الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومقته وعذابه وعقابه الَّذِي لَا يدْفع وَلَا يُطَاق ونعوذ بِاللَّه من سخطه وغضبه وعقابه
فَإِذا واظب من رغب فِي الْإِخْلَاص لله تَعَالَى على مَا ذَكرْنَاهُ بإحضاره وإدمانه الْفِكر فِيهِ وتضرع إِلَى الله تَعَالَى فِي أَن يُعينهُ ويثبته على الْإِخْلَاص ويوفقه إِلَيْهِ اضمحل رياؤه وتلاشى شَيْئا فَشَيْئًا فمجته نَفسه بِمَا فِيهِ من عظم الضَّرَر وفوات عَظِيم النَّفْع وَلَا يزَال يتدرج فِي الْإِخْلَاص إِلَى أَن يصير من المخلصين برحمة رب الْعَالمين
29 -
فصل فِي بَيَان مَا يرائى بِهِ من الطَّاعَات وَغَيرهَا
يراءي النَّاس فِي دينهم ودنياهم بِخَمْسَة أَشْيَاء والرياء بالدنيا أخف من
الرِّيَاء بالأديان فيرائي أهل الدّين وَالدُّنْيَا بأبدانهم وأقوالهم وأعمالهم وبزيهم فِي أبدانهم ولباسهم
فَأَما رِيَاء أهل الدّين بأبدانهم فيرائي العَبْد بالنحول واصفرار اللَّوْن ليوهم النَّاس أَنه شَدِيد الِاجْتِهَاد وَالْخَوْف والحزن وبضعف صَوته وغور عَيْنَيْهِ وذبول شَفَتَيْه إعلاما للنَّاس بذلك أَنه صَائِم
فالنحول دَلِيل على قلَّة الْغذَاء وَكَثْرَة الهموم وَالْأَحْزَان والاصفرار دَلِيل على قيام اللَّيْل وَغَلَبَة الهموم وَالْأَحْزَان وَلَيْسَ هَذَا رِيَاء على الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا هُوَ تسميع بِلِسَان الْحَال لَا بِلِسَان الْمقَال
وَأما رِيَاء أهل الدُّنْيَا بالأبدان فبسمتها وحسنها وصفاء ألوانها
وَأما رِيَاء أهل الدّين بالزي واللباس فبشعث الرؤوس وَحلق الشَّوَارِب واستئصال الشّعْر أَو فرقه نَهَارا لكَونه مُتَابعًا للرسول صلى الله عليه وسلم فِي زيه وَكَذَلِكَ غلظ الثِّيَاب وآثار السُّجُود وتشمير القمص وَقصر الأكمام وخصف النِّعَال وحذوها على زِيّ أهل الدّين
وَمن هَؤُلَاءِ من يُؤثر مدح أهل الدُّنْيَا وَالدّين فيطلب بريائه ليمدحه الْفَرِيقَانِ وَينْفق عَلَيْهِم ليصل إِلَى أغراضه مِنْهُم فيلبس الثِّيَاب الخشان لينفق عِنْد أهل الدُّنْيَا وَيقصر أكمامها ويشمر ذيولها لينفق على أهل الدّين وَكَذَلِكَ يلبس النِّعَال الْخصاف محذوة على نعال أهل الدّين
وَمِنْه من يُبَالغ فِي جودة الثِّيَاب وَغَيرهَا من اللبَاس وَيجْعَل هيأتها على هَيْئَة لِبَاس أهل الدّين ليحمده الْفَرِيقَانِ وَينْفق عِنْدهمَا ويتقرب من السلاطين زعما مِنْهُ أَنه إِنَّمَا يتَقرَّب إِلَيْهِمَا لقَضَاء حوائج الْمُسلمين
وَمِنْهُم من يتصنع بِالطَّاعَةِ لينفق على أهل السّنة وَأهل الْبِدْعَة
وَمن هَؤُلَاءِ من لَو أعطي مَا أعطي من الْأَمْوَال الخطيرة لما خرج عَن زيه الَّذِي عرف بِهِ لِئَلَّا يُقَال خرج عَن اقتدائه بِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام وفتر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من تقشفه وخوفا من الكساد عِنْد من تحبب إِلَيْهِم ونفق عِنْدهم
ويرائي أهل الدُّنْيَا بالثياب النفيسة والطيالسة الرفيعة والجباب المصبغة وَغير ذَلِك من زيهم الْمَعْرُوف عِنْدهم فَيخْرجُونَ عَن زِيّ أهل الدّين فِي ذَلِك كُله
وَأما الرِّيَاء بالأقوال فيرائي أهل الدّين بالنطق بالحكم وَإِقَامَة الْحجَج عِنْد إِقَامَة المناظرة وبالحفظ للْحَدِيث وأقوال الْمُخْتَلِفين وَذكر الله تَعَالَى بالألسن وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وتضعيف الصَّوْت عِنْد
الْجَواب وبتحسين الصَّوْت وَرَفعه عِنْد الْقِرَاءَة أَو تحزينه والتأوه عِنْد الْقِرَاءَة ليدل بذلك على المخافة
وَأما رِيَاء أهل الدُّنْيَا بالأقوال فيراؤون بالنطق بِالطَّاعَةِ وَغير الطَّاعَة وبالفصاحة وَبِحسن الْبَيَان فِي المحاورة وَحسن الصَّوْت وإنشاد الشّعْر وَمَعْرِفَة الْغناء والنحو والعربية واللغة
وَكَانَ السّلف إِذا اجْتَمعُوا يكْرهُونَ أَن يذكر الرجل أفضل مَا عِنْده
وَأما الرِّيَاء بِالْأَعْمَالِ فيرائي أهل الدّين من أَعْمَالهم بطول الصَّلَاة وتحسين ركوعها وسجوداتها وبالصوم والغزو وَالْحج وَطول الصمت وبذل الْأَمْوَال وإطعام الطَّعَام والإخبات بِالْمَشْيِ إِذا لقوا النَّاس بإرخاء الجفون وتنكس الرؤوس والتثبت عِنْد السُّؤَال
وَمِنْهُم من يمشي سَرِيعا فَإِذا اطلع عَلَيْهِ أهل الدّين مَشى مشْيَة أهل الدّين فَإِذا جاوزه عَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ
ويرائي أهل الدُّنْيَا بِصُحْبَة أهل الدّين من الْعلمَاء والعباد ليقال فلَان يمشي إِلَى فلَان الْعَالم أَو العابد ويصحبه ويتردد إِلَيْهِ
إِمَّا لينفق عِنْد الْمُلُوك أَو ليتولى الْقَضَاء أَو ليستشهد أَو يستودع أَو يوصى إِلَيْهِ فيخون الْأَمَانَة