الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّارًا» .
بَابٌ: مِنْ فَضَائِلِ الْخَضِرِ عليه السلام
(2380)
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي عُمَرَ)، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَّالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى عليه السلام صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ عليه السلام! فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَامَ مُوسَى عليه السلام خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ! قَالَ: فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ لِي بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ. فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، فَحَمَلَ مُوسَى عليه السلام حُوتًا فِي مِكْتَلٍ وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَقَدَ مُوسَى عليه السلام وَفَتَاهُ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمِكْتَلِ فَسَقَطَ
فِي الْبَحْرِ، قَالَ: وَأَمْسَكَ اللهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا، وَنَسِيَ
170 - قوله: (إن نوفا) بفتح النون وسكون الواو (البكالي) بفتح الباء وكسرها وتخفيف الكاف، منسوب إلى بكال بطن من حمير، تابعي من أهل دمشق، فاضل عالم، لا سيما بالإسرائيليات، وكان ابن امرأة كعب الأحبار، وقيل غير ذلك (الخضر) ضبط بوجهين، الأول: بفتح فكسر، والثاني: بكسر فسكون. وكان نوف يزعم أن موسى صاحب الخضر هو موسى بن ميشا (كذب عدو الله) كلمة "عدو الله" للزجر والتحذير، وحقيقتها غير مرادة، وإنما أراد بها المبالغة في إنكار قوله:(بمجمع البحرين) احتار العلماء في معرفة هذا المكان وتعيينه، والذي يبدو لي أنه موضع في رأس سيناء في بحر القلزم، وهناك يجتمع البحران: خليج السويس من جهة مصر، وخليج العقبة من جهة فلسطين والأردن، ولا يستبعد أن يكون هذا المكان هو شرم الشيخ أو ما يجاوره في جهة العقبة، ومما يدل على ذلك أن هذه القصة وقعت لموسى عليه السلام بعد نزول التوراة - صرح بذلك في صحيح البخاري ح 4726 - وكان نزول التوراة عليه بعد خروجه من مصر واستقراره بسيناء، ولم يخرج من سيناء بعد نزوله فيها إلا أخيرًا في جهة الأردن، ولا يوجد في هذه المنطقة - سيناء والأردن - مكان يستحق أن يسمى بمجمع البحرين إلا المذكور. ومعظم الأماكن التي ذكرها المفسرون لا يصدق عليها وصف مجمع البحرين، وهي بعيدة عن سيناء - مستقر موسى عليه السلام غاية البعد (احمل حوتًا) أي سمكة ميتة مالحة، وقد ورد كونه ميتًا في صحيح البخاري ح 4726 وكونه مالحًا عند المصنف في الحديث التالي (في مكتل) بكسر الميم هو الزنبيل (فهو ثم) بفتح الثاء، أي هناك (فتاه) أي صاحبه وخادمه (فرقد موسى عليه السلام أي نام، وكان نومه هذا في النهار، ففي صحيح البخاري [ح 4726] "فبينا هو في ظل صخرة" ولا يكون الظل إلا في النهار (فاضطرب الحوت في المكتل) أي تحرك، وفي صحيح البخاري [ح 4727]:"وفي أصل الصخرة عين يقال لها: الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيى، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال: فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر"(سربا) أي سبيلًا ومذهبا (وكان لموسى وفتاه عجبًا) لأن الماء تماسك حواليه حتى صار مثل النفق (بقية يومهما وليلتهما) والأغلب أن النوم كان في مثل نصف النهار للقيلولة أو قبله للراحة، فيكون بقية اليوم نحوًا من النصف وقوله:"ليلتهما" ضبط بالنصب والجر، والمقصود المشي فيها حسب المعتاد الذي لا يستغرق الليل كله، هذا هو معنى سياق هذه الرواية حسب الظاهر، قال الحافظ ابن حجر: قال الداودي: هذه =
صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبِرَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى عليه السلام قَالَ لِفَتَاهُ:{آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} . قَالَ: وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ! {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} . قَالَ مُوسَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} قَالَ: يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ اللهُ لَا أَعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى عليه السلام:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} . قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} . قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} . ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ مُوسَى:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} قَالَ: وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى. {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ
= الرواية وهم، وكأنه فهم أن الفتى لم يخبر موسى إلا بعد يوم وليلة، وليس ذلك المراد، بل المراد أن ابتداءها من يوم خرجا بطلبه، ويوضح ذلك ما في رواية أبي إسحاق عند مسلم "فلما تجاوزا قال لفتاه:{آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] قال: ولم يصبه نصب حتى تجاوزا" وفي رواية سفيان المذكورة - أي في صحيح البخاري برقم 2725 - "ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به". انتهى، والمقصود أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وهو أنهما انطلقا الليلة، ثم النهار حتى استراحا، فلما جاوزا مكان الاستراحة أحس موسى بالنصب وطلب الغداء، وهذا أيضًا يفيد أنه كان في أرض سيناء في مكان يمكن الوصول إليه بسفر نحو يوم وليلة، بل بنحو النصف من ذلك، مشيًا على الأقدام، وهو يبطل المتاهات التي دخل فيها المفسرون (نصبا) بفتحتين أي تعبا (نبغي) أي نطلب (يقصان آثارهما) أي يتبعان آثار سيرهما (مسجى) أي مغطى (أنَّى بأرضك السلام؟ ) أنَّى بمعنى أين أو كيف، وهو استفهام استبعاد، يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين، وهذا يدل على أنه كان يسكن قريبًا من مساكن الناس أو في وسطهم، ولذلك كانوا يعرفونه كما سيأتي، وأنه لم يكن يعرف من الغيب إلا ما علمه الله حتى لم يعرف موسى (لا أعلمه) أي لا أعلم جميعه، لأن الخضر كان يعلم من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه، وكذلك معنى قوله:(لا تعلمه) أي لا تعلم جميعه، لأن موسى كان يعرف من الحكم الباطن ما كان يأتيه عن طريق الوحي (بغير نول) بفتح النون وسكون الواو، أي بغير أجرة (لقد جئت شيئًا إمرا) أي منكزا أو عظيمًا (ولا ترهقني من أمري عسرًا) من رهقه غشيه، وأرهقه أغشاه، أي لا تغشني عسرًا، يعني لا تعسر علي متابعتك (فاقتلعه) أي فصله عن عنقه (نفسًا زكية) أي طاهرة لم تعمل الذنوب (بغير نفس) أي من غير أن يكون قتل نفسًا فيقتل قصاصًا (شيئًا نكرًا) أي منكرًا (قد بلغت من =
لَدُنِّي عُذْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}
يَقُولُ: مَائِلٌ، قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا فَأَقَامَهُ، قَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا، {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا. قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ.»
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ يَقْرَأُ: (أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا) وَكَانَ يَقْرَأُ: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا).
(000)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى الَّذِي ذَهَبَ يَلْتَمِسُ الْعِلْمَ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ! قَالَ: أَسَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَذَبَ نَوْفٌ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّهُ بَيْنَمَا مُوسَى عليه السلام فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ - وَأَيَّامُ اللهِ نَعْمَاؤُهُ وَبَلَاؤُهُ - إِذْ قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا خَيْرًا وَأَعْلَمَ مِنِّي! قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ إِنِّي أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ مِنْهُ أَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ، إِنَّ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، فَدُلَّنِي عَلَيْهِ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا، فَإِنَّهُ حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ. قَالَ: فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ وَتَرَكَ فَتَاهُ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ لَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، صَارَ مِثْلَ الْكُوَّةِ! قَالَ: فَقَالَ فَتَاهُ: أَلَا أَلْحَقُ نَبِيَّ اللهِ فَأُخْبِرَهُ! قَالَ: فَنُسِّيَ، فَلَمَّا تَجَاوَزَا {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}. قَالَ: وَلَمْ يُصِبْهُمْ نَصَبٌ حَتَّى تَجَاوَزَا. قَالَ: فَتَذَكَّرَ.
{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا
= لدني عذرًا) أي قد وصلت من جهتي إلى حد العذر في ترك الصحبة، لأني خالفت عهدك مرتين (يريد أن ينقض) أي قرب أن يتهدم ويقع (فأقامه) أي جعله قائمًا مستقيمًا (يقول: مائل
…
إلخ) أي كان الجدار مائلًا فأشار الخضر بيده، يعني مسحه بيده فصار قائمًا مستقيمًا (حرف السفينة) أي طرفها وجانبها (ثم نقر في البحر) أي أخذ بمنقاره الماء من البحر (ما نقص علمي وعلمك
…
إلخ) لفظ النقص هنا ليس على ظاهره لأن علم الله لا يدخله النقص، وإنما معناه لم يأخذ من علم الله.
