المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الرابع في صفة نعله صلى الله عليه وسلم وخفه] - منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول - جـ ١

[عبد الله عبادى اللحجى]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌كلمة الناشر

- ‌ترجمة الشّيخ عبد الله اللحجي

- ‌فأخذ عن مشايخها وهم:

- ‌السيد عبد الرحمن بن محمد الأهدل

- ‌ومن شيوخ الشيخ اللحجي في المراوعة: الشيخ العلامة السيد: عبد الرحمن بن حسن

- ‌ومن شيوخ الشيخ عبد الله اللحجي في اليمن: الشيخ العلّامة الحبر البحر الفهّامة أبو الفضائل عزّ الدين السيد: محمد حسن هند بن عبد الباري

- ‌رحلته إلى مكة المكرمة:

- ‌اتّصاله بالوالد السيد علوي المالكي:

- ‌ومن شيوخ الشيخ عبد الله اللحجي بمكّة المكرمة: الإمام العلّامة المحدّث شيخنا الشيخ: حسن بن محمد المشّاط المكّي المالكي

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللحجي بمكة المكرمة العلّامة الإمام المؤرّخ المحقق شيخ المشايخ السيد الشيخ محمد العربي

- ‌ومن مشايخ عبد الله اللحجي بمكة المكرمة العلّامة المسند الشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني المكّي

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللحجي من أهل مكة المكرمة العلامة السيد: محمد أمين الكتبي المكيّ الحنفي

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللحجي بمكّة المكرّمة العلّامة الشيخ: محمد يحيى أمان المكّيّ الحنفي

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللّحجي من أهل المدينة المنوّرة العلّامة الشيخ: أمين بن أحمد الطرابلسي- طرابلس الغرب- المالكيّ

- ‌ومن مشايخ الشيخ عبد الله اللحجي بمكّة المكرّمة العلّامة الشيخ: إسحاق بن إبد بن محمد نور الصامولي

- ‌روايته وأسانيده:

- ‌[مناقبه]

- ‌صلتي بالشيخ اللّحجي

- ‌صلة خاصة:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌تعريف بكتاب منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[فهرست مطالب الكتاب]

- ‌[المقدّمة: وهي تشتمل على تنبيهين]

- ‌[التّنبيه الأوّل: في معنى لفظ الشّمائل]

- ‌[التّنبيه الثّاني: في الفوائد المقصودة: من جمع شمائله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الباب الأوّل في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسمائه الشّريفة]

- ‌[الفصل الأوّل في نسبه الشّريف صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الثّاني في أسمائه الشّريفة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الباب الثّاني في صفة خلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الأوّل في جمال صورته صلى الله عليه وسلم، وما شاكلها]

- ‌[الفصل الثّاني في صفة بصره صلى الله عليه وسلم واكتحاله]

- ‌[الفصل الثّالث في صفة شعره صلى الله عليه وسلم، وشيبه، وخضابه، وما يتعلق بذلك]

- ‌[الفصل الرّابع في صفة عرقه صلى الله عليه وسلم ورائحته الطّبيعيّة]

- ‌[الفصل الخامس في صفة طيبه صلى الله عليه وسلم وتطيّبه]

- ‌[الفصل السّادس في صفة صوته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل السّابع في صفة غضبه صلى الله عليه وسلم وسروره]

- ‌[الفصل الثّامن في صفة ضحكه صلى الله عليه وسلم وبكائه]

- ‌[الفصل التّاسع في صفة كلامه صلى الله عليه وسلم وسكوته]

- ‌[الفصل العاشر في صفة قوّته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الباب الثّالث في صفة لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفراشه وسلاحه]

- ‌[الفصل الأوّل في صفة لباسه صلى الله عليه وسلم من قميص وإزار ورداء وقلنسوة وعمامة ونحوها]

- ‌[الفصل الثّاني في صفة فراشه صلى الله عليه وسلم، وما يناسبه]

- ‌[الفصل الثّالث في صفة خاتمه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الرّابع في صفة نعله صلى الله عليه وسلم وخفّه]

- ‌[الفصل الخامس في صفة سلاحه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل السّادس كان من خلقه صلى الله عليه وسلم أن يسمّي سلاحه ودوابّه ومتاعه]

- ‌فهرسة الجزء الأول من كتاب منتهى السول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌[الفصل الرابع في صفة نعله صلى الله عليه وسلم وخفه]

[الفصل الرّابع في صفة نعله صلى الله عليه وسلم وخفّه]

الفصل الرّابع في صفة نعله صلى الله عليه وسلم وخفّه (الفصل الرّابع) من الباب الثالث (في) بيان ما ورد في (صفة نعله صلى الله عليه وسلم ، وكيفية لبسه إيّاها، وما يتعلّق بذلك.

والنّعل: كل ما وقيت به القدم عن الأرض، وهي مؤنّثة، والجمع: أنعل، ونعال؛ مثل سهم وأسهم وسهام، وربّما ذكّرت النعل باعتبار الملبوس؛ لأنّ تأنيثها غير حقيقي.

ولا تشمل الخفّ عرفا؛ ومن ثمّ أفردها بترجمة؛ فقال:

(و) في بيان ما ورد في صفة (خفّه) صلى الله عليه وسلم.

والخفّ معروف، جمعه: خفاف؛ كرمح، ورماح.

وذكر بعض أهل السيّر: أنّه كان له صلى الله عليه وسلم عدّة خفاف؛ منها أربعة أزواج أصابها من خيبر، ومع ذلك؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم ربّما مشى حافيا، لا سيّما إلى العيادات، تواضعا، وطلبا لمزيد الأجر. كما أشار إلى ذلك الحافظ زين الدين العراقيّ رحمه الله تعالى في «ألفيّته» بقوله:

يمشي بلا نعل ولا خفّ إلى

عيادة المريض حوله الملا

قال ابن العربيّ: والنّعل لباس الأنبياء، وإنّما اتّخذ الناس غيره لما في أرضهم من الطين. انتهى. ولعلّه أخذه من قوله تعالى (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)[21/ طه] مع ما ثبت من لبسه صلى الله عليه وسلم، وفي حديث جابر عند مسلم رفعه:«استكثروا من النّعال، فإنّ الرّجل لا يزال راكبا ما انتعل» .

