الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقيل وفي رواية أخرى أبو خيثمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لقد أجرت نفسي ونلت صاعين من تمر فأمسكت بأحدهما وأتيتك بالآخر فأخذ المنافقون يلمزون الأغنياء بالرياء ويسخرون بأبي عقيل أو أبي خيثمة ويقولون إن الله ورسوله لغنيان عنه. وأنه لم يأت بصاعه إلّا ليذكر بين الناس. ومما رووه أيضا أن رسول الله هتف يوما قائلا من يتصدق اليوم بصدقة أشهد له بها عند الله يوم القيامة فجاء رجل ليس في البقيع رجلا أقصر منه قامة ولا أشدّ سوادا ولا أذم لعين منه يقود ناقة ليس في البقيع أحسن ولا أجمل منها فقال أصدقة يا رسول الله قال نعم قال فدونكها فألقى إليه بخطامها. فقال والله إنه ليتصدق بها ولهي خير منه. فنظر رسول الله فقال بل هو خير منك ومنها. وليس ما يمنع أن المواقف كانت تتكرر فتعددت الروايات وإن كان من الصحيح أن يؤخذ بحديث البخاري على أنه سبب نزول الآية مباشرة.
ونرجح أن الوقائع المروية وقعت قبل السفر إلى تبوك. ولعلها وقعت في مناسبة الإعداد لغزوة تبوك. وأن الآية لم تنزل حين وقعت. وأنها جزء من السلسلة في معرض ذكر أخلاق ومواقف المنافقين والتنديد بهم.
والصورة من الصور الخبيثة المألوفة من ذوي القلوب المريضة في مختلف الظروف حيث يبخلون بما آتاهم الله ثم يقدحون في ذوي النفوس السمحة من قبيل التعطيل والتغطية على بخلهم. وواضح أن في الآيات تلقينا مستمر المدى في تقبيح هذه الصورة وتقرير كونها من أخلاق المنافقين.
[سورة التوبة (9) : آية 80]
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80)
.
تعليق على الآية اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ
…
ومداها وما ورد في صددها من أقوال وروايات وأحاديث
عبارة الآية واضحة. والخطاب فيها موجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وضمير الجمع
الغائب عائد إلى المنافقين الذين هم موضوع الحديث في الآيات السابقة. وهي بسبيل تسجيل كفرهم وفسقهم وعدم إمكان شمولهم بغفران الله تعالى سواء أستغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يستغفر لهم حتى ولو استغفر لهم سبعين مرة. فإن الله لا يمكن أن يوفق ويهدي الفاسقين عن أوامره.
وقد روى المفسرون «1» أن المنافقين لما نزلت الآيات السابقة التي تحكي مواقفهم وتفضحهم وتندد بهم لجأوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون ويطلبون منه الاستغفار لهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله خيّرني أن أستغفر لهم أو لا أستغفر لهم فاستغفر لهم أو همّ بذلك فأنزل الله الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدها: «لأزيدنّ على السبعين أو سأستغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين
…
» .
ولقد روى الشيخان والترمذي حديثا عن ابن عمر قال: «لما توفّي عبد الله بن أبيّ بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن به أباه. فأعطاه ثم سأله أن يصلّي عليه فقام رسول الله ليصلّي عليه فقام عمر فأخذ بثوب النبي فقال يا رسول الله تصلّي عليه. وقد نهاك ربّك فقال إنما خيرني الله فقال اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وسأزيده على السبعين. قال عمر إنه منافق. قال فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ» «2» . وبقطع النظر عما يتحمله هذا الحديث من ملاحظات سوف نوردها في سياق تفسير الآية: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ
…
التي ستأتي بعد قليل فإن خبر مسارعة المنافقين إلى الاعتذار للنبي وطلب الاستغفار منه لهم بعد نزول الآيات القارعة فيهم محتمل الصحة. وبخاصة بالنسبة للمنافقين الذين كانوا معه في غزوة تبوك. لأننا نعتقد أن هذه السلسلة نزلت أثناء هذه الغزوة على ما تلهمه القرائن العديدة في آياتها السابقة واللاحقة. غير أننا
(1) انظر تفسير الخازن مثلا وانظر أيضا تفسير الطبري وابن كثير والبغوي.
(2)
التاج ج 4 ص 118.