المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الثاني في أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم] - منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول - جـ ١

[عبد الله عبادى اللحجى]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌كلمة الناشر

- ‌ترجمة الشّيخ عبد الله اللحجي

- ‌فأخذ عن مشايخها وهم:

- ‌السيد عبد الرحمن بن محمد الأهدل

- ‌ومن شيوخ الشيخ اللحجي في المراوعة: الشيخ العلامة السيد: عبد الرحمن بن حسن

- ‌ومن شيوخ الشيخ عبد الله اللحجي في اليمن: الشيخ العلّامة الحبر البحر الفهّامة أبو الفضائل عزّ الدين السيد: محمد حسن هند بن عبد الباري

- ‌رحلته إلى مكة المكرمة:

- ‌اتّصاله بالوالد السيد علوي المالكي:

- ‌ومن شيوخ الشيخ عبد الله اللحجي بمكّة المكرمة: الإمام العلّامة المحدّث شيخنا الشيخ: حسن بن محمد المشّاط المكّي المالكي

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللحجي بمكة المكرمة العلّامة الإمام المؤرّخ المحقق شيخ المشايخ السيد الشيخ محمد العربي

- ‌ومن مشايخ عبد الله اللحجي بمكة المكرمة العلّامة المسند الشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني المكّي

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللحجي من أهل مكة المكرمة العلامة السيد: محمد أمين الكتبي المكيّ الحنفي

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللحجي بمكّة المكرّمة العلّامة الشيخ: محمد يحيى أمان المكّيّ الحنفي

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللّحجي من أهل المدينة المنوّرة العلّامة الشيخ: أمين بن أحمد الطرابلسي- طرابلس الغرب- المالكيّ

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللحجي بمكّة المكرّمة العلّامة الشيخ: إسحاق بن إبد بن محمد نور الصامولي

- ‌روايته وأسانيده:

- ‌[مناقبه]

- ‌صلتي بالشيخ اللّحجي

- ‌صلة خاصة:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌تعريف بكتاب منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[فهرست مطالب الكتاب]

- ‌[المقدّمة: وهي تشتمل على تنبيهين]

- ‌[التّنبيه الأوّل: في معنى لفظ الشّمائل]

- ‌[التّنبيه الثّاني: في الفوائد المقصودة: من جمع شمائله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الباب الأوّل في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسمائه الشّريفة]

- ‌[الفصل الأوّل في نسبه الشّريف صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الثّاني في أسمائه الشّريفة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الباب الثّاني في صفة خلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الأوّل في جمال صورته صلى الله عليه وسلم، وما شاكلها]

- ‌[الفصل الثّاني في صفة بصره صلى الله عليه وسلم واكتحاله]

- ‌[الفصل الثّالث في صفة شعره صلى الله عليه وسلم، وشيبه، وخضابه، وما يتعلق بذلك]

- ‌[الفصل الرّابع في صفة عرقه صلى الله عليه وسلم ورائحته الطّبيعيّة]

- ‌[الفصل الخامس في صفة طيبه صلى الله عليه وسلم وتطيّبه]

- ‌[الفصل السّادس في صفة صوته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل السّابع في صفة غضبه صلى الله عليه وسلم وسروره]

- ‌[الفصل الثّامن في صفة ضحكه صلى الله عليه وسلم وبكائه]

- ‌[الفصل التّاسع في صفة كلامه صلى الله عليه وسلم وسكوته]

- ‌[الفصل العاشر في صفة قوّته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الباب الثّالث في صفة لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفراشه وسلاحه]

- ‌[الفصل الأوّل في صفة لباسه صلى الله عليه وسلم من قميص وإزار ورداء وقلنسوة وعمامة ونحوها]

- ‌[الفصل الثّاني في صفة فراشه صلى الله عليه وسلم، وما يناسبه]

- ‌[الفصل الثّالث في صفة خاتمه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الرّابع في صفة نعله صلى الله عليه وسلم وخفّه]

- ‌[الفصل الخامس في صفة سلاحه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل السّادس كان من خلقه صلى الله عليه وسلم أن يسمّي سلاحه ودوابّه ومتاعه]

- ‌فهرسة الجزء الأول من كتاب منتهى السول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌[الفصل الثاني في أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم]

[الفصل الثّاني في أسمائه الشّريفة صلى الله عليه وسلم]

الفصل الثّاني في أسمائه الشّريفة صلى الله عليه وسلم اعلم.. أنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة.

(الفصل الثّاني) من الباب الأوّل (في) ذكر بعض (أسمائه) جمع: اسم؛ وهو كلمة وضعتها العرب بإزاء مسمّى، متى أطلقت فهم منها ذلك المسمّى.

فعلى هذا لا بدّ من مراعاة أربعة أشياء: 1- الاسم، و 2- المسمّى- بفتح الميم-، و 3- المسمّي- بكسرها-، و 4- التسمية.

فالاسم: هو اللفظ الموضوع على الذّات لتعريفها وتخصيصها عن غيرها؛ كلفظ «زيد» .

والمسمّى: هو الذات المقصود تمييزها بالاسم كشخص زيد.

والمسمّي- بالكسر-: هو الواضع لذلك اللفظ.

والتسمية: هي اختصاص ذلك اللفظ بتلك الذات. والوضع: تخصيص لفظ بمعنى إذا أطلق فهم منه ذلك المعنى للعالم بالوضع.

(الشّريفة) وذكر شيء من معانيها صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم.

(اعلم أنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة)، وكثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى؛ للعناية به وبشأنه. ولذا ترى المسمّيات في كلام العرب أكثر محاولة واعتناء؛ كما في «الشامية» . يعني: أنّهم أكثر ما يحاولون في المسمّيات تمييزها بالأسماء الكثيرة المميزة لها والدالّة على شرفها؛ لا سيما إذا لوحظت المناسبة بين

ص: 141

قال الإمام النّوويّ في «التّهذيب» : (قال الإمام الحافظ

كلّ اسم ومسمّاه. وقد سمّى الله تعالى نبيّنا محمدا صلى الله عليه وسلم بأسماء كثيرة في القرآن العظيم وغيره من الكتب السماوية، وعلى ألسنة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.

(قال الإمام) الحافظ وليّ الله تعالى الشيخ محيي الدين (النّوويّ) الشافعيّ صاحب التصانيف النافعة المباركة (في) كتاب ( «التّهذيب» ) ؛ أي: «تهذيب الأسماء واللغات» : (قال الإمام الحافظ) هو أحد مراتب خمسة لأهل الحديث، أوّلها 1- الطالب؛ وهو: المبتدىء، ثمّ 2- المحدّث؛ وهو: من تحمّل روايته واعتنى بدرايته، ثمّ 3- الحافظ؛ وهو: من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسنادا، ثمّ 4- الحجّة؛ وهو من حفظ ثلثمائة ألف حديث، ثمّ 5- الحاكم؛ وهو: من أحاط بجميع الأحاديث، ذكره المطرّزي.

فائدة: أخرج ابن أبي حاتم في كتاب «الجرح والتعديل» ؛ عن الزّهري:

لا يولد الحافظ إلّا في كلّ أربعين سنة. ولعل ذلك في الزمن المتقدّم، وأما في زماننا هذا؛ فقد عدم فيه الحافظ؛ كذا قاله الباجوري في «حاشيته على الشمائل الترمذية» .

قال السيد عبد الحي الكتاني في «فهرس الفهارس» : وهو عجيب، لأن الحافظ ما دام كما وصفه به الحافظ ابن الجزري: من روى ما يصل إليه، ووعى ما يحتاج إليه. انتهى. وكما وصفه به الخفاجيّ؛ من أنه: من أكثر من رواية الحديث وأتقنها!! فغير منقطع، ولم يختم بالسيوطي والسخاوي؛ كما قيل.

فمن طالع واطّلع، وتوسّع في تتبع تراجم الشاميين والمصريين واليمنيين والهنديين والمغاربة من القرن التاسع إلى الآن لم يجد الزمان خلا عمّن يتّصف بأقل ما يشترط فيمن يطلق عليه اسم الحافظ في الأعصر الأخيرة.

وغاية ما يشترط فيه عندي الآن: أن يكون على الأقل قد اشتهر بالتعاطي والإتقان لهذه الصناعة؛ فأخذ فيها وأخذ عنه، وأذعن من يعتبر إذعانه لقوله فيها، بعد تجريبه عليه: الصدق والتحرّي فيما ينقل ويقول، وبعد الغور. وتمّ له سماع

ص: 142

القاضي أبو بكر ابن العربيّ المالكيّ

مثل الكتب الستّة والمسانيد الأربعة على أهل الفن المعتبرين، وعرف الاصطلاح معرفة جيدة، ودرس كتب ابن الصلاح وحواشيه، وشروح الألفية وحواشيها، وترقّى إلى تدوين معتبر في السنّة وعلومها، وعرف فيه بالإجادة قلمه، والاطلاع والتوسعة مذهبه، والاختيار والترجيح في ميادين الاختلاف نظره، مع اتساع في الرواية؛ بحيث أخذ عن شيوخ إقليمه ما عندهم، ثم شره إلى الرواية عمّن هم في الأقاليم الأخر بعد الرحلة إليهم، وعرف العالي والنازل، والطبقات والخطوط والوفيات، وحصّل الأصول العتيقة؛ والمسانيد المعتبرة، والأجزاء والمشيخات المفرّقة، وجمع من أدوات الفنّ ومتعلّقاته أكثر ما يمكن أن يحصل عليه، مع ضبطه وصونه لها، واستحضاره لأغلب ما فيها، وما لا يستحضره عرف المظانّ له منها على الأقلّ، ويشبّ ويشيخ وهو على هذه الحالة من التعاطي والإدمان والانقطاع له. فمن حصّل ما ذكر، أو تحقّق وصفه ونعته به؛ جاز أن يوصف بالحفظ عندي بحسب زمانه ومكانه. انتهى كلام الشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله تعالى.

قال: فلذلك أردت أن أرشدك إلى من وقفت على وصفه من الأئمة المعتبرين بالحفظ والإتقان، وإنه من كبار محدّثي الزمان، ووجد مع الحافظ ابن حجر وبعده إلى الآن، لتعلم أنّ فضل الله لا ينحصر بزمان؛ أو مكان؛ أو جهة من الجهات، فهو سبحانه يعطي بلا امتنان؛ ولا تحجير عليه من أهل الزمان.

ثم ذكر ثمانية وخمسين شخصا بأسمائهم من أهل القرن التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وترجم لجميعهم. رحمهم الله تعالى.

آمين.

(القاضي أبو بكر بن العربيّ) محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي (المالكيّ)، ولد في «إشبيلية» سنة: - 468- ثمان وستين وأربعمائة، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين، وصنّف كتبا في الحديث والفقه، والأصول والتفسير، والأدب والتاريخ، وولي قضاء «إشبيلية» .

ص: 143

في كتابه «عارضة الأحوذيّ في شرح التّرمذيّ» : قال بعض الصّوفيّة:

قال ابن بشكوال: هو ختام علماء الأندلس، وآخر أئمّتها وحفّاظها.

ومن مؤلفاته «العواصم من القواصم» ، و «عارضة الأحوذي شرح الترمذي» ، و «أحكام القرآن» ، و «القبس شرح موطأ مالك بن أنس» ، و «الإنصاف في مسائل الخلاف» ، و «أعيان الأعيان» وغيرها. ومات بقرب «فاس» سنة: - 543- ثلاث وأربعين وخمسمائة، ودفن بها. رحمة الله تعالى عليه. آمين.

(في كتابه «عارضة الأحوذيّ في شرح) جامع (التّرمذيّ» ) رحمه الله تعالى، (قال بعض الصّوفيّة) : اعلم أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، إذ لا فضيلة فوقها. فقيل لهم «الصحابة» ، ولمّا أدركهم أهل العصر الثاني سمّي من صحب الصحابة «التابعين» . ورأوا ذلك أشرف سمة. ثم قيل لمن بعدهم «أتباع التابعين» ، ثم اختلفت الناس بعدهم وتباينت المراتب فيهم، فقيل لخواصّ الناس ممّن لهم شدّة عناية بأمر الدين «الزّهّاد والعبّاد» . ثم ظهرت البدع، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادّعوا أن فيهم زهادا، فانفرد خواصّ أهل السنّة المراعون أنفاسهم مع الله تعالى الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم «الصوفية» . ثم التسمية ب «الصوفية» ، غلبت على هذه الطائفة؛ فيقال «رجل صوفي» ، وللجماعة «صوفية» ، لأنّ الحقّ صافاهم وأخلص لهم النعم بما أطلعهم عليه، ومن يتوصّل إلى التصوّف بالاكتساب والتشبّه بهم يقال له «متصوّف» ، وللجماعة «المتصوفة» .

والتصوّف اسم جامد؛ كاللّقب، وقع على كلّ من اجتمع قلبه وقت ذكره، وتفرّق في أحوال أسباب فكره، وتزايدت أشواقه عند السماع، وخفيت حقائقه عند الاجتماع. ولهم فيه تعاريف كثيرة. والقول بأنه مشتقّ من الصّفا، أو من لبس الصوف، أو من الصف الأوّل؛ يحوج إلى تكلّف، مع عدم الشاهد على ذلك في

ص: 144

لله عز وجل ألف اسم، وللنّبيّ صلى الله عليه وسلم ألف اسم) انتهى.

