الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقف عند رواية البغوي التي تضمنت جواب النبي صلى الله عليه وسلم على اقتراح قتل المتآمرين من المنافقين لنقول إن مثل هذا الجواب صدر أيضا من النبي صلى الله عليه وسلم في حقّ عبد الله بن أبي بن سلول كبير منافقي المدينة أيضا على ما شرحناه في تفسير سورة (المنافقون) حيث يتأكد في هذا ما نبهنا عليه من الحكمة التي انطوت في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقفه من المنافقين وعدم البطش والتنكيل فيهم.
[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
. (1) بخلاقهم: بنصيبهم.
(2)
وخضتم كالذي خاضوا: بمعنى وفعلتم ما فعلوه من خوض وسعي في الباطل والفساد.
تعليق على الآية الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
…
والآيات الثلاث التي بعدها وما فيها من صور ودلالات
عبارة الآيات واضحة. ولم يرو المفسرون رواية ما في صددها. والمتبادر
أنها استمرار في السياق وجزء من السلسلة. وقد جاءت معقبة على الآيات السابقة التي احتوت ما احتوته من مشاهد مواقف المنافقين ومكائدهم وسوء أدبهم ونواياهم بسبيل تقرير أخلاقهم بصورة عامة وكونهم عصبة واحدة متضامنة نساء ورجالا في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل بما في أيديهم ونسيانهم الله وحسابه، وإنذارهم مع تهوين أمرهم وتقرير كونهم ليسوا بدعا في الأمم لا في كثرة المال والولد. ولا في متاع الدنيا والتمكن منها. ولا في ما كان منهم من كيد وخبث ومكر وكفر وخوض وتكذيب. ولقد حلّ بسابقيهم من أمثالهم الذين كانوا أشد منهم قوّة وأكثر أموالا وأولادا غضب الله وليسوا ليعجزوه. فقد حبطت أعمالهم وخسروا في الدنيا والآخرة ولهم النار مع الكفار خالدين فيها. وعليهم اللعنة.
وأسلوب الآيات قوي حاسم في كل ما جاءت بسبيله من جهة وموثق من جهة أخرى لكون الآيات جميعها منذ الآية [42] بل منذ الآية [37] سلسلة متصلة الأجزاء للتنديد بالمنافقين وتقريعهم والتذكير بأخلاقهم ومكائدهم ومواقفهم التي كانت تبدر منهم قبل غزوة بدر في مناسبة الموقف الذي وقفوه من الدعوة إلى غزوة تبوك وتهرّبهم منها. ولعلّ ذكر المنافقات في الآيات تدعيم لما قررناه من حيث إنه لم يرو أحد من المنافقات من كان خرج مع من خرج من المنافقين في غزوة تبوك.
وإنما أشركن بالذكر لأنهن كن يشاركن المنافقين في الدور الخبيث الذي كانوا يقومون به في المدينة. ولقد تكرر ذكر المنافقات مع المنافقين في أكثر من موضع حيث يدعم هذا ما قلناه في المناسبات السابقة من الدلالة على شخصية المرأة العربية وبروزها في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم أو على الأقل على وجود شخصيات نسائية بارزة. وهذه الدلالة منطوية في ما تكرر ذكره من المؤمنات المخلصات في مواضع عديدة أيضا.
ويحسن أن ننبّه في مناسبة الآية [70] إلى أسلوب من أساليب النظم القرآني. فأخبار الأمم السابقة ورسلهم في السور المكيّة كانت تقصّ بشيء من التفصيل. وإذا اقتضت حكمة التنزيل أن تذكر اقتضابا كانت العبارة القرآنية تتضمن