الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشفقين على إخوانهم أشداء قساة على أعدائهم. يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ولا دوران دائرة.
(2)
وتقرير على سبيل التعقيب على النهي والتحذير وجّه فيه الخطاب إلى المؤمنين أيضا فلا يصح أن يكون لهم ولي غير الله ورسوله والمؤمنين المخلصين القائمين بجميع واجباتهم نحو الله والناس بالصلاة والزكاة. فهم فقط أولياؤهم حصرا. وإن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين المخلصين هو من حزب الله وإنّ حزب الله هو الغالب.
(3)
ونهي آخر موجه للمؤمنين، كذلك بعدم اتخاذ أهل الكتاب والكفار الذين يتخذون دينهم هزوا ولعبا أولياء. وحثّ لهم على تقوى الله إن كانوا مؤمنين حقا والتزام أوامره ونواهيه.
(4)
وبيان تذكيري ببعض تصرفات الذين ينهون عن اتخاذهم أولياء. فهم إذا أذّن المؤذن إلى الصلاة اتخذوا ذلك وسيلة للسخرية والغمز. وهم إنما يفعلون ذلك لأنهم قوم قد ضلّت عقولهم عن فهم الحقّ واتباعه والوقوف عنده.
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
…
إلخ والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من تلقين. وما ورد في صددها من روايات شيعية وغير شيعية
لقد روى المفسرون روايات عديدة ومتنوعة في نزول هذه الآيات وفيما تعنيه. فروى الطبري عن الحسن ومجاهد وغيرهما أن الآية الأولى هي في حقّ الذين ارتدوا عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي حقّ أبي بكر وأصحابه الذين جاهدوا فيهم وردّوهم إلى الإسلام. وقال الطبري إن في الآية وعيدا لمن سبق في علم الله أنه سيرتدّ بعد وفاة رسول الله من أهل الوبر والمدر وقيام من هم خير منهم بنصرته ووفّاهم بوعده لهم ووفّى المرتدين بوعيده.
وروي مع ذلك عن عياض الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أومأ إلى أبي موسى الأشعري وقال هؤلاء قومك أو هؤلاء قوم هذا. وروى الطبري عن أبي جعفر أحد الأئمة الاثني عشر أن الآية [55] نزلت في علي بن أبي طالب لأنه تصدّق وهو راكع. وعن ابن عباس أن الآيات [57- 61] نزلت في رفاعة بن زيد التابوت وسويد بن الحرث اليهوديين اللذين كانا أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادّونهم. وهناك رواية تذكر أن الآيات [54 و 55] نزلت في عبد الله بن سلام لما أسلم هو وبعض اليهود فقطع سائر اليهود موالاتهم لهم فأنزل الله الآيات لتطمين الذين أسلموا من اليهود. وقد أورد البغوي والخازن وابن كثير والنيسابوري هذه الروايات. منهم من أوردها جميعها ومنهم من أورد بعضها ومنهم من عزاها إلى الطبري ومنهم من أوردها من طرق أخرى.
وبينما يروى الطبري أن الآية [54] عنت أبا موسى الأشعري وقومه يروي ابن كثير مع هذه الرواية رواية عن جابر بن عبد الله بأنها عنت قوما من اليمن ثم من كنده ثم من السكون ثم من تجيب. كما يروى النيسابوري حديثا عن النبي يفيد أنها عنت سلمان الفارسي وقومه.
ومفسرو الشيعة ورواتهم وعلماؤهم يعلّقون أهمية كبيرة على هذه الآيات وبخاصة الآيات [54 و 55 و 56] ويرون فيها على ضوء أحاديث وروايات ينفردون في روايتها نصّا قرآنيا على ولاية علي رضي الله عنه وأولاده للمؤمنين وإمامتهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم. وهذا ما يجعلنا نسهب شيئا في شرح هذا الأمر لوضع الأمر في نصابه الحق إن شاء الله.
فمما أورده الطبرسي أحد مفسريهم والمعتدلين منهم «1» رواية عن علي بن إبراهيم بن هاشم أن الآية الأولى نزلت في مهدي الأمة وأصحابه وأوّلها خطاب لمن ظلم آل محمد وقتلهم وغصب حقهم. وقد عقب المفسر على الرواية قائلا وينصر هذا القول كون ما جاء في فقرتها الثانية فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
(1) في تفسيره المسمّى مجمع البيان.
