الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله تَعَالَى فَإِن اطلع عَلَيْهِ منع قلبه من الارتياح إِلَى اطلاعهم عَلَيْهِ فَإِن غلبته على الارتياح رد عَلَيْهَا بِالْكَرَاهَةِ والإباء وَامْتنع من الركون إِلَيْهِ وَلَا يزَال حذرا حَتَّى يفرغ من الْعَمَل فَإِذا فرغ من الْعَمَل منع نَفسه من طلب التسميع بِهِ فَإِن كَانَ الْعَمَل ظَاهرا كتشييع الْجَنَائِز وَطلب الْعلم والتطوع يَوْم الْجُمُعَة فِي الْمَسْجِد فليوطن نَفسه على أَن تقنع بِعلم الله تَعَالَى وَلَا ينظر إِلَى علم من لَا يضر وَلَا ينفع وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ
38 -
فصل فِيمَن يخلص الْعَمَل فِي السِّرّ فَيطلع عَلَيْهِ فيعجبه ذَلِك
من أخْلص الْعَمَل لله سرا فَاطلع عَلَيْهِ فأفرحه ذَلِك وَأَعْجَبهُ فَلهُ أَحْوَال
إِحْدَاهُنَّ أَن يفرح بذلك لِأَن الله عز وجل ستر مساوءه وَأظْهر محاسنه وَلَا يفرح بِسَبَب اطلَاع النَّاس على ذَلِك فَهَذَا فَرح بإنعام الله عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ يُرْجَى لَهُ الْأجر على ذَلِك وَقد يَرْجُو أَن يستر الله عَلَيْهِ ذنُوبه فِي الْآخِرَة كَمَا سترهَا فِي الدُّنْيَا فَيكون محسنا للظن بربه وَقد قَالَ تَعَالَى (أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي)
الثَّانِيَة أَن يسر كَون أَن النَّاس اطلعوا عَلَيْهِ فأطاعوا الله فِيهِ بِإِحْسَان الظَّن بِهِ فَيكون سروره بكونهم أطاعوا الله تَعَالَى فِيهِ فَهَذَا سرُور مِنْهُ للْمُسلمين بِطَاعَة الله سبحانه وتعالى فِيهِ
الثَّالِثَة أَن يطلعوا عَلَيْهِ فيقتدوا بِهِ فيسر بكونهم اقتدوا بِهِ وَبِأَن الله تَعَالَى جعل طَاعَته سَبَب الِاقْتِدَاء بِهِ فَأحْسن بِهِ من سرُور وَقد أمرنَا الله عز وجل أَن نفرح بفضله وبرحمته
الرَّابِعَة أَن يسر باطلاعهم عَلَيْهِ ليعظموه ويشكروه وَأَن ينَال مِنْهُم مَا يرجوه أهل الرِّيَاء فَلَا يحبط عمله بذلك لِأَنَّهُ مضى على الْإِخْلَاص وَلم يَأْثَم بِهِ لِأَن من طبع الْإِنْسَان الْميل إِلَى مَا يُوَافق طبعه والنفور مِمَّا يُخَالف طبعه وَمَا كلف أحد أَن يخرج عَن طبعه وَلكنه إِذا ظهر حبه لذَلِك لم يَأْمَن أَن يكون خطرت لَهُ خطرة رِيَاء فخفيت عَلَيْهِ لِأَن الرِّيَاء فِي العبيد أخْفى من دَبِيب النَّمْل فَإِن اطلع عَلَيْهِ فِي أثْنَاء الْعَمَل فسر بذلك لأجل الْمنزلَة عِنْد النَّاس فقد اخْتلف فِيهِ وَتردد الشَّيْخ فِيهِ ثمَّ اخْتَار الإحباط وَهَذَا بعيد إِذا لم يراء بِبَقِيَّة عمله فَإِن مُجَرّد الْحبّ لاطلاع النَّاس ميل طبعي لَا مَعْصِيّة فِيهِ فَكيف تحبط الطَّاعَة بِمَا لَا مَعْصِيّة فِيهِ
وَلَو مَال قلب الْإِنْسَان فِي الصَّلَاة أَو الصَّوْم أَو الْحَج إِلَى شَيْء من الْمعاصِي لم تبطل عِبَادَته بذلك فَمَا الْفرق بَين هَذَا أَو بَين الْميل إِلَى الرِّيَاء
فَإِن قَالَ الشَّيْخ لَا آمن عَلَيْهِ الرِّيَاء لم يستقم ذَلِك لِأَنَّهُ تَيَقّن صِحَة الْعِبَادَة وَإِنَّمَا انْعَقَدت على الْإِخْلَاص وَشك فِيمَا يُفْسِدهَا وَقد جَاءَ فِي حَدِيث وَقفه أَكثر رُوَاته على أبي صَالح أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أسر الْعَمَل لَا أحب أَن يطلع عَلَيْهِ فَيطلع عَلَيْهِ فيسرني فَقَالَ (لَك أَجْرَانِ أجر السِّرّ وَأجر الْعَلَانِيَة) فَهَذَا مَحْمُول على من سر بذلك لستر الله عَلَيْهِ لَا لاطلاع النَّاس ونيل الْمنزلَة عِنْدهم أَو على من سره ذَلِك لِأَن النَّاس وقروا من أطَاع الله عز وجل فِيهِ وَلم يقعوا فِيهِ أَو لأَنهم اقتدوا بِهِ لما اطلعوا عَلَيْهِ وَلَا وَجه لإحباط الْعَمَل وَلَا لبعضه بِمُجَرَّد الرِّيَاء إِلَّا أَن يقْتَرن بهَا رِيَاء أَو إِرَادَة رِيَاء