172 -
قوله: (فعمي عليه) بضم العين وتشديد الميم المكسورة، مبنيًّا للمفعول من التعمية، والعمى عدم البصر، يعني عمى الخضر على موسى فلم يبصره (فانطلق وترك فتاه) هذا يخالف ما سبق، فإنه صريح في كونه نام في ظل الصخرة، وأن فتاه كان قريبًا منه، وهو أقوى وأكثر من هذا، وهو المروي في صحيح البخاري، ويمكن أن يكون المقصود أنه ترك فتاه في مكان، وانطلق قريبًا لينام وحده (فجعل لا يلتئم عليه) أي بقي منشقًا مع أن طبيعة الماء أن =
نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا}، فَأَرَاهُ مَكَانَ الْحُوتِ، قَالَ: هَاهُنَا وُصِفَ لِي. قَالَ: فَذَهَبَ يَلْتَمِسُ فَإِذَا هُوَ بِالْخَضِرِ مُسَجًّى ثَوْبًا مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْقَفَا، أَوْ قَالَ: عَلَى حَلَاوَةِ الْقَفَا. قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، قَالَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: وَمَنْ مُوسَى؟ قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ: مَجِيءٌ مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} شَيْءٌ أُمِرْتُ بِهِ أَنْ أَفْعَلَهُ إِذَا رَأَيْتَهُ لَمْ تَصْبِرْ! {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} ، قَالَ: انْتَحَى عَلَيْهَا، قَالَ لَهُ مُوسَى عليه السلام:{أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} . فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا لَقِيَا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ، فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى عليه السلام ذَعْرَةً مُنْكَرَةً، {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ هَذَا الْمَكَانِ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى، لَوْلَا أَنَّهُ عَجِلَ لَرَأَى الْعَجَبَ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ! {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} . وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي، كَذَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا، {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} لِئَامًا فَطَافَا فِي الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا {أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ، قَالَ:
{سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} - إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَإِذَا جَاءَ الَّذِي يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً فَتَجَاوَزَهَا فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ، فَلَوْ أَنَّهُ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ} - إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.»
= يعود ويلتئم (الكوة) هو المنفذ والنقب في الجدار ونحوه (على حلاوة القفا) بضم الحاء وفتحها وكسرها، والضم أفصح، وهي وسط القفا، والقفا مؤخر الرأس، ومعناه أنه لم يمل إلى أحد جانبيه (مجيء ما جاء بك) ضبط برفع مجيء مع إضافته إلى ما بعده، أي ما الذي جاء بك؟ فهو سؤال عن سبب المجيء، وضبط بتنوين مجيء، وكلمة "ما" بعده للتفخيم، أي أمر عظيم جاء بك. (انتحى عليها) أي اعتمد على السفينة ليخرقها (بادي الرأي) ضبط بالياء من البدو بمعنى الظهور، أي سارع إلى قتله من غير تفكر ولا تردد، وضبط بالهمزة، ومعناه أول الرأي أي ابتداؤه. والمراد به أيضًا ما سبق (ذمامة) بفتح الذال، أي حياء وإشفاق من الذم واللوم (وأخذ بثوبه) أي أخذ موسى بثوب الخضر، وقال: حدثني، وكأنه أخذ حتى لا يفارقه قبل بيان ما رأى (يسخرها) أي يسيطر عليها، ويأخذها غصبًا إذا رآها صالحة (عطفا عليه) أي مالا عليه حبًّا وحنانًا (فلو أنه أدرك) أي بلغ مبلغ الرجال (أرهقهما طغيانًا وكفرًا) أي غشيهما بالكفر والطغيان، وحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه (خيرًا منه زكاة) أي دينًا وإسلامًا، وإنما جاء بكلمة الزكاة لتكون في مقابل قوله:"أقتلت نفسًا زكية""وأقرب رحما" بضم الراء وسكون الحاء، بمعنى الرحمة، أي يكونان لهذا الولد الثاني أرحم مما كانا للأول. أو يكون هذا الولد الثاني أكثر رحمة من الأول.