لم يكونوا موجودين عند نزولها ويتناول القول من يكون بعدهم بهذه الصفة إلى قيام الساعة. وروى المفسر نفسه أيضا رواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله من الأئمة الاثني عشر أنها في أمير المؤمنين عليّ وأصحابه حين قاتل من قاتله من الناكثين والقاسطين والمارقين. وعقب المفسر على هذا بسبيل تدعيم الرواية قائلا إن النبي صلى الله عليه وسلم وصف عليا رضي الله عنه الوصف الوارد في الآية الأولى بلفظ «يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» في حديث صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حيث قال «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يده» «1» ثم أعطاها عليا. ثم استمر المفسر فقال أما الوصف باللين على أهل الإيمان والشدّة على الكفار والجهاد في سبيل الله مع عدم الخوف فيه لومة لائم الذي جاء في الآية فمما لا يمكن أن يدع عليّ عنه بما ظهر من مقاماته المشهورة.
ويروي الطبرسي عن علي أنه قال يوم البصرة أي اليوم الذي جرى حرب الجمل فيه بين عليّ وأنصاره وعائشة وطلحة والزبير وأنصارهم والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم. يريد القول بذلك الذين عنتهم الآية الأولى لم يكونوا موجودين وإنما جاؤوا بعد النبي. وإن عليا قاتل ذلك اليوم محققا ما في الآية.
ويروى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال «يرد عليّ قوم من أصحابي يوم القيامة فيجلون عن الحوض فأقول يا ربّ أصحابي أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا من بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى «2» .
(1) في التاج ج 3 ص 293- 294 حديث فيه شيء من ذلك رواه الشيخان عن سلمة بن الأكوع بهذا النص «كان عليّ قد تخلّف عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان رمدا فقال أنا أتخلف، فخرج فلحق بالنبي. فلما كان مساء الليلة التي فتح الله خيبر في صباحها قال رسول الله لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه الله ورسوله أو قال يحبّ الله ورسوله يفتح عليه. فإذا نحن بعليّ وما نرجوه فقالوا هذا عليّ فأعطاه رسول الله الراية ففتح عليه» . وهناك حديثان آخران يرويهما الشيخان بعد هذا الحديث وفي نفس المناسبة فيهما هذا الوصف.
(2)
هناك حديث يرويه الشيخان عن سهل بن سعد فيه شيء من ذلك هذه صيغته «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض. من مرّ عليّ شرب. ومن شرب لم يظمأ أبدا.
وليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقول إنهم منّي فيقال لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غيّر بعدي» وفي رواية البخاري قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. التاج ج 5 ص 344 و 345.
ولقد أورد هذا المفسّر الرواية التي أوردها الطبري عزوا إلى أبي جعفر في صدد الآية [55] بتفصيل مثير عن السدي عن غيابة بن ربعي قال «بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله إذ أقبل رجل معمم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله إلّا قال الرجل قال رسول الله فقال له ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه وقال يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري. سمعت رسول الله بهاتين وإلّا صمّتا ورأيته بهاتين وإلّا عميتا يقول «عليّ قائد البررة وقاتل الكفرة ومنصور من نصره ومخذول من خذله. أما إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهم اشهد. إني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا. وكان عليّ راكعا فأومأ بخنصره اليمنى إليه وكان يتختّم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره. وذلك بعين رسول الله. فلما فرغ رسول الله من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم إن أخي موسى سألك فقال قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) فأنزلت عليه قرآنا ناطقا سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما. اللهم وأنا محمّد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري. قال أبو ذر فو الله ما استتمّ رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبريل من عند ربّه فقال يا محمد اقرأ قال وما أقرأ قال اقرأ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» . ومع أن الرواية تذكر أن النبي كان يصلي حينما تصدق عليّ بخاتمه فإن المفسر يروي رواية أخرى جاء فيها أن النبي خرج إلى المسجد والناس بين قائم
وراكع فبصر بسائل فقال له هل أعطاك أحد شيئا قال نعم خاتم من فضة فقال من أعطاكه قال ذلك القائم وأومأ إلى علي فقال على أي حال أعطاكه قال وهو راكع فكبّر النبي ثم قرأ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ.
ومما أورده المفسر الشيعي الكاشي في سياق الآيات رواية عن الإمام الصادق في سياق تفسير الآية [55] جاء فيها أنها في حقّ إمامة علي وأولاده إلى يوم القيامة وإنه هو المقصود. بوصف الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ وأنه كان عليه حلّة قيمتها ألف دينار كان أهداها إليه النجاشي فجاء سائل إليه وهو راكع فقال السلام عليك يا وليّ الله وأولى المؤمنين من أنفسهم تصدق على مسكين فطرح الحلة إليه. فأنزل الله الآية وصير نعمة أولاده بنعمته. فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله. وإن السائل الذي سأل أمير المؤمنين هو من الملائكة. والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة» وروى عن الصادق عن أبيه عن أجداده (إنه لما نزلت الآية إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا التي عنت بجملة وَالَّذِينَ آمَنُوا عليا اجتمع نفر من أصحاب رسول الله في المسجد فقال بعضهم إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها وإن آمنا فإن هذا ذلّ حين يسلط علينا علي بن أبي طالب فقالوا قد علمنا أن محمدا صادق فيما يقول. ولكنا نتولاه ولا نطيع عليا فيما أمرنا قال فنزلت هذه الآية يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ [النحل: 83] يعني ولاية علي وأكثرهم الكافرون بها.
ومما أورده محمد العلوي في تفسيره أن الآية [55] نزلت في علي عليه السلام وإن صيغتها تدل على إمامته دون سواه للحصر. وعدم اتصاف غيره بهذه الصفات. وقد جاءت في صيغة الجمع أي وَالَّذِينَ آمَنُوا للتعظيم أو لدخول أولاده الطاهرين معه فيها) «1» .
(1) ما أوردناه من روايات المفسرين الشيعة نقلناه من تفسير مجمع البيان للطبرسي ومن الجزء الثاني من كتاب التفسير والمفسرون لمحمد حسين الذهبي. ولا نشك في أن مفسري الشيعة الآخرون قد أوردوا هذه الروايات وغيرها من بابها لتوكيد كون الآيتين [55 و 56] هما في صدد إمامة علي وأولاده رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وتعليقا على الأحاديث والروايات نقول إن معظمها لم يرد في كتب الصحاح وما ورد منها فيها مثل حديث «لأعطين الراية رجلا يحبّ الله ورسوله» وحديث الحوض لم يذكر فيها أية صلة بينها وبين الآيات حيث يبدو أن إيرادها في مناسبة الآيات هو من قبيل التطبيق الاجتهادي. وهذا يقال في صدد صرف الآيات إلى قتال أبي بكر للمرتدين. ونرجح أن الرواية التي أوردها الطبري عن الإمام أبي جعفر مصنوعة. ونقول هذا بالنسبة للروايات التي يرويها مفسرو الشيعة من باب أولى التي يرون على ضوئها في الآيات دلالة قرآنية على إمامة علي رضي الله عنه وأولاده من بعده ففيها كثير من التناقض والمفارقة. وطابع الصنعة غير الموفقة والهوى الحزبي بارز عليها. لا يمكن أن يخفى على عاقل مجرد عن الهوى الذي يعمي صاحبه ويصمه ويسوقه إلى التعسف والتحكم. وفيها جرأة على رسول الله وعلى علي رضي الله عنه بل على الأئمة أبي جعفر وأبي عبد الله الذين نحبّ أن ننزههم عن هذا التعسف في التأويل والكذب على الله ورسوله فيه.
والآية التي فيها يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ والتي يوردونها ليقولوا إنها نزلت في أصحاب رسول الله وقررت أن أكثرهم كافرون والعياذ بالله مكية بينما الآية التي تساق في صددها مدنية. والآيتان [55 و 56] اللتان يروون أنهما نزلتا لتقرير إمامة وولاية علي وأولاده جزء من سياق سابق ولاحق في صدد تولي المسلمين لليهود والنصارى. وهذا واضح بحيث يكون من التعسف بل من الغباء الشديد أن يقال إنهما نزلتا لحدتهما لتقرير ذلك.
ولقد أورد ابن كثير الرواية المسهبة المروية عن أبي ذر وفندها تفنيدا سديدا سواء من ناحية اقتطاع الدلالة منها على نصّ القرآن والنبي على ولاية عليّ بعد النبي أم ناحية محتواها العجيب التركيب. أم من ناحية تناقض هذا المحتوى مع
روايات أخرى أم ناحية ضعف سندها وتهمة رواتها أم من ناحية عدم تناسبها مع السياق. وفي كتب التفسير الأخرى شيء من ذلك وإن كان ابن كثير هو الأقوى والأصرح فيه. ومما قاله الزمخشري إن الركوع لغة بمعنى الخشوع والإخبات والتواضع لله تعالى وإن معنى جملة يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حالة من الخشوع والإخبات والتواضع لله. وفي هذا ما فيه من الوجاهة. ويضع الأمر الذي يخرجه رواة الشيعة عن مداه في نصابه الحق المعقول الذي يلهمه أسلوب الآية وروحها.
