الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَو أَن توفق للتَّوْبَة بعد التسويف فَيطول وقوفك فِي موقف الْحساب مَعَ مذلة التوبيخ والتعنيف وَلَو أَنَّك عجلت التَّوْبَة لأمنت من ذَلِك
فَانْظُر لنَفسك قبل أَن تروم التَّوْبَة فَلَا تقدر عَلَيْهَا وتسأل الرّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا فَلَا تجاب إِلَيْهَا
والاستعداد للقاء الله تَعَالَى ضَرْبَان
أَحدهمَا وَاجِب وَهُوَ التَّوْبَة كَمَا ذَكرْنَاهُ
الثَّانِي التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بأنواع الطَّاعَات المندوبات
ويحمله على ذَلِك قصر الأمل ويحمله على قصر الأمل علمه بِأَن أجل الْمَوْت مطوي عَنهُ وَأَنه مَا يدْرِي مَتى يَأْتِيهِ الطّلب وَلَا مَتى يكون المنقلب وَإِنَّمَا ينجع ذَلِك بإدمان الْفِكر فِيهِ والإكباب عَلَيْهِ
22 -
فصل فِيمَا يجب على العَبْد إِذا وقف على أفضل الْأَعْمَال وأولاها
إِذا وقف على أفضل الْأَعْمَال وَتحقّق فَحق عَلَيْهِ أَن لَا يقدم عَلَيْهِ حَتَّى يخلصه لرب الأرباب فَلَا يقْصد بِهِ سواهُ
والتائب من الزلات تَنْقَسِم أَعماله إِلَى ظَاهر وباطن
فَأَما الْبَاطِن الَّذِي فِي قلبه فَلَا يُمكنهُ الرِّيَاء بِهِ فَإِن النَّاس لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ وَلَا يقفون عَلَيْهِ إِلَّا أَن يسمعهم بذلك ليعظموه ويفخموه ويوقروه ويشكروه ويجلبون إِلَيْهِ مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ من نفع ويدفعون عَنهُ مَا يقدرُونَ على دَفعه من ضرّ
فَأَما عمل الْجَوَارِح والأعضاء فَمِنْهُ مَا يُمكن إخفاؤه وَمِنْه مَا لَا يُمكن إخفاءه وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الرِّيَاء فيصونه عَن الرِّيَاء كحزنه بعد سروره وإمساكه عَن الْكَلَام الَّذِي لَا يحل بعد خوضه فِيهِ والانقطاع من أهل الفسوق والعصيان إِلَى أهل الطَّاعَة وَالْإِيمَان وَكَذَلِكَ كل عبَادَة فَضلهَا فِي إظهارها فَإِذا عزم عَلَيْهَا اعْتَرَضَهُ النَّفس والشيطان ليحملاه على الرِّيَاء والتصنع بهَا أما الشَّيْطَان فيحمله على ذَاك ليفسد عَلَيْهِ عمله
وَأما النَّفس فتنال غرضها من التَّعْظِيم والتوقير وَمن دفع الضَّرَر عَنْهَا وَمن جلب النَّفْع إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ مَا يظْهر عَلَيْهِ من زِيّ الصَّالِحين فِي المآكل والمشارب والملابس والمناكح فيقصد الرِّيَاء وَقد أعمت شَهْوَته بصيرته عَن إِدْرَاك الرِّيَاء وَمَا أخْفى الرِّيَاء عَن مُعظم النَّاس لِأَنَّهُ قصد خَفِي غمرته شَهْوَة عَظِيمَة فأعمت البصيرة وأفسدت السريرة بِخِلَاف معاصي الْأَعْضَاء فَإِنَّهَا ظَاهِرَة محسوسة لَا تخفى على أحد
وَاعْلَم أَن النَّفس والشيطان يدعوان الْإِنْسَان إِلَى ترك الْوَرع فَإِن أَطَاعَهُمَا فَاتَتْهُ منَازِل أهل الْوَرع وَإِن عصاهما دَعْوَاهُ إِلَى ترك الرِّيَاء بالورع وَإِن أَطَاعَهُمَا هلك وَفَسَد ورعه وَإِن عصاهما دَعْوَاهُ إِلَى ترك النَّوَافِل وَقَالا تكفيك الْفَرَائِض والورع فَإِن أَطَاعَهُمَا فَاتَتْهُ فَضِيلَة النَّوَافِل وَقد قَالَ الله سبحانه وتعالى (لَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه) وَإِن عصاهما حملاه على الرِّيَاء بالنوافل فَإِن أَطَاعَهُمَا فَسدتْ نوافله وحبط أجره وَصَارَ مقتا عِنْد الله تَعَالَى وَإِن عصاهما وأخلص أوهماه أَنه مراء وَقَالا لَهُ لَا خلاص لَك من الرِّيَاء إِلَّا بترك الْعَمَل فَإِن أَطَاعَهُمَا وَترك النَّوَافِل فَاتَهُ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من ثَوَاب الله تَعَالَى ومحبته وَإِن عصاهما أخذا فِي مجادلته ومخاصمته فِي كَونه مرائيا متصنعا ليشوشا عَلَيْهِ قلبه ويمنعاه من إِحْضَار قلبه فِي طَاعَة ربه
أما الشَّيْطَان فَلِأَنَّهُ عَدو للْإنْسَان حَاسِد لَهُ على طَاعَة الرَّحْمَن