المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فصل في بيان تيسير التقوى الشاقة وتسهيلها على النفس - مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌رب يسر

- ‌فصل فِي حسن الِاسْتِمَاع إِلَى كل مَا أَمر الْعباد بالاستماع إِلَيْهِ

- ‌فصل فِيمَا يجب رعايته من حُقُوق الله تَعَالَى

- ‌ فصل فِيمَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى

- ‌ فَائِدَة

- ‌ فصل فِي تَعْرِيف الْجَاهِل الْمَغْرُور غرته

- ‌ فصل فِي ابْتِدَاء الْمسير إِلَى الله عز وجل

- ‌ فصل فِي بَيَان محاسبة النَّفس على الْأَعْمَال السالفة والمستأنفة

- ‌ فَائِدَة فِي مراقبة النَّفس للْفِعْل الْحسن والقبيح

- ‌ فصل فِي رتب مشقة التَّقْوَى والمحاسبة

- ‌ فصل فِي بَيَان تيسير التَّقْوَى الشاقة وتسهيلها على النَّفس

- ‌ فَائِدَة فِي فرط الْخَوْف بِسَبَب إدمان الْفِكر

- ‌ فصل فِي اعْتِرَاض النَّفس والشيطان فِي أَيَّام تخويف الْمَغْرُور نَفسه

- ‌ فصل فِي كَيْفيَّة رِعَايَة حُقُوق الله عز وجل مضيقها وموسعها ومعينها ومخيرها ومقدمها ومؤخرها وَمَا أوجب الله تَعَالَى على الْعباد عِنْد الخطرات وَكَيْفِيَّة ابْتِدَاء الْأَعْمَال من ابتدائها إِلَى انتهائها

- ‌ فصل فِي أَمْثِلَة تَقْدِيم مَا يقدم وَتَأْخِير مَا يُؤَخر

- ‌ فصل فِي النَّهْي عَن التوسل إِلَى المأمورات بالمحرمات والشبهات

- ‌ فصل فِي الْخُرُوج من فرض إِلَى فرض قبل إِتْمَامه

- ‌ فصل فِي النَّهْي عَن التَّسَبُّب إِلَى الْوَرع إِلَى ارْتِكَاب الْحَرَام

- ‌ فصل فِي النَّهْي عَن تَضْييع الْفَرْض لإكمال المفرض

- ‌ فصل فِي الْغَلَط فِي تَقْدِيم بعض النَّوَافِل على بعض النَّوَافِل كالفرائض

- ‌ فصل فِي أشكال الْفَضَائِل إِذا عرض فرضان أَو ندبان فعرضتهما على الْكتاب وَالسّنة أَو سَأَلت الْعلمَاء عَن أَيهمَا أفضل فَلم يظْهر الْفَاضِل من الْمَفْضُول

- ‌ فصل فِي بَيَان الْمنَازل فِي رِعَايَة التَّقْوَى

- ‌ فصل فِيمَا يجب على العَبْد إِذا وقف على أفضل الْأَعْمَال وأولاها

- ‌ فصل فِي بَيَان الْإِخْلَاص والرياء

- ‌ فصل فِي الْأَسْبَاب الحاملة على الرِّيَاء

- ‌ فصل فِي أَمْثِلَة الرِّيَاء لدفع الضَّرَر والذم

- ‌ فصل فِي الرِّيَاء لجلب النَّفْع والطمع فِيمَا فِي أَيدي النَّاس

- ‌ فصل فِيمَا يهيج أَسبَاب الرِّيَاء خوف الذَّم من حب الْحَمد وَحب الطمع فِيمَا أَيدي النَّاس

- ‌ فصل فِيمَا يضعف دواعي الرِّيَاء وَيكسر أَسبَابه

- ‌ فصل فِي بَيَان مَا يرائى بِهِ من الطَّاعَات وَغَيرهَا

- ‌ فصل فِي مَرَاتِب نفي الرِّيَاء للشَّيْطَان

- ‌ فَائِدَة فِي أَحْوَال العَبْد إِذا حَضَره الرِّيَاء فِي شَيْء من الطَّاعَات

- ‌ فصل فِي حكم التَّحَرُّز من الشَّيْطَان والحذر مِنْهُ

- ‌ فصل فِي ترك الْعَمَل مَخَافَة الرِّيَاء

- ‌ فصل فِي بَيَان أَوْقَات الخطرات بالرياء والتسميع

- ‌ فصل فِي دركات الرِّيَاء والتسميع

- ‌ فصل فِيمَا يورثه الرِّيَاء من الْخِصَال المذمومة

- ‌ فَائِدَة فِي عَلامَة الرِّيَاء فِي نفس الْإِنْسَان

- ‌ فصل فِيمَن يخلص الْعَمَل فِي السِّرّ فَيطلع عَلَيْهِ فيعجبه ذَلِك

- ‌ فَائِدَة فِي عدم جَوَاز الدُّخُول فِي الْعَمَل إِلَّا بعد التيقن من الْإِخْلَاص