وعن جبير بن مطعم بن عديّ رضي الله تعالى عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ لي أسماء، أنا محمّد، وأنا أحمد، معظم الأقوال؛ وإن كان معانيها لا يخلو عنها الصوفي باعتبار رسمه وحاله.

واعلم أن حقيقة الصوفيّ: من له جدّ وصدق وإخلاص في متابعة سيّد المرسلين وإمام المرشدين؛ عليه وعلى إخوانه صلوات ربّ العالمين. انتهى.

من «شرح الرسالة القشيرية» وحواشيها.

(لله عز وجل ألف اسم، وللنّبيّ صلى الله عليه وسلم ألف اسم. انتهى) كلام النووي المنقول عن ابن العربي رحمهم الله تعالى. قال الشّاميّ: والذي وقفت عليه من ذلك خمسمائة اسم، مع أن في كثير منها نظرا. أو المراد الأوصاف؛ لا أنّها كلّها أعلام وضعت له. انتهى.

(و) روى البخاريّ ومسلم؛ (عن جبير) - بضم الجيم وموحدة، مصغّرا- (ابن مطعم بن عديّ) بن نوفل القرشي النوفلي الصحابي العالم بالأنساب، أسلم بين الحديبية والفتح، وقيل: في الفتح. وتوفي سنة: سبع وخمسين- أو ثمان، أو تسع وخمسين- هجرية. (رضي الله تعالى عنه؛ قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ لي أسماء) - كذا رواه الأكثر عن الزّهري عن شعيب؛ عند الشيخين. ومعمر ويونس وعقيل وسفيان بن عيينة؛ عند مسلم والترمذيّ. ورواه مالك في «الموطأ» ؛ عن الزهري، ومن طريقه أخرجه البخاريّ أيضا بلفظ:«لي خمسة أسماء» ولم ينفرد بها مالك، بل تابعه محمد بن ميسرة عن الزهري. أخرجه البيهقي وأشار إليه عياض، ف «خمسة» زيادة ثقة غير منافية؛ فيجب قبولها.

ولهذا تعقّب الحافظ وغيره من زعم أنّها من الراوي كما يأتي. انتهى. «زرقاني على «المواهب» » .

(أنا محمّد، وأنا أحمد) - أفعل من الحمد، قطع متعلّقه للمبالغة. وبدأ

ص: 145

وأنا الماحي الّذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدميّ،

بهما!! لأنهما أشهر أسمائه، وقدّم محمّدا!! لأنه أشهرهما- (وأنا الماحي) بحاء مهملة- (الّذي يمحو الله بي الكفر) أي: يزيله، لأنه بعث والدنيا مظلمة بغياهب الكفر؛ فأتى صلى الله عليه وسلم بالنور الساطع حتّى محاه.

قال القاضي عياض: أي: من مكة وبلاد العرب، وما زوي له من الأرض ووعد أنّه يبلغ ملك أمته. قال: أو يكون المحو عامّا بمعنى الظهور والغلبة (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)[33/ التوبة] .

وفي «الفتح» : استشكل بأنه ما انمحى من جميع البلاد.

وأجيب بحمله على الأغلب، أو على جزيرة العرب، أو أنّه يمحى بسببه أولا فأوّلا، إلى أن يضمحلّ في زمان عيسى، فإنّه يرفع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.

وتعقّب بأن الساعة لا تقوم إلّا على شرار الناس.

ويجاب بجواز أن يرتدّ بعضهم بعد موت عيسى، وترسل الريح اللّيّنة فتقبض روح كلّ مؤمن ومؤمنة؛ فحينئذ فلا يبقى إلا الشّرار.

(وأنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدميّ) بكسر الميم وبتخفيف الياء؛ بالإفراد، و [قدميّ] بتشديد الياء مع فتح الميم على التثنية، روايتان.

وفي معنى القدم قولان: الأثر، أو الزمان. فعلى الأوّل معنى «على قدمي» : على أثري. أي: أنّه يحشر قبل الناس. ويرجّحه رواية نافع بن جبير «بعثت مع السّاعة» .

وعلى الثاني معنى «على قدميّ» أي: وقت قيامي على قدميّ؛ بظهور علامات الحشر، إشارة إلى أنّه لا نبي بعده؛ ولا شريعة.

واستشكل التفسير باقتضائه أنّه محشور؛ فكيف يفسّر به حاشر اسم فاعل؟!.

وأجيب: بأن إسناد الفعل إلى الفاعل إضافة؛ وهي تصحّ بأدنى ملابسة، فلما

ص: 146

وأنا العاقب الّذي ليس بعده نبيّ» .

وعن حذيفة

كان لا أمّة بعد أمته، لأنّه لا نبيّ بعده؛ نسب الحشر إليه لوقوعه عقبه. أو معناه أول من يحشر؛ كحديث:«أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض» ، أو على مشاهدتي قائما لله شاهدا على الأمم، وقيل: معنى القدم السبب.

(وأنا العاقب) زاد يونس في روايته عن الزهري: (الّذي ليس بعده نبيّ» ) وقد سمّاه الله رؤوفا رحيما. قال البيهقي: «وقد سمّاه» مدرج من قول الزهري. قال الحافظ: وهو كما قال. وكأنه أشار إلى ما في آخر سورة براءة «1» ، وأما قوله:

«الّذي ليس بعده نبيّ» . فظاهره الإدراج أيضا، لكن في رواية ابن عيينة عند الترمذي وغيره؛ بلفظ «الّذي ليس بعدي نبيّ» . انتهى.

وجزم السيوطي على «الموطأ» بأنه مدرج من تفسير الزهري لرواية الطّبراني الحديث من طريق معمر إلى قوله: «وأنا العاقب» . قال معمر: قلت للزّهري:

ما العاقب؟! قال: الذي ليس بعده نبي. قال أبو عبيد: قال سفيان: العاقب آخر الأنبياء. انتهى.

ولا ينافيه رواية «بعدي» بياء المتكلم!! لأنّها قد ترد على لسان المفسّر حكاية عن لسان من فسّر كلامه إذا قوي تفسيره عنده؛ حتّى كأنّه نطق به. وفي رواية نافع بن جبير: فإنّه عقب الأنبياء. قال الحافظ: وهو محتمل للرفع والوقف.

انتهى.

(و) روى التّرمذيّ في «الشمائل» ؛ (عن) أبي عبد الله (حذيفة) بن [اليمان:] حسل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن

(1) من قوله تبارك وتعالى (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(128) .

ص: 147

رضي الله تعالى عنه قال: لقيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة؛ فقال: «أنا محمّد، وأنا أحمد، وأنا نبيّ الرّحمة، نزار بن معدّ بن عدنان العبسي؛ حليف بني عبد الأشهل؛ من الأنصار.

قالوا: واليمان لقب «حسل» لقّب به. لأنه أصاب دما في قومه فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل من الأنصار، فسمّاه قومه «اليمان» ، لأنّه حالف الأنصار؛ وهم من اليمن.

أسلم حذيفة وأبوه، وهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدا جميعا أحدا «1» وقتل أبوه يومئذ؛ قتله المسلمون خطأ فوهب لهم دمه، وأسلمت أمّ حذيفة وهاجرت.

وكان صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين يعلمهم وحده، وكان كثير السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحاديث الفتن والشرّ ليجتنبها.

وتوفي بالمدائن سنة: - 36- ست وثلاثين، بعد قتل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما بأربعين ليلة، ولم يدرك حذيفة وقعة الجمل، لأنّها كانت في جمادى الأولى سنة: - 36- ست وثلاثين. (رضي الله تعالى عنه) ؛ وعن والده ووالدته، وعن الصحابة أجمعين. آمين.

(قال: لقيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة) - أي: سككها- (فقال: «أنا محمّد، وأنا أحمد، وأنا نبيّ الرّحمة) أي: سببها. قال تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(107)[الأنبياء] . فقد رحم الله جميع المخلوقات، لأمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال، وما بعث به سبب لإسعادهم، وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم، فبعث رحمة لأمّته، ورحمة للعالمين، ورحيما بهم، ومترحّما مستغفرا لهم، وجعل أمته مرحومة؛ ووصفها بالرحمة، وأمرها بالتراحم وحضّ عليه؛ فقال:«إنّ الله يحبّ من عباده الرّحماء» ، وقال: «الرّاحمون

(1) وإنما لم يشهدا بدرا!! لأن كفار قريش حينما عارضوهما في طريق الهجرة أخذوا منهما عهدا ألّا يقاتلا مع محمد [صلى الله عليه وسلم] ، فاستشار حذيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأن يبر عهده.

ص: 148

ونبيّ التّوبة، وأنا المقفّي، وأنا الحاشر، ونبيّ الملاحم» .

يرحمهم الرّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء»

إلى غير ذلك. فكانت الرحمة في هذه الأمّة أكثر من غيرها من الأمم. وبالجملة فقد ظهر على يد النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يظهر على يد غيره.

(ونبيّ التّوبة) أي: الآمر بها بشروطها المقررّة، أو كثير التوبة إلى الله تعالى، كثير الرجوع إليه؛ «إنّي أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرّة؛ أو مائة مرّة» .

(وأنا المقفّي) - بكسر الفاء على أنّه اسم فاعل، أو [المقفّى] بفتحها على أنّه اسم مفعول-. فمعناه على الأوّل: الذي قفّى آثار من سبقه من الأنبياء، وتبع أطوار من تقدّمه من الأصفياء. قال تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [90/ الأنعام] أي: في أصل التوحيد ومكارم الأخلاق؛ وإن كان مخالفا لهم في الفروع اتفاقا. ومعناه على الثاني: الذي قفّى به على آثار الأنبياء وختم به الرسالة، قال تعالى (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا)[27/ الحديد] . وفي ذلك من الفضل له صلى الله عليه وسلم أنّه وقف على أحوالهم وشرائعهم؛ فاختار الله له من كلّ شيء أحسنه، وكان في قصصهم له ولأمته عبر وفوائد.

(وأنا الحاشر، ونبيّ الملاحم» ) - بفتح الميم وكسر الحاء المهملة- جمع الملحمة؛ وهي: الحرب ذات القتل الشديد، وسمّيت بها!! لاشتباك الناس فيها كالسّدى واللّحمة في الثوب. وقيل: لكثرة لحوم القتل فيها.

وسمّي «نبيّ الملاحم!!» لحرصه على الجهاد ومسارعته إليه، ولم يجاهد نبيّ وأمّته ما جاهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمّته.

أو سمّي «نبيّ الملاحم!!» لأنه سبب لتلاحمهم واجتماعهم.

قال الخطّابي: فإن قيل: كيف الجمع بين كونه «نبيّ الرحمة» و «نبيّ الملاحم» ؛ لا سيما مع قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(107)[الأنبياء] ؛

ص: 149

ومعنى (المقفّي) : المتّبع من قبله من الرّسل، وكان آخرهم وخاتمهم. و (الملاحم) هي: الحروب.

ففي تسميته صلى الله عليه وسلم نبيّ الملاحم إشارة إلى ما بعث به من القتال بالسّيف. ولم يجاهد نبيّ وأمّته قطّ ما جاهد

ومع قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّما أنا رحمة مهداة» !!؟

فالجواب: أن بعثه صلى الله عليه وسلم بالحرب والسيف من وجوه الرحمة، لأن الله تعالى أيّد رسله عليهم الصلاة والسلام بالمعجزات، وجرت عادته تعالى في الأمم السابقة أنهم إذا كذّبوا عوجلوا بالعذاب المستأصل إثر التكذيب، واستؤنيء «1» بهذه الأمة؛ ولم يعاجلوا بالعذاب المستأصل، وأمر بجهادهم ليرتدعوا عن الكفر، ولم يجاحوا «2» بالسيف، لأن للسيف بقية، وليس للعذاب المستأصل بقية.

ومن وجوه الرحمة: ما صحّ أنّه صلى الله عليه وسلم جاءه ملك الجبال؛ فقال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. فقال: «أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يوحّده؛ ولا يشرك به شيئا» .

ومن وجوه الرحمة أيضا: أنّ الله تعالى وضع عن أمّته الإصر والأغلال التي كانت على الأمم قبلها. قال العلماء: وإنما اقتصر على هذه الأسماء!! لأنها معلومة للأمم السابقة؛ بكونها في كتبهم.

(ومعنى المقفّي) - بكسر الفاء؛ وفتحها-: (المتّبع من قبله من الرّسل) في أصل التوحيد ومكارم الأخلاق، (وكان آخرهم وخاتمهم) ؛ لكونه قفّى آثارهم.

(والملاحم) - بفتح الميم وكسر الحاء المهملة- (هي: الحروب، ففي تسميته صلى الله عليه وسلم «نبيّ الملاحم» إشارة إلى ما بعث به من القتال بالسّيف) المشعر بكثرة الجهاد مع الكفار في أيام دولته، (ولم يجاهد نبيّ وأمّته قطّ ما جاهد) المصطفى

(1) استؤخر.

(2)

من الجوح: الهلاك والاستئصال.

ص: 150

صلّى الله عليه وسلّم وأمّته. والملاحم الّتي وقعت وتقع بين أمّته وبين الكفّار.. لم يعهد مثلها قبله؛ فإنّ أمّته يقاتلون الكفّار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار إلى أن يقاتلوا الأعور الدّجّال.