وكان ابن مسعود صاحب النّعلين، والوساد، والسّواك، والطّهور؛ كما في

ص: 564

كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان

«الصحيح» :، كان يلي ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يلبسه نعليه إذا قام، وإذا جلس جعلهما ابن مسعود في ذراعيه حتّى يقوم صلى الله عليه وسلم.

وروى محمّد بن يحيى؛ عن القاسم بن محمّد قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقوم إذا جلس رسول الله ينزع نعليه من رجليه، ويدخلهما في ذراعيه، فإذا قام ألبسه إيّاهما، فيمشي بالعصا أمامه حتى يدخله الحجرة.

وقد ذكره جماعة؛ منهم ابن سعد: أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإداوته. انتهى من «جمع الوسائل» و «جواهر البحار» للمصنّف.

روى الترمذيّ في «الشمائل» ؛ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال:

(كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان) - تثنية قبال؛ بكسر القاف وبالموحّدة آخره لام-.

وفي البخاريّ، وأبي داود، والترمذيّ، وابن ماجه، والنسائي؛ عن قتادة؛ عن أنس أنّ نعل النبيّ صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان بالإفراد. وفي رواية المستملي والحموي: أنّ نعلي النبيّ صلى الله عليه وسلم كان لهما- بالتثنية فيهما-.

وفي «الشمائل» بإسناد صحيح؛ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان. انتهى. والمراد أنّ لكلّ فردة قبالين، بدليل رواية التثنية في البخاريّ.

وقال الكرماني: أي: لكلّ واحد من نعل كلّ رجل قبال واحد.

وردّه الحافظ ابن حجر بما للطبرانيّ، والبزّار- برجال ثقات- والترمذيّ في «الشمائل» ؛ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان، ولنعل أبي بكر قبالان، ولنعل عمر قبالان، وأوّل من عقد عقدا واحدا عثمان رضي الله عنه. انتهى؛ أي: أوّل من اتّخذ قبالا واحدا عثمان.

ووجه بأنّه أراد أن يبيّن أنّ اتخاذ القبالين قبل ذلك؛ ليس لكراهة قبال واحد، ولا لمخالفة الأولى؛ بل لكون ذلك هو المعتاد.

ص: 565

مثنّى شراكهما.

و (القبال) : هو زمام يوضع بين الأصبع الوسطى والّتي تليها، ويسمّى شسعا.

وبذلك يعلم أنّ ترك النّعلين ولبس غيرهما ليس مكروها؛ ولا خلاف الأولى.

(مثنّى) - بضمّ الميم، وفتح المثلّثة وتشديد النّون المفتوحة، أو بفتح الميم وسكون المثلّثة وكسر النّون وتشديد الياء؛ روايتان من التّثنية، وهو: جعل الشّيء اثنين، ولا يليق جعله من الثّني؛ وهو ردّ شيء إلى شيء-.

(شراكهما) - بكسر الشّين المعجمة: أحد سيور النّعل يكون على وجهها، أي:

كان شراك نعله مجعولا اثنين، و «مثنى» بصيغة اسم المفعول صفة، و «شراكهما» نائب عن الفاعل، ويصحّ جعل «مثنى» خبرا مقدّما، و «شراكهما» مبتدأ مؤخّرا.

وهذا الحديث إسناده صحيح؛ كما قال الحافظ العراقيّ، ورواه ابن ماجه بسند قويّ. قال المصّنّف في «جواهر البحار» : صرّح بعض الحفّاظ بأنّ نعله صلى الله عليه وسلم كانت صفراء، قال: وفي رواية أبي الشّيخ؛ عن أبي ذرّ رضي الله تعالى عنه: أنّ نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من جلود البقر. وفي لفظ أبي ذرّ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعلين مخصوفتين من جلود البقر.

وروى الحارث بن أبي أسامة؛ عن حميد قال: حدّثني من سمع الأعرابيّ يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه نعلان من بقر. قال: وجزم بعض الحفّاظ بأنّه صلى الله عليه وسلم كانت له نعل من طاق واحد، ونعل من أكثر. قال: وورد في خبر ضعيف أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت بالنّعلين والخاتم» .

وروى الطّبرانيّ؛ عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعله بالسبّابة من يده اليسرى. انتهى كلام «جواهر البحار» .

(والقبال) - بكسر القاف وبالموحّدة ولام آخره- قال الباجوريّ وغيره: (هو زمام يوضع بين الأصبع الوسطى والّتي تليها، ويسمّى شسعا) - بكسر الشّين

ص: 566

وكان صلى الله عليه وسلم يضع أحد القبالين بين الإبهام والّتي تليها، والآخر بين الوسطى والّتي تليها. و (الشّراك) : السّير.

وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنّه كان يلبس النّعال السّبتيّة؛ وهي الّتي لا شعر عليها، و

المعجمة، وسكون السّين المهملة- بوزن (حمل) ؛ كما في «القاموس» .

(و) قال الباجوريّ، والمصنّف في «جواهر البحار» ، وغيرهما: أفاد بعض حفّاظ الأئمّة أنّه (كان صلى الله عليه وسلم يضع أحد القبالين) أي: الزمامين (بين الإبهام) ؛ أي:

إبهام رجله (والّتي تليها، و) يضع الزّمام (الآخر بين) الأصبع (الوسطى والّتي تليها)، ويجمعهما؛ أي: الزّمامين إلى السّير الّذي بظهر قدمه؛ وهو الشّراك الّذي على وجهها، وكان مثّنى؛ كما في عدّة أحاديث. انتهى.

(والشّراك) - بكسر الشّين المعجمة وخفّة الرّاء وكاف آخره- هو: (السّير) الرقيق الّذي يكون في النّعل على ظهر القدم.