- ‌ فصل فِي الْإِخْلَاص فِي النِّيَّة الْحكمِيَّة والحقيقية

- ‌ فَائِدَة فِي إِدْخَال السرُور على الْمُؤمن بالتعليم والإفادة

- ‌ فصل فِي من افْتتح طَاعَة لله تَعَالَى مخلصا لله فِيهَا ثمَّ حدث لَهُ فِيهَا نشاط فَزَاد فِيهَا وَكَانَ ذَلِك بمرأى من النَّاس فأشكل عَلَيْهِ أَمر الزِّيَادَة أهوَ مخلص فِيهَا أم لَا

- ‌ فَائِدَة فِي أَن الرِّيَاء وَالْإِخْلَاص إرادتان زائدتان على إِرَادَة الْعِبَادَة

- ‌ فصل فِيمَا لَا يدْخل فِيهِ الْإِخْلَاص

- ‌ فصل فِي حكم من سُئِلَ عَن طَاعَة من الطَّاعَات أَو عبَادَة من الْعِبَادَات فَقَالَ لَا تحضرني نِيَّة

- ‌ فصل فِي حكم من ابْتَدَأَ طَاعَته على الرِّيَاء ثمَّ أخلصها فِي أَثْنَائِهَا

- ‌ فصل فِيمَن يحمده النَّاس على الطَّاعَة وَيشكل عَلَيْهِ سُكُون نَفسه إِلَى حمدهم

- ‌ فصل فِيمَن يتْرك النَّوَافِل كي لَا يَأْثَم النَّاس بنسبته إِلَى الرِّيَاء

- ‌ فصل فِي إِظْهَار الْعَمَل للاقتداء

- ‌ فصل فِي الْإِخْبَار بِالطَّاعَةِ

- ‌ فصل فِي تَفْضِيل عمل السِّرّ على عمل الْعَلَانِيَة

- ‌ فصل فِي ترك الْعَمَل خوفًا من الرِّيَاء

- ‌ فصل فِيمَا ينْدب إِلَى تَركه من الْأَعْمَال الْخَالِصَة

- ‌ فَائِدَة فِي أَن الْعَمَل بِطَاعَة الله إِرَادَة محبَّة النَّاس رِيَاء

- ‌ فَائِدَة فِيمَن اطلع النَّاس على ذَنبه وتقصيره فَاشْتَدَّ غمه

- ‌ فَائِدَة فِي أَنه لَا يفعل فِي الْخلْوَة إِلَّا مَا يسهل فعله فِي الْعَلَانِيَة

- ‌ فصل فِي التباس سَبَب الرِّيَاء بِالْحَيَاءِ

- ‌ فصل فِي أَسبَاب كَرَاهَة العَبْد لذم النَّاس

- ‌ فصل فِي بَيَان مَا يسوى فِيهِ بَين الحامد والذام وَمَا يفترقان فِيهِ

- ‌ فَائِدَة فِي التوسل بالرياء إِلَى طَاعَة الرَّحْمَن

- ‌ فصل فِيمَن راءى من يُطِيع الله تَعَالَى بِطَاعَة لم يعتدها هُوَ فوافقه على تِلْكَ الطَّاعَة