وفي «التّهذيب» : (سمّاه الله عز وجل في القرآن رسولا، نبيّا، أمّيّا، شاهدا، مبشّرا، نذيرا، داعيا إلى الله بإذنه، صلى الله عليه وسلم وأمّته) ، ونصر بالرعب وأحلّت له الغنائم.

واستشعر نقض هذا النفي بنحو قتال يوشع الجبّارين، وقتال داود جالوت، وحمل الإسرائيلي السلاح ألف شهر في سبيل الله؛ فأشار للجواب بقوله:

(والملاحم الّتي وقعت وتقع بين أمّته وبين الكفّار لم يعهد مثلها قبله) صلى الله عليه وسلم، (فإنّ أمّته) لا يزالون (يقاتلون الكفّار في أقطار الأرض) - جمع قطر- بضم القاف- هو: الناحية- (على تعاقب الأعصار) - جمع عصر؛ وهو الدهر- والجهاد ماض ومستمرّ في أمّته منذ بعث الله نبيّه صلى الله عليه وسلم (إلى أن يقاتلوا) - أي: أمّته- (الأعور الدّجّال) لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، فاستمراره منهم ودوامه لم يوجد لغيرهم، فإنّ قتال من قبلهم؛ وإن حصل فيه شدّة، لكنه مضى وانقطع.

(وفي «التّهذيب» ) للإمام النووي رحمه الله تعالى: (سمّاه الله عز وجل في القرآن) في سورة الأعراف (رسولا نبيّا أمّيّا) ؛ في قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ)[157/ الأعراف]، وفي قوله (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ) [158/ الأعراف] والأمّيّ: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، نسب: إمّا للأمّ؛ لأنه باق على حالته التي ولد عليها، أو ل «أمّ القرى» وهي: مكة، لكونه ولد بها؛ قاله الصاوي.

وسمّاه في سورة الأحزاب: (شاهدا) على من أرسل إليهم، (مبشّرا) من صدّقه بالجنة، (نذيرا) منذرا من كذّبه بالنار، (داعيا إلى الله) : إلى طاعته؛ (بإذنه) : بأمره.

والحكمة في الإذن: تسهيل الأمر وتيسيره، لأنّ الدخول في الشيء من غير إذن

ص: 151

وسراجا منيرا، ورؤوفا رحيما، ومذكّرا، وجعله رحمة

متعذّر، فإذا حصل الإذن سهل وتيسر. ومن هنا أخذ الأشياخ استعمال الإجازة للمريدين، فمن أجازه أشياخه أشياخه بشيء من العلم والإرشاد؛ فقد سهلت له الطريق وتيسّرت، ومن لم تحصل له الإجازة وتصدّر بنفسه؛ فقد عطّل نفسه وغيره، وانسدّت عليه الطرق؛ قاله الصاوي.

(وسراجا منيرا) ؛ أي: مثله في الاهتداء، فهو صلى الله عليه وسلم تقتبس منه الأنوار الحسيّة والمعنوية، قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (46) [الأحزاب] (و) سمّاه الله تعالى في سورة التوبة (رؤوفا) :

شديد الرحمة؛ (رحيما) : يريد لهم الخير. قال تعالى (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(128)[التوبة] . قال الحسن بن المفضّل: لم يجمع الله لأحد من أنبيائه اسمين من أسمائه تعالى إلّا للنبي صلى الله عليه وسلم فسمّاه «رؤفا رحيما» ؛ وقال (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(143)[البقرة] .

(و) سمّاه (مذكّرا) في سورة الغاشية في قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ)(21)[الغاشية](وجعله رحمة) للعالمين، ورحمة مهداة، قال تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (107) [الأنبياء] فهو رحمة لجميع الخلق: المؤمن بالهداية، والمنافق بالأمان من القتل، والكافر بتأخير العذاب عنه.

وروى الحاكم؛ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- رفعه: «إنّما أنا رحمة مهداة» . وللطبراني: «بعثت رحمة مهداة» ، قال ابن دحية: معناه: أن الله بعثني رحمة للعباد لا يريد لها عوضا، لأن المهدي إذا كانت هديّته عن رحمة لا يريد لها عوضا. انتهى.

وقال أبو بكر بن طاهر- رحمه الله تعالى-: زيّن الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة، فكوّنه وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، وحياته رحمة، وموته رحمة، كما قال صلى الله عليه وسلم:«حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم» ، وكما قال «إذا أراد الله رحمة بأمّة قبض نبيّها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا» . انتهى؛ قاله الزرقاني.

ص: 152

ونعمة وهاديا صلى الله عليه وسلم.

قال: وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما

(و) جعله (نعمة) - بالكسر-: الحالة الحسنة. فهو صلى الله عليه وسلم النعمة العظمى على العالم؛ لكونه رحمة للعالمين ونورا. قال سهل بن عبد الله التّستري- في قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها)[34/ إبراهيم]- قال: نعمته محمد صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها)[83/ النحل] يعني: يعرفون أنّ محمدا نبيّ بالمعجزات الظاهرات ثم يكذّبونه؛ عنادا وافتراء. وهذا التفسير مرويّ عن مجاهد، والسّدّي؛ وقال به الزجّاج. انتهى «زرقاني» .

(و) جعله (هاديا صلى الله عليه وسلم أي: دالّا، وداعيا؛ أي: ذا دلالة ودعاء، لأنه اسم فاعل من هدى؛ هداية. وأصل معنى الهداية: الدلالة بلطف لما يوصل، أو الموصلة- على الخلاف المشهور-.

وهي أنواع: ما يعمّ كلّ مكلّف من العقل والعلوم الضروريّة، ودعاؤه إيّاهم على ألسنة رسله، والتوفيق الذي يختصّ به من اهتدى، والتي في الآخرة في قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) [43/ الأعراف] ولا يقدر الإنسان يهدي إلا بالدعاء؛ أي:

الدعوة. ومنه قوله (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(7)[الرعد] أي: داع. وتطلق على خلق الاهتداء؛ وهو التوفيق، وذلك مختصّ بالله، ولذا قال (لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)[56/ القصص] . انتهى «زرقاني» .

و (قال) ؛ أي النووي أيضا؛ في كتاب «التهذيب» بعد ما سبق-:

(وعن) أبي العبّاس عبد الله (بن عبّاس) بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي المكي الصحابي ابن الصحابي (رضي الله تعالى عنهما) ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وبحر العلوم، وترجمان القرآن، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة، وحنّكه بريقه حين ولد؛ وهم في الشّعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد المكثرين في الرواية، وكانت تشدّ إليه الرّحال، ويقصد من جميع الأقطار.

ص: 153

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمي في القرآن:

محمّد، وفي الإنجيل: أحمد، وفي التّوراة: أحيد،

روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف حديث وستمائة حديث وستون حديثا؛ اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة وتسعين، وانفرد البخاريّ بمائة وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

وكانت وفاته بالطائف سنة: ثمان وستين. وصلّى عليه محمد بن الحنفية، وقال: اليوم مات ربّانيّ هذه الأمّة. رحمه الله تعالى ورضي عنه. آمين.

(قال) ؛ أي: ابن عباس؛ فيما أخرجه ابن عدي وابن عساكر بسند واه عنه.

(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمي في القرآن: محمّد،) هو في الأصل اسم مفعول الفعل المضاعف؛ وهو حمّد، سمّي بذلك إلهاما من الله تعالى، ورجاء لكثرة الحمد له. ولذلك قال جدّه (لما قيل له: لم سمّيت ابنك محمدا؟ وليس من أسماء آبائك ولا قومك!!) : رجوت أن يحمد في السماء والأرض. وقد حقّق الله رجاءه، فإنّ الله حمده حمدا كثيرا بالغا غاية الكمال، وكذلك الملائكة والأنبياء والأولياء في كلّ حال، وأيضا يحمده الأوّلون والآخرون وهم تحت لوائه يوم القيامة عند الشفاعة العظمى.

(وفي الإنجيل: أحمد،) هو في الأصل أفعل تفضيل، سمّي بذلك!! لأنه أحمد الحامدين لربّه. ففي «الصحيح» : أنه يفتح عليه يوم القيامة بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله. ولذلك يعقد له لواء الحمد، ويخصّ بالمقام المحمود.

وبالجملة: فهو أكثر الناس حامديّة ومحموديّة، فلذلك سمّي «أحمد» و «محمد» . ولهذين الاسمين الشريفين مزيّة على سائر الأسماء؛ فينبغي تحرّي التسمية بهما.

(وفي التّوراة أحيد،) - بهمزة مضمومة، ثم حاء مهملة مكسورة؛ فمثناة تحتية ساكنة، ثم دال مهملة- هكذا ضبطه بعضهم على وزن الفعل فهو عربي.

ص: 154

وإنّما سمّيت أحيد لأنّي أحيد أمّتي عن نار جهنّم» .

وزاد نقلا عن ابن عساكر:

والمشهور ضبطه [أحيد]- بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية؛ على وزن اسم التفضيل-، وبه ضبطه البرهان في «المقتفى» . قال الشّمنيّ: وهو المحفوظ. وهو غير عربي.

(وإنّما سمّيت «أحيد» لأنّي أحيد أمّتي عن نار جهنّم» ) ؛ أي: أدفعهم وأباعدهم عنها بشفاعتي. أو لأنّه حاد عن الطريق الباطل، وعدل بأمّتّه إلى سبيل الحق. وهو غير منصرف؛ للعلمية والعجمة على الثاني، أو وزن الفعل مع العلمية على الأول. نقله الشامي؛ عن البلقيني.

(وزاد) - أي: النووي في «التهذيب» - (نقلا عن)«تاريخ دمشق» للإمام علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي الدمشقي أبي القاسم (ابن عساكر) ؛ أحد أكابر حفاظ الحديث ومن عني به؛ سماعا وجمعا، وتصنيفا واطلاعا، وحفظا لأسانيده ومتونه، وإتقانه لأساليبه وفنونه. وقد أكثر في طلب الحديث من الترحال والأسفار، وجاز المدن والأقاليم والأمصار، وهو رفيق أبي سعد بن السّمعاني (صاحب «الأنساب» ) في رحلاته.

وكان «1» ولادة ابن عساكر في دمشق سنة: - 499- تسع وتسعين وأربعمائة هجرية.

وصنّف «تاريخ الشام الكبير» في ثمانين مجلدا، فحاز فيه قصب السبق. ومن نظر فيه وتأمّله رأى ما وصفه فيه وأصّله، وحكم بأنه فريد دهره في التواريخ، وأنّه الذروة العلياء من الشماريخ. وقد اختصره الشيخ عبد القادر بدران بحذف الأسانيد والمكرّرات، وسمّى المختصر «تهذيب تاريخ ابن عساكر» . وطبع من «التهذيب» نحو سبعة أجزاء.

(1) يجوز تذكير الفعل وتأنيثه إذا كان الفاعل مؤنثا مجازيا.

ص: 155

الفاتح، وطه،

وله غيره من المؤلفات في الحديث. وغيره؛ مثل: «أطراف الكتب الستة» ، و «المعجم المشتمل لشيوخ النبل» ، و «كشف المغطّى في فضل الموطّا» ، و «تبيين الامتنان في الأمر بالاختتان» . وكتاب «أربعين حديثا عن أربعين شيخا؛ من أربعين مدينة» ، و «تاريخ المزة» ، و «معجم الصحابة» ، و «معجم النسوان» ، و «تهذيب الملتمس من عوالي مالك بن أنس» ، و «معجم أسماء القرى والأمصار» ، و «تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى أبي الحسن الأشعري» .

وكانت وفاته في الحادي عشر من رجب الحرام سنة: - 571- إحدى وسبعين وخمسمائة، وعمره: اثنان وسبعون سنة. وحضر السلطان صلاح الدين جنازته، ودفن بمقابر باب الصغير. رحمه الله تعالى. آمين.

( «الفاتح) في حديث الإسراء؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا؛ من طريق الربيع بن أنس: قول الله تعالى له فيما خاطبه به ليلة المعراج: «وجعلتك فاتحا وخاتما» . وفي حديث أبي هريرة أيضا في الإسراء قوله صلى الله عليه وسلم حين أثنى على ربه: «وجعلني فاتحا وخاتما» ، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجا، وفتح أمصار الكفر، وفتح أبواب الجنة، وفتح به أعينا عميا وآذانا صمّا وقلوبا غلفا، وفتح به طرق العلم النافع، وطرق العمل الصالح؛ فسلكهما المؤمنون. وفتح به الدنيا والآخرة، والقلوب والأسماع والأبصار، وقد يكون المراد ب «الفاتح» : المبدّأ، أي: المقدّم في الأنبياء والخاتم لهم. كما قال عليه الصلاة والسلام: «كنت أوّل النّبيّين في الخلق وآخرهم في البعث» . انتهى؛ من «المواهب» .

(وطه) روى الحافظ النقّاش؛ عنه عليه الصلاة والسلام: «لي في القرآن سبعة أسماء: محمّد، وأحمد، وياسين، وطه، والمزّمّل، والمدّثّر، وعبد الله» وهذا إن صحّ؛ فيفيد أنّ خمسة في حديث جبير بن مطعم السابق الواقع في بعض الروايات، المراد منها: الحصر المقيّد؛ لا المطلق.