(و) أخرج البخاريّ ومسلم وغيرهما؛ في حديث طويل، والترمذيّ في «الشمائل» مختصرا، كلّهم من طريق الإمام مالك؛ عن سعيد بن أبي سعيد المقبريّ؛ عن عبيد بن جريج.

(عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب (رضي الله تعالى عنهما، أنّه) ؛ أي:

ابن عمر (كان يلبس) - بفتح الباء الموحّدة- (النّعال) ؛ أي: يختار لبسها (السّبتيّة) - بكسر السّين المهملة وسكون الموحّدة وكسر المثّناة الفوقيّة-: (وهي الّتي لا شعر عليها) ، نسبة للسّبت- بكسر السّين- وهو جلود البقر المدبوغة، سمّيت بذلك! لأنّ شعرها سبت عنها، أي: حلق وأزيل، إذ السّبت: القطع، أو لأنّها أسبتت بالدّباغ.

(و) لفظ «الشّمائل» ؛ عن عبيد بن جريج: أنّه قال لابن عمر: رأيتك تلبس

ص: 567

قال: إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النّعال الّتي ليس فيها شعر، ويتوضّأ فيها، فأنا أحبّ أن ألبسها.

النّعال السّبتيّة!! (قال: إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النّعال الّتي ليس فيها شعر) . وهي السّبتيّة كما علمت.

(ويتوضّأ فيها) ؛- أي- لكونها عارية عن الشّعر، فتليق بالوضوء فيها، لأنّها تكون أنظف، بخلاف الّتي فيها الشّعر؛ فإنّها تجمع الوسخ.

وظاهر قوله (ويتوضّأ فيها) : أنّه يتوضأ والرّجل في النّعل. وقال النّوويّ:

معناه أنّه يتوضّأ ويلبسها بعد ورجلاه رطبتان، وفيه بعد لأنّه غير المتبادر من قوله (ويتوضّأ فيها) .

(فأنا أحبّ أن ألبسها) ؛ أي: اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

قال ابن الأثير وغيره: وجه السّؤال كونها نعال أهل النّعمة والسّعة، ولم تنعلها الصحابة، ففي صدر الحديث عند الشّيخين؛ عن عبيد أنّه قال: رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها؛ وعدّ منها هذه؟! فأجابه: بأنّه لبسها اقتداء بالمصطفى!! ولعل ترك الصّحابة للبسها أنّ فرض صحّة الاستغراق وأنّ ما نفاه عنهم السّائل هو الواقع، إذ يحتمل أنّ نفيه باعتبار علمه أنّهم لم يبلغهم فيه شيء، وامتاز ابن عمر عنهم بحفظ ذلك عن المصطفى، فالحجّة فيما رآه وفعله؛ لا في تركهم، وهذا الحديث يدلّ على طهارتها.

وقد تقرّر أنّها كانت متّخذة من جلد مدبوغ، فيحتمل أنّه طهّرها بالدّبغ والغسل، ويحتمل أنّها من مذكّى، وكان دباغها لإزالة الشّعر فقط.

وفيه جواز لبس النّعال على كل حال. وقال الإمام أحمد: يكره في القبور، لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن رآه يمشي بنعليه فيها:«اخلع نعليك» .

وأجيب باحتمال كونه لأذى فيهما. انتهى «مناوي وزرقاني» .

ص: 568

وعن عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنه أنّه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي في نعلين مخصوفتين- أي:

مخروزتين- ضمّ فيهما طاق إلى طاق.

(و) في «الشّمائل» أيضا (عن) أبي سعيد (عمرو) - بفتح العين- (بن حريث) بضمّ الحاء ومثلّثة آخره مصغّرا- ابن عمرو بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، صحابي صغير، وأمّا عمرو بن حريث المصري! فاختلف في صحبته.

وعمرو بن حريث المخزومي أخرج حديثه السّتة، ومات النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ وله اثنا عشر سنة، وسكن الكوفة، وهو أوّل قرشيّ اتّخذ بالكوفة دارا، ومسح النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له بالبركة في صفقته وبيعته؛ فكسب مالا عظيما؛ فكان من أغنى أهل الكوفة، وولي لبني أميّة بالكوفة، وشهد القادسيّة وأبلى فيها.

روى عنه ابنه جعفر، وخليفة؛ واصنع؛ وهارون: مواليه، وعطاء بن السّائب، والوليد بن سويع، وسراقة بن محمّد، وإسماعيل بن أبي خالد وجماعة من التّابعين، وتوفّي سنة: - 85- خمس وثمانين هجريّة، وله عقب بالكوفة.

(رضي الله تعالى عنه أنّه قال) ؛ ولفظ «الشّمائل» : حدّثنا أحمد بن منيع؛ قال: حدّثنا أبو أحمد؛ قال: حدّثنا سفيان؛ عن السدّي قال: حدّثني من سمع عمرو بن حريث يقول:

(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي في نعلين مخصوفتين- أي: مخروزتين-) بحيث (ضمّ فيهما طاق إلى طاق) ؛ من الخصف وهو: ضمّ شيء إلى شيء وجمعه إليه، قال العلّامة ابن حجر: قد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنّه كان يخصف نعله، أي: يضع طاقا فوق طاق، والمراد من هذا الحديث: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلّي بالنّعلين وهما طاهرتان؛ قاله في «جواهر البحار» .

وفي ذلك ردّ على من زعم أنّها كانت من طاق واحدة، وأنّ العرب كانت تمتدح به، وجعله من لباس الملوك، لكن جمع بأنّه كانت له نعل من طاق واحدة ونعل من أكثر؛ كما دلّت عليه عدّة أخبار! وهو حسن.

ص: 569

وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل- يعني الرّجل- بشماله،

وفي سند هذا الخبر كما ترى مجهول، لكن صحّ من غير ما طريق أنّه كان يخصف نعله بيده الكريمة، وثبت أنّ عائشة رضي الله تعالى عنها سئلت عمّا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر؛ يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.

وفي رواية لأحمد وابن حبان عنها: يخيط ثوبه ويخصف نعله.

وفي رواية لابن سعد عنها: يرقع ثوبه ويعمل ما يعمل الرّجال في بيوتهم.

وفي رواية: يعمل عمل البيت، وأكثر ما يعمل الخياطة.

وقد نظم معنى ذلك الحافظ العراقيّ في «ألفيّة السّيرة» بقوله:

يخصف نعله يخيط ثوبه

يحلب شاته ولن يعيبه

يخدم في مهنة أهله كما

يقطع بالسّكّين لحما قدّما

وفي هذا الحديث جواز الصّلاة في النّعلين، لكن إن كانتا طاهرتين. والله أعلم.

(و) أخرج التّرمذيّ في «الشّمائل» ؛ (عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما؛ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل- يعني الرّجل-) هذا كلام الرّاوي؛ عن جابر أو من قبله. وذكر الرّجل!! لأنّه الأصل والأشرف؛ لا للاحتراز.

وقال بعضهم: المراد بالرّجل الشّخص، بطريق عموم المجاز، فيصدق على الصّبيّ؛ لأنّه من أفراده، وفي البخاريّ ما يدلّ له.

(بشماله) - متعلّق ب «يأكل» ، وهو- بكسر الشّين المعجمة- اليد اليسرى، فالأكل بها بلا ضرورة مكروه كراهة تنزيه عند الشّافعية، وكراهة تحريم عند كثير من المالكية والحنابلة، واختاره بعض الشّافعيّة؛ لما في «مسلم» : أنّ المصطفى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله؛ فقال له: «كل بيمينك» . فقال له: لا أستطيع. فقال

ص: 570

أو يمشي في نعل واحدة. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتعل أحدكم.. فليبدأ باليمين، وإذا نزع.. فليبدأ بالشّمال،

له: «لا استطعت» . فما رفعها إلى فيه بعد ذلك. ولا يخفى ما في الاستدلال بذلك على التحريم من البعد. انتهى «مناوي» .

(أو يمشي) - عطف على «يأكل» - (في نعل واحدة) - بالتأنيث، فالمشي في نعل واحدة مكروه تنزيها؛ حيث لا عذر. قال البيهقيّ:

وجه النّهي ما فيه من القبح والشّهرة ومدّ الأبصار نحو من يفعل ذلك، وكل لباس صار صاحبه شهرة في القبح فحكمه أن يتقى، لأنّه في معنى المثلة. انتهى.

و «أو» للتّقسيم لا للشّكّ كما وهم، فكلّ ممّا قبلها وما بعدها منهيّ عنه على حدته، على حدّ قوله تعالى (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(24)[الإنسان] ، وحملها على الواو يفسد المعنى، لأنّ المعنى عليه النّهي عن مجموعهما؛ لا عن كلّ على حدته.

(و) أخرج البخاريّ، وأبو داود، والتّرمذيّ في «اللباس» وفي «الشّمائل» ؛ (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه؛ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

«إذا انتعل أحدكم) - أي: إذا أراد أن يلبس أحدكم نعليه- (فليبدأ باليمين) أي: بالجانب اليمين- لأنّ التّنفّل من باب التّكريم، واليمين لشرفها تقدّم في كل ما كان من باب التّكريم، ولفظ البخاريّ: «بالرّجل اليمنى» . وللحمويّ والمستملي «باليمين» ؛ أي: بالنّعل اليمنى.

(وإذا نزع) ؛ أي: أراد خلعهما (فليبدأ بالشّمال) ؛ أي: بالجانب الشّمال، لأنّ النّزع من باب التّنقيص.

والشّمال لعدم شرفها تقدّم في كلّ ما كان من باب التقيص، لكن في إطلاق كون النّزع من باب التنقيص نظر، إذ كلّ من الحفا والانتعال له محلّ يليق به، وقد يكون الحفا في بعض المواطن ليس إهانة للرّجل بل إكراما.

ص: 571

فلتكن اليمين أوّلهما تنعل وآخرهما تنزع.

فالأولى قول الحكيم التّرمذيّ: اليمين محبوب الله ومختاره من الأشياء، فأهل الجنّة عن يمين العرش يوم القيامة، وأهل السّعادة يعطون كتبهم بأيمانهم، وكاتب الحسنات على اليمين؛ وكفّة الحسنات من الميزان عن اليمين؛ فاستحقّت أن تقدّم اليمين، وإذا كان الحقّ في التّقديم لليمين أخّر نزعها ليبقى ذلك الحقّ لها أكثر من اليسرى.

(فلتكن) الرّجل (اليمين) - لفظ البخاريّ والتّرمذي «فلتكن اليمنى» - (أوّلهما) - منصوب على أنّه خبر «كان» - (تنعل) - بالمثنّاة الفوقيّة والتحتيّة؛ مبنيّا للمفعول؛ والجملة حاليّة، (وآخرهما) بالنصب؛ خبر «كان» (تنزع) بالمثناة الفوقية والتحتية-؛ مبنيّا للمفعول، والجملة حالية. ويجوز أن يكون «أوّلهما» و «آخرهما» بالنّصب على الحال، و «تنعل» و «تنزع» : خبر «كان» ، والتّذكير في ذلك باعتبار العضو، وهذا تأكيد لما قبله كما لا يخفى.

قال ابن عبد البرّ: فمن بدأ في الانتعال باليسرى أساء بمخالفته السنّة، ولكن لا يحرم عليه لبس نعله. وقال غيره: ينبغي أن ينزع النّعل من اليسرى ثم يبدأ باليمين.

وقال الحافظ ابن حجر: ويمكن أنّ مراد ابن عبد البرّ ما إذا لبسهما معا، فبدأ باليسرى فلا يشرع له نزعهما ثم لبسهما على التّرتيب المشروع لفوات محلّه.

قال القسطلّانيّ: وفيه تأمّل؛ لأنّ من فعل ذلك فعليه نزعهما معا ويستأنف لبسهما على ما أمر به، فكأنّه ألغى ما وقع منه أوّلا. انتهى؛ ذكره الزّرقاني على «المواهب» .

قال في «جمع الوسائل» : وأنت تعرف أنّ نزعهما معا ولبسهما معا ممّا لا يكاد يتصوّر في أفعال العقلاء. انتهى.

أقول: يتصوّر ذلك فيما إذا كان جالسا على كرسيّ مثلا؛ أو ألبسه غيره،

ص: 572

وكان صلى الله عليه وسلم إذا جلس يتحدّث.. يخلع نعليه.

قال الباجوريّ: (كانت نعله صلى الله عليه وسلم مخصّرة، معقّبة، ملسّنة، كما رواه

فيتصوّر حينئذ لبسهما معا وخلعهما معا بلا كلفة؛ والله أعلم؛ قاله الزرقاني.

ونقل عياض وغيره الإجماع على أنّ الأمر فيه للاستحباب. انتهى.

وكان عليه الصلاة والسلام ينهى أن ينتعل الرّجل قائما. وفي رواية: وهو قائم.

رواه أبو داود، والتّرمذيّ؛ عن جابر رضي الله تعالى عنه. ورواه التّرمذيّ أيضا؛ عن أنس.

قال الزّرقاني: لأنّ لبسها قاعدا أسهل وأمكن، فهو نهي تنزيه وإرشاد، ولذا أخذ منه الطّيبي وغيره تخصيص النّهي بما في لبسه قائما تعب كالتّاسومة والخفّ؛ لا قبقاب أو سرموجة. انتهى.

(و) أخرج البيهقيّ في «شعب الإيمان» بإسناد ضعيف؛ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يتحدّث يخلع نعليه) أي:

ينزعهما فلا يلبسهما حتى يقوم لأجل راحة قدميه. وتمام الحديث: فخلعهما يوما وجلس يتحدّث، فلمّا انقضى حديثه قال لغلام من الأنصار:«يا بنيّ؛ ناولني نعلي» . فقال: دعني أنا أنعلك. قال: «شأنك فافعله» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«اللهمّ؛ إنّ عبدك يستجيب «1» إليك فأحبّه» . انتهى أي: أنّه قد تقرّب إليك بخدمة رسولك. فهنيئا له بهذه الدّعوة من سيّد البشر صلى الله عليه وسلم.

(قال) العلّامة إبراهيم (الباجوريّ) الشّافعيّ في كتاب «المواهب اللّدنّيّة على الشّمائل المحمّديّة» : وقد (كانت نعله صلى الله عليه وسلم مخصّرة) - بالتّشديد على صيغة اسم المفعول؛ كمعظّمة، وسيأتي معناها- (معقّبة) - بالتّشديد كمعظّمة أيضا، ومثله قوله:(ملسّنة؛ كما رواه) الإمام الحافظ المحدّث الثّقة، أبو عبد الله محمد

(1) يتحبب.

ص: 573

ابن سعد في «الطّبقات» ) .

و (المخصّرة) : هي الّتي لها خصر دقيق.

و (المعقّبة) : هي الّتي لها عقب، أي: سير من جلد في مؤخّر النّعل يمسك به عقب القدم. و (الملسّنة) :

(ابن سعد) بن منيع الزّهري مولاهم.

ولد في البصرة سنة: - 168- ثمان وستين ومائة، وصحب الواقديّ المؤرّخ زمانا، فكتب له، وروى عنه، وعرف ب «كاتب الواقديّ» .

قال الخطيب في «تاريخ بغداد» : محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدلّ على صدقه، فإنّه يتحرّى في كثير من رواياته.

أشهر كتبه «طبقات الصّحابة» وقد طبع في ثمانية مجلّدات، ويعرف ب «طبقات ابن سعد» . وكانت وفاته في محلّ سكناه بغداد؛ سنة: - 230- ثلاثين ومائتين هجريّة رحمه الله تعالى.

(في «الطّبقات) الكبرى» ؛ جمع فيها الصّحابة والتّابعين فمن بعدهم إلى وقته؛ فأجاد وأحسن، وله طبقات أخرى صغرى ثالثة وثانية، وله كتاب «التّاريخ» رحمه الله تعالى.

قال الحافظ العراقيّ: روى أبو الشّيخ بسنده؛ عن يزيد بن أبي زياد قال:

رأيت نعله صلى الله عليه وسلم مخصّرة ملسّنة؛ ليس لها عقب خارج. وروى ابن سعد عن هشام بن عروة: رأيت نعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم مخصّرة معقّبة ملسّنة؛ لها قبالان.

(والمخصّرة) - بالتشديد- (هي الّتي لها خصر دقيق) أو: الّتي قطع خصراها حتّى صار مستدقّين (والمعقّبة) - بالتّشديد أيضا- (هي الّتي لها عقب) - بفتح فكسر- (أي: سير) - واحد السّيور- (من جلد في مؤخّر النّعل) يضمّ به الرّجل و (يمسك به عقب القدم) كما يفعل في كثير من النّعال.

(و) النّعل (الملسّنة) - بتشديد السّين على صيغة اسم المفعول؛ كمعظّمة-

ص: 574

هي الّتي في مقدّمها طول على هيئة اللّسان.

قال الحافظ الكبير زين الدّين العراقيّ

(هي الّتي في مقدّمها طول) ولطافة (على هيئة اللّسان) العضو المعروف. وقيل:

التّي جعل لها لسان، ولسانها: الهيئة النّاتئة في مقدّمها؛ كما في «النهاية» .

وذلك لأنّ سبّابة رجله صلى الله عليه وسلم كانت أطول أصابعه، فكان في مقدم نعله بعض طول يناسب طول تلك الأصبع.

وروى ابن سعد؛ عن جابر رضي الله تعالى عنه أنّه قال: إنّ محمد بن علي أخرج لي نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرانيها معقّبة مثل الحضرميّة، لها قبالان. وهو يوافق ما قاله هشام بن عروة.

قال العراقيّ: والجمع بين قول يزيد «ليس لها عقب» ؛ وقول هشام «معقّبة» !! ممكن بأنّ يزيد لم يطلق العقب، وإنّما قال «ليس لها عقب خارج» وهشام أثبت كونها معقّبة!! فيكون لها عقب غير خارج. والله أعلم.

