الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشمل جميع المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى السابقين الأولين. وذكر الطبرسي أن هذا التعبير يشمل كل مسلم سار على طريقة أصحاب رسول الله إلى يوم القيامة.
ونقول في صدد القول الأول إن في الآيات التالية لهذه الآيات ما لا يتسق معه لأن فيها تقريرا بأن من المسلمين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا والمرجى لأمر الله فضلا عن المنافقين غير المعروفين. أما القول الثاني فإن الآية وإن كان من الممكن أن تلهم أن التعبير هو في صدد أناس موجودين فعلا حين نزولها. وهذا ما يلهمه كذلك تعبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ الذي يشملهم فإن فيه وجاهة حيث يمكن أن ينطوي في الآية تلقين مستمر المدى يوجب على المسلمين في كل ظرف ومكان أن يجعلوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار قدوة وإماما بعد الله ورسوله. ويجعل الذين يلتزمون ذلك محلّ رضاء الله سبحانه وتعالى. ويلفت النظر في هذا المقام إلى تعبير بِإِحْسانٍ فكأنما جاء ليكون شرطا للحوق الآخرين بالأولين أو لدخولهم في ساحة رضاء الله وبشراه.
[سورة التوبة (9) : آية 101]
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101)
. (1) مردوا: مارسوا النفاق حتى مرنوا وبرعوا فيه أو صار لهم جرأة عليه وعتوّ فيه.
تعليق على الآية وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ وما فيها من صور وتلقين
في الآية تنبيه وإنذار وتقرير لواقع حال: فإنه يوجد إلى جانب من كان يعرف
النبي صلى الله عليه وسلم نفاقهم أناس آخرون من أهل المدينة ومن الأعراب الذين هم حولها منافقون لا يعلمهم النبي لأنهم مرنوا على النفاق وأتقنوا دورهم فيه حتى استطاعوا أن يخفوا حقيقتهم. وإن الله تعالى يعلمهم. ولسوف يعذبهم الله مرتين قبل يوم القيامة ثم يردون إلى عذاب عظيم في ذلك اليوم جزاء خبثهم ومكرهم.
ولم يرو المفسرون رواية خاصة في سبب نزول الآية. والمتبادر من أسلوبها وعطفها على ما سبقها أنها استمرار في الاستطراد وجزء من السياق السابق فيها ذكر صنف من صنوف المجتمع الإسلامي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد احتوت صورة طريفة لفريق من المنافقين استطاعوا أن يخفوا نفاقهم عن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. ومن الممكن أن يستلهم من أسلوب الآية قصد الإيقاظ والتحذير من جهة وقصد التهديد بالفضيحة من جهة أخرى بالإضافة إلى بيان واقع أصحاب هذه الصورة وتقرير استحقاقهم لعذاب مضاعف.
والآية تحتوي صورة من صور النفاق والمخامرة تكون في مختلف الظروف وبخاصة في ظروف النضال واستعلاء أهله. وتحتوي بالتالي إيقاظا وتلقينا مستمر المدى نحو أصحاب هذه الصورة وخطرهم وضررهم اللذين يفوقان خطر وضرر المعروفين من المنافقين.
ولقد روى ابن كثير في سياق هذه الآية عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة باثني عشر رجلا من المنافقين المجهولين للناس فقال ستة منهم تكفيهم الدبيلة.
سراج من نار يأخذ في كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره. وستة يموتون موتا.
وأن عمر بن الخطاب كان إذا مات رجل ممن يظن أنه منافق نظر إلى حذيفة فإن صلّى عليه صلّى عليه وإلّا تركه. وأن عمر نفسه ناشد حذيفة (هل هو نفسه منهم فقال له لا) . والحديث مرفوع ولم يرد في كتب حديث معتبرة. ونص الآية صريح بأن من ذكر في الآية لا يعلمهم النبي وهذا ما يوجب التوقف فيه. ويوجب التوقف فيه مناشدة عمر لحذيفة عما إذا كان هو نفسه منهم فإنه من المتواتر تواتر اليقين أن عمر كان من أخلص الرجال المؤمنين وكان له عند رسول الله مكانة عظمى وأثرت
عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة صحيحة في التنويه به. منها حديث رواه الترمذي عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطاب» «1» وحديث رواه الترمذي جاء فيه: «أن أبا بكر قال لعمر لقد سمعت رسول الله يقول ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر» «2» . وحديث رواه الترمذي أن النبي قال: «إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه» «3» وحديث رواه الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبيّ إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر» «4» . وليس من ريب عندنا أن عمر كان متيقنا من عمق إيمانه ومنزلته من رسول الله فلا يمكن أن يطرأ شكّ ما على قلبه من نفسه. ونخشى أن يكون للشيعة أثر في هذا الخبر لفش غلهم ولبغضهم له.
ولقد تعددت الروايات التي أوردها الطبري وغيره عن أهل التأويل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم في تأويل جملة سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ منها أنهما عذاب الحسرة والغيظ لانتصار الإسلام والمسلمين أولا ثم عذاب القبر ثانيا قبل عذاب يوم القيامة العظيم. ومنها أنهما عذاب الفضيحة أولا ثم عذاب القبر ثانيا.
ورووا عن ابن عباس في سياق الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم جمعة فقال:
اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق. فأخرج من المسجد أناسا منهم فضحهم فهذا هو العذاب الأول. ومهما يكن من أمر فالتعبير استهدف تقرير استحقاقهم العذاب مضاعفا، ليتناسب مع شدة خطرهم وبشاعة دورهم ويكون قوي الردع والزجر في الوقت نفسه.
ولقد أورد ابن كثير في سياق تفسير هذه الآية حديثا من تخريج ابن عساكر عن أبي الدرداء أن رجلا يقال له حرملة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «الإيمان هاهنا وأشار إلى لسانه» و «النفاق هاهنا وأشار إلى قلبه» ولم يذكر الله إلا قليلا. فقال رسول
(1) التاج ج 3 ص 279.
(2)
المصدر نفسه ص 280- 282.
(3)
المصدر نفسه. [.....]
(4)
المصدر نفسه.