ص: 156

وياسين،

وقد روى ابن عدي في «الكامل» ؛ عن جابر وغيره مرفوعا: «إنّ لي عند ربّي عشرة أسماء» فذكر الخمسة التي في حديث جبير؛ وزاد: «وأنا رسول الرّحمة، ورسول التّوبة، ورسول الملاحم، وأنا المقفّي؛ قفّيت النّبيّين عامّة، وأنا قثم» :

والقثم: الكامل الجامع.

وروى ابن مردويه، وأبو نعيم في «الدلائل» ؛ عن أبي الطفيل رفعه:«لي عشرة أسماء عند ربّي: أنا محمّد، وأنا أحمد، والفاتح، والخاتم، وأبو القاسم، والحاشر، والعاقب، والماحي، وياسين، وطه» . قيل: معنى طه:

يا رجل. وقيل: هو اسم الله. وقيل معناه: يا انسان. وقيل معناه: يا طاهر؛ يا هادي، وقيل معناه: يا مطمع الشفاعة للأمة، ويا هادي الخلق إلى الملّة.

(وياسين)، روي عنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال:«لي عند ربّي عشرة أسماء»

الحديث السابق آنفا الذي رواه ابن مردويه وأبو نعيم؛ عن أبي الطّفيل، لكن ضعّفه ابن دحية؛ وتبعه السيوطي بأنّ فيه أبا يحيى وضّاع، وسيف بن وهب ضعيف. قال الشامي: وليس كذلك، فإن أبا يحيى التيميّ اثنان:

1-

إسماعيل بن يحيى الوضّاع المجمع على تركه؛ وليس هو الذي في سند هذا الحديث!!.

و2- إسماعيل بن إبراهيم التيمي، كذا سمّي هو وأبوه في رواية ابن عساكر؛ وهو- كما قال الحافظ في «التقريب» - ضعيف. انتهى. أي: لا وضّاع، فيكون في سنده ضعيفان، فهو ضعيف فقط. ورواه البيهقيّ؛ عن محمد بن الحنفية مرسلا؛ فيعتضد. انتهى «زرقاني» .

وقيل: معنى ياسين: «يا إنسان» بلغة طي؛ قاله ابن عباس والحسن.

وقيل: يا محمد؛ قاله ابن الحنفية والضحّاك. وقيل: يا رجل؛ قاله أبو العالية.

وعن أبي بكر الوراق: يا سيّد البشر. وعن جعفر الصادق: أنه أراد يا سيّد؛ مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه من تعظيمه وتمجيده ما لا يخفى. انتهى «مواهب» .

ص: 157

وعبد الله،

(وعبد الله) ، سمّاه الله تعالى به في أشرف مقاماته صريحا؛ في قوله (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ)[19/ الجن] . أو معنى؛ كبقية الآيات لإضافة «عبد» فيها إلى ضميره تعالى، فساوى في المعنى «عبد الله» فلا يرد: أنّه لم يسمّه به إلّا في آية واحدة.

قال تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)[23/ البقرة] .

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً)(1)[1/ الفرقان] ، وقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ)[1/ الكهف] ، فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه، وفي مقام التحدّي بأن يأتوا بمثله، وقال تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ)[19/ الجن] فذكره في مقام الدعوة إليه بالعبودية، وقال تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا)[1/ الإسراء] ، وقال (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ)

[10/ النجم] . ولو كان له اسم أشرف منه لسمّاه به في تلك الحالات العلية!!.

ولمّا رفعه الله تعالى إلى حضرته السنيّة، ورقّاه إلى أعلى المعالي العلوية، ألزمه- تشريفا له- اسم العبودية. وقد جمع بين صفتها ظاهرا وباطنا؛ فكان يجلس للأكل جلوس العبد، وكان يتخلّى عن وجوه الترفّعات كلّها في مأكله وملبسه ومبيته ومسكنه، كما يأتي تفصيل ذلك كلّه في شمائله؛ إظهارا لظاهر العبودية فيما يناله العيان، صدقا عمّا في باطنه من تحقّق العبودية لربّه، تحقيقا لمعنى (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)[33/ الزمر] .

ولما خيّر بين أن يكون نبيّا ملكا، أو نبيّا عبدا؛ اختار أن يكون نبيّا عبدا، فاختار ما هو الأتمّ، فكان صلى الله عليه وسلم يقول- كما في «الصحيح» ؛ من حديث عمر-:

«لا تطروني كما أطرت النّصارى عيسى، ولكن قولوا (عبد الله ورسوله) » .

فأثبت ما هو ثابت له من العبودية والرّسالة، وأسلم لله ما هو له؛ لا لسواه. وليس للعبد إلّا اسم العبد، ولذا كان «عبد الله» أحبّ الأسماء إلى الله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:

«أحبّ الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرّحمن» . رواه مسلم. انتهى «مواهب» .

ص: 158

وخاتم الأنبياء. وقال القسطلّانيّ في «المواهب» ، والباجوريّ في «حاشية الشّمائل» : ذكر صاحب كتاب «شوق العروس وأنس النّفوس» ، وهو حسين بن محمّد الدّامغانيّ نقلا عن كعب الأخبار (وخاتم الأنبياء) ؛ هو اسم مستقلّ في العدّ؛ وإن كان بمعنى خاتم النبيين.

(وقال) العلّامة الحافظ أبو العبّاس: أحمد بن محمد شهاب الدين (القسطلّانيّ) المصريّ الشافعي رحمه الله تعالى؛ (في «المواهب) اللّدنيّة بالمنح المحمّديّة» .

الذي كلّه حسنات، (و) الإمام العالم العامل برهان الدين: إبراهيم بن محمد بن أحمد (الباجوريّ) شيخ الجامع الأزهر؛ (في «حاشية الشّمائل» ) الترمذية المسماة «المواهب اللدنيّة على الشمائل المحمديّة» (ذكر صاحب كتاب «شوق العروس، وأنس النّفوس» ؛ وهو) الإمام أبو عبد الله: (حسين بن محمّد) بن إبراهيم (الدّامغانيّ) - بفتح الميم والمعجمة- نسبة إلى «دامغان» : مدينة من بلاد «قومس» المتوفّى سنة: - 478- ثمان وسبعين وأربعمائة هجرية، رحمه الله تعالى، من مؤلفاته كتاب «الزوائد والنظائر وفوائد البصائر» ، و «شوق العروس وأنس النفوس» ، وكذا ذكره الحافظ ابن الجوزيّ في كتاب «التّبصرة» ؛ (نقلا عن) أبي إسحاق (كعب الأحبار) التابعيّ المشهور ابن ماتع بن هينوع- ويقال: هيسوع- ويقال: عمرو بن قيس بن معن بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن عوف بن جمهر بن قطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير بن سبأ الحميري.

أدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ ولم يره، وأسلم في خلافة أبي بكر، وقيل: في خلافة عمر رضي الله تعالى عنهما. وصحب عمر وأكثر الرواية عنه، وروى أيضا عن صهيب، وروى عنه جماعة من الصحابة؛ منهم ابن عمر، وابن عبّاس، وابن الزبير، وأبو هريرة، وخلائق من التابعين؛ منهم ابن المسيّب.

وكان يسكن حمص، ذكره أبو الدرداء، فقال: إن عنده علما كثيرا. واتفقوا على كثرة علمه وتوثيقه. ولا عبرة بكلام من طعن فيه؛ كابن كثير في «البداية» .

وكان قبل إسلامه على دين اليهود، وكان يسكن اليمن.

ص: 159

أنّه قال: اسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنّة: عبد الكريم، وعند أهل النّار: عبد الجبّار، وعند أهل العرش: عبد الحميد، وعند سائر الملائكة: عبد المجيد، وعند الأنبياء: عبد الوهّاب، وعند الشّياطين: عبد القهّار،

وتوفّي في خلافة عثمان سنة: اثنتين وثلاثين؛ وقد جاوز المائة، ودفن بحمص متوجّها إلى الغزو. وما وقع في «الكشاف» وغيره «أنّه أدرك زمن معاوية» !! فلا عبرة به. وروى له الستّة؛ إلا البخاري، فإنّ له فيه حكاية لمعاوية عنده. ومناقبه وحكمه وأحواله كثيرة مشهورة. رحمه الله تعالى آمين.

(أنّه قال) - فيما تلقّاه من الكتب السابقة؛ لأنّه حبرها-:

(اسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنّة «عبد الكريم» )، لأنّ الذي أوصلهم إليها فتكرّم الله عليهم فيها بما لا عين رأت؛ ولا أذن سمعت؛ ولا خطر على قلب بشر:

هو المصطفى صلى الله عليه وسلم بشفاعته في فصل القضاء الذي تنصّل منه الرؤساء، ولأنّه الذي ابتدأ فتح بابها لهم، ولأنّ تكرّم الله عليه فيها لا يضارعه شيء.

(وعند أهل النّار «عبد الجبّار» ) لأنّه جبرهم وقهرهم بالخلود فيها؛ لمخالفته صلى الله عليه وسلم، ومخالفة من قبله، لأنّ تكذيب واحد تكذيب للجميع (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)(105)[الشعراء] .

(وعند أهل العرش «عبد الحميد» ) لحمده على إسرائه إليه، وحمدهم على رؤيته صلى الله عليه وسلم عنده.

(وعند سائر الملائكة «عبد المجيد» ) ، لأنّ كلا منهم يمجّد الله تعالى ويعبده بنوع، وجمعها الله كلّها له صلى الله عليه وسلم.

(وعند الأنبياء «عبد الوهّاب» ) ، لأنّ الله تعالى وهبهم النبوّة والآيات البينات، ثم وهبه ما وهبهم ورفعه عليهم درجات.

(وعند الشّياطين «عبد القهّار» ) ؛ لأنه قهرهم وأذلّهم ببعثته، ومنعهم من استراق السمع وغير ذلك.

ص: 160

وعند الجنّ: عبد الرّحيم، وفي الجبال: عبد الخالق، وفي البراري: عبد القادر، وفي البحار: عبد المهيمن، وعند الحيتان: عبد القدّوس، وعند الهوامّ: عبد الغياث، وعند الوحوش: عبد الرّزّاق، وعند السّباع: عبد السّلام، وعند البهائم: عبد المؤمن، وعند الطّيور: عبد الغفّار،

(وعند الجنّ «عبد الرّحيم» ) ؛ لأنه رحمهم برسالته؛ فلم يكلّفهم الأعمال الشاقّة كالمحاريب والتماثيل، وعادت بركته على كثير منهم فآمنوا به.

(وفي الجبال «عبد الخالق» ) ؛ الذي خلقه بشرا ليس كالأبشار، كما أنّه خلقها أرضا؛ لا كالأرض.

(وفي البراري «عبد القادر» ) ؛ الذي من قدرته أنّه خلق منه سيّد الأوّلين والآخرين.

(وفي البحار «عبد المهيمن» ) ، لأنّه أجلّ من يؤمن بأنّه لا يحصي قطراته، ولا يحفظه إلّا الله تعالى.

(وعند الحيتان «عبد القدّوس» ) لأنّها؛ وإن قدّست الله تعالى كثيرا حتى قيل: ما صيدت سمكة حتى ينقطع تسبيحها؛ فهو في جنب تقديسه صلى الله عليه وسلم لا شيء.

(وعند الهوامّ «عبد الغياث» ) ؛ الذي أغاث الناس من أذاها ببركته، ثم أغاثها هي بأن سخّر لها رزقها ببركته.

(وعند الوحوش «عبد الرّزّاق» ) ؛ الذي يرزقها ببركة هذا الذي كلّه رحمة للعالمين.

(وعند السّباع «عبد السّلام» ) ؛ الذي سلّم الناس من عدائها.

(وعند البهائم «عبد المؤمن» ) ، لأنه أجلّ من يؤمن بأن تسخيرها منه تعالى.

(وعند الطّيور «عبد الغفّار» ) ؛ الذي يغفر الذنوب ويسترها أقوى من سترها بيضها وفراخها بجناحها.

ص: 161

وفي التّوراة: مؤذ مؤذ، وفي الإنجيل: طاب طاب، وفي الصّحف: عاقب، وفي الزّبور: فاروق، وعند الله: طه، وياسين، وعند المؤمنين: محمّد صلى الله عليه وسلم.

(وفي التّوراة «موذ.. موذ» ) بالتكرير، ويروى بألف بدل الواو:«ماذ ماذ» ؛ ومعناه: طيّب.. طيّب. ولا ريب أنّه صلى الله عليه وسلم طيّب الطيّبين، وحسبك أنّه كان يؤخذ من عرقه ليطيّب به، فهو صلى الله عليه وسلم طيّب الله نفحه في الوجود؛ فتعطّرت به الكائنات وسمت، واغتذت به القلوب فطابت، وتنسّمت به الأرواح فنمت؛ قاله في «المواهب» .

وقال المصنّف في كتاب «الأسمى فيما لسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الأسما» : وقد بسط الكلام على «ماذ.. ماذ» ابن القيّم في «جلاء الأفهام» ، ونقلته عنه في «سعادة الدارين» ، وهو اسمه صلى الله عليه وسلم في التوراة. ومن عرف قاعدة لغتهم ونطقهم بالحروف: علم يقينا أنّ معناه محمّد بلا شك، ومن راجع عبارة ابن القيم المذكورة يظهر له ذلك ظهورا بيّنا. انتهى.

(وفي الإنجيل «طاب.. طاب» ) بالتكرير، قال العزفي: من أسمائه في التوراة. ومعناه طيب. وقيل: معناه ما ذكر بين قوم إلّا طاب ذكره بينهم.

