الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَيْسَ من الْكبر أَن يعرف الْإِنْسَان مَا فَضله الله تَعَالَى بِهِ على غَيره وَإِنَّمَا الْكبر أَن يحتقره وينكر عَلَيْهِ أَنه عِنْد الله فِي الْآخِرَة خير مِنْهُ مَعَ جَهله بِمَا يؤول إِلَيْهِ أَمرهمَا
83 -
فصل فِي الْحَسَد والتنافس
التنافس عبارَة عَن طلب الْأَنْفس وَهُوَ مَأْمُور بِهِ فِي الدّين لقَوْله تَعَالَى {وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ} والحسد تمن وَهُوَ من أَعمال الْقُلُوب وَله آثَار من الْأَقْوَال والأعمال
وَالتَّمَنِّي ضَرْبَان أَحدهمَا أَن يتَمَنَّى مثل مَا لغيره من الْفضل وَالْخَيْر فِي الدّين أَو الدُّنْيَا ويعبر عَنهُ بالغبطة
وَالثَّانِي أَن يتَمَنَّى زَوَال مَا لغيره من فضل فِي دين أَو دنيا فَهَذَا مَنْهِيّ عَنهُ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فضل الله بِهِ بَعْضكُم على بعض} وَأمر بالغبطة فِي قَوْله تَعَالَى {واسألوا الله من فَضله} والحسد المذموم ضَرْبَان شرهما أَن يتَمَنَّى زَوَال النِّعْمَة عَن الْمَحْسُود وَإِن لم تصل إِلَيْهِ
وَالثَّانِي أَن يتَمَنَّى زَوَالهَا عَن الْمَحْسُود إِلَيْهِ
وَقد أجمع الْعلمَاء على تَحْرِيم هذَيْن الضربين وَورد بذلك الْكتاب وَالسّنة فِي غير مَا مَوضِع
وَشر الْحَسَد الْحَسَد على معاصي الله عز وجل وَهُوَ أَن يتَمَنَّى أَن يتَمَكَّن من الْمعاصِي الَّتِي يَفْعَلهَا غَيره
وَلَيْسَ من الْحَسَد أَن لَا ينَال غَيره خيرا من خيور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِأَن الْحَسَد مَخْصُوص بِمَا حصل من النعم
وينشأ التحاسد فِي الدّين عَن فرط الْمحبَّة لطاعة الله تَعَالَى وَفِي الدُّنْيَا عَن فرط الْمحبَّة للدنيا وَقد يكون مسببا عَن الْكبر وَعَن الْعجب وَعَن الرياسة وَحب الْمنزلَة والرياء وَقد يكون مسببا عَن الْعَدَاوَة والبغضاء وَهُوَ أَشدّهَا فَإِنَّهُ قد يحث على السَّعْي فِي إهلاك النُّفُوس وَالْأَمْوَال
وَلَا يتَصَوَّر الْحَسَد لمحبوب لِأَن الْمُحب يتَمَنَّى زِيَادَة النعم للمحبوب وَلَا يتَمَنَّى زَوَال النعم عَنهُ
وَقد يَقع التحاسد على تَفْضِيل دُنْيَوِيّ كإيثار الْأَب أحد ابنيه وَالزَّوْج لإحدى زوجتيه
وَقد يَقع التحاسد بَين أَرْبَاب الصَّنَائِع والمتعلقين بالأمراء والملوك
وَقد يَقع التحاسد بِسَبَب الْإِعْجَاب بالفضائل فِي الْأَنْسَاب وَكَذَلِكَ التَّمَاثُل فِي الْأَنْسَاب كالأخوة وَبني الْأَعْمَام بحسد بَعضهم بَعْضًا وَكَذَلِكَ يحْسد الْعباد الْعباد وَالْعُلَمَاء الْعلمَاء
وَالْغَالِب أَن الْحَسَد لَا يَقع إِلَّا بَين المشتركين فِي فَضِيلَة من الْفَضَائِل أَو فِي شَيْء من الْأَسْبَاب الدُّنْيَوِيَّة فَلَا يحْسد الْفَقِيه النَّحْوِيّ وَلَا التَّاجِر الْجمال وَلَا الصَّانِع الْبَقَّال
وَمن أَسبَاب الْحَسَد التجاوز وَلذَلِك أَمر عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْأَقَارِب أَن يتزاوروا وَلَا يتجاوروا
وَقَالَ كَعْب رضي الله عنه مَا من حَكِيم فِي قوم إِلَّا حسدوه وكثروا عَلَيْهِ
وَشر أَنْوَاع الْحَسَد تمني زَوَال النعم عَن عباد الله عز وجل وَإِن لم تصل إِلَى الْحَاسِد
ويزال هَذَا النَّوْع بِأَن تعلم أَنَّك لم تحب لأخيك الْمُسلم مَا أَحْبَبْت لنَفسك وَأَنَّك شاركت الشَّيْطَان فِي عَدَاوَة أَخِيك الْمُسلم وسخطت لما أعْطى الله عباده من غير أَن يحصل لَك بذلك نفع أَو غَرَض صَحِيح
وَمَا الحاسدون إِلَّا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن يهْلكُونَ إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ}