٌ، وَالْأُولَى إِمَّا مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُئَوَّلَةٌ، بِأَنَّ اللَّامَ فِي الذُّنُوبِ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ مَا عَدَا الْكُفْرِ، أَوِ الِاسْتِغْرَاقُ، فَيَكُونُ مُقَيَّدًا بِالتَّوْبَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَانَتْ شَفَاعَتُهُ فِي الْأُمَّةِ فِي أَنْ لَا يُخَلِّدَهُمْ فِي النَّارِ، وَيُخَفِّفَ وَيَتَجَاوَزَ عَنْ صَغَائِرِ ذُنُوبِهِمْ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يَدْخُلُ النَّارَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْمُظْهِرِ: أَنَّ الشَّفَاعَةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي الصَّغَائِرِ، وَفِي عَدَمِ الْخُلُودِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ تَمْحِيصِهِمْ بِالنَّارِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلشَّفَاعَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكَبَائِرِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي النَّارِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ التِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي.» وَعَنِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ جَابِرٍ: مَنْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَمَا لَهُ وَلِلشَّفَاعَةِ، وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا كَثِيرَةٌ.
قُلْتُ: لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ، فَلَا مُنَافَاةَ لِمَا قَالَاهُ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالْمَشِيئَةِ وَالْإِذْنِ، فَإِذَا تَعَلَّقَتِ الْمَشِيئَةُ بِأَنْ تَنَالَ بَعْضَ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ وَأُذِنَ فِيهَا فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إِذَا ثَبَتَ تَعَلُّقُهَا بِشَيْءٍ مِنْ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ، فَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) أَيْ: مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَأَقَرَّهُ الْمُنْذِرِيُّ، ذَكَرَهُ مِيْرَكُ.
[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
1497 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ بِالنَّاسِ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[52]
بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ
وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ السُّقْيَا، وَفِي الشَّرْعِ طَلَبُ السُّقْيَا لِلْعِبَادِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا بِسَبَبِ قِلَّةِ الْأَمْطَارِ، أَوْ عَدَمِ جَرْيِ الْأَنْهَارِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَخْرُجُونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ كَثِيرٌ مِنْهَا، مُتَوَاضِعِينَ مُتَخَشِّعِينَ فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ مُشَاةً يُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا فِي مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، أَدْنَاهَا مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ فُرَادَى أَوْ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهُ، رَوَى أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ: أَنَّ «قَوْمًا شَكَوْا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَحْطَ الْمَطَرِ فَقَالَ: اجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ ثُمَّ قُولُوا: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ. فَفَعَلُوا فَسُقُوا» ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اسْتَسْقَى عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحْسَنُ هَذَا النَّوْعِ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَأَوْسَطُهَا: الدُّعَاءُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ نَوَافِلَ، وَفِي كُلِّ خُطْبَةٍ مَشْرُوعَةٍ، وَأَعْلَاهَا: بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ كَمَا يَأْتِي وَيُنْدَبُ تَكْرِيرُ الِاسْتِسْقَاءِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
1497 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ) أَيِ: ابْنِ عَاصِمِ بْنِ مَازِنٍ الْأَنْصَارِيِّ، لَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ الَّذِي رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَشَرْحِهِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: الْأَوَّلُ شَهِدَ أُحُدًا وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ مُشَارِكًا وَحْشِيَّ بْنَ الْحَارِثِ فِي قَتْلِهِ، وَالثَّانِي: شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: [وَوَهَّمَ الْبُخَارِيُّ ابْنَ عُيَيْنَةَ] فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، بَلْ هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ. (قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ) أَيْ: مَعَهُمْ. (إِلَى الْمُصَلَّى) أَيْ: فِي الْمَدِينَةِ. (يَسْتَسْقِي) : حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ. (فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْمُظْهِرُ: أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةً بَلْ يَدْعُو لَهُ، وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي كَصَلَاةِ الْعِيدِ، وَمَالِكٌ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَعَلَهَا بِدْعَةً فَخَطَأٌ فَاحِشٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَعْلِهَا سُنَّةً، لِكَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهَا مَرَّةً وَتَرَكَهَا أُخْرَى، أَنْ تَكُونَ بِدْعَةً، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ جَهْلِهِ وَعَدَمِ اطِّلَاعِهِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَرْتَبَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، سِيَّمَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَالْهُمَامُ الْأَقْدَمُ الَّذِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَقِّهِ: النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ مَعَ كَثْرَتِهَا. (جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ لِلِاسْتِسْقَاءِ بِالْجَمَاعَةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: قُلْنَا: فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَنَا. يَعْنِي: يَجُوزُ لَوْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ، لَكِنْ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَفِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ إِنَّمَا فِيهِ الدُّعَاءُ، بَلَغَنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَرَجَ وَدَعَا. وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا وَاسْتَسْقَى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ صَلَاةٌ إِلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ شَاذٌّ لَا يُؤْخَذُ بِهِ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَوَجْهُ الشُّذُوذِ أَنَّ فِعْلَهُ عليه الصلاة والسلام لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَاشْتُهِرَ نَقْلُهُ اشْتِهَارًا وَاسِعًا، وَلَفَعَلَهُ عُمَرُ حِينَ اسْتَسْقَى، وَلَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ; لِتَوَفُّرِ الْكُلِّ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ عليه الصلاة والسلام لِلِاسْتِسْقَاءِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يُنْكِرُوا، وَلَمْ تَشْتَهِرْ رِوَايَتُهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، بَلْ هُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي كَيْفِيَّتِهَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ: كَانَ ذَلِكَ شُذُوذًا فِيمَا حَضَرَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّذُوذَ يُرَادُ بِاعْتِبَارِ الطُّرُقِ إِلَيْهِمْ، إِذْ لَوْ تَيَقَّنَا عَنِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ رَفْعَهُ لَمْ يَبْقَ إِشْكَالٌ اهـ.
قِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْأُولَى بِ (ق) أَوْ سَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ: بِاقْتَرَبَ أَوِ الْغَاشِيَةِ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] ; لِأَنَّهَا لَائِقَةٌ بِالْحَالِ، وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ: أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْأُولَى: الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِالْغَاشِيَةِ. (وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) أَيْ: بَعْدَ الصَّلَاةِ. (يَدْعُو) : حَالٌ. (وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ: لِلدُّعَاءِ. (وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) قَالَ الْمُظْهِرُ: الْغَرَضُ مِنَ التَّحْوِيلِ التَّفَاؤُلُ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ يَعْنِي: حَوَّلْنَا أَحْوَالَنَا رَجَاءَ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْعُسْرَ بِالْيُسْرِ، وَالْجَدْبَ بِالْخِصْبِ، وَكَيْفِيَّةُ التَّحْوِيلِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ مِنْ جَانِبِ يَسَارِهِ، وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ أَيْضًا مِنْ جَانِبِ يَمِينِهِ، وَيَقْلِبَ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ، وَالطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَسَارِ،
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ انْقَلَبَ الْيَمِينُ يَسَارًا وَالْيَسَارُ يَمِينًا، وَالْأَعْلَى أَسْفَلَ وَبِالْعَكْسِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنْ كَانَ مُرَبَّعًا يَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا كَالْجُبَّةِ يَجْعَلُ جَانِبَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَا رَوَاهُ كَانَ تَفَاؤُلًا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اعْتِرَافٌ بِرِوَايَتِهِ، وَمَنَعَ اسْتِنَانَهُ ; لِأَنَّهُ فِعْلٌ لِأَمْرٍ لَا يَرْجِعُ إِلَى مَدَى الْعِبَادَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّحْوِيلِ كَانَ تَفَاؤُلًا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ، قَالَ:«وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» . وَفِي طِوَالَاتِ الطَّبَرَانِيِّ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ:«وَقَلَبَ رِدَاءَهُ لِكَيْ يَتَقَلَّصَ الْقَحْطُ إِلَى الْخِصْبِ» ، وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ:«لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنَ الْجَدْبِ إِلَى الْخِصْبِ» ، ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَطُولُ رِدَائِهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعَانِ وَشِبْرٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ فِيهِ:«فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَةَ تَكْبِيرَاتٍ، وَقَرَأَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] ، وَكَبَّرَ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ» ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، كَمَا زَعَمَ، بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ مُعَارَضٌ، أَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَالنَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَأَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ، وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «اسْتَسْقَى، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكَبِّرْ فِيهِمَا إِلَّا تَكْبِيرَةً» . وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَزِدْ عليه الصلاة والسلام عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ اهـ. وَلَهُ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَالْعِيدِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا تُصَلَّى الْعِيدُ، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ مَالِكٍ: إِنَّهَا كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَلَيْسَتْ كَالْعِيدِ اهـ.