(وفي الصّحف) التي نزّلت على موسى قبل التوراة؛ وصحف إبراهيم:

( «عاقب» ) هو الذي جاء عقب الأنبياء فليس بعده نبيّ، لأن العاقب هو الآخر؛ أي: عقب الأنبياء. قيل: وهو اسمه في النار. فإذا جاء لحرمة شفاعته خمدت النار، وسكنت. كما روي أنّ قوما من حملة القرآن يدخلونها فينسيهم الله تعالى ذكر محمد صلى الله عليه وسلم. حتى يذكّرهم جبريل فيذكرونه؛ فتخمد النار وتنزوي عنهم.

(وفي الزّبور «فاروق» ) هو: كثير الفرق بين الحق والباطل.

(وعند الله «طه» و «ياسين» ) تقدّم الكلام عليهما.

(وعند المؤمنين «محمّد» صلى الله عليه وسلم تقدّم الكلام عليه أيضا.

ص: 162

وكنيته: أبو القاسم؛ لأنّه يقسم الجنّة بين أهلها.

قال كعب الأحبار: (وكنيته) - قال الحافظ ابن حجر: بضمّ الكاف وسكون النون؛ من الكناية، تقول (كنيت عن الأمر) إذا ذكرته بغير ما يستدل به عليه صريحا- واشتهرت الكنى في العرب حتّى ربما غلبت على الأسماء ك «أبي طالب» ، وقد يكون للواحد كنية فأكثر، وقد يشتهر باسمه وكنيته جميعا.

فالاسم والكنية واللّقب يجمعها العلم- بفتحتين- وتتغاير بأن اللّقب: ما أشعر بمدح أو ذمّ، والكنية: ما صدّرت ب «أب» أو «أم» ، وما عدا ذلك؛ فالاسم.

انتهى.

وقال ابن الأثير في كتابه «المرصّع» : الكنية من الكناية؛ وهي: أن تتكلّم بالشيء وتريد غيره، جيء بها لاحترام المكنى بها وإكرامه وتعظيمه؛ كيلا يصرّح في الخطاب باسمه، ومنه قول الشاعر:

أكنيه حين أناديه لأكرمه

ولا ألقّبه، والسّوءة اللّقب

ولقد بلغني أن سبب الكنى في العرب: أنّه كان لهم ملك من الأول ولد له ولد توسّم فيه النجابة؛ فشغف به، فلما نشأ وصلح لأدب الملوك أحبّ أن يفرد له موضعا بعيدا عن العمارة، يقيم فيه ويتخلّق بأخلاق مؤدّبيه، ولا يعاشر من يضيّع عليه بعض زمانه، فبنى له في البرّيّة منزلا ونقله إليه، ورتّب له من يؤدّبه بأنواع الآداب العلمية والملكية، وأقام له حاجته من الدنيا، وأضاف له من أقرانه بني عمّه وغيرهم ليؤنسوه ويحببوا إليه الأدب بالموافقة، وكان الملك كلّ سنة يمضي له؛ ومعه من له عنده ولد، فيسأل عنهم ابن الملك؛ فيقال له: هذا أبو فلان، وهذا أبو فلان. للصبيان الذين عنده، فيعرفهم بإضافتهم إلى أبنائهم؛ فظهرت الكنى في العرب. انتهى.

(أبو القاسم) باسم أكبر أولاده عند الجمهور. وقال العزفي وغيره: (لأنّه يقسم الجنّة بين أهلها) يوم القيامة. وقيل: لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنّي

ص: 163

قوله: (مؤذ مؤذ) : نقل في «المواهب» عن السّهيليّ:

جعلت قاسما أقسم بينكم» . وقد جاء تكنيته «بأبي القاسم» في عدّة أحاديث صحيحة؛ كقول أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في «الصحيح» : قال أبو القاسم.

وقال أنس: كان صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم. فالتفت صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لم أعنك إنّما دعوت فلانا، فقال:«سمّوا باسمي، ولا تكنّوا بكنيتي» . رواه الشيخان البخاري ومسلم. وظاهره المنع مطلقا، وهو المشهور عن الشافعي. وقيل: يختصّ بمن اسمه محمّد، لحديث: نهى أن يجمع بين اسمه وكنيته. ومذهب مالك وأكثر العلماء- كما قال القاضي عياض في «شرح مسلم» -: الجواز مطلقا. والنّهي مختصّ بزمانه، لإذنه صلى الله عليه وسلم لجماعة أن يسمّوا من يولد لهم بعده «محمدا» ويكنّوه ب «أبي القاسم» . وهذه أشهر كناه صلى الله عليه وسلم.

(قوله «موذ.. موذ» نقل) العلامة أحمد بن محمد بن علي بن حسن بن إبراهيم الشهاب الحجازي الأنصاري الخزرجي، الفاضل الأديب، الشاعر البارع، صاحب التصانيف، أجاز له العراقيّ والهيثميّ. ومات في رمضان سنة: - 875- خمس وسبعين وثمانمائة. رحمه الله تعالى في «حاشية الشفاء» ؛ كما (في «المواهب) اللّدنيّة» ؛ (عن) الحافظ العلامة البارع أبي القاسم وأبي زيد:

عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن إصبغ بن حسين بن سعدون الخثعمي الأندلسي المالقي (السّهيليّ) نسبة إلى قرية قريبة من بلد «مالقة» ، سمّيت بالكوكب «سهيل» !! لأنه لا يرى في جميع بلاد الأندلس إلّا من جبل مطلّ على هذه القرية يرتفع- نحو درجتين- ويغيب، الإمام صاحب التصانيف الأنيقة.

ولد بإشبيلية سنة- 508- ثمان وخمسمائة هجرية، كان واسع المعرفة غزير العلم، نحويا متقدّما لغويا، بل كان إماما في لسان العرب. عالما بالتفسير وصناعة الحديث، عارفا بالرجال والأنساب، عارفا بعلم الكلام وأصول الفقه، حافظا للتاريخ القديم والحديث، ذكيّا نبيها، صاحب اختراعات واستنباطات مستغربة، وكان ضرير البصر؛ عمي وهو ابن سبع عشرة سنة.

ص: 164

أنّه بضمّ الميم، وإشمام الهمزة ضمّا بين الواو والألف، ممدودا.

وقال: نقلته عن رجل أسلم من علماء بني إسرائيل، وقال معناه:

طيّب طيّب) انتهى.

وحمل الناس عنه، وسمع منه أبو الخطاب ابن دحية الحافظ، وجماعة.

وصنّف كتاب «الروض الأنف» كالشرح ل «السيرة النبوية» ، فأجاد وأفاد، وذكر أنّه استخرجه من مائة وعشرين مصنّفا. وله كتاب «التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام» ، و «الإيضاح والتبيين لما أبهم من تفسير الكتاب المبين» ، و «نتائج الفكر» و «كتاب الفرائض» .

قال ابن دحية: كان يتسوّغ بالعفاف، ويتبلغ بالكفاف، حتى نمي خبره إلى صاحب مرّاكش فطلبه وأحسن إليه، وأقبل عليه. وأقام بها نحوا من ثلاثة أعوام.

وتوفي بها في الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة: - 581- إحدى وثمانين وخمسمائة هجرية. رحمه الله تعالى. آمين.

(أنّه) ضبطه (بضمّ الميم وإشمام الهمزة؛ ضمّا بين الواو والألف، ممدودا وقال) - أي: السّهيلي-: (نقلته عن رجل أسلم من علماء بني إسرائيل، وقال) أي: هذا المسلم العالم-: (معناه: طيّب.. طيّب) . والتكرار للتأكيد، أو المراد طيّب في نفسه؛ أو دنياه، وطيّب في صفاته وآخرته. وكونه اسما واحدا مثل «مرمر» أو مركّب خلاف الأصل. وزعم أنّ داله مهملة لم يقله أحد. (انتهى) كلام «المواهب» مع شيء من الشرح.

وقال المصنف بعد أن ذكر «موذ ماذ» . و «ماذ ماذ» ، و «موذ موذ» و «ميذ ميذ» ؛ كلّها بمعنى محمّد. وقد بسط الكلام على (ماذ ماذ) ابن القيم في «جلاء الأفهام» ، ونقلته عنه في «سعادة الدارين» . وهو اسمه صلى الله عليه وسلم في التوراة. ومن عرف قاعدة لغتهم ونطقهم بالحروف؛ علم يقينا أنّه محمد بلا شك. ومن راجع عبارة ابن القيم المذكورة يظهر له ذلك ظهورا بيّنا. انتهى.

ص: 165

فيكون بمعنى الاسم الآخر وهو: (طاب.. طاب) .

وأمّا الفاروق: فهو الّذي يفرّق بين الحقّ والباطل، وهو معنى اسم (البار قليط) المذكور في «إنجيل يوحنّا» .

وقد ألّف خاتمة الحفّاظ جلال الدّين السّيوطيّ رسالة سمّاها:

«البهجة السّنيّة في الأسماء النّبويّة» جمع

وأما على ما نقله السّهيلي عن العالم الإسرائيلي! (فيكون بمعنى الاسم الآخر، وهو «طاب.. طاب» في أنّ كلّا منهما معناه طيّب.

(وأمّا الفاروق! فهو الّذي يفرّق بين الحقّ والباطل)، وقد سبق لنا: أنّ معناه كثير الفرق بين الحق والباطل، (وهو معنى اسم «البار قليط» ) ؛ بالموحدة- «وبالفاء بدلها» - وفتح الراء والقاف بعدها لام مكسورة فتحتية ساكنة فطاء مهملة؛ وبسكون الراء مع فتح القاف بعدها لام مكسورة، وبفتح الراء مع سكون القاف، وكسر الراء وسكون القاف. قال ثعلب: معنى البار قليط الذي يفرّق بين الحق والباطل. وقيل معناه: روح الحق، لأنّه صلى الله عليه وسلم قائم بالحق؛ كقيام الروح بالحيوان.

قال التقي الشمنّي: وأكثر أهل الإنجيل على أن معناه المخلّص، وهذا الاسم هو (المذكور في إنجيل يوحنّا) ، من أتباع عيسى؛ وليس نبيّا. إذ ليس بين عيسى ونبينا نبيّ، كما قال صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح.

وقال صاحب «الخميس» ؛ عن «المنتقى» : إنما قال في «إنجيل يوحنا» !! لأن عيسى لم تظهر دعوته في عصره، وإنما أخذ الإنجيل عنه أربعة من الحواريين:

متّى، ويوحنّا، وقيسر، ولوقا. فتكلّم كلّ واحد من هؤلاء بعبارة لملاءمة الذين اتبعوا دعاءهم، ولذا اختلفت الأناجيل الأربعة اختلافا شديدا.

(وقد ألّف) الإمام العلّامة المجتهد (خاتمة الحفّاظ) الجامع بين الشريعة والحقيقة؛ نادرة علماء الدنيا الحافظ: (جلال الدّين) عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر (السّيوطيّ) نسبة إلى «إسيوط» ؛ قرية من قرى مصر.

وقد تقدّمت ترجمته- (رسالة سمّاها «البهجة السّنيّة في الأسماء النّبويّة» جمع

ص: 166

فيها نحو الخمس مئة. ونقل في «المواهب» عن كتاب «أحكام القرآن» لأبي بكر ابن العربيّ: أنّ لله تعالى ألف اسم، وللنّبيّ صلى الله عليه وسلم ألف اسم.

قال القسطلّانيّ: (والمراد: الأوصاف، فكلّ الأسماء الّتي وردت أوصاف مدح، وإذا كان كذلك.. فله صلى الله عليه وسلم من كلّ وصف اسم.

فيها) من الأسماء (نحو الخمس مائة) ، وألّف قبله الحافظ ابن دحية كتابا سمّاه «المستوفى في أسماء المصطفى صلى الله عليه وسلم» في نحو مجلّدين، جمع فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فوق الثلاث مئة. وذكر أماكنها في القرآن والأخبار، وضبط ألفاظها، وشرح معانيها.

واستطرد كعادته إلى فوائد كثيرة غالبها صفات له صلى الله عليه وسلم. قال ملّا علي قاري: وكان شيخ مشايخنا السيوطيّ اختصره في كراريس؛ وسمّاه «بالبهجة البهية في الأسماء النبوية» .

(ونقل) ؛- أي: القسطلّاني- (في «المواهب) اللّدنّية» ؛ (عن كتاب «أحكام القرآن» )، وكذلك في «عارضة الأحوذي شرح الترمذي» - كما تقدّم- وكلاهما (لأبي بكر بن العربيّ) المالكي المشهور:(أنّ لله تعالى ألف اسم) وهذا العدد قليل في حقه تعالى، (وللنّبيّ صلى الله عليه وسلم ألف اسم) قال الشامي: والذي وقفت عليه من ذلك: خمس مائة اسم. مع أن في كثير منها نظرا.

(قال) العلامة (القسطلّانيّ) في «المواهب اللدنية» : (والمراد الأوصاف) ، لا أنّها كلّها أعلام وضعت له! (فكلّ الأسماء الّتي وردت أوصاف مدح) ، وكثير ما يطلق الاسم على الصفة للتغليب، أو لاشتراكهما في تعريف الذات وتمييزها عن غيرها.