- ‌ فصل فِي التصنع بالصياح والتنهد والزفير والشهيق والتحزن

- ‌ فصل فِي التصنع فِي السُّقُوط وَالْإِغْمَاء

- ‌ فصل فِيمَا ينفى بِهِ التخشع والتصنع بِمَا ذكر فِي الْفَصْل قبله

- ‌ فَائِدَة فِي زِيَادَة خشوع العَبْد إِذا نظر النَّاس إِلَيْهِ

- ‌ فصل فِي إِيثَار الْأَصْحَاب الْأَغْنِيَاء على الْفُقَرَاء

- ‌ فصل فِيمَا يعين على ترك الْمعاصِي رِيَاء كَانَ أَو غَيره

- ‌ فَائِدَة فِي المجالسة

- ‌ فصل فِي بَيَان أَن النَّفس شَرّ أَعدَاء الْإِنْسَان

- ‌ فَائِدَة فِي أَخذ الحذر من الْعجب

- ‌ فَائِدَة فِي أَن الْإِعْجَاب لَا يَقع إِلَّا بِصفة كَمَال

- ‌ فصل فِيمَا يَنْفِي الْإِعْجَاب بِالْعلمِ وَالْعَمَل والرأي الصَّوَاب

- ‌ فصل فِيمَا يَنْفِي الْإِعْجَاب بِالرَّأْيِ الْخَطَأ

- ‌ فصل فِيمَا يَقع بِهِ الْإِعْجَاب من الْأَسْبَاب الدُّنْيَوِيَّة غير الْأَسْبَاب الدِّينِيَّة

- ‌ فصل فِي الْكبر

- ‌ فصل فِي الْكبر الْمُسَبّب عَن الْعجب بِالْعلمِ

- ‌ فصل فِي الْكبر الْمُسَبّب عَن الْعجب بِالْعَمَلِ

- ‌ فصل فِي الْكبر الْمُسَبّب عَن الرِّيَاء

- ‌ فَائِدَة فِي أَن الْإِعْجَاب وَالْكبر فِي الْغَالِب لَا يكون إِلَّا بنعم دينية أَو دنيوية

- ‌ فصل فِي التكبر بالأسباب الدُّنْيَوِيَّة

- ‌ فصل فِيمَا ينفى بِهِ الْكبر

- ‌ فصل فِي ترك الْكبر على الْفُسَّاق وَالْتِبَاس الْكبر بالبغض لله سُبْحَانَهُ وَالْغَضَب لله سبحانه وتعالى

- ‌ فصل فِي الْحَسَد والتنافس

- ‌ فَائِدَة فِي مدافعة خطرة الْحَسَد

- ‌ فَائِدَة أُخْرَى فِي آثَار الْحَسَد

- ‌ فَائِدَة فِي إِثْم الْحَسَد وآثاره

- ‌ فصل فِي النَّهْي عَن الْغرَّة

- ‌ فَائِدَة فِي تخويف النَّفس من خطرة الْمعْصِيَة

- ‌ فصل فِي الْغرَّة بأنواع دينه

- ‌ فصل فِي سيرة المريد فِي نَومه ويقظته

- ‌ فَائِدَة فِي حسد الشَّيْطَان من استقام على رِعَايَة حُقُوق الله تَعَالَى

الفصل: ‌ فصل في بيان تيسير التقوى الشاقة وتسهيلها على النفس

قد صَارَت لَهُ عَادَة مألوفة يلتذ بهَا ويسكن إِلَيْهَا وَإِذا وَقعت مِنْهُ الزلة استوحش بِسَبَبِهَا وبادر إِلَى الإقلاع عَنْهَا وَالتَّوْبَة مِنْهَا

الثَّانِي من تَابَ من ذنُوبه وأقلع عَن عيوبه بَعْدَمَا ألف الْمعاصِي والمخالفة فنفسه تذكره بِتِلْكَ الشَّهَوَات والتلذذ بهَا ليعود إِلَيْهَا والشيطان يحثه على ذَلِك ويدعوه إِلَيْهِ فرعاية التَّقْوَى وَالتَّوْبَة على هَذَا شاقة لأجل مَا أَلفه من الركون إِلَى الشَّهَوَات والاستراحة من مشقة الطَّاعَات

الثَّالِث مُسلم موحد مرتكب لجَمِيع مَا يهواه من الْمعاصِي والمخالفات قد رين على قلبه بِسوء كَسبه فرعاية التَّقْوَى على هَذَا شَدِيدَة الْمَشَقَّة لأجل مَا يفوتهُ من تِلْكَ السَّاعَات وَلما يشق عَلَيْهِ من مُلَابسَة الطَّاعَات

10 -

‌ فصل فِي بَيَان تيسير التَّقْوَى الشاقة وتسهيلها على النَّفس

خلق الله تَعَالَى الْإِنْسَان مجبولا على السَّعْي فِيمَا يلذه من الشَّهَوَات وعَلى النفور مِمَّا يشق عَلَيْهِ من المؤلمات فَكَانَ من محنته لِعِبَادِهِ أَن كلفهم بِفعل مَا يشق عَلَيْهِم من الطَّاعَات وبترك مَا يشق عَلَيْهِم تَركه من المخالفات فحف جنته بالمكاره وحف ناره بالشهوات

