الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتاريخ القديمة «1» ، وإعلان كون المشركين نجسا وحظر دخولهم المسجد الحرام، وحج النبي صلى الله عليه وسلم على رأس حشد عظيم من المسلمين روي أنه بلغ أربعين ألفا أو أكثر- وهذا رقم عظيم في ذلك الوقت- حتى هتف الله تعالى بالمؤمنين أو هتف النبي صلى الله عليه وسلم مرددا هتاف الله- الذي نزل قبل هذا اليوم على ما محصناه في سياق أوائل سورة المائدة- الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [3] .
نبذة عن حجة الوداع النبوية
وحجة الوداع المشار إليها قد تمّت في أواخر السنة الهجرية العاشرة. فلقد فتح الله تعالى على رسوله مكة في رمضان في السنة الثامنة. ولم يكن الشرك قد اندحر بالمرة عن ربوعها. وكان المشركون ما يزالون يقومون بطقوس حجهم فيها.
فلم تشأ حكمة الله ورسوله أن يحج النبي صلى الله عليه وسلم حجته التامة والمشركون شركاء في حجه. ولما كانت مكة وما جاورها قد دخلت في سلطانه فقد عيّن وزيره الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحجّ في السنة التاسعة وأمره أن يعلن للملأ حظر دخول منطقة المسجد الحرام على المشركين وبراءة الله ورسوله منهم على ما شرحناه في سورة التوبة. فلما كانت السنة العاشرة خرج على رأس حشد عظيم من المسلمين من أهل المدينة وقبائلها ليحج بالناس حجة لا يشهدها إلّا المسلمون وهي التي عرفت بحجة الوداع لأنه مات صلى الله عليه وسلم بعدها بمدة قصيرة ونزلت فيها هذه السورة التي احتوت نعيا له وسميت سورة التوديع بسبب ذلك. وقد وافاه إلى مكة حشود عظيمة أخرى من المسلمين من مختلف أنحاء الجزيرة فكان أعظم حجّ تمّ في عهده بل نعتقد أنه كان أعظم حجّ وقع إلى عهده. وإذا كان عدد الذين اشتركوا في غزوة تبوك بلغ ثلاثين ألفا كما ذكرنا في سياق سورة التوبة فلا مبالغة في تخمين
(1) انظر طبقات ابن سعد ج 2 ص 25- 121 وج 3 ص 166- 241 وابن هشام ج 4 جميعه وتاريخ الطبري ج 2 ص 315 وما بعدها وملخص ذلك في الجزء السادس من كتابنا تاريخ الجنس العربي.
عدد الذين شهدوا هذا الحج بضعف هذا العدد وهو رقم عظيم جدّا في ذلك الوقت.
وخبر حجة الوداع ورد مطولا بطرق مختلفة في كتب الحديث والسيرة والتاريخ القديمة مرويّا عن التابعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى مسلم وأبو داود حديثا طويلا فيه وصف شائق لموكب الحجّ وكثير من أفعال وأقوال ومواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم التعليمية والتوضيحية والتشريعية والتهذيبية. فرأينا إيراده برمته. وهو مروي عن صاحب رسول الله جابر بن عبد الله في أيام شيخوخته جوابا على سؤال من أحد التابعين. وهذا نصه «1» «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحجّ «2» ثم أذّن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله ويعمل مثل عمله. وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس «3» محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري «4» بثوب وأحرمي. فصلّى رسول الله في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدّ بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به. فأهلّ لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وأهلّ الناس بهذا الذي يهلّون به فلم يردّ رسول الله عليهم شيئا منه. ولزم رسول الله تلبيته. قال جابر: لسنا ننوي إلّا الحج لسنا نعرف العمرة «5» حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى
(1) التاج ج 2 ص 140- 145.
(2)
المحقق أن النبي صلى الله عليه وسلم زار الكعبة في السنة السابعة الهجرية بناء على اتفاقه مع قريش. ولم يكن وقت الزيارة وقت الحج.
(3)
زوجة أبي بكر الصديق.
(4)
بمعنى تحفظي من وسخ الدم.
(5)
هذا غريب لأن العمرة ذكرت في الآيتين [158 و 196] من سورة البقرة. والعمرة هي زيارة الكعبة والطواف حولها والأمر الرئيسي للحج هو الوقوف في عرفة فلعله أراد أن خروج الناس إنما كان للحج في الدرجة الأولى.