(قال) العلّامة المناوي في «شرح الشّمائل» : لم أر أحدا من الشّرّاح تعرّض لصفة النّعل؛ ولا لمقدارها. انتهى.

وقال المصنّف رحمه الله تعالى في «جواهر البحار» : قال الشّيخ الإمام الحافظ العلقمي في حاشيته على «الجامع الصغير في أحاديث البشير النّذير» : ورد أنّ طول نعله صلى الله عليه وسلم شبر وإصبعان، وعرضها ممّا يلي الكعبان سبع أصابع، وبطن القدم خمس وفوقها ستّ، ورأسها محدد، وعرض ما بين القبالين إصبعان. انتهى.

وهو عين ما قاله (الحافظ الكبير) الشّيخ (زين الدّين) أبو الفضل؛ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحيم بن أبي بكر بن إبراهيم، الكردي الأصل، الشافعي، المعروف ب «الحافظ (العراقيّ» ) ولد سنة: - 725- خمس وعشرين وسبعمائة، وكان عالما بالنّحو واللّغة، والغريب والقراءات، والفقه وأصوله، غير

ص: 575

رحمه الله تعالى في «ألفيّة السّيرة النّبويّة» على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام:

أنّه غلب عليه الحديث فاشتهر به وانفرد بمعرفته، وكان منوّر الشّيبة جميل الصورة، كثير الوقار نزر الكلام، طارحا للتكلف ضيّق العيش، شديد التوقي في الطهارة، لا يعتمد إلّا على نفسه؛ أو على رفيقه الهيثمي، وكان كثير الحياء متجمعا عن النّاس، حسن النادرة والفكاهة.

قال الحافظ ابن حجر: وقد لازمته مدّة فلم أره ترك قيام اللّيل؛ بل صار كالمألوف عنده، ويتطوّع بصيام ثلاثة أيّام من كل شهر.

وقد رزق السّعادة في ولده الولي العراقيّ، فإنّه كان إماما وفي رفيقه الهيثمي فإنّه كان حافظا كبيرا.

ورزق أيضا السّعادة في تلامذته؛ فإنّ منهم الحافظ ابن حجر وطبقته، وتصدّى للتّصنيف والتّدريس. ومات عقب خروجه من الحمّام ليلة الأربعاء؛ ثامن شهر شعبان سنة: - 806- ستّ وثمانمائة بالقاهرة ودفن بها (رحمه الله تعالى) .

آمين.

(في «ألفيّة السّيرة النّبويّة» ) الّتي بيّن فيها بعض الأحوال المحمّديّه (على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام) ، فأتى به الحافظ العلقمي بنصّه وسلّمه، وناهيك به!! وإن كان بعض الحفّاظ قال: إنّي لم أقف على هذا التّحديد إلّا للعراقيّ، وكفى به حجّة!! وقد اعترف بثقته الأنام ووصفوه بأنّه حافظ مصر والشّام وخادم سنّة النّبي عليه الصلاة والسلام.

إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام

مع أنّ صاحب «سبل الهدى والرّشاد» ذكر ذلك التّحديد غير معترض عليه، بل أقرّه وناهيك باطّلاعه الوافر المديد، ونص ما في «ألفيّة السّيرة» قوله رحمه الله

ص: 576

ونعله الكريمة المصونه

طوبى لمن مسّ بها جبينه

لها قبالان بسير وهما

سبتيّتان سبتوا شعرهما

وطولها شبر وإصبعان

وعرضها ممّا يلي الكعبان

سبع أصابع وبطن القدم

خمس، وفوق ذا فستّ فاعلم

تعالى: (ونعله الكريمة) ؛ أي: المكرّمة المحترمة، لتشرفها بأخمص خير الخلق صلى الله عليه وسلم، ويطلق الكريم على النّفيس، ومنه: كرائم الأموال.

(المصونة) عن الأدناس، (طوبى) - فعلى- من الطّيب، و «طوبى» كلمة عربيّة، تقول العرب: طوبى لك إن فعلت كذا وكذا، ولا تقول: طوباك، وهذا قول أكثر النّحويّين إلّا الأخفش، وقيل: إنّ «طوبى» تأنيث «الأطيب» ؛ أي: راحة وطيب عيش (لمن مسّ بها جبينه) . والجبين: ناحية الجبهة من محاذاة النّزعة إلى الصّدغ، وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها، فتكون الجبهة بين جبينين، وجمعه جبن، مثل بريد وبرد.

(لها قبالان) - بكسر القاف- تثنية قبال؛ وهو زمام النّعل، أي: لكل واحدة قبالان بينهما نحو أصبعين، (بسير) ؛ أي: من سير، (وهما) ؛ أي: النّعلان (سبتيّتان)، مثنّى سبتيّة- بكسر السّين المهملة وسكون الموحّدة وكسر المثنّاة الفوقيّة- نسبة للسّبت- بكسر السّين- وهو: جلود البقر المدبوغة، سمّيتا بذلك!! لأنّهما (سبتوا شعرهما)، أي: أزالوه.

(وطولها شبر وإصبعان، وعرضها) - مبتدأ- (ممّا يلي الكعبان) ؛ أي: ممّا يليه الكعبان، فالكعبان فاعل لا مفعول.

(سبع أصابع) - خبر مبتدأ- (و) عرضها مما يلي (بطن القدم، خمس) من الأصابع، (وفوق ذا، فستّ) ؛ أي: وعرضها مما فوق بطن القدم مما يلي الأصابع فستّ من الأصابع.

(فاعلم) هذا ولا يلتبس عليك.

ص: 577

ورأسها محدّد وعرض ما

بين القبالين اصبعان اضبطهما

وهذه مثال تلك النّعل

ودورها أكرم بها من نعل

فائدة: قال في «المواهب» : ذكر ابن عساكر

(ورأسها محدّد) على هيئة اللّسان.

(وعرض ما بين القبالين اصبعان؛ اضبطهما) ، فلا تنقص ولا تزد على هذا التّحديد.