1498 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
1498 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ» ) أَيْ: رَفْعًا كَامِلًا. (فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ) أَيْ: جِنْسِ دُعَائِهِ. (إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ: فِي دُعَائِهِ. (فَإِنَّهُ يَرْفَعُ) أَيْ: كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ. (حَتَّى يُرَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ. (بَيَاضُ إِبِطَيْهِ) : قَالَ الْقَاضِي أَيْ: لَا يَرْفَعُهُمَا كُلَّ الرَّفْعِ حَتَّى يُجَاوِزَ رَأْسَهُ، وَيُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْأَدْعِيَةِ كُلِّهَا أَيْ: غَالِبِهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيْرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
1499 -
وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
1499 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ. ( «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ» ) قَالُوا: فَعَلَ هَذَا تَفَاؤُلًا بِتَقَلُّبِ الْحَالِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَذَلِكَ نَحْوَ صَنِيعِهِ فِي تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ، أَوْ إِشَارَةً إِلَى مَا يَسْأَلُهُ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ بَطْنَ السَّحَابِ إِلَى الْأَرْضِ، لِيَنْصَبَّ مَا فِيهِ مِنَ الْأَمْطَارِ كَمَا قَالَ: إِنَّ الْكَفَّ إِذَا جُعِلَ بَطْنُهَا إِلَى الْأَرْضِ، انْصَبَّ مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ، وَقِيلَ: مَنْ أَرَادَ دَفْعَ بَلَاءٍ مِنَ الْقَحْطِ وَنَحْوِهِ، فَلْيَجْعَلْ ظَهْرَ كَفِّهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَمَنْ سَأَلَ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ فَلْيَجْعَلْ بَطْنَ كَفِّهِ إِلَى السَّمَاءِ. وَرَوَى أَحْمَدُ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَفْعَلُ الْأَوَّلَ إِذَا اسْتَعَاذَ، وَالثَّانِيَ إِذَا سَأَلَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
1500 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
1500 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا» ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَأَصْلُهُ صَيْوِبٌ، قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً، وَأُدْغِمَتْ كَسَيِّدٍ، أَيْ: مَطَرًا. نَقَلُهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَيَّدَهُ الْوَاحِدِيُّ بِالْكَثِيرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْكَشَّافِ، الصَّيِّبُ: الْمَطَرُ الَّذِي يُصَوَّبُ أَيْ: يَنْزِلُ وَيَقَعُ، وَفِيهِ مُبَالَغَاتٌ مِنْ جِهَةِ التَّرْكِيبِ، وَالْبِنَاءِ، وَالتَّنْكِيرِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْمَطَرِ شَدِيدٌ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ سَيْبًا بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ: عَطَاءً، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِمُقَدَّرٍ. أَيِ: اسْقِنَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ، أَوْ أَسْأَلُكَ أَوِ اجْعَلْهُ، وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ أَيِ: أَنْزِلْهُ عَلَيْهَا حَالَ كَوْنِهِ سَيْبًا أَيْ: مَطَرًا نَازِلًا. (نَافِعًا) أَيْ: لَا مُغْرِقًا كَقَوْمِ نُوحٍ عليه الصلاة والسلام قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ تَتْمِيمٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ لِأَنَّ صَيِّبًا مَظِنَّةُ الضَّرَرِ اهـ.
وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَطَرٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نَفْعٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ أَمْ لَا. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ حِبَّانَ: هَنِيئًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: فَتُقَدِّرُ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِأَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا سَيْبًا، نَافِعًا هَنِيئًا، وَقِيلَ: يَأْتِي بِكُلِّ مَرَّةٍ وَهُوَ الصَّوَابُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
1501 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ ! قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
1501 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَصَابَنَا) أَيْ: حَصَلَ لَنَا وَنَزَلَ عَلَيْنَا. (وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -) صلى الله عليه وسلم: حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ أَوِ الْفَاعِلِ. (مَطَرٌ، قَالَ) أَيْ: أَنَسٌ. (فَحَسَرَ) أَيْ: (كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ) أَيْ: عَنْ بَدَنِهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَالْأَظْهَرُ عَنْ رَأْسِهِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ: حَسَرَ ثَوْبَهُ عَنْ ظَهْرِهِ. (حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ) : وَرَوَى الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ إِذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اقْرَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طُهْرًا فَنَتَطَهَّرُ مِنْهُ، وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهِ» ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَوَمَا قَرَأْتَ: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: 9] فَأُحِبُّ أَنْ يَنَالَنِي مِنْ بَرَكَتِهِ. (فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ !) أَيْ: مَا الْحِكْمَةُ فِيهِ؟ (قَالَ: لِأَنَّهُ) أَيِ: الْمَطَرُ الْجَدِيدُ. ( «حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» ) أَيْ: جَدِيدُ النُّزُولِ بِأَمْرِ رَبِّهِ، سَيَكُونُ كَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ، وَالنَّبْتِ وَالزَّهْرِ فِي الرَّبِيعِ مَا اخْتَلَطَ بِالْمُخْتَلِطِينَ، وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ مُبَاشَرَةُ الْعَاصِينَ، أَوْ لِكَوْنِهِ نِعْمَةً مُجَدَّدَةً، وَلِذَا قِيلَ: لِكُلِّ جَدِيدٍ لَذَّةٌ، أَوْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ، وَالْقَاصِدِ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، فَيَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَتَكْرِيمُهُ، أَوْ لِأَنَّ فِيهِ إِيمَاءً إِلَى قُرْبِ الْعَهْدِ مِنْ عَالَمِ الْعَدَمِ الَّذِي يَتَمَنَّاهُ الْخَائِفُونَ، وَيَنْتَهِي إِلَيْهِ السَّالِكُونَ الْفَانُونَ ; فَالْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ التُّورْبِشْتِيُّ: أَرَادَ أَنَّهُ قَرِيبٌ عَهْدُهُ بِالْفِطْرَةِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمَاءُ الْمُبَارَكُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُزْنِ سَاعَتَئِذٍ، فَلَمْ تَلْمَسْهُ الْأَيْدِي الْخَاطِئَةُ. وَلَمْ تُكَدِّرْهُ مُلَاقَاةُ أَرْضٍ عُبِدَ عَلَيْهَا غَيْرُ اللَّهِ، وَأَنْشَدَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ:
تَضُوعُ أَرْوَاحُ نَجْدٍ مِنْ ثِيَابِهِمُ
…
عِنْدَ الْقُدُومِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِالدَّارِ
قَالَ الْمُظْهِرُ: فِيهِ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ أَنْ يَتَقَرَّبُوا وَيَرْغَبُوا فِيمَا فِيهِ خَيْرٌ وَبَرَكَةٌ اهـ، وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ ; لِأَنَّهُ يُسْتَجَابُ حِينَئِذٍ، كَمَا فِي خَبَرٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَآخَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ رُؤْيَةَ الْكَعْبَةِ كَذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ
) .