أربعا ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت وكان يقرأ في الركعتين قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158] ابدأوا بما بدأ الله فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره وقال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلّا الله وحده. أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبّت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل عليها كما فعل على الصفا. حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال:
«لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله العامنا هذا أم لأبد؟ فشبّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال:
دخلت العمرة في الحج، مرتين. لا بل لأبد أبد» «1» . وقدم عليّ من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر عليها فقالت:
إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان عليّ يقول بالعراق «2» فذهبت إلى رسول الله محرّشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال: صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قلت: اللهمّ إني أهلّ بما أهلّ به رسولك قال: فإن معي الهدي فلا تحلّ. قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليّ من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة. قال: فحلّ الناس كلهم
(1) أراد على ما هو المتبادر عدم القرآن بين العمرة والحج حتى يستمتع بينهما على ما شرحناه في سياق آيات البقرة [196، 197] ومع ذلك فهناك حديث رواه الخمسة عن عائشة أن رسول الله أفرد للحج وفي رواية أهلّ بالحجّ مفردا (انظر التاج ج 2 ص 112) .
(2)
حينما كان في العراق في أيام خلافته. [.....]
وقصّروا إلّا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي. فلما كان يوم التروية «1» توجّهوا إلى منى فأهلّوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة «2» فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشكّ قريش إلّا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت تصنع في الجاهلية «3» فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له «4» فأتى بطن الوادي «5» فخطب الناس وقال: «إن دماءكم وأموالكم «6» حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع. ودماء الجاهلية موضوعة. وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن سبيعة بن الحارث «7» كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل «8» . وربا الجاهلية موضوع. وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كلّه.
اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح «9» . ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون؟ قالوا
(1) هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة.
(2)
موضع قبيل عرفات وليس منها.
(3)
كان هذا شأن فريق من قريش يسمّون الأحماس على ما شرحناه في سياق تفسير الآية [199] من سورة البقرة.
(4)
وضع رحلها عليها ليركبها.
(5)
وادي عرفة على ما ذكره شارح الحديث.
(6)
في رواية ابن سعد زيادة وأعراضكم.
(7)
من بني عبد المطلب.
(8)
قبيلة كانت نازلة بين مكة والطائف.
(9)
المتبادر أن المقصد هو إدخال ناس عليهن لا يرضى أزواجهن عن دخولهن عليهن وحسب وليس هو الفاحشة لأن عقاب ذلك الرجم على ما شرحناه في سياق الآيات الأولى من سورة النور.
نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها «1» إلى الناس اللهمّ اشهد ثلاث مرات. ثم أذن ثم أقام فصلّى الظهر ثم أقام فصلّى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف «2» فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس. وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله «3» ويقول أي يشير بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلّما أتى حبلا من الحبال «4» أرخى لها قليلا حتى تصعد إلى المزدلفة فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبّح بينهما شيئا.
ثم اضطجع رسول الله حتى طلع الفجر وصلّاه حين تبيّن له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبّره وهلّله ووحّده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما، فلما دفع رسول الله مرّت به ظعن «5» يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع النبي يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحوّل رسول الله يده إلى الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه حتى أتى بطن محسر «6» فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف «7» رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليّا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم
(1) أي يردها إليهم.
(2)
هو جوار الصخرات في أسفل جبل الرحمة في عرفات.
(3)
مقدمه.
(4)
الحبل بمعنى التلّ الخفيف.
(5)
جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج. [.....]
(6)
موضع قبل منى بعد عرفات.
(7)
حب الفول.
ركب رسول الله فأفاض إلى البيت وصلّى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم «1» فناولوه دلوا فشرب منه» .
وروى الشيخان وأحمد عن ابن عباس حديثا فيه بعض أقوال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة وداعه جاء فيه: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال يا أيها الناس أيّ يوم هذا قالوا يوم حرام. قال فأيّ بلد هذا قالوا بلد حرام. قال فأيّ شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهمّ هل بلّغت اللهمّ هل بلّغت فليبلّغ الشاهد الغائب. لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. قال ابن عباس فو الذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته» «2» .
وفي كل من سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد «4» فصل طويل مسلسل الرواة إلى أحد أصحاب رسول الله أو تابعيهم متطابق مع هذا الحديث مع بعض زيادات مهمة فيها تعليم وتشريع وتهذيب. فمما جاء في فضله في طبقات ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما شاهد الكعبة عند قدومه إلى مكة قال: «اللهمّ زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من عظّمه ممن حجّه واعتمره تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وبرّا» وأنه وقف بالهضاب في عرفات وقال: «كل عرفة موقف إلا بطن عرفة» . وحينما جاء إلى المزدلفة قال: «كل المزدلفة موقف إلا بطن محسر»
(1) كانت وظيفة السقاية بيد العباس بن عبد المطلب والمتبادر أن النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن يعتبر المسلمون ذلك سنّة لهم أيضا.
