الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روايات الشيعة في صدد الآية يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
…
والتعليق عليها
نأتي الآن إلى روايات الشيعة في صدد هذه الآية التي يعلّقون عليها أهمية عظيمة تشابه لما يعلقونه على الآيتين [54 و 55] من هذه السورة في تثبيت إمامة عليّ رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كنصّ قرآني أيضا. فقد روى الطبرسي المفسر الشيعي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله أن الله أمر رسوله بتنصيب علي رضي الله عنه إماما بعده، فتخوّف أن يقول الناس إنه حابى ابن عمه فأنزل الله الآية فأعلن النبي بعد نزولها في غدير خمّ ولاية علي، وفي رواية أنه أخذ بيد عليّ فقال من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وروى نفس المفسر عن إمامي الشيعة أبي جعفر وأبي عبد الله مثل ذلك.
(1) انظر هذا الحديث في الجزء 2 ص 169 من كتاب التفسير والمفسرون للذهبي.
المفسرين روايات وأحاديث أخرى من هذا الباب فاكتفينا بما أوردناه ونقول تعليقا على ذلك، إن سياق الآية السابق واللاحق والتي هي منسجمة معها أشدّ الانسجام يدلّ دلالة نعتقد أنها حاسمة على أنها نزلت آمرة النبي بتبليغ ما أنزل الله إليه إلى أهل الكتاب دون خشية وحذر وأنها نزلت في وقت كان اليهود في المدينة على شيء من الوجود القوي بحيث يمكن أن نقول إن روايات الشيعة مقحمة على الآية وسياقها إقحاما عجيبا فضلا عن نصوص بعضها العجيبة التي تبرز عليها الصنعة بروزا قويا شأن الروايات التي يسوقونها أوردناها في سياق الآيتين [54 و 55] من هذه السورة. والغاية منها ظاهرة وهي زعم كون خلافة عليّ بعد النبيّ مؤيدة بنصوص قرآنية ونبوية وزعم مخالفة الجمهور الأعظم من المهاجرين والأنصار للقرآن والنبي وتحريفهم القرآن بإسقاط اسم عليّ من الآية حاشاهم ثم حاشاهم ولا يجوز لمسلم عاقل أن يخالجه شك في أن النبي لو أمر بإعلان إمامة عليّ لأعلنها دون أي تردد. ولو وصّى بخلافته لعبد حبشي وليس لعلي بن أبي طالب الهاشمي القرشي الصحابي الجليل المجاهد العظيم والعالم الواسع العلم لتقبل أصحابه وبخاصة كبارهم وبالأخصّ أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ذلك بكل خضوع وتسليم ولنفذوا وصيته بدون أي تردد. لأن المسألة في ذلك الوقت ليست مسألة حكم وسياسة وإنما هي مسألة إيمان ودين. وكان أصحاب رسول الله وبخاصة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان والذين سجّل الله في القرآن رضاءه عنهم كانوا مستغرقين في دين الله ورسوله ورسالته وأوامره وسنته والقرآن يأمرهم بأخذ ما آتاهم النبي والانتهاء عمّا نهاهم عنه ويقول من أطاع الرسول فقد أطاع الله. والجمهور الأعظم من أصحاب رسول الله ومنهم علي بن أبي طالب بايعوا أبا بكر ثم بايعوا عمر من بعده ثم بايعوا عثمان من بعده. وعلى فرض المحال لو حدثت نفوس بعض أصحاب رسول الله بعدم تنفيذ وصية النبي لو كانت صحيحة لحاربهم جمهور أصحاب رسول الله. ولما كان يصحّ فرض تراجع عليّ عنها لأنه يكون في ذلك خالف وصية رسول الله ولحارب دونها ولوجد من المسلمين جمهورا عظيما يحاربون
معه. وهو يعد أقوى عصبة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين.
وقد يكون في كتب الحديث المعتبرة أحاديث فيها شيء خاص بالنسبة لعلي رضي الله عنه. من ذلك مثلا حديث رواه الترمذي جاء فيه «من كنت مولاه فعليّ مولاه» «1» وليس بين هذا الحديث والآية أية صلة. ولا يفيد الدلالة التي يريد الشيعة استخراجها حتى وليس في الزيادة التي زادوها عليه هذه الدلالة. ومن ذلك حديث رواه الترمذي قد يكون فيه تفسير أو توضيح للحديث السابق. جاء فيه «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا وأمّر عليهم عليا فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة منهم على أن يخبروا رسول الله إذا رجعوا. فلما قدموا سلّموا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام أحد الأربعة فقال يا رسول الله ألم تر إلى علي صنع كذا وكذا.
فأعرض عنه ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الثالث فقال مثلهما فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال ما تريدون من علي وكرّرها ثلاثا ثم قال إن عليا مني وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» «2» حيث يمكن أن يستفاد من هذا الحديث إن صح أنه في معرض الدفاع عن علي رضي الله عنه وبيان علوّ منزلته عنده وحسب. ولعل الحديث الأول صدر أيضا في هذا الموقف فرواه أحدهم لحدته. ومن ذلك حديث يرويه مسلم والترمذي عن زيد بن أرقم صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم على ماء خمّ بين مكة والمدينة جاء فيه «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي.
أذكّركم الله في أهل بيتي» «3» وفرق كبير بين هذه الصيغة التي يروي الشيعة صيغة أخرى عن النبي يوم غدير خمّ وما يروونه وأوردناه قبل. وليس لها صلة بالآية التي
(1) التاج ج 3 ص 296.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه ص 310.