الْفَصْلُ الثَّانِي
1502 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
1502 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَجَعَلَ) أَيْ: أَلْقَى. (عِطَافَهُ) أَيْ: جَانِبَ رِدَائِهِ. (الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ)، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ فِي النِّهَايَةِ: الْعِطَافُ هُوَ الرِّدَاءُ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الْعِطَافَ إِلَى الرِّدَاءِ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ أَحَدَ شِقَّيِ الْعِطَافِ، فَالْهَاءُ ضَمِيرُ الرِّدَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ أَيْ: لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ) عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُرِيدُ بِالْعِطَافِ جَانِبَ الرِّدَاءِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: عَنِ الرِّدَاءِ عِطَافًا لِوُقُوعِهِ عَلَى الْعِطْفَيْنِ وَهُمَا الْجَانِبَانِ، ثُمَّ (دَعَا اللَّهَ، لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَاللَّفْظُ لَهُ، وَرَوَاهُ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا بِأَلْفَاظٍ قَرِيبَةِ الْمَعْنَى، ذَكَرَهُ مِيْرَكُ.
1503 -
وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ أَسْفَلَهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
1503 -
(وَعَنْهُ) أَي: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. (قَالَ: «اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ» ) أَيْ: كِسَاءٌ أَسْوَدُ مُرَبَّعٌ، لَهُ عَلَمَانِ فِي طَرَفَيْهِ مِنْ صُوفٍ وَغَيْرِهِ. وَفِي النِّهَايَةِ: هُوَ ثَوْبُ خَزٍّ، أَوْ صُوفٌ مُعَلَّمٌ، وَقِيلَ: لَا يُسَمَّى بِهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَوْدَاءَ مُعَلَّمَةً. (لَهُ) أَيْ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (سَوْدَاءُ) : صِفَةٌ لِخَمِيصَةٍ، وَفِيهِ تَجْرِيدٌ. ( «فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ أَسْفَلَهَا، فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ» ) أَيْ: عَسُرَتْ عَلَيْهِ. (قَلَّبَهَا) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَقِيلَ: بِتَخْفِيفِهَا. (عَلَى عَاتِقَيْهِ) أَيْ: جَعَلَ أَسْفَلَهَا أَعْلَاهَا عَلَى عَاتِقَيْهِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، أَيْ: لَمْ يَجْعَلْ أَسْفَلَهَا أَعْلَاهَا، بَلْ جَعَلَ مَا عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ. قَالَ الزَّيْلَغِيُّ مُخَرِّجُ الْهِدَايَةِ: زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ. قَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَنَقْلُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَمَسُّهُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ إِيَّاهُمْ إِذْ حَوَّلُوا أَحَدَ الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ الَّذِي هُوَ مِنَ الْحُجَجِ مَا كَانَ مِنْ عِلْمِهِ، وَلَمْ يَدُلَّ شَيْءٌ مِمَّا رُوِيَ عَلَى عِلْمِهِ بِفِعْلِهِمْ، ثُمَّ تَقْرِيرِهِ، بَلِ اشْتَمَلَ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ: أَنَّهُ إِنَّمَا حَوَّلُوا بَعْدَ تَحْوِيلِ ظَهْرِهِ إِلَيْهِمْ اهـ. وَمَحَلُّ التَّحْوِيلِ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِينَ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
1504 -
وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ رضي الله عنه: أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ، قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي، رَافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ.
ــ
1504 -
(وَعَنْ عُمَيْرٍ) : بِالتَّصْغِيرِ. (مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ) : بِالْمَدِّ، اسْمُ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ أَكْلِ اللَّحْمِ، أَوْ لَحْمِ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قِيلَ: هُوَ الَّذِي يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ حَدِيثٌ سِوَاهُ، وَعُمَيْرٌ يُرْوَى عَنْهُ وَلَهُ أَيْضًا صُحْبَةٌ. (أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ» ) : وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْحَرَّةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوَادِ أَحْجَارِهَا بِهَا كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالزَّيْتِ. (قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ) : بِفَتْحِ الزَّايِ: الْمُعْجَمَةِ مَوْضِعٌ. (قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي) : حَالَانِ أَيْ: دَاعِيًا مُسْتَسْقِيًا. (رَافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ) : بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: قُبَالَتَهُ، أَيْ: تَارَةً وَتَارَةً، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ. (لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا) أَيْ: بِيَدَيْهِ حِينَ رَفَعَهُمَا. (رَأْسَهُ) : لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ كَانَ يُبَالِغُ فِي الرَّفْعِ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَحْوَالِهِ، وَهَذَا فِي نَادِرٍ مِنْهَا أَوْ بِالْعَكْسِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ) أَيْ: مَعْنَاهُ.