(2)
التاج ج 2 ص 135 و 136.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
الجزء الرابع من سيرة ابن هشام ص 272- 277 والجزء الثالث من ابن سعد ص 225- 240.
وأنه بعد نحر الهدي حلق رأسه وأخذ شاربه وعارضيه وقلّم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن ثم أصاب الطيب ولبس القميص ونادى مناديه «إن أيام منى هي أيام أكل وشرب» ثم أقام ثلاث ليال في مكة وقال: إنما هن ثلاث يقيمهن المهاجر بعد الصدر. ثم ودّع البيت وانصرف راجعا إلى المدينة. وروي في الفصل جواب لأنس بن مالك على سؤال عمّا إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أهلّ بالعمرة والحجّ معا أم أفرد؟
فقال إنه أهلّ بهما معا. وهذا هو المستفاد من الحديث الطويل السابق. ومما ورد في الفصل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للمسلمين الخيار بالإفراد بين العمرة والحجّ أو القران بينهما. وقال لمن سألوه: من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة. وتمتّعوا بالعمرة إلى الحج. وأنه دخل الكعبة بعد أن خلع نعليه ولما عاد إلى أهله قال لعائشة فعلت أمرا ليتني لم أفعله دخلت البيت ولعلّ الرجل من أمتي لا يقدر على أن يدخله فينصرف وفي نفسه حزازة. إنما أمرنا بالطواف ولم نؤمر بالدخول. وقال حين وقف في عرفات «الحجّ عرفات أو يوم عرفة. من أدرك ليلة جمع «1» قبل الصبح فقد تمّ حجّه» وقال في موقف آخر «أيام منى ثلاثة فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. وإنها ليست أيام صيام إنما هي أيام أكل وشرب وذكر» ومما روي من أقواله في خطبة الوداع «إن الله قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث فلا يجوز لوارث وصية. ألا وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر. ألا ومن ادّعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. يا أيها الناس اسمعوا وأطيعوا وإن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع إذا أقام فيكم كتاب الله. أرقّاءكم أرقّاءكم. أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون.
وإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم. ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب فلعلّ بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه» وقال لبعض المسلمين حين رآه يتشدد في اختيار الجمرات «إيّاكم والغلوّ في الدين إنما أهلك من كان قبلكم. بالغلوّ في الدين» .
(1) ليلة العيد.
ومما رواه ابن هشام من زيادة في خطبته: «أيها الناس إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا. ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم. فاحذروه على دينكم. أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر يضلّ به الذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر الذي بين جمادى ورجب. أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا. من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه. أيها الناس لتعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين أخوة. فلا يحلّ لامرىء من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه. فلا تظلمن أنفسكم. ألا إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبدا. أمرا بينا. كتاب الله وسنّة نبيه. وهتف في آخر خطبته اللهمّ هل بلّغت فهتف الناس نعم فقال اللهمّ فاشهد» ومما رواه ابن هشام وفيه تعليم لمناسك الحج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لخمس بقين من ذي القعدة. وأن عائشة رضي الله عنها حاضت وبكت وقالت والله لوددت أني لم أخرج معكم عامي هذا فقال لا تقولن ذلك فإنك تقضين كلّ ما يقضى الحج. إلا أنك لا تطوفين بالبيت «1» . وإن النبي حلّ كل من كان لا هدي له معه وحل نساءه بعمرة. ولم يحلّ هو معهم وقال إني أهديت ولبّدت فلا أحلّ حتى أنحر هديي وأن هدي رسول الله كان من البقر وقد نحره يوم النحر. وأن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه رجع من بعثه الذي بعثه به إلى اليمن أثناء الحجّ فأمره النبي أن يطوف ويحل كما فعل أصحابه. فقال له إني أهللت يا رسول الله كما أهللت فأعاد عليه القول فقال يا رسول الله إني قلت حين أحرمت اللهمّ إني أهلّ بما أهلّ به نبيك وعبدك ورسولك. فقال فهل معك من هدي قال لا فأشركه رسول الله في هديه وثبت على إحرامه. وإن رسول الله قال حين وقف على المرتفع الذي
(1) روى ابن هشام أنها أدت العمرة قضاء بعد طهرها.