الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى إِنَّمَا أمهله وَستر عَلَيْهِ لكرامته عَلَيْهِ وحظوته لَدَيْهِ وَأَنه إِنَّمَا حببه إِلَى إخوانه وَإِلَى غَيرهم من الْأَجَانِب لمنزلته عِنْده وتنتفي الْغرَّة بذلك بِأَن يعلم بَان ثناءهم حجَّة لله تَعَالَى عَلَيْهِ وَأَنه يلْزمه أَن يشْكر الله تَعَالَى على إِظْهَار محاسنه وَستر ذنُوبه وعيوبه وَأَنه لَا يَأْمَن أَن يخْتم لَهُ بذنوبه الَّتِي سترت عَلَيْهِ فَيكون عِنْد الله سُبْحَانَهُ من الهالكين
وَأَن من أَشد الْجَهْل اغترار الْإِنْسَان بِمَا يَقُوله النَّاس بِالظَّنِّ الْكَاذِب وَترك الوجل مِمَّا يتحققه من ذنُوبه وعيوبه وَيَنْبَغِي لمن مدح بِمَا لَيْسَ فِيهِ أَن يَقُول اللَّهُمَّ لَا تؤاخذني بِمَا يَقُولُونَ واجعلني خيرا مِمَّا يظنون واغفر لي مَا لَا يعلمُونَ
90 -
فصل فِي سيرة المريد فِي نَومه ويقظته
يَنْبَغِي للمريد إِذا أَرَادَ النّوم أَن يجدد التَّوْبَة من معاصي الله تَعَالَى وَأَن يعزم فِيمَا بَقِي من عمره على طَاعَة الله عز وجل وَاجْتنَاب مَعْصِيَته وَأَن يحذر من أَن يفاجئه الْمَوْت فِي نومته وَأَن يَقُول اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَحْيَا وباسمك أَمُوت اللَّهُمَّ أَنْت خلقت نَفسِي وَأَنت تتوفاها لَك مماتها ومحياها إِن أَمْسَكتهَا فَاغْفِر لَهَا وَإِن أرسلتها فاحفظها بِمَا تحفظ بِهِ عِبَادك الصَّالِحين
فَإِذا اسْتَيْقَظَ حمد الله تَعَالَى على إمهاله إِيَّاه وَذكر الْمعَاد وليستعد لَهُ فَإِن الْيَقَظَة من النّوم مشبهة للحياة بعد الْمَوْت
وَقد كَانَ صلى الله عليه وسلم يفعل ذَلِك فَيَقُول (الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بَعْدَمَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور) ثمَّ يتَذَكَّر مَا عَاهَدَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ عِنْد نَومه استحياء مِنْهُ وإجلالا لَهُ عَن أَن ينْقض عَهده عَن قريب فَإِذا أَرَادَ أَن يلبس ثَوْبه فلينو بلبسه امْتِثَال أَمر ربه فِي ستر عَوْرَته ثمَّ ليستاك نَاوِيا للاقتداء بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ من النّوم شاص فَاه بِالسِّوَاكِ ثمَّ يقْضِي حَاجته ليدْخل الصَّلَاة وَهُوَ غير مدافع للأخبثين نَاوِيا لذَلِك ويبسمل قبل دُخُوله الْخَلَاء وَيَقُول (أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث)
فَإِذا خرج فَلْيقل (الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني مَا يُؤْذِينِي وَأبقى عَليّ مَا يَنْفَعنِي) ثمَّ يتَوَضَّأ الْوضُوء الْمَشْرُوع بسننه وآدابه راجيا تَكْفِير خطيئاته بِمَا يغسلهُ من أَعْضَائِهِ ثمَّ يقْصد إِلَى الْمَسْجِد مَاشِيا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار وبالزيارة لِلْمَسْجِدِ وَإِظْهَار الشعار ثمَّ يَأْتِي بِصَلَاة الْفجْر بشرائطها وأركانها وخشوعها وخضوعها إِن اسْتَطَاعَ ثمَّ ينظر مَا هُوَ الأهم بِهِ فِي دينه ودنياه فَليخْرجْ إِلَيْهِ فَإِن اخْتَار الْخُرُوج إِلَى منزله فَلْيدْخلْ إِلَيْهِ مشفقا من عَذَاب الله تَعَالَى ومعلما لأَهله مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي أَمر دينهم وحاثا لَهُم عَلَيْهِ امتثالا لقَوْله تَعَالَى {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} وليدخل فِي مدحه بقوله {إِنَّا كُنَّا قبل فِي أهلنا مشفقين}
وَإِذا سلك طَرِيقا إِلَى منزله أَو من منزله إِلَى سوقه فلينو أَنه إِذا رأى مُنْكرا أنكرهُ أَو صَادف أمرا بِمَعْرُوف أَمر بِهِ أَو صَادف من يشرع السَّلَام عَلَيْهِ سلم
عَلَيْهِ فَإِن وَقع ذَلِك أثيب على نِيَّته وَفعله وَإِن لم يَقع ذَلِك أثيب على نِيَّته
وَكَذَلِكَ يَنْوِي نصْرَة الْمَظْلُوم وإماطة الْأَذَى عَن الطَّرِيق وليسلم فِي طَرِيقه على من مر بِهِ غير مستوعب لجميعهم وَإِن لقيك أحد من أَصْحَابك أَو معارفك فَسَأَلته عَن حَاله وَحَال أَهله كَانَ ذَلِك حسنا وآكد من يبْدَأ بِالسَّلَامِ من إِذا تركت التَّسْلِيم عَلَيْهِ سَاءَهُ ذَلِك وحقد عَلَيْك ولتكن فِي ذَلِك مخلصا لله عز وجل فَإِذا سلمت على أحد من إخوانك أَو سلم عَلَيْك فاحترز كل التَّحَرُّز من التصنع والرياء بأقوالك وأفعالك أَو شَيْء من أعمالك وَإِيَّاك والتصنع بِلِسَان الْحَال فَإِنَّهُ كالتصنع بِلِسَان الْمقَال
وَإِن خرجت لِاكْتِسَابِ مَا تنفقه على نَفسك أَو عِيَالك أَو على إخوانك أَو فِي حق لزمك أَو ندبت إِلَيْهِ فاقصد بذلك كُله امْتِثَال أَمر الله تَعَالَى وَطلب مرضاته وتوكل فِي ذَلِك على رَبك لَا على حسن صناعتك وَلَا على كسبك فِي تجارتك قَاصِدا لترك اكْتِسَاب الشُّبُهَات فَإِن اجتنابها أَبْرَأ لدينك وعرضك
وَأكْثر من ذكر الله تَعَالَى فِي سوقك وحانوتك فَإِن ذكر الله تَعَالَى فِي الغافلين كالشجرة الخضراء فِي وسط الهشيم