(وهذه) الصّفة المذكورة (مثال تلك النّعل) الشّريفة، (و) هذا (دورها) ؛ أي: تحديدها. (أكرم بها من نعل) ، تشرّفت بموطئ سيّد الوجود صلى الله عليه وسلم.

(فائدة:) - مشتقّة من الفيد، بمعنى: استحداث المال والخير، فهي يائيّة، وقيل: واوية؛ من الفود، كما نقله الدّماميني في «حواشي المغني» .

وقيل: من فأدته؛ إذا أصبت فؤاده، لكونها تؤثّر في الفؤاد؛ أي: القلب سرورا، أو لتعلّقه بها، معنويّة كانت أو حسّيّة، وإدراكه لها إن كانت؛ معنويّة.

وهي لغة: ما يستفاد من علم أو مال. وقيل: الزّيادة الّتي تحصل للإنسان، وقيل: ما حصل لك ممّا لم يكن عندك. وقيل: ما يكون الشّيء به أحسن حالا منه بغيره.

واصطلاحا: كلّ مصلحة تترتّب على فعل، فهي من حيث إنّها نتيجة له تسمّى «فائدة» ، ومن حيث إنّها طرف له تسمّى «غاية» ، ومن حيث إنّها مطلوبة للفاعل بإقدامه على الفعل تسمّى «غرضا» ، ومن حيث إنّها باعثة له بذلك تسمّى «علّة غائية» ؛ قاله شيخ الإسلام زكريا مع «حواشي الشرقاوي» .

(قال) أي: العلّامة القسطلاني (في) كتاب ( «المواهب) اللّدنّيّة» :

(ذكر) أبو اليمن- بضمّ الياء التّحتيّة وإسكان الميم- عبد الصّمد بن عبد الوهّاب بن الحسن بن محمّد بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين (بن عساكر) .

الإمام العلّامة، الحافظ الزاهد، أمين الدّين الدّمشقي؛ ثمّ المكّي.

ص: 578

تمثال نعله صلى الله عليه وسلم في جزء مفرد، وأفرده بالتّأليف أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن خلف السّلميّ الأندلسيّ، وكذا غيرهما.

مولده في سنة: - 614- أربع عشرة وستمائة، وكان قويّ المشاركة في العلوم، لطيف الشّمائل، بديع النظم، خيّرا صاحب صدق وتوجه.

اعتنى من صغره بالعلم؛ خصوصا الحديث، وأخذ عن جده، والحسين الزبيدي، والموفق ابن قدامة وغيرهم.

وأجاز له جمع؛ منهم: عبد الرّحيم بن السّمعاني، والمؤيّد الطّوسي، وأبو روح الهروي. وله التّآليف الحسنة؛ منها جزء في تمثال نعلي النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

وانقطع بمكّة المكرّمة نحوا من أربعين سنة، ومات بالمدينة المنوّرة على الحالّ بها أفضل الصّلاة والسّلام، في جمادى الأولى سنة: - 686- ست وثمانين وستمائة رحمه الله تعالى آمين.

(تمثال) ؛ أي: صفة تمثال؛ (نعله) المكرّم صلى الله عليه وسلم ، أي: ما يؤخذ منه صفة تصويره، وإلّا فهو لم يذكر تمثاله (في جزء مفرد) ؛ نحو ثمان ورقات في النصف.

(و) كذا (أفرده بالتّأليف) الإمام الوليّ الصّالح؛ (أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن خلف السّلميّ) ، المشهور ب «ابن الحاجّ» (الأندلسيّ) ، من أهل المرية كغنية.

(وكذا غيرهما) ك «مسند أفريقية» ، بل «مسند المغرب» : المعمر الأديب؛ أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن هارون، الطّائي، القرطبي، التونسي، يكنّى أبا محمّد.

المولود سنة: - 603- ثلاث وستمائة، والمتوفّى سنة: - 702- اثنتين وسبعمائة، ب «الزّلاج» من تونس. وفي «تذكرة الحفاظ» للذّهبي: أنّه مات عن 99- تسع وتسعين سنة رحمه الله تعالى؛ فإنّه ألّف كتاب «الّلآلي المجموعة من

ص: 579

.........

باهر النّظام وبارع الكلام في وصف مثال نعلي رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام» . وسبب جمعه- على ما قال-: أنّه سئل منه نظم أبيات تكتب على مثال النّعل المشرّفة؛ فكتب في ذلك قطعة وندب أدباء قطر الأندلس لذلك فأجابوا، وكتب عن ذلك ما وصل إليه، وجملة ما فيه من المقطوعات ما ينيف على مائة وثلاثين؛ بين صغيرة وكبيرة، ولم يطّلع على هذا التّأليف الحافظ المقرىء، مع سعة حفظه وكثرة اطّلاعه ومبلغه من التّنقير والتّفتيش عما قيل في النعل، ولم يطّلع لمن قبله إلّا على عدد أقلّ من هذا بكثير، وغالب ما أودعه في «فتح المتعال» كلامه وكلام أهل عصره، ولو اطّلع عليه لاغتبط به كثيرا. انتهى؛ من «فهرس الفهارس» للشّريف عبد الحي الكتّاني رحمه الله تعالى.

وكالشّهاب المقّري- بتشديد القاف- صاحب كتاب «نفح الطيب» المتوّفى سنة: - 1041- إحدى وأربعين وألف هجريّة، فإنّه ألّف كتابه «فتح المتعال في مدح النّعال الشّريفة النّبويّة» ، قال المصنّف:

وقد اختصرته بمختصر سمّيته «بلوغ الآمال من فتح المتعال» أثبتّ فيه ما لا بدّ منه ولا غنى عنه، فجاء مختصرا نافعا جامعا لكلّ المقصود من ذلك الكتاب وعلمه؛ مع كونه في نحو خمس حجمه، لأنّي حذفت منه كلّ الفوائد الاستطرادية الّتي ذكرها لمناسبة، أو غير مناسبة من معان شتّى لا دخل لها في المقصود بالكلّيّة، كما حذفت معظم الأشعار الّتي ذكرها في مدح المثال الشّريف، قال:

وقد كنت مند سنين أفردت مثالا هو الأصحّ والمعتمد من أمثلة النّعال الّتي ذكرها في الأصل في ورقة مخصوصة، وذكرت حوله فيها فوائد نافعة تتعلّق به، وطبعت منه أربعين ألف نسخة ونشرتها في البلاد الإسلاميّة، فمن شاء فليتطلّبه. انتهى.