ص: 22

وَلما علم ذَلِك من عباده وعد من أطاعه وَخَالف شَهْوَته بالمثوبات والكرامات ليقبلوا على الطَّاعَات والقربات

وتوعد من عَصَاهُ وَوَافَقَ شَهْوَته بالعقوبات والإهانات ليحجموا عَن الْمعاصِي والمخالفات

فالطريق إِلَى سهولة التَّقْوَى تكون تَارَة بالخوف وَتارَة بالرجاء فَإِنَّهُ إِذا نظر إِلَى مَا أعده الله لِعِبَادِهِ الطائعين من الكرامات مَال إِلَيْهِ بطبعه فحثه طبعه على احْتِمَال مشقة الطَّاعَات بِفعل المأمورات وَترك المنهيات وَإِذا نظر إِلَى مَا توعد الله بِهِ عباده العاصين من الْعُقُوبَات حثه طبعه على أَن يتقيها بملابسة المشقات فِي إِقَامَة الطَّاعَات

فالخوف والرجاء وسيلتان إِلَى فعل الْوَاجِبَات والمندوبات وَترك الْمُحرمَات والمكروهات وَلَكِن لَا بُد من الإكباب على استحضار ذَلِك على الدَّوَام واستدامته فِي أَكثر الْأَوْقَات حَتَّى يصير الثَّوَاب وَالْعِقَاب نصب عَيْنَيْهِ فيحثاه على فعل الطَّاعَات وَترك المخالفات

لَكِن الْفِكر الَّذِي يحصل بِهِ الإكباب على استحضار الثَّوَاب وَالْعِقَاب شاق على النَّفس من ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَن الْفِكر فِي أهوال الْآخِرَة وشدائدها شاق على النُّفُوس ملذع

ص: 23

لقلوب وَلَا سِيمَا فِي حق من كثرت ذنُوبه وعظمت عيوبه وتفكر فِي وُقُوفه بَين يَدي ربه وَعرض أَعماله القبيحة عَلَيْهِ

الثَّانِي أَن الْفِكر فِي أَحْوَال الْآخِرَة وشدائدها مَانع من الْفِكر فِي لذات الدُّنْيَا وشهواتها

الثَّالِث أَن الشَّيْطَان وَنَفس الْإِنْسَان يستشعران من التائب أَنه يمْنَع نَفسه من نيل شهواتها وَإِدْرَاك لذاتها فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان فيحثانه على ترك مَا عزم عَلَيْهِ

أما النَّفس فتحثه على ذَلِك لتنال لذاتها وشهواتها العاجلة وَأما الشَّيْطَان فَلِأَنَّهُ عَدو للْإنْسَان فَلذَلِك يَأْمُرهُ بِكُل إِثْم وعدوان ليحله فِي دَار الهوان وَغَضب الديَّان فَالَّذِي يُخَفف الفكرة على قلبه أَن ينظر إِلَى مَا تحصل عَلَيْهِ من لذات الدُّنْيَا وَإِلَى نظره فِي الْآخِرَة ليعلم أَنما يفوتهُ من لذات الدُّنْيَا المقرونة بالنغص لَا نِسْبَة لَهُ إِلَى مَا يفوتهُ فِي الْآخِرَة من النَّعيم وَالنَّظَر إِلَى وَجه الله الْكَرِيم

والعاقل لَا يُؤثر الحقير الْقَلِيل الفاني على الْكثير الخطير الْبَاقِي غير مقرون بنغص بِلَا تَعب وَلَا نصب فَإِذا واظب على النّظر فِي ذَلِك آثر النفيس الْبَاقِي على الخسيس الفاني ثمَّ ينظر إِلَى مَا يتحمله فِي الدُّنْيَا من مشاق الطَّاعَات وينسبه إِلَى مَا يتحمله فِي الْآخِرَة من مشاق الْعُقُوبَات الممزوجة بغضب رب

