الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفحما قويا. ولا سيما إنه كان بين النصارى من يعتقد أن المسيح لا يتساوى على أي حال في ألوهيته مع الله وأن طبيعته اللاهوتية والناسوتية ممتزجة بحيث لا يكون إلها كاملا ولا إنسانا كاملا. وكان هؤلاء أكثرية نصارى بلاد الشام ومصر والعراق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم المعروفين باليعقوبيين والنسطوريين بالإضافة إلى مذاهب النصارى الأخرى فيه على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة مريم.
هذا والمتبادر أن الفقرة الأخيرة هي في صدد الردّ على ما في جعل ولادة المسيح الإعجازية سببا للاعتقاد بألوهيته أو نبوّته أو جزئية إلهيته له أو دليلا عليه من حجة قاصرة في سبيل الإفحام أيضا.
ولقد نبهنا في سياق وتفسير آيات النساء [171 و 172] إلى مزاعم بعضهم بكون الأقانيم هي صفات الله مثل صفات (الحيّ القيّوم العالم) التي وصف بها الله في القرآن ونبهنا على ما في هذا من تهافت ومغايرة لما جاء في الأناجيل نفسها فنكتفي هنا بهذه الإشارة.
[سورة المائدة (5) : آية 18]
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
.
تعليق على الآية وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
…
إلخ
عبارة الآية واضحة كذلك. وفيها حكاية لما كان يدعيه اليهود والنصارى من أنهم أولياء الله وذوو الحظوة عنده. وردّ إنكاري فيه تحدّ وإفحام. فالله يعذبهم كما يعذب غيرهم ولو كانوا كما يدعون لما كان ذلك. وإنهم لبشر كسائر البشر معرضون لغضب الله ورضائه وفاق أعمالهم. وإليه مصيرهم فيجزيهم عليها.
وقد روى الطبري أن جماعة من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكلّموه وكلّمهم
ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوّفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحبّاؤه فأنزل الله الآية وتابعه المفسرون الآخرون في رواية الرواية.
ويلحظ أن الآية قد حكت قولا مشتركا منسوبا إلى اليهود والنصارى معا مما يسوغ القول أكثر أنها استمرار للسياق الاستطرادي. وأن أسلوبها وضمير الجمع المخاطب فيها من قبيل حكاية الحال والجواب عليها مما هو مألوف في النظم القرآني. وقد مرت منه أمثلة كثيرة. ولا يمنع هذا أن يكون هذا القول صدر من بعض اليهود في موقف ما وأن يكون صدر كذلك من بعض النصارى أيضا فاقتضت حكمة التنزيل حكايته في هذا السياق.
والمتبادر أن هذا القول الذي كان يصدر عن اليهود والنصارى كان يصدر في معرض التبجح بأنهم على هدى من الله وبأنهم مستغنون عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وهداه ردا على مخاطبتهم وتوجيه الدعوة إليهم بتصديق الرسالة المحمدية. وأسلوب الردّ قوي مفحم وبخاصة في هتافه بهم بأنهم ليسوا إلّا أناسا كسائر الناس فيهم قابلية الهدى والضلال والصلاح والخطأ.
ولقد حكت آيات عديدة في سورة البقرة وآل عمران والجمعة تبجحات اليهود بأنهم أولياء الله من دون الناس وبأن الدار الآخرة خالصة لهم وبأنهم لن تمسّهم النار إلّا أياما معدودات كما حكت آيات أخرى في سورة البقرة تبجحات النصارى واليهود معا بأنه لن يدخل الجنة إلّا من كان على دينهم وأن من أراد الهدى فعليه أن يكون على دينهم. وتكرر الحكاية يدل على تكرر المواقف بطبيعة الحال.
والقول المحكي وإن كان مطلقا فالمتبادر أنه قول الذين كانوا يصرّون على رفض الإجابة إلى الدعوة المحمدية ويقفون منها موقف العناد منهم. وقد ارعوى كثير منهم فآمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله عليه وتابعوه على ما ذكرته آيات عديدة مكية ومدنية أوردناها في مناسبات سابقة.
ولقد كان اليهود يزعمون أنهم شعب الله المختار وينعتون الله بربّ إسرائيل وينسبون إليه الوعود المتنوعة بالعناية بهم ورعايتهم في مختلف الظروف على