ونحن نتوقف في الروايات التي تروي أن بعض هذه الآيات نزلت في اليهود الذين أسلموا ثم نافقوا أو في عبد الله بن سلام وجماعته إذا كان ذلك يعني أن هذه الآيات نزلت منفصلة عن غيرها. ونرى أن الآيات جميعها سياق واحد بسبيل توكيد نهي المسلمين عن اتخاذ الذين أوتوا الكتاب أولياء وبيان أسباب ذلك. ويلحظ أن الآية [57] شملت في نهيها أهل الكتاب والكفار حيث أريد بذلك النهي عن موالاة كل كافر من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون دين الإسلام وصلاة المسلمين وأذانهم هزوا. وهذا لا يمنع أن يكون بعض اليهود آمنوا ثم نافقوا وأن اليهود قاطعوا عبد الله بن سلام وجماعته لإسلامهم فرأى أهل التأويل الأولون في الآيات تطابقا مع ذلك وقالوا إنها في حقهم من قبيل التطبيق والاجتهاد وفي سور سبق تفسيرها ما يفيد أن من اليهود من كان يفعل ذلك مثل آية [76] من سورة البقرة والآيات [72- 73 و 85- 91] من سورة آل عمران.
وعلى ضوء كل ما تقدم نقول إن الآيات هي بسبيل نهي المؤمنين عن تولي اليهود والنصارى والكفار والتنديد بمن يفعل ذلك وإنذارهم ووصفهم بالارتداد وتوكيد كون الله ورسوله والمؤمنين الصادقين هم الأولى بالتولي وكون هؤلاء ومن يتولونهم هم المنصورون وكون الله سوف ينصر دينه بطوائف مخلصة في إيمانها مستعدة دائما للقتال في سبيل الله دون هوادة وتردد وخوف، تحب الله ورسوله ويحبهم الله ورسوله. وهكذا تبدو قوة روعة الآيات أسلوبا ومدى. ونضيف إلى
هذا أن الآيات متصلة بما كانت عليه الحالة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند نزولها.
ونقول تعليقا على حديث الحوض إن من واجب المسلم الإيمان بما يثبت عن رسول الله من أخبار الآخرة مع استشفاف الحكمة من ذلك. والمتبادر أن من ذلك تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه من الشذوذ والارتداد عن ما رسم الله ورسوله من حدود دينية ودنيوية. وهذا مستمر التلقين بطبيعة الحال لكل مسلم بعد أصحاب رسول الله.
هذا، ومن المؤولين والمفسرين من جعل وصف ارتداد المسلم عن دينه الوارد في الفترة الأولى من الآية الأولى متحققا في تولي أهل الكتاب بسبب خلاف الدين مطلقا. ومنهم من جعل ذلك في من يتولى الأعداء المحاربين منهم وحسب.
والقول الثاني هو الأوجه الذي يتناسب أكثر مع خطورة وصف الارتداد ومع الفقرة الثانية من الآية التي تذكر أن الله سوف يأتي بأناس يقاتلون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم لأن القتال إنما يرد في صدد أعداء محاربين على ما شرحناه في مناسبات عديدة في سور سبق تفسيرها. ويلحظ أن آية آل عمران [28] قالت إن المؤمنين الذين يتولون غير المؤمنين ليسوا من الله في شيء وذكر هنا أن ذلك يكون ارتدادا.
وليس من تناقض في ذلك. ولقد نهت آية آل عمران عن تولي غير المؤمنين إطلاقا. وآيات المائدة التي نحن في صددها نهت عن ذلك إطلاقا أولا ثم عادت إلى النهي مع التعليل. فيكون التعليل الذي يكون التولي والمنهي عنه به هو بالنسبة لمن يقف موقف عداء وسخرية من الإسلام والمسلمين. ويكون هذا ضابطا. وفي آيات في سورة الممتحنة يأتي هذا الضابط أقوى وأصرح على ما سوف يأتي شرحه في سياق تفسيرها الذي يأتي بعد تفسير هذه السورة مباشرة.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإنها كسائر الآيات المماثلة عامة التوجيه والتلقين لجميع المسلمين في كل ظرف. وإطلاق عبارتها مما يقوي هذا التعميم أيضا. ومما ينطوي فيها من تلقين بالإضافة إلى النهي والتحذير: (أولا) تقبيح موالاة أي فريق من المسلمين للكائدين لأمته ودينه ومناصرتهم والاستنصار بهم