(وإذا كان كذلك؛ فله صلى الله عليه وسلم من كلّ وصف اسم) . قال ابن عساكر: وإذ اشتقّت أسماؤه من صفاته كثرت جدا. انتهى.

ويمكن أن هذا مستند من قال من الصوفية: «إنّها ألف» - كما تقدم-.

ص: 167

ثمّ إنّ منها ما هو مختصّ به، أو الغالب عليه، ومنها ما هو مشترك. وكلّ ذلك بيّن بالمشاهدة لا يخفى.

وإذا جعلنا له من كلّ وصف من أوصافه اسما.. بلغت أسماؤه ما ذكر، بل أكثر.

قال: والّذي رأيته في كلام شيخنا- يعني الحافظ السّخاويّ-..

(ثمّ إنّ منها ما هو مختصّ به؛ أو الغالب عليه، ومنها ما هو مشترك) بينه وبين غيره، (وكلّ ذلك بيّن بالمشاهدة لا يخفى) . وقال ابن القيّم: ينبغي أن يفرّق بين 1- الوصف المختصّ به؛ أو الغالب عليه؛ فيشتق له منه اسم، وبين 2- المشترك فلا يكون له منه اسم يخصّه. قال الزرقاني: قال شيخنا: ولا منافاة، لجواز أن مراده إذا ورد مصدر؛ أو فعل معناه مشترك بينه وبين غيره؛ ثم اشتقّ له منه اسم لا يكون مختصّا به، بل هو باق على اشتراكه، ولكنه يحمل عليه بقرينة.

(وإذا جعلنا له من كلّ وصف من أوصافه اسما بلغت أسماؤه ما ذكر) - أي:

ابن دحية من الثلاث مائة- (بل) بلغت (أكثر) . و «بل» انتقالية.

(قال) - أي- القسطلّاني: (والّذي رأيته في كلام شيخنا يعني: الحافظ) محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد شمس الدين (السّخاويّ) الأصل؛ نسبة إلى «سخا» ؛ قرية من قرى مصر، القاهري الشافعي المؤرّخ الحجّة الثبت، العلامة؛ في التفسير والحديث والأدب.

ولد في ربيع الأول سنة: - 831- إحدى وثلاثين وثمان مائة بالقاهرة، أخذ عن مشايخ عصره بمصر ونواحيها حتى بلغوا أربعمائة شيخ؛ منهم ابن هشام، والعلم البلقيني، والشرف المناوي، والشمنّي، وابن الهمام، وابن حجر، ولازمه وانتفع به؛ وتخرّج به في الحديث. وأقبل على هذا الشأن بكليته وتدّرب فيه، وسمع العالي والنازل، وساح البلدان سياحة طويلة.

وحجّ مرات، وجاور هو وأهله وأولاده بالحرمين مجاورات، وانتفع به أهل

ص: 168

في «القول البديع» ، والقاضي عياض في «الشّفا» ، وابن العربيّ في «القبس» و «الأحكام» ، وابن سيّد النّاس

الحرمين، وبرع في الحديث وفاق الأقران، وحفظ من الحديث ما صار به متفرّدا عن أهل عصره، وطار اسمه في الآفاق، وأخذ عنه علماء الآفاق، من المشايخ والطلبة والرفاق. وله اليد الطّولى في المعرفة بأسماء الرجال، وأحوال الرواة، والجرح والتعديل، وبعده مات فنّ الحديث، وأسف الناس على فقده؛ ولم يخلّف بعده مثله.

وصنّف زهاء مائتي كتاب أشهرها «الضوء اللامع» في أهل القرن التاسع. ولو لم يكن له إلّا هذا الكتاب؛ لكان أعظم دليل على إمامته.

وكانت وفاته بالمدينة المنورة في عصر يوم الأحد سادس عشر شعبان سنة:

902-

تسع مائة واثنتين هجرية، رحمه الله تعالى رحمة الأبرار.

(في «القول البديع) في الصلاة على الحبيب الشفيع» ، (و) في كلام الإمام العلّامة (القاضي عياض) بن موسى اليحصبي رحمه الله تعالى- وقد تقدّمت ترجمته- (في «الشّفا) بتعريف حقوق المصطفى» . الذي كلّه حسنات، (و) في كلام الحافظ القاضي أبي بكر (ابن العربيّ) المالكي (في «القبس) على موطأ مالك بن أنس» ، (و) في ( «الأحكام» ) له (و) في كلام الإمام العلامة المحدّث الحافظ الأديب البارع: أبي الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز (ابن سيّد النّاس) بن أبي الوليد بن منذر بن عبد الجبار بن سليمان اليعمري الأندلسيّ الأصل، المصري.

ولد في ذي القعدة سنة: - 671- إحدى وسبعين وستمائة، وسمع من خلائق نحو الألف، ولازم ابن دقيق العيد وتخرّج عليه، وأعاد عنده عليه، وكان يحبّه ويثني عليه، وأخذ العربية عن البهاء ابن النحّاس. وكتب الخط المغربي والمصري فأتقنهما، وكان أحد الأعلام الحفّاظ؛ إماما في الحديث، ناقدا في الفن، خبيرا

ص: 169

وغيرهم.. يزيد على الأربع مئة، ثمّ سردها مرتّبة على حروف المعجم) .

وذكر منها الإمام الجزوليّ

بالرجال والعلل والأسانيد، عالما بالصحيح والسقيم، حسن التصنيف، صحيح العقيدة، أديبا شاعرا بارعا، متفنّنا في البلاغة، ناظما ناثرا مترسّلا. وصنف «السيرة الكبرى» ، و «الصغرى» ، و «شرح الترمذي» ولم يكمله، فكمّل عليه الحافظ العراقي؛ ولم يتمّ أيضا.

ومات في شعبان سنة: - 734- أربع وثلاثين وسبعمائة هجرية رحمه الله تعالى؛ ولم يخلّف في مجموعه مثله. رحمه الله تعالى. آمين.

(وغيرهم يزيد على الأربعمائة) قال السيوطي: وكثير منها لم يرد بلفظ الاسم، بل بصيغة المصدر، أو الفعل. وقد اعتبر ذلك عياض وابن دحية، وهو خلاف ما اعتبره الجمهور؛ خصوصا أهل الحديث في أسمائه تعالى. انتهى.

ونقل الغزالي الاتفاق- وأقرّه في «الفتح» - على أنّه لا يجوز لنا أن نسمّيه صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمّه به أبوه؛ ولا سمّى به نفسه. انتهى. أي: لا يجوز أن نخترع له علما؛ وإن دلّ على صفة كمال، ولا يرد على الاتفاق وجود الخلاف في أسمائه تعالى، لأن صفات الكمال كلّها ثابتة له عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يطلق عليه صفات الكمال اللائقة بالبشر، فلو جوّز ما لم يرد به سماع لربّما وصف بأوصاف تليق بالله دونه على سبيل الغفلة؛ فيقع الواصف في محظور وهو لا يشعر. (ثمّ سردها) ؛ أي: الأسماء التي وقف عليها؛ أي: ذكرها (مرتّبة على حروف) الخط (المعجم) ؛ اسم مفعول من أعجمت الكتاب بالألف: أزلت عجمته بما يميّزه عن غيره بنقط وشكل؛ كما في «المصباح» ،

وكأنّه أراد الإزالة الكاملة، وإلّا! فهي حاصلة بالنّقط فيما ينقط كجيم وباء، فلا حاجة لزيادة، والإهمال. انتهى «زرقاني» .

(وذكر منها الإمام) العلّامة الوليّ الصالح محمد بن سليمان بن عبد الرحمن (الجزوليّ) السّملالي الشريف الحسني الشاذلي. صاحب «دلائل الخيرات» ؛

ص: 170

في «دلائل الخيرات»

من أهل «سوس» المراكشية. تفقّه «بفاس» ، وحفظ «المدوّنة» في فقه مالك وغيرها. وحجّ وقام بسياحة طويلة ثم استقرّ «بفاس» . ودخل الخلوة للعبادة نحو أربعة عشر عاما، ثم خرج للانتفاع به، فأخذ في تربية المريدين، وتاب على يده خلق كثير، وانتشر ذكره في الآفاق، وظهرت له الخوارق العظيمة، والكرامات الجسيمة والمناقب الفخيمة، واجتمع عنده من المريدين أكثر من اثني عشر ألفا.

ومن كراماته رضي الله عنه أنّه بعد وفاته بسبع وسبعين سنة نقلوه من قبره في بلاد سوس إلى مراكش، فوجدوه كهيئته يوم دفن ولم تقدر عليه الأرض، ولم يغيّر طول الزمن من أحواله شيئا، وأثر الحلق من شعر رأسه ولحيته ظاهر كحاله يوم موته، إذ كان قريب العهد بالحلق. ووضع بعض الحاضرين إصبعه على وجهه حاصرا بها فحصر الدم عما تحتها؛ فلما رفع إصبعه رجع الدم، كما يقع ذلك في الحي.

وقبره بمراكش عليه جلالة عظيمة، والناس يزدحمون عليه، ويكثرون من قراءة «الدلائل» عنده.

وثبت أن رائحة المسك توجد من قبره من كثرة صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم.

والجزولي نسبة إلى «جزولة» أو «كزولة» ؛ بطن من البربر، وكانت وفاته سنة: - 870- سبعين وثمانمائة رحمه الله تعالى آمين، وأعاد علينا من بركاته آمين؛

(في) كتابه ( «دلائل الخيرات» ) الذي قيل؛ في سبب تأليفه: إنّ مؤلّفه سيّدي محمد بن سليمان الجزولي حضره وقت الصلاة، فقام يتوضّأ؛ فلم يجد ما يخرج به الماء من البئر. فبينما هو كذلك إذ نظرت إليه صبيّة من مكان عال؛ فقالت له: من أنت؟ فأخبرها. فقالت له: أنت الرجل الذي يثنى عليك بالخير؛ وتتحيّر فيما تخرّج به الماء من البئر!! فبصقت في البئر ففاض ماؤها على وجه الأرض، فقال الشيخ بعد أن فرغ من وضوئه: أقسمت عليك؛ بم نلت هذه المرتبة؟! فقالت: بكثرة الصلاة على من كان إذا مشى في البرّ الأقفر تعلّقت

ص: 171

مئتين وواحدا.

الوحوش بأذياله صلى الله عليه وسلم. فحلف يمينا أن يؤلّف كتابا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

(مائتين وواحدا) قال الفاسي شارح «الدلائل» : وهو جمع الشيخ أبي عمران الزّناتي أتى بها الجزولي على ترتيبه ولفظه. انتهى.

ثم جاء بعد الجزولي الحافظ السّيوطي؛ فجمع منها ما ذكره ابن دحية وغيره، وما استخرجه هو من القرآن والحديث؛ فبلغ ذلك ثلثمائة وبضعة وأربعين اسما.

وشرحها بكتاب سمّاه «الرياض الأنيقة في أسماء خير الخليقة» صلى الله عليه وسلم.

وجمعها معاصره الحافظ أبو الخير السخاوي في كتابه «القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع» صلى الله عليه وسلم، فأبلغها إلى أربعمائة وثلاثين اسما.

ثم ذكرها القسطلّاني تلميذ السّخاوي في «المواهب اللدنيّة» ، وزاد على شيخه المذكور قليلا.

ثم أبلغها الحافظ الشاميّ تلميذ الحافظ السيوطي إلى أكثر من ثمانمائة. وذكر زياداته الزرقانيّ في «شرح المواهب» مفرّقة في حروفها.

وكلّهم رتّبوها على الحروف ماعدا صاحب «الدلائل» . وكلّ واحد منهم ذكر أسماء لم يذكرها غيره، حتى إنّ صاحب «الدلائل» الذي هو أقلّهم عددا ومتقدّم عليهم في الزمن؛ ذكر منها أسماء لم يذكروها.

ثم جاء المصنّف الشيخ يوسف النبهاني فجمع جميع ما ذكروه كلّهم في مؤلّف مختصر سمّاه كتاب «الأسمى فيما لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الأسما» ؛ فبلغت نحو الثمانمائة وستين اسما مرتّبة على حروف المعجم شرحها شرحا مختصرا. ولم يجتمع هذا العدد لأحد غير المصنّف في هذا الكتاب.