ص: 24

السَّمَاوَات فيتحمل المشاق الْيَسِيرَة الفانية دفعا للمشاق الْعَظِيمَة الْبَاقِيَة لِأَن الْعَاقِل يدْفع أَعلَى الضررين بأدناهما وَيُحَاسب نَفسه بِأَن يَقُول لَهَا وَيحك يَا نفس كَيفَ تجزعين من تلذيع ذكر أهوال الْآخِرَة لقلبك وَلَا تجزعين من تلذيع عقوبات الْآخِرَة ومشاقها لجسدك وقلبك وَكَيف يشق عَلَيْك ترك الْفِكر فِي لَذَّة الدُّنْيَا مَعَ نغصها وخساستها وَلَا يشق عَلَيْك فَوَات لذات الْآخِرَة مَعَ شرفها ونفاستها أتستبدلين الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير {ولبئس مَا شروا بِهِ أنفسهم لَو كَانُوا يعلمُونَ} الْبَقَرَة وَلَو أَنَّك واظبت على الْفِكر فِي أُمُور الْآخِرَة لأبدلك الله من وَحْشَة الْعِصْيَان وذلته بأنس الطَّاعَات وعزتها وسرورها وروح رَجَاء الْجَزَاء عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة وَلنْ يحصل لَهُ الإكباب على الْفِكر الَّذِي يستحضر بِهِ أهوال الْقِيَامَة إِلَّا بِجمع همه على الْفِكر فِي ذَلِك وَلنْ يحصل لَهُ ذَلِك إِلَّا بتفريغ قلبه من كل شَيْء سوى مَا يفكر فِيهِ أَو يُعينهُ على الْفِكر فِيهِ وَكَذَلِكَ لَا يشغل جوارحه بِمَا يلهيه عَن الْفِكر فِيمَا هُوَ بصدده

ص: 25

وَقد ذكرنَا نَظِير ذَلِك فِي حسن الِاسْتِمَاع

وَلَا بُد من إدامة الْفِكر فِي ذَلِك إِلَى أَن يحصل فِي الْقلب وَجل وَخَوف يحثانه على الاستعداد لذَلِك الْيَوْم وَمِثَال ذَلِك الْوقُود تَحت الْقدر لَا بُد من إدمانه إِلَى إنضاج مَا فِي الْقدر فَلذَلِك لَا ينضج الْقلب إِلَّا خوف متوال متواصل يُوجب للقلب قذف الشَّهَوَات خوفًا من الْعُقُوبَات كَمَا يقذف الْقدر بالزبد عِنْد إدمان الْوقُود وتكثيره فَإِذا فعل ذَلِك أَرَادَ الشَّيْطَان أَن يفْسد عَلَيْهِ عمله فأوهمه أَنَّك مَا نلْت ذَلِك إِلَّا بعزمك وحزمك وَحسن نظرك لنَفسك

فَإِن قبل مِنْهُ ذَلِك وَكله الله إِلَى نَفسه وَإِن رد ذَلِك على الشَّيْطَان حصل الْخَوْف الناجع بالتفكر وَحصل الإقلاع عَن الزلات والإنابة إِلَى الطَّاعَات بِسَبَب الْخَوْف الناجع وتوفيق رب الأَرْض وَالسَّمَاوَات

وَلَو لاحت لهَؤُلَاء أَو لأَحَدهم لائحة من لوائح الْعرْفَان لاجتمع همه من غير تَكْرِير الْفِكر وَلَا إدمان وَمَا أعز هَذَا فِي هَذَا الزَّمَان

وَأنْشد فِيهِ

(كَانَت لقلبي أهواء مفرقة

فاستجمعت مذ رأتك الْعين أهوائي)

ص: 26

(تركت للنَّاس دنياهم وَدينهمْ

شغلا بذكرك يَا ديني ودنياي)

(فَصَارَ يحسدني من كنت أحسده

وصرت مولى الورى مذ صرت مولَايَ)

وَقد مثل إدمان الْفِكر وَجمع الْهم لتَحْصِيل الْخَوْف الْحَامِل على التَّقْوَى والإنابة إِلَى الله تَعَالَى بمثالين

أَحدهمَا الثَّوْب الَّذِي كثرت أوساخه وأدرانه فَإِنَّهُ لَا يَزُول ذَلِك إِلَّا بتكرير الْغسْل وحته وقرصه وَكَذَلِكَ الْقلب الَّذِي رانت عَلَيْهِ الشَّهَوَات ودنسته اللَّذَّات الْمُحرمَات لَا يَزُول مَا فِيهِ من الشَّهَوَات إِلَّا بالإدمان على الْفِكر الْمُوجب للإقلاع عَن الزلات

الْمِثَال الثَّانِي الْمَرَض المزمن المستحكم لَا يَزُول إِلَّا بتكرير الْأَدْوِيَة والمعالجات فَكَذَلِك الْقُلُوب الْمَرِيضَة لَا تَزُول أمراضها إِلَّا بتكرير الْفِكر فِيمَا أعد الله تَعَالَى للعصاة من الْعُقُوبَات

ص: 27