الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منَّة خَالِقهَا وَإِن نبهك الله سُبْحَانَهُ على خير نسبت ذَلِك إِلَى نَفسهَا وأدلت بِهِ على رَبهَا مَعَ أَنه لم ينبهك للخير سواهُ
فإياك إياك أَن تنْسب الْخَيْر إِلَى من لم تعرفه إِلَّا بِالشَّرِّ وانسب ذَلِك إِلَى رَبك الَّذِي وفقك لذَلِك ونبهك عَلَيْهِ {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} وَاعْتمد فِي ذَلِك كُله على لطف الله تَعَالَى وَحسن توفيقه فَمَا التَّوْفِيق إِلَّا من عِنْد الله وَمَا التَّحْقِيق إِلَّا من رفده
70 -
فَائِدَة فِي أَخذ الحذر من الْعجب
وَاعْلَم أَنَّك إِذا اسْتَقَمْت وقمعت نَفسك استعظمت أفعالك فأعجبت
بذلك فألقتك فِي مهالك الْعجب الَّذِي أهلك كثيرا من الْعَالمين والعابدين والزاهدين
لِأَن من أعجب بِعَمَلِهِ لم ير لنَفسِهِ ذَنبا فيتوب مِنْهُ وَلم ير لنَفسِهِ تقصيرا فيقلع عَنهُ وَقد جَاءَت الشَّرِيعَة بذم الْإِعْجَاب لأدائه إِلَى مَا ذكرته
فالعجب معم لأكْثر الذُّنُوب والعيوب مُوجب لاستعظام الطَّاعَات والإدلال بهَا على رب السَّمَاوَات مفض إِلَى الْعِزَّة وَالْكبر والتعظيم على الْعباد حَتَّى يصير المعجب كَأَن لَهُ منَّة على الله تَعَالَى لاستعظامه أَعماله وَكَذَلِكَ يمن على عباد الله بِمَا يسديه إِلَيْهِم من معروفه وإحسانه فِي زَعمه فَمَا أجدره بِأَن يحبط الله عمله بإعجابه ويكله ربه على نَفسه
وَاعْلَم أَن سَبَب الْعجب استعظام واستكثار لما فِيك من خير وَعلم وَعمل بزعمك
فَأَما الْعلم فمعرفة الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة
وَيَقَع الْإِعْجَاب أَيْضا بِالرَّأْيِ الصَّوَاب وَهُوَ الْقيَاس الصَّحِيح
وَيَقَع أَيْضا بِالرَّأْيِ الْخَطَأ وَهُوَ الْقيَاس الْفَاسِد وَالِاسْتِدْلَال الْبَاطِل وَهُوَ خطأ من وُجُوه
أَحدهَا زيغه عَن الْحق
الثَّانِي فرحه بِالْبَاطِلِ
الثَّالِث إعجابه بِمَا لَا يجوز إعجابه بِهِ وَالْعجب فرحة فِي النَّفس بِإِضَافَة الْعَمَل إِلَيْهَا وحمدها عَلَيْهِ مَعَ نِسْيَان أَن الله تَعَالَى هُوَ الْمُنعم بِهِ والمتفضل بالتوفيق لَهَا
وَمن فَرح بذلك بِكَوْنِهِ منَّة من الله تَعَالَى واستعظمه لما يَرْجُو عَلَيْهِ من ثَوَاب الله عز وجل وَلم يضف ذَلِك إِلَى نَفسه وَلم يحمدها عَلَيْهِ فَلَيْسَ بمعجب
وَكَذَلِكَ إِذا علمت أَن كل نعْمَة من الله ثمَّ استعظمت شَيْئا من أعمالك نَاسِيا غافلا عَن كَونه من الله تَعَالَى وَمن نَفسك غير حَامِد لنَفسك عَلَيْهِ فلست بمعجب وَلَو استحضرت كَونهَا من الله تَعَالَى كَانَ ذَلِك أفضل
فالفرح بِنِسْبَة النعم إِلَى الله تَعَالَى مَأْمُور بِهِ فِي كتاب الله فِي قَوْله تَعَالَى {قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} وَإِنَّمَا الشَّرّ والإعجاب فِي نِسْبَة تِلْكَ النعم إِلَى النَّفس ونسيان كَونهَا من الله تَعَالَى وَمَا أَجْدَر من فعل ذَلِك أَن يكله الله عز وجل إِلَى نَفسه كَمَا فعل بأصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا يَوْم حنين إِذْ أعجبتهم كثرتهم فنسبوا
النَّصْر إِلَى الْكَثْرَة ونسوا نسبته إِلَى الله تَعَالَى {علوا كَبِيرا} فخذلوا فهزموا مَعَ أَنهم خير خلق الله
وَقد يُؤَدِّي الْعجب إِلَى الإدلال على الله تَعَالَى
والإدلال أَن يرى العَبْد أَن لَهُ عِنْد الله سبحانه وتعالى قدرا عَظِيما قد اسْتَحَقَّه وَاسْتحق الثَّوَاب عَلَيْهِ مَعَ الْأَمْن من عِقَاب الله تَعَالَى وَلَيْسَ رَجَاء الْمَغْفِرَة مَعَ الْخَوْف إدلالا
واللإدلال عَلَامَات
مِنْهَا أَن يُنَاجِي ربه بإدلاله بِعَمَلِهِ
وَمِنْهَا أَن يستنكر أَن ينزل بِهِ بلَاء
وَمِنْهَا أَن يستنكر أَن ينصر عَلَيْهِ غَيره أَو ترد دَعوته مَعَ كَونه عَامل بِالْعَمَلِ الَّذِي استعظمه حَتَّى حمله الْعجب والإدلال فَمَا أَجْهَل المدل على الله تَعَالَى بِعَمَلِهِ كَيفَ يدل على ربه بإنعامه عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ وَالشُّكْر على النعم من جملَة النعم وَالله تَعَالَى يَقُول {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا} وَقد قَالَ سيد الْأَوَّلين والآخرين صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْكُم من أحد ينجيه عمله) قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ (وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله مِنْهُ برحمة وَفضل)