ثم نظم هذا المؤلّف في رسالة مزدوجة سمّاها «أحسن الوسائل في نظم أسماء النبي الكامل» وحذف من المزدوجة الأسماء الأعجمية؛ ك «البار قليط» ، واشتملت المزدوجة على نحو ثمانمائة وأربعة وعشرين اسما، والتزم في هذه

ص: 172

المزدوجة في الشطر الخامس أن يذكر فيه ضمير النبي صلى الله عليه وسلم لتتمكّن الصلاة عليه، وهذا أوّل «المزدوجة» ، قال رحمه الله تعالى بعد البسملة:

الحمد لله الغنيّ الأحد

الواحد الفرد العليّ الصّمد

السّيّد المطلق خير سيّد

مولي أسامي عبده محمّد

خير الورى ذاتا ووضعا وسما

صلّى عليه ربّنا وسلّما

صلّى عليه ربّنا وشرّفا

والآل والصّحب وكلّ الحنفا

وبعد؛ فاسمع يا محبّ المصطفى

نظم أساميه تجد فيها الشّفا

نظمت منها فيه ما قد علما

صلّى عليه ربّنا وسلّما

أبلغتها الثّماني المئينا

بالنّظم والنّيّف والعشرينا

نظمتها عقدا له ثمينا

زيّن صدر عصرنا تزيينا

بحسنه فاق اللآلي قيما

صلّى عليه ربّنا وسلّما

سمّيتها ب «أحسن الوسائل

في نظم أسماء النّبيّ الكامل»

أبغي رضى الله لهذا القائل

وكلّ قارىء لها وقابل

ممّن غدا له محبّا مسلما

صلّى عليه ربّنا وسلّما

قال المصنف: ويمكن إبلاغ أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم إلى الألف، ولكن بذكر أوصافه صلى الله عليه وسلم المنقولة عن الصحابة في شمائله الشريفة عليه الصلاة والسلام. وقد ذكروا منها كثيرا في أسمائه المجموعة هنا؛ ولكنهم لم يستوفوها، وبقي منها مما لم يذكروه أوصاف كثيرة؛ هي أولى بعدّها في أسمائه صلى الله عليه وسلم من بعض الأسماء التي ذكروها!! ولعل الحامل لهم على ذلك اشتراط أن تكون أوصافه التي عدّوها في أسمائه صلى الله عليه وسلم واردة عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث، ولم يعتبروا جميع ما ورد عن الصحابة في وصفه عليه الصلاة والسلام، إلا إذا كان موافقا لما ورد عنه بلفظه صلى الله عليه وسلم، وإن كان الظاهر خلاف ذلك، فإن كثيرا من الأسماء المذكورة هي من أوصاف شمائله الواردة عنهم ك «الأزجّ» و «الأبلج» و «المفلّج» و «الأدعج» ، وما أشبه ذلك من أوصافه صلى الله عليه وسلم الواردة عنهم. فقد كان يمكن مع ذكر «الوسيم» في ذكر الأسماء ذكر

ص: 173

وقال في «التّهذيب» : (وكنيته صلى الله عليه وسلم المشهورة:

أبو القاسم، وكنّاه جبريل صلى الله عليه وسلم: أبا إبراهيم) .

«القسيم» أيضا، فإنّه وارد منه في «الشمائل» ومعناهما واحد؛ وهو الجميل.

وهو أولى من ذكر الجمل التي ذكروها في الأسماء، ولا سيما إذا كان فيها خطاب من الله للمؤمنين؛ كقوله (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ)[128/ التوبة] ، أو خطاب من المؤمنين لله كقوله (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)[7/ الفاتحة] ، فقد عدّوا هذين في الأسماء، وعدوا أوصافا لم ترد مورد التسمية؛ مثل «المقصوص عليه» ، «المتلوّ عليه»

ونحوهما. وعدّوا من أوصاف شمائله الشريفة الواردة عن أصحابه «الأنوار المتجرّد» ومثل هذا كثير في شمائله لم يعدّوه. والقصد أنّهم لو تتبّعوا أوصافه الشريفة الواردة عن أصحابه في الشمائل؛ لوجدوا مثل هذه الأسماء المتقدّمة كثيرا. وكانت تبلغ ألفا أو تزيد، فمن ذلك وصف أصحابه له صلى الله عليه وسلم بأنه كان فخما مفخّما، حسن الجسم، معتدل الخلق، بادنا ونحو ذلك مما هو مذكور في «الشمائل» من أوصافه الشريفة الواردة عن أصحابه؛ ولم يذكروه في الأسماء، مع أنهم ذكروا ما هو مثله أو أقلّ مناسبة منه، وقد ذكروا في الأسماء «المفخّم» ؛ ولم يذكروا «الفخم» مع أنهما سواء مثل «القسيم» و «الوسيم» !!.

وقولهم: إن أكثرها أوصاف لا أسماء أعلام؛ يظهر أنّهم كانوا يتتبعونها من الكتاب والسنة، ويستنبطونها من المصادر والأفعال الواردة فيهما، وعن الصحابة في شمائله الشريفة حتى بلغت هذا المبلغ. وقد كان يمكنني أن أزيدها من «الشمائل» فتبلغ الألف؛ لكني لم أتجاسر على ذلك بعدّ ذلك من أسمائه صلى الله عليه وسلم؛ وإن كان واردا عن أصحابه. انتهى كلام المصنف ملخصا.

(وقال) الإمام النووي (في «التّهذيب» : وكنيته صلى الله عليه وسلم - وقد سبق الكلام على الكنية وسببها- (المشهورة)، ولذا بدأ بها ( «أبو القاسم» ) ؛ باسم أكبر أولاده عند الجمهور. وقال العزفي وغيره: لأنّه يقسم الجنة بين أهلها يوم القيامة.

وقيل: لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنّي جعلت قاسما أقسم بينكم» - كما تقدّم-. (وكنّاه جبريل صلى الله عليه وسلم «أبا إبراهيم» ) باسم آخر أولاده؛ كما جاء في حديث

ص: 174

وأفضل أسمائه صلى الله عليه وسلم: محمّد. قال القسطلّانيّ:

أنس عند البيهقي في مجيء جبريل إليه عليهما الصلاة والسلام، وقوله:«السلام عليك؛ يا أبا إبراهيم» وذلك لما وقع في نفسه صلى الله عليه وسلم، من تردّد «مابور» الغلام الذي أهدي مع مارية عليها، فبعث عليّا ليقتله؛ فوجده ممسوحا، فرجع فأخبره صلى الله عليه وسلم.

فقال: «الحمد لله الّذي صرف عنّا أهل البيت» .

ولفظ الحديث عند البيهقي وابن الجوزي رحمهما الله تعالى؛ عن أنس رضي الله تعالى عنه: لمّا ولد إبراهيم من مارية كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم منه، حتى أتاه جبريل فقال:«السلام عليك يا أبا إبراهيم» .

وعند الطبراني؛ من حديث ابن عمرو بن العاص في القصّة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: «ألا أخبرك يا عمر؛ أنّ جبريل أتأني فأخبرني أنّ الله برّأها وقرينها ممّا وقع في نفسي، وبشّرني أنّ في بطنها غلاما منّي، وأنّه أشبه النّاس بي، وأمرني أن أسمّيه إبراهيم، وكنّاني ب «أبي إبراهيم» ، ولولا أنّي أكره أن أحوّل كنيتي الّتي عرفت بها لتكنّيت ب «أبي إبراهيم» كما به كنّاني جبريل» . انتهى.

ويكنى صلى الله عليه وسلم ب «أبي الأرامل» ، وب «أبي المؤمنين» انتهى «زرقاني» .

(وأفضل أسمائه صلى الله عليه وسلم: محمّد) ، لما فيه من خصائص، منها: أنّه لا يصحّ إسلام كافر إلّا به، وتعيّن الإتيان به في التشهّد عند قوم فيهما.

ومنها كون سفينة نوح جرت به، ومنها أنّ آدم تكنّى به في الجنة؛ دون سائر بنيه.

ومنها أنّه يخرج منه بالضرب والبسط عدد المرسلين ثلثمائة وثلاثة عشر، لأنّ الميم إذا كسرت فهي ميم، والحرف المشدّد بحرفين؛ فهي ثلاث ميمات بمائتين وسبعين «1» ، ودال بخمسة وثلاثين، والحاء بثمانية بلا تكسير.

(قال) العلّامة (القسطلّانيّ) - بضم القاف وسكون السين المهملة، وضمّ

(1) على حساب الجمّل الصغير.

ص: 175

(وقد سمّاه الله تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بألفي عام، كما ورد في حديث أنس رضي الله عنه.

الطاء المهملة وتشديد اللام بعدها نون وياء، نسبة ل «قسطيلية» بلد بالأندلس. أو من إقليم إفريقية غربي «قفصة» على خلاف في ذلك، ولا مانع من أن تكون قسطيلية اسما للبلدة والإقليم معا، وهو الظاهر لي من كلامهم. انتهى؛ ذكره في «فتح ربّ الأرباب» .

(وقد سمّاه الله تعالى بهذا الاسم) - وهو اسم محمد- (قبل الخلق بألفي عام) ؛ أي: بمدّة لو قدّرت بالزمان كان مقدارها ذلك، وإلّا فقبل الخلق؛ لا ليل ولا نهار، (كما ورد في حديث) أبي نعيم الطويل المرويّ؛ عن (أنس) بن مالك بن النّضر بن ضمضم- بفتح الضادين المعجمتين- ابن زيد بن حرام بالراء- بن جندب- بضم الدال وفتحها- ابن عامر بن غنم- بفتح الغين المعجمة وإسكان النون- ابن عديّ بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة الأنصاري الخزرجي النّجّاري النضري «خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم» كان يتسمّى بذلك ويفتخر به. وحقّ له ذلك، كنّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبا حمزة» ببقلة كان يحبّها، وأمّه أمّ سليم وكانت خدمته للنبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، مدّة إقامته بالمدينة المنورة؛ ثبت ذلك في «الصحيح» ، وحمل عنه حديثا كثيرا. فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفي حديث ومائتين وستّة وثمانين حديثا؛ اتفق البخاريّ ومسلم منها على مائة وثمانية وستّين، وانفرد البخاريّ بثلاثة وثمانين، وانفرد مسلم بأحد وسبعين حديثا. وكان أكثر الصحابة مالا وأولادا، لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك. رضي الله عنه .

قال ابن قتيبة في «المعارف» : ثلاثة من أهل البصرة لم يموتوا حتّى رأى كلّ واحد منهم مائة ذكر من صلبه: أنس بن مالك، وأبو بكرة، وخليفة بن بدر.

واتفق العلماء على مجاوزة عمره مائة سنة، لأنه ثبت في «الصحيح» أنّه كان له قبل الهجرة عشر سنين، وكانت وفاته سنة: ثلاث وتسعين- بتقديم المثناة على السين- هذا هو القول الصحيح في وفاته. وهو الذي عليه الجمهور. فعمره- كما ترى- يزيد على المائة رحمه الله تعالى ورضي عنه. آمين.

ص: 176

وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار: أنّ آدم أوصى ابنه شيثا فقال: أي بنيّ؛ أنت خليفتي من بعدي، فخذها بعمارة التّقوى والعروة الوثقى،

(وروى) الحافظ عليّ بن الحسن الدمشقي أبو القاسم (ابن عساكر) رحمه الله تعالى (عن كعب الأحبار) جمع حبر- بفتح الحاء وكسرها- وإليه يضاف كالأول لكثرة كتابته بالحبر؛ حكاه أبو عبيد، والأزهريّ؛ عن الفراء.

وقال ابن قتيبة وغيره: كعب الأحبار: العلماء؛ واحدهم حبر؛ كما في «مشارق» القاضي، و «تهذيب» النووي، و «مثلثات» ابن السيّد، والنور وغيرهم. وأغرب صاحب «القاموس» في قوله: كعب الحبر، ولا تقل «الأحبار» فإنّها دعوى نفي غير مسموعة مع مزيد عدالة المثبتين، بل إضافته إلى الجمع أقوى في المدح؛ سواء قلنا إنّه المداد، أو العلماء؛ أي: ملجؤهم. انتهى «زرقاني» وتقدّمت ترجمته رحمه الله تعالى.

(أنّ آدم) عليه الصلاة والسلام (أوصى ابنه شيثا) الذي هو أجمل أولاده وأشبههم به وأحبّهم إليه وأفضلهم، وعلّمه الله الساعات والعبادة في كلّ ساعة منها، وأنزل عليه خمسين صحيفة، وزوّجه الله أخته التي ولدت بعده؛ وكانت جميلة كأمّها حوّاء، وخطب جبريل وشهدت الملائكة، وكان آدم وليّها، ورزقه الله أولادا في حياة أبيه، وعمّر تسعمائة واثنتي عشرة سنة- وقيل: عشرين- ومات لمضيّ ألف واثنتين وأربعين سنة من هبوط آدم، ودفن في غار أبي قبيس، وكان وصيّا لآدم على أولاده، ولم يمت آدم حتّى بلغ أولاده وأحفاده أربعين ألفا، الصلبية منهم أربعون. انتهى «زرقاني؛ على «المواهب» » .

(فقال) - أي: آدم- (أي) بفتح الهمزة؛ حرف نداء للقريب أي يا- (بنيّ؛ أنت خليفتي من بعدي، فخذها) - أي: الخلافة- (بعمارة التّقوى) ؛ أي:

بعمارتك إيّاها بالتقوى فيها، بأن تقوم بحقّ الخلافة (والعروة الوثقى) : العقد

ص: 177

وكلّما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمّد، فإنّي رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش، ثمّ طفت السّماوات فلم أر فيها موضعا إلّا ورأيت اسم محمّد مكتوبا عليه، وإنّ ربّي أسكنني الجنّة، فلم أر فيها قصرا ولا غرفة إلّا وجدت اسم محمّد مكتوبا عليه، ولقد رأيت اسم محمّد مكتوبا على نحور الحور العين، وعلى ورق قصب آجام الجنّة، وعلى ورق شجرة طوبى، وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب،

المحكم، تأنيث الأوثق؛ مأخوذ من الوثائق- بالفتح- وهو حبل- أو قيد- يشدّ به الأسير، والدابّة. مستعارة للتمسّك بالحق.