1505 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ - مُتَبَذِّلًا، مُتَوَاضِعًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَضَرِّعًا» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
1505 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ -) أَيْ: يُرِيدُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام خَرَجَ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي. (مُتَبَذِّلًا) : بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: لَابِسًا ثَوْبَ الْبِذْلَةِ. فِي النِّهَايَةِ: التَّبَذُّلُ تَرْكُ التَّزَيُّنِ عَلَى جِهَةِ التَّوَاضُعِ اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ إِظْهَارِ الِافْتِقَارِ، وَإِرَادَةِ جَبْرِ الِانْكِسَارِ، وَلِئَلَّا يَكُونَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ:(مُتَوَاضِعًا) : فِي الظَّاهِرِ. (مُتَخَشِّعًا) : فِي الْبَاطِنِ. (مُتَضَرِّعًا) : بِاللِّسَانِ فِي أَنْوَاعِ الذِّكْرِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، نَقْلُهُ مِيْرَكُ. (وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
1506 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ، وَبَهِيمَتَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
1506 -
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ) أَيْ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ. (قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ» ) : بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ أَوِ الْقَطْعِ. (عِبَادَكَ) : يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ. (وَبَهِيمَتَكَ) أَيْ: بَهَائِمَكَ مِنْ جَمِيعِ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهَا. (وَانْشُرْ) : بِضَمِّ الشِّينِ أَيِ: ابْسُطْ. (رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ) أَيْ: بِإِنْبَاتِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا أَيْ: يَبْسِهَا. (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
1507 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَاكِئُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مُرِيعًا، نَافِعًا، غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ قَالَ: فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
1507 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَاكِئُ» ) : الْمُوَاكَأَةُ وَالتَّوَكُّؤُ وَالِاتِّكَاءُ: الِاعْتِمَادُ وَالتَّحَامُلُ عَلَى الشَّيْءِ. فِي النِّهَايَةِ أَيْ: يَتَحَامَلُ عَلَى يَدَيْهِ، أَيْ: يَرْفَعُهُمَا وَيَمُدُّهُمَا فِي الدُّعَاءِ، وَمِنْهُ التَّوَكُّؤُ عَلَى الْعَصَا، وَهُوَ التَّحَامُلُ عَلَيْهَا، هَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ. (فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا) : بِالْوَصْلِ وَالْقَطْعِ. (غَيْثًا) أَيْ: مَطَرًا. (مُغِيثًا) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: مُغِيثًا مِنَ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَهُ: هَنِيئًا. (مَرِيئًا) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمَدِّ، وَيَجُوزُ إِدْغَامُهُ أَيْ: هَنِيئًا مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ، لَا ضَرَرَ فِيهِ مِنَ الْغَرَقِ وَالْهَدْمِ، وَصَحَّ فِي مُسْلِمٍ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. قَالَ الْقَاضِي: عَنْ
بَعْضِهِمْ، وَمَا هُنَا مِنَ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْمَعُونَةِ، وَلَيْسَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ طَلَبِهِ أَيْ: هَيِّئْ لَنَا غَيْثًا. فِي النِّهَايَةِ: يُقَالُ مَرَأَنِي الطَّعَامُ، وَأَمْرَأَنِي: إِذَا لَمْ يَثْقُلْ عَلَى الْمَعِدَةِ، وَانْحَدَرَ عَنْهَا طَيِّبًا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَيُحْتَمَلُ مَرِيئًا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ، أَوْ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْيَاءِ مِدْرَارًا مِنْ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ مَرِيءٌ: كَثِيرَةُ اللَّبَنِ، وَلَا أُحَقِّقُهُ رِوَايَةً. (مَرِيعًا) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ، أَيْ: كَثِيرًا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: ذَا مَرَاعَةٍ وَخِصْبٍ، وَيُرْوَى مُرْبِعًا بِالْبَاءِ أَيْ: بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ: مُنْبِتًا لِلرَّبِيعِ، الْمُغْنِي عَنِ الِارْتِيَادِ لِعُمُومِهِ، وَالنَّاسُ يُرْبِعُونَ حَيْثُ شَاءُوا، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى النُّجْعَةِ. وَيُرْوَى مَرْتَعًا أَيْ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ أَيْ: يَنْبُتُ بِهِ مَا يُرْتِعُ الْإِبِلَ، وَكُلُّ خَصْبٍ مَرْتَعٌ، وَمِنْهُ:{يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12] ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَرِيعًا أَيْ: خَصْبًا، فَعِيلٌ مِنْ مَرُعَ الْأَرْضُ بِالضَّمِّ مَرَاعَةً أَيْ: صَارَتْ كَثِيرَةَ الْمَاءِ وَالنَّبَاتِ، وَقِيلَ: مُرِيعًا بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ: مُخْصِبًا، مِنْ أَمْرَعَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَخْصَبَ، أَوْ غَيْثًا كَثِيرَ النَّمَاءِ ذَا رِيعٍ، مِنْ أَرَاعَتِ الْإِبِلُ إِذَا كَثُرَتْ أَوْلَادُهَا، وَمِرْبَعًا مِفْعَلٌ مِنَ الرَّبْعِ أَيْ: مَوْضِعُ إِقَامَةٍ، وَمُرْبِعًا بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ: مُقِيمًا لِلنَّاسِ، مُغْنِيًا لَهُمْ عَنِ الِارْتِيَادِ ; لِعُمُومِهِ جَمِيعَ الْبِلَادِ، مِنْ أَرْبَعَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ، وَقِيلَ: مُنْبِتًا لِلرَّبْعِ، وَهُوَ النَّبَاتُ الَّذِي يَرْعَاهُ الشَّاءُ فِي الرَّبِيعِ. (نَافِعًا، غَيْرَ ضَارٍّ) : تَأْكِيدٌ. (عَاجِلًا) غَيْرَ آجِلٍ: مُبَالَغَةٌ.
