الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من السلسلة السابقة التي يمكن أن تكون نزلت دفعة واحدة أو متلاحقة. وقد يبرر هذا ما بين الآيات من تماثل في الخطاب الموجّه للمؤمنين وفي الهدف التشريعي والتحذيري. وإن لم يصح فإن من المحتمل كثيرا أن تكون نزلت بعدها فوضعت بعدها أو وضعت بعدها للتناسب التشريعي. والله أعلم.
والمبدأ الذي احتوته الآية الأولى متسق من حيث الأصل مع تقريرات القرآن ومبادئه التي تضمنتها آيات كثيرة مكية ومدنية. وقد جاء ما يقاربها بنوع خاص في آية سورة النساء [135] . غير أن الأسلوب الذي جاءت به الآية والتعقيب والتدعيم والتبشير والإنذار الذي جاء في الآيتين التاليتين لها يجعل ما احتوته قويا ساطعا، ويجعلها من أروع الآيات القرآنية وأبعدها مدى في مجال الحق والعدل والتجرد والنزاهة شهادة وعملا وقضاء وتطمينا. وفي واجب مراعاة جانب الله وحده في هذا المجال وعدم التأثر فيه بعداء وبغضاء وأحقاد. وإذا لوحظ أن الشنآن إنما كان على الأكثر واردا فيما بين المسلمين وغير المسلمين تجلّت روعة الآية ومداها أكثر.
وهناك أحاديث عديدة في وجوب العدل والحكم به والشهادة به أوردناها في سياق الآية [135] من سورة النساء التي فيها أمر مماثل لما في هذه الآية فنكتفي بهذا التنبيه.
[سورة المائدة (5) : آية 11]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
…
إلخ وما فيها من تلقين
عبارة الآية واضحة. وقد احتوت خطابا للمؤمنين تذكرهم فيه بما كان من
نعمة الله عليهم ورعايته لهم حينما همّ قوم أن يعتدوا عليهم فصرفهم عنهم.
وانتهت بالأمر بتقوى الله ودعوة إلى الاتكال عليه.
وقد روى الطبري من طرق عديدة وبصيغ مختلفة أن الآية نزلت في مناسبة ما كان من يهود بني النضير من التآمر على اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إليهم للاستعانة بهم على دية بعض القتلى حسب العهد الذي بينه وبينهم. وروى في الوقت نفسه أنها في صدد ما تعرّض له النبي والمسلمون من كسرة أمام الكفار يوم وقعة (بطن نخلة) أو تآمر من بعضهم على قتله. وقد نزل عليه جبريل وأخبره بذلك حتى صلوا صلاة الخوف. وروى أيضا أنها في صدد ما كان من أعرابي من نية غدر بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما رآه تحت شجرة وهو في غرّة أثناء هذه الوقعة حيث عمد الأعرابي إلى سيف النبي المعلّق فأخذه وقال له من يمنعك مني. فقال الله. ولم يلبث أن شلّت يده وسقط السيف من يده. وجاء أصحاب رسول الله وهو على هذه الحالة وأرادوا الفتك به فمنعهم رسول الله وأطلقه. وعلى ما ذكره ابن سعد وابن هشام أيضا «1» . ويروي الطبري رواية أخرى مفادها أن الحادث هو محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم من قبل شخص أرسلته قريش بعد وقعة بدر التي كانت في السنة الثانية للهجرة. والمفسرون الآخرون أوردوا بدورهم هذه الروايات.
ويلحظ أن الروايات تروي أحداثا وقعت في السنة الثانية للهجرة والآيات على ما يلهمه السياق نزلت بعد وقعتي الحديبية وخيبر. ولقد روي أن بعض خيالة قريش أرادوا أن يأخذوا المسلمين على غرة في الحديبية كما روي أن قبائل غطفان وأسد تجمعوا لغزو المدينة أثناء رحلة النبي والمسلمين إلى الحديبية على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة الفتح التي سبق تفسيرها قبل هذه السورة فكفّ الله أيديهم حيث يرد بالبال أن الآية بسبيل التذكير بمثل هذا الحادث القريب. ولعلّه الحادث الأول لأن روايته أوثق.
(1) انظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 73 و 74 و 98- 100 وابن هشام ج 2 ص 214- 217 و 191- 212.