(وكلّما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمّد، فإنّي رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش) أي: قوائمه (ثمّ) إني (طفت السّماوات فلم أر فيها موضعا إلّا ورأيت اسم محمّد مكتوبا عليه، وإنّ ربّي أسكنني الجنّة؛ فلم أر فيها قصرا ولا غرفة إلّا وجدت اسم محمّد مكتوبا عليه) ؛ أي: المذكور (ولقد رأيت اسم محمّد مكتوبا على نحور) ؛ جمع نحر: موضع القلادة من الصدر، ويطلق على الصّدر أي على صدور (الحور العين) : ضخام العيون، كسرت عينه بدل ضمّها!! لمجانسة الياء، ومفرده عيناء؛ كحمراء، (وعلى ورق قصب آجام) - جمع أجمة: الشجر الملتفّ؛ أي: على أغصان شجر- (الجنّة) .

والقصب: كلّ نبات لساقه أنابيب وكعوب؛ كما في «مختصر العين» .

(وعلى ورق شجرة طوبى) تأنيث الأطيب: شجرة في الجنة، (وعلى ورق سدرة المنتهى) ؛ وهما من عطف الجزء على الكلّ، لأنهما من جملة شجر الجنة، (وعلى أطراف الحجب) الأستار الّتي في الجنة، أو المحلّات التي لا يتجاوزها الرائي إلى ما وراءها إن صحّ ما يروى؛ من أن ثّمّ سبعين ألف حجاب مسيرة كلّ حجاب خمسمائة عام، لأنها في حقّ المخلوق. أما الخالق!! فمنزّه عن أن يحجبه

ص: 178

وبين أعين الملائكة، فأكثر ذكره؛ فإنّ الملائكة تذكره في كلّ ساعاتها.

قال حسّان بن ثابت رضي الله تعالى عنه:

أغرّ عليه للنّبوّة خاتم

من الله من نور يلوح ويشهد

وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذّن: أشهد

وشقّ له من إسمه ليجلّه

فذو العرش محمود وهذا محمّد

شيء، ولم يصحّ في ذلك غير ما في مسلم «حجابه النور» انتهى «زرقاني» .

(وبين أعين الملائكة فأكثر ذكره؛ فإنّ الملائكة تذكره في كلّ ساعاتها) :

بدا مجده من قبل نشأة آدم

فأسماؤه في العرش من قبل تكتب

(قال حسّان بن ثابت) الأنصاري شاعره المؤيّد بروح القدس (رضي الله تعالى عنه) آمين:

(أغرّ عليه للنّبوّة خاتم) كائن (من الله) ؛ أي: موجود له وكائن (من نور «1» ) صفتان ل «خاتم» ، فلم يتّحد حرفا جرّ بعامل واحد (يلوح) : يظهر، (ويشهد) : يشاهد.

(وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذّن «أشهد» ) وهذا من خواصّ هذا الاسم أيضا؛ وهو أنّ الله قرنه مع اسمه.

(وشقّ) - مبنيّ للفاعل؛ من (شقّ الشيء) إذا جعله قطعتين؛ أي: اشتق (- له من إسمه) بقطع الهمزة للضرورة اسما (ليجلّه) : يعظّمه (فذو العرش محمود، وهذا محمّد) . أخرج البخاريّ في «تاريخه الصغير» ؛ من طريق علي بن زيد بن جدعان؛ قال: كان أبو طالب يقول:

وشقّ له من إسمه ليجلّه

فذو العرش محمود وهذا محمّد

(1) المحفوظ- كما في ديوانه-: من الله مشهود يلوح ويشهد.

ص: 179

فتوارد حسّان معه، أو ضمّنه شعره. وبه جزم في «الخميس» ، ولم يعرف في العرب من تسمّى محمدا قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلّا جماعة حصرهم الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» ؛ في خمسة عشر نفسا:

الأول- وهو أشهرهم-: محمد بن عديّ بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي السعدي.

الثاني: محمد بن أحيحة- بضم الهمزة وفتح المهملة- ابن الجلاح- بضم الجيم وتخفيف اللام آخره حاء مهملة- الأوسي.

الثالث: محمد بن أسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر بن تميم العنبري التميمي.

الرابع: محمد بن البراء؛ ويقال: البر بن طريف- بمهملتين بوزن رغيف- ابن عتواره بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة البكري العتواري.

الخامس: محمد بن الحارث بن حديج- بمهملتين فتحتية: فجيم مصغّر- ابن حويص.

السادس: محمد بن حرماز- بكسر المهملة وسكون الراء وآخره زاي- ابن مالك بن عمرو بن تميم اليعمري.

السابع: محمد بن حمران بن أبي حمران، واسمه ربيعة بن أبي ربيعة؛ واسمه: مالك الجعفي؛ المعروف ب «الشّويعر» مصغّر شاعر.

الثامن: محمد بن خزاعي- بضم الخاء وفتح الزاي المعجمتين فألف فمهملة فتحتية؛ اسم بلفظ النسب- ابن علقمة بن حرابة السّلمي؛ من بني ذكوان بطن من سليم.

التاسع: محمد بن خولي- بالخاء المعجمة: وسكون الواو- الهمداني.

العاشر: محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي.

ص: 180

وأمّا اسم أحمد: فقد قال الباجوريّ في «حاشيته» :

هو في الأصل أفعل تفضيل،

الحادي عشر: محمد بن اليحمد- بضمّ التحتية وسكون المهملة وكسر الميم- الأزدي.

الثاني عشر: محمد بن يزيد بن عمرو بن ربيعة التميمي.

الثالث عشر: محمد بن الأسيّدي- بضم الهمزة وفتح السين المهملة وكسر التحتية الثقيلة-.

الرابع عشر: محمد الفقيمي- بضم الفاء وفتح القاف وسكون التحتية-.

الخامس عشر: محمد بن عمرو بن مغفل- بضمّ أوّله وسكون المعجمة وكسر الفاء ثم لام-، والد هبيب- بموحدتين مصغّر-.

وكلّهم لم يدركوا الإسلام إلّا الأوّل؛ وهو محمد بن عدي، ففي سياق خبره الذي رواه البغويّ وابن سعد وابن شاهين وابن السّكن وغيرهم ما يشعر بإدراكه الإسلام. ولفظ الخبر؛ عن خليفة بن عبدة النصري قال: سألت محمد بن عدي:

كيف سمّاك أبوك في الجاهلية محمدا؟! قال: سألت أبي عمّا سألتني؛ فقال:

خرجت رابع أربعة من تميم أنا أحدهم، وسفيان بن مجاشع، ويزيد بن عمرو، وأسامة بن مالك؛ نريد الشام، فنزلنا على غدير عند دير؛ فأشرف علينا الديراني؛ فقال لنا: إنّه يبعث منكم وشيكا نبي فسارعوا إليه. فقلنا: ما اسمه؟ قال:

محمد. فلما انصرفنا ولد لكلّ منا ولد فسمّاه محمدا لذلك. انتهى.

وقد ذكره ابن سعد والبغويّ والباروديّ وغيرهم في الصحابة، وأنكره ابن الأثير على ابن منده؛ وتبعه الذهبي، فقال: لا وجه لذكره فيهم.

قال في «الإصابة» : ولا إنكار عليه، لأن سياقه يقتضي أنّ له صحبة.

(وأمّا اسم أحمد!! فقد قال) الشيخ العلّامة إبراهيم (الباجوريّ) رحمه الله تعالى (في «حاشيته» ) على «الشمائل» : (هو في الأصل «أفعل» تفضيل)

ص: 181

وسمّي بذلك لأنّه أحمد الحامدين لربّه؛ ففي «الصّحيح» : أنّه يفتح عليه يوم القيامة بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، وكذلك يعقد له لواء الحمد، ويخصّ بالمقام المحمود.

وبالجملة: فهو أكثر النّاس حامديّة ومحموديّة، فلذلك سمّي أحمد ومحمّدا. ولهذين الاسمين الشّريفين مزيّة على سائر الأسماء، فينبغي تحرّي التّسمية بهما،

حذف المفضّل عليه قصدا للتعظيم نحو «الله أكبر» ، أي: من كلّ شيء. ثم نقل ولحظ أصله، فلا يرد عليه أنّه علم؛ فكيف يفيد ما ذكره؟.

(وسمّي بذلك!! لأنّه أحمد الحامدين لربّه)، وكذلك معنى «أحمد» فاسمه مطابق لمعناه (ففي «الصّحيح» ) : البخاري ومسلم (أنّه يفتح عليه يوم القيامة) في المقام المحمود (بمحامد) - جمع محمدة، بمعنى حمد- (لم يفتح بها على أحد قبله) ؛ أي: يلهمه الله محامد عظيمة لم يلهمها لغيره، وأصل الفتح ضدّ الغلق؛ فاستعير للإلهام، (وكذلك يعقد له لواء الحمد) الحقيقي وعلم حقيقته عند الله؛ أي: لواء يتبعه كلّ حامد ومحمود، وأصحاب الحمد من لهم الشفاعة يومئذ كالأنبياء، أو هو تمثيل لشهرته في الموقف وعدم التأويل أسدّ- كما قيل- (ويخصّ بالمقام المحمود) ؛ وهو مقام الشفاعة العظمى الذي يحمده فيه الأوّلون والآخرون.

(وبالجملة فهو) صلى الله عليه وسلم (أكثر النّاس حامديّة ومحموديّة، فلذلك سمّي أحمد ومحمّدا)، لأنّ هذين الاسمين اشتقّا من أخلاقه صلى الله عليه وسلم وخصائله المحمودة: التي لأجلها استحقّ أن يسمّى «محمدا» و «أحمد» .

(ولهذين الاسمين الشّريفين مزيّة) أي: فضل (على سائر الأسماء) ؛ أي:

سوى «عبد الله» و «عبد الرحمن» - على ما اعتمده العلامة ابن حجر في «التحفة» ؛ من أفضليتهما على اسمي «محمد» و «أحمد» - (فينبغي تحرّي التّسمية بهما) ؛ أي: باسمي «محمد» و «أحمد» ، وقد سمّى الإمام الشافعيّ

ص: 182

فقد ورد في الحديث القدسيّ: «إنّي آليت على نفسي أن لا أدخل النّار من اسمه أحمد، ولا محمّد» .

ورواه الدّيلميّ عن عليّ

ولده محمدا؛ وقال: سمّيته بأحبّ الأسماء إليّ.

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنّ اسمه ميمون ونافع في الدنيا والآخرة، (فقد ورد في الحديث القدسيّ) الذي رواه أبو نعيم:«قال الله عز وجل: «وعزّتي وجلالي؛ لا عذّبت أحدا تسمّى باسمك في النّار» » .

كما جاء في التسمية ب «محمد» و «أحمد» فضائل عليّة في عدّة أحاديث.

فمنها ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «يوقف عبدان بين يدي الله تعالى فيأمر بهما إلى الجنّة، فيقولان: ربّنا بم استأهلنا الجنّة؛ ولم نعمل عملا تجازينا به الجنّة!؟

فيقول الله تعالى: ادخلا الجنّة؛ (إنّي آليت على نفسي أن لا أدخل النّار من اسمه أحمد ولا محمّد» ) .

ومنها ما (رواه)(الدّيلميّ) في «مسند الفردوس» ؛ (عن) أمير المؤمنين الإمام (عليّ) بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي المكي المدني الكوفي أمير المؤمنين «ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية. وهي أوّل هاشمية ولدت هاشميا. أسلمت وهاجرت إلى المدينة.

وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وصلّى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في قبرها.

وكنية علي: «أبو الحسن» . وكنّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبا تراب» ، فكان أحبّ ما ينادى به إليه. وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيّدة نساء العالمين، وأبو السّبطين، وأوّل هاشمي ولد بين هاشميين، وأوّل خليفة من بني هاشم.

ص: 183

رضي الله تعالى عنه: ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه محمّد أو أحمد.. إلّا قدّس الله ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين) انتهى.

وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد الستّة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.

وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد العلماء الربّانيين؛ والشّجعان المشهورين، وأحد الزّهّاد المذكورين، وأحد السابقين إلى الإسلام.

توفي في الكوفة ليلة الأحد التاسع عشر من شهر رمضان سنة: أربعين. ضربه ابن ملجم «أشقى الآخرين لعنه الله» بسيف مسموم في جبهته فأوصله دماغه، ليلة الجمعة الموافق 17 رمضان سنة: أربعين هجرية في قصة يطول شرحها، وتوفي وعمره ثلاث وستون سنة على الأصحّ.

والأحاديث الصحيحة الواردة في فضله كثيرة، ومناقبة جمّة أفردت بالتأليف (رضي الله تعالى عنه) وكرّم وجهه في الجنة. آمين.

(ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه «محمّد» أو «أحمد» إلّا قدّس الله ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين. انتهى) .

قال العلّامة السيد عبد الله بن محمد بن الصّديق الغماري: وللحافظ أبي عبد الله:

الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي جزء مطبوع في فضل التسمية ب «محمد» و «أحمد» . انتهى. لكن قال المجد صاحب «القاموس» في خاتمة «سفر السعادة» ؛ باب فضيلة التسمية ب «محمد» و «أحمد» : والمنع من ذلك لم يصحّ فيه شيء. وتبعه العجلوني في «كشف الخفا» ، وسبقهما الحافظ ضياء الدين أبو حفص عمر بن بدر الموصلي في كتاب «المغني عن الحفظ والكتاب» ؛ فقال:

قال أبو حاتم الرازي: قد ورد في هذا الباب أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيها ما يصحّ. وتعقّبه الشيخ حسام القدسي في رسالته «انتقاد المغني» بما فيه نظر، فليراجعه من أراده.

ص: 184