(قَالَ) أَيْ: جَابِرٌ. (فَأَطْبَقَتْ) : عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ بِالْمَفْعُولِ. (عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ) يُقَالُ: أَطْبَقَ إِذَا جَعَلَ الطَّبَقَ عَلَى رَأْسِ شَيْءٍ وَغَطَّاهُ بِهِ، أَيْ: جُعِلَتْ عَلَيْهِمُ السَّحَابُ كَطَبَقٍ، وَقِيلَ: أَيْ: ظَهَرَ السَّحَابُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَغَطَّاهُمُ السَّحَابُ كَطَبَقٍ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَرَوْنَ السَّمَاءَ مِنْ تَرَاكُمِ السَّحَابِ وَعُمُومِهِ الْجَوَانِبَ. وَقِيلَ: أَطْبَقَتْ بِالْمَطَرِ الدَّائِمِ، يُقَالُ: أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى أَيْ: دَامَتْ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَيْ: مَلَأَتْ وَالْغَيْثُ الْمُطْبِقُ هُوَ الْعَامُّ الْوَاسِعُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: عَقِبَ الْمُغِيثِ وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يُغِيثُ الْخَلْقَ مِنَ الْقَحْطِ بِالْغَيْثِ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، وَالْمُغِيثُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَكَّدَ مَرِيئًا بِمَرْتَعًا بِالتَّاءِ يُنْبِتُ اللَّهُ بِهِ مَا يُرْتِعُ الْإِبِلَ، وَالْحَدَّ النَّافِعَ، عَاجِلًا بِغَيْرِ آجِلٍ اعْتِنَاءً بِشَأْنِ الْخَلْقِ، وَاعْتِمَادًا عَلَى سِعَةِ رَحْمَةِ الْحَقِّ، فَكَمَا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الدُّعَاءِ كَانَتِ الْإِجَابَةُ طِبْقًا لَهُ حَيْثُ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ، فَإِنَّ فِي إِسْنَادِ الْإِطْبَاقِ إِلَى السَّمَاءِ، وَالسَّحَابُ هُوَ الْمُطْبِقُ أَيْضًا مُبَالَغَةً، وَعَرَّفَهَا لِيَنْتَفِيَ أَنَّ تَنَزُّلَ الْمَطَرِ مِنْ سَمَاءٍ، أَيْ: مَنْ أُفُقٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْآفَاقِ ; لِأَنَّ كُلَّ أُفُقٍ مِنْ آفَاقِهَا سَمَاءٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ غَمَامٌ مُطْبِقٌ أَخَذَ بِآفَاقِ السَّمَاءِ إِجَابَةً لِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيْرَكُ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَفْظُهُ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَوَاكٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: بَوَاكِي بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ بَاكِيَةٍ، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْخَطَّابِيِّ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُوَاكِئُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ مَضْمُومَةٍ وَآخِرُهُ مَهْمُوزٌ قَالَ: وَمَعْنَاهُ يَتَحَامَلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا رَفَعَهُمَا وَمَدَّهُمَا فِي الدُّعَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْخَطَّابِيُّ لَمْ تَأْتِ بِهِ الرِّوَايَةُ، وَلَا انْحَصَرَ الصَّوَابُ فِيهِ، بَلْ لَيْسَ هُوَ وَاضِحَ الْمَعْنَى، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ:«أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَوَازِلُ» بَدَلَ بَوَاكِي اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
1508 -
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
1508 -
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: شَكَا) يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَقِيلَ بِالْيَاءِ. (النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ الْمَطَرِ) : بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ: فَقْدَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْقُحُوطُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقَحْطِ أَوْ جَمْعٌ، وَأُضِيفَ إِلَى الْمَطَرِ لِيُشِيرَ إِلَى عُمُومِهِ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى. (فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى) :. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمِنْبَرِ. وَقَالَ الْمَشَايِخُ: لَا يَخْرُجُ وَلَيْسَ إِلَّا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ حُكْمِهِمْ بِصِحَّتِهِ اهـ. أَوْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَوَعَدَ النَّاسُ يَوْمًا
يَخْرُجُونَ فِيهِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا) : بِالْأَلِفِ لَا بِالْهَمْزَةِ، أَيْ: ظَهَرَ. (حَاجِبُ الشَّمْسِ) أَيِ: أَوَّلُهُ أَوْ بَعْضُهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ: أَوَّلُ طُلُوعِ شُعَاعِهَا مِنَ الْأُفُقِ. قَالَ مِيْرَكُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاجِبِ مَا طَلَعَ أَوَّلًا مِنْ جِرْمِ الشَّمْسِ مُسْتَدَقًّا مُشَبَّهًا بِالْحَاجِبِ، أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُغْرِبِ حَاجِبُ الشَّمْسِ: أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنَ الشَّمْسِ مُسْتَعَارٌ مِنْ حَاجِبِ الْوَجْهِ. (فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ فَحَمِدَ اللَّهَ) : قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: تُسَنُّ الْخُطْبَةُ، وَتَكُونُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَسْتَفْتِحُهُمَا بِالِاسْتِغْفَارِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا: لَا خُطْبَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ إِسْحَاقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ قَالَ: «أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ - وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ - إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنِ اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ» ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: ثُمَّ هِيَ خُطْبَةُ الْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَعْنِي فَتَكُونُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ ; وَلِذَا قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَاحِدَةٌ، وَلَا صَرِيحَ فِي الْمَرْوِيَّاتِ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا خُطْبَتَانِ.
(ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ) أَيْ: إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. (جَدْبَ دِيَارِكُمْ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: قَحْطَهَا. (وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ) أَيْ: تَأَخُّرَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالسِّينُ لِلْمُبَالَغَةِ، يُقَالُ: اسْتَأْخَرَ الشَّيْءُ إِذَا تَأَخَّرَ تَأَخُّرًا بَعِيدًا. (عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ: وَقَتِهِ، مِنْ إِضَافَةِ الْخَاصِّ إِلَى الْعَامِّ، يَعْنِي: عَنْ أَوَّلِ زَمَانِ الْمَطَرِ، وَالْإِبَّانُ أَوَّلُ الشَّيْءِ. فِي النِّهَايَةِ: قِيلَ: نُونُهُ أَصْلِيَّةٌ فَيَكُونُ فِعَّالًا، وَقِيلَ: زَائِدَةٌ فَيَكُونُ فِعْلَانٌ مِنْ آبَ الشَّيْءُ يَئُوبُ إِذَا تَهَيَّأَ لِلذَّهَابِ، وَفِي حَدِيثِ الْبَعْثِ: هَذَا إِبَّانُ نُجُومِهِ، أَيْ: وَقْتُ ظُهُورِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ: إِبَّانُ الشَّيْءِ بِالْكَسْرِ حِينُهُ أَوْ أَوَّلُهُ. (عَنْكُمْ) : مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِئْخَارِ. (وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أَيْ: فِي كِتَابِهِ. (أَنْ تَدْعُوهُ) أَيْ: دَائِمًا خُصُوصًا عِنْدَ الشَّدَائِدِ. (وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ) : بِقَوْلِهِ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وَلَا خُلْفَ فِي وَعْدِهِ. (ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ: فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : الْمُفِيضُ عَلَى عِبَادِهِ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِالنِّعَمِ الْجَلِيلَةِ وَالدَّقِيقَةِ تَارَةً فِي صُورَةِ النَّعْمَاءِ، وَمَرَّةً فِي طَرِيقَةِ الْبَلَاءِ، وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] : بِالْأَلِفِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، أَيْ: مَالِكِ كُلِّ شَيْءٍ فِي كُلِّ حِينٍ، وَالتَّخْصِيصُ لَهُ لِعَظَمَةِ يَوْمِ الدِّينِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْبَلَاءَ مُجَازَاةٌ فِي الدُّنْيَا لِمَا صَدَرَ مِنَ الْعِبَادِ مِنْ وُجُوهِ التَّقْصِيرِ فِي الْعُبُودِيَّةِ. قَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] . (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) : هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْأُلُوهِيَّةِ، الْمُتَوَحِّدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ. (وَيَفْعَلُ مَا يُؤَيِّدُهُ) ، وَيَحْكُمُ مَا يَشَاءُ، لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّفْوِيضِ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، كَمَا رُوِيَ: يَا عَبْدِي أُرِيدُ وَتُرِيدُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا أُرِيدُ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ. قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: أُرِيدُ وِصَالَهُ وَيُرِيدُ هَجْرِي فَأَتْرُكُ مَا أُرِيدُ لِمَا يُرِيدُ
وَسَأَلَ الْبِسْطَامِيُّ أَبَا يَزِيدَ: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: عَبْدُ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: هَذِهِ أَيْضًا إِرَادَةٌ. (اللَّهُمَّ أَنْتَ) اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ: أَنْتَ تَأْكِيدٌ. (الْغَنِيُّ) : بِذَاتِهِ عَنِ الْعَبْدِ وَعِبَادَتِهِ. (وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ) أَيِ: الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْكَ فِي الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ. (أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: غَيْثًا أَيْ: مَطَرًا يُغِيثُنَا وَيُعِينُنَا ; فَإِنَّا عَرَفْنَا قَدْرَ
نِعْمَتِكَ بَعْدَ فِقْدَانِ بَعْضِهَا. (وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً) أَيْ: بِالْقُوتِ حَتَّى لَا نَمُوتَ، وَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى عِبَادَةِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْمَعْنَى اجْعَلْهُ مَنْفَعَةً لَنَا لَا مَضَرَّةً عَلَيْنَا. (وَبَلَاغًا) أَيْ: زَادًا يُبَلِّغُنَا. (إِلَى حِينٍ) أَيْ: مِنْ أَحْيَانِ آجَالِنَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْبَلَاغُ مَا يُتَبَلَّغُ بِهِ إِلَى الْمَطْلُوبِ، وَالْمَعْنَى اجْعَلِ الْخَيْرَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْنَا سَبَبًا لِقُوَّتِنَا، وَمَدَدًا لَنَا مُدَدًا طِوَالًا. (ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَتْرُكِ الرَّفْعَ) : بَلْ بَالَغَ فِيهِ. (حَتَّى بَدَا) أَيْ: ظَهَرَ. (بَيَاضُ إِبِطَيْهِ) أَيْ: مَوْضِعُهُمَا. (ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ) : وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ إِشَارَةً إِلَى التَّبَتُّلِ إِلَى اللَّهِ، وَالِانْقِطَاعِ عَمَّا سِوَاهُ. (وَقَلَّبَ) : بِالتَّشْدِيدِ. وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّخْفِيفِ، وَفِي رِوَايَةٍ عُفْرَةَ إِبِطَيْهِ، وَلَا تَخَالُفَ ; لِأَنَّهَا عُفْرَةٌ نِسْبِيَّةٌ، لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الشَّعْرِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَدَعْوَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ، بَلْ ثَبَتَ نَتْفُهُ صلى الله عليه وسلم. (أَوْ حَوَّلَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. (رِدَاءَهُ) : لِلتَّفَاؤُلِ وَإِرَادَةِ تَقْلِيبِ الْحَالِ مِنَ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ. (وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: يَدَهُ يَعْنِي هَذِهِ الْحَالَةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي حَالِ تَحْوِيلِ ظَهْرِهِ أَيْضًا. (ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ) أَيْ: بِوَجْهِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَاسِ. (وَنَزَلَ) أَيْ: مِنَ الْمِنْبَرِ. (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ) أَيْ: أَوْجَدَ أَوْ أَحْدَثَ. (سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: ظَهَرَ فِيهَا الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ، فَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ. فِي النِّهَايَةِ: بَرِقَتْ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْحَيْرَةِ، وَبِالْفَتْحِ مِنَ الْبَرِيقِ اللَّمَعَانُ. (ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ) : فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّ أَمْطَرَتْ وَمَطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: لَا يُقَالُ: أَمْطَرَتْ إِلَّا فِي الْعَذَابِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} [الحجر: 74] . وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. قَالَ تَعَالَى: {عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]، وَهُوَ فِي الْخَيْرِ ; لِأَنَّهُمْ يُحِبُّونَ خَيْرًا. (فَلَمْ يَأْتِ) أَيْ: عليه الصلاة والسلام مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي اسْتَسْقَى فِيهِ مِنَ الصَّحْرَاءِ. (مَسْجِدَهُ) أَيِ: النَّبَوِيَّ فِي الْمَدِينَةِ. (حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ) أَيْ: مِنَ الْجَوَانِبِ. (فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ) أَيْ: سُرْعَةَ مَشْيِهِمْ وَالْتِجَائِهِمْ. (إِلَى الْكِنِّ) : بِكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَهُوَ مَا يُرَدُّ بِهِ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ مِنَ الْمَسَاكِنِ. (ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) أَيْ: آخِرُ أَضْرَاسِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَكَانَ ضَحِكُهُ تَعَجُّبًا مِنْ طَلَبِهِمُ الْمَطَرَ اضْطِرَارًا، ثُمَّ طَلَبِهِمُ الْكِنَّ عَنْهُ فِرَارًا، وَمِنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِظْهَارِ قُرْبَةِ رَسُولِهِ وَصِدْقِهِ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ سَرِيعًا، وَبِصِدْقِهِ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ. (فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَذَلِكَ الْكَلَامُ السَّابِقُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَعَلَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَعَلَّهُ بِهَذِهِ الْغَرَابَةِ أَوْ بِالِاضْطِرَابِ، فَإِنَّ الْخُطْبَةَ فِيهِ مَذْكُورَةٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَهَا، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا تَمَّ اسْتِبْعَادُ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ وَقَعَ حَالَ حَيَاتِهِ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ. السَّنَةَ الَّتِي اسْتَسْقَى فِيهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ، وَالسَّنَةَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا، وَإِلَّا فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.
هَذَا وَيُسْتَحْسَنُ أَيْضًا الدُّعَاءُ بِمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَهُوَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا، مَرِيعًا غَدَقًا، مُجَلِّلًا سَحًّا، عَامًّا طَبَقًا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْبِلَادِ وَالْعِبَادِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، فَإِذَا مُطِرُوا قَالُوا: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، وَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنْ زَادَ الْمَطَرُ حَتَّى خِيفَ