وهذا المؤلّف الّذي في النّعال قد أدرجه المصنّف في كتابه «جواهر البحار في فضائل النبي المختار» المطبوع في أربعة أجزاء؛ فليطلبه من أراده. ومما ذكره المصنّف في مؤلّفه المذكور قوله:

قال الإمام المقّري في «الأصل» : اعلم- أرشدني الله وإيّاك إلى سواء

ص: 580

قال: ولم أثبتها اتّكالا على شهرتها، ولصعوبة ضبط تسطيرها إلّا على حاذق.

السّبيل، وأوردنا مع الرّعيل الأوّل مناهل الرحيق والسّلسبيل- أنّ جماعة من الأئمّة المغاربة، المقتدى بهم تعرضوا للمثال الطّاهر، وحسنه الباهر، وأقرّوا بمشاهدته عين النّاظر؛ منهم الإمام أبو بكر بن العربي، والحافظ أبو الرّبيع بن سالم الكلاعي، والكاتب الحافظ أبو عبد الله بن الأبّار، والرّحّالة أبو عبد الله بن رشيد الفهري، والرّاوية أبو عبد الله محمّد بن جابر الوادياشي، وخطيب الخطباء أبو عبد الله بن مرزوق، والمفتي الإمام أبو عبد الله محمد الرّضاع التّونسي، والوليّ الصّالح الشّهير؛ أبو إسحاق إبراهيم بن الحاج السّلمي الأندلسي المرّيي، وعنه أخذ ابن عساكر المثال، وغير هؤلاء ممّن يطول تعدادهم: كأبي الحكم مالك بن المرحّل، وابن أبي الخصال؛ وهم القدوة ولنا بهم أسوة..

وتلاهم من أهل الشّرق جماعة؛ كالحافظ ابن عساكر وتلميذه البدر الفارقي، والحافظ العراقي، وابنه؛ أي: الوليّ العراقيّ، والشّيخ القسطلاني في «مواهبه اللّدنّيّة» وغيرهم.

قال الإمام المقّري: وقد بلغني عن بعض الأغمار ممّن هو كمثل الحمار أنّه أنكر تصويري الأمثلة الشّريفة ذات الظّلال الوريفة؛ قائلا: كيف تنهون عن الصور وأنتم تفعلونها؟!! فقلت لمن بلغني عنه ذلك: قل له: وأنتم لم تتكلّمون في الأمور التي تجهلونها، وليس هذا من تلك الصّور، لا في ورد ولا صدر. انتهى.

ثمّ ذكر في كتابه المذكور ستّة أمثلة للنّعل الشّريفة؛ منها مثالان عليهما المعوّل والاعتماد، وأربعة أمثلة دونهما في القوّة.

(قال) ؛ أي: القسطلّاني: (ولم أثبّتها) هنا (اتّكالا على شهرتها، ولصعوبة ضبط تسطيرها إلّا على حاذق) - بالحاء المهملة والذّال المعجمة آخره قاف- أي: ماهر، وقد ذكر الحافظ العراقيّ صفتها نظما في أبيات تقدّمت قريبا.

ص: 581

ومن بعض ما ذكر من فضلها، وجرّب من نفعها وبركتها أنّ أبا جعفر أحمد بن عبد المجيد- وكان شيخا صالحا- أعطى مثالها لبعض الطّلبة، فجاءه وقال له: رأيت البارحة من بركة هذا النّعل عجبا؛ أصاب زوجتي وجع شديد كاد يهلكها فجعلت النّعل على موضع الوجع، وقلت: اللهمّ أرني بركة صاحب هذا النّعل.. فشفاها الله تعالى للحين.

وقال أبو إسحاق: قال أبو القاسم بن محمّد: وممّا جرّب من بركته: أنّ من أمسكه عنده متبرّكا به.. كان له أمانا من بغي البغاة، (ومن بعض ما ذكر) أبو اليمن، ابن عساكر في جزئه المذكور (من فضلها، وجرّب من نفعها، وبركتها؛ أنّ أبا جعفر؛ أحمد بن عبد المجيد؛ وكان شيخا صالحا) ورعا (أعطى مثالها لبعض الطّلبة، فجاءه) ؛ أي: ذلك البعض (وقال له: رأيت البارحة) - بالحاء المهملة-؛ أي: اللّيلة الماضية قبل يومك الّذي أنت فيه. وعادة العرب تقول؛ قبل الزّوال: فعلنا اللّيلة كذا لقربها من وقت الكلام، وتقول بعد الزّوال: فعلت البارحة كذا. انتهى.

(من بركة هذا النّعل) الشّريف (عجبا) .

قال الشّيخ أبو جعفر: فقلت له: وما رأيت؟ قال: (أصاب زوجتي وجع شديد كاد يهلكها فجعلت النّعل على موضع الوجع، وقلت: اللهمّ؛ أرني بركة صاحب هذا النّعل. فشفاها الله تعالى للحين)، أي: سريعا. (وقال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمّد؛ الشّهير ب «ابن الحاجّ» ، السّابق قريبا:(قال أبو القاسم) القاسم (بن محمّد) ؛ شيخ أبي إسحاق المذكور:

(وممّا جرّب من بركته: أنّ من أمسكه عنده متبرّكا به كان له أمانا من بغي

ص: 582

وغلبة العداة، وحرزا من كلّ شيطان مارد، وعين كلّ حاسد، وإن أمسكته الحامل بيمينها وقد اشتدّ عليها الطّلق.. تيسّر أمرها بحول الله تعالى وقوّته.

وما أحسن قول أبي بكر القرطبيّ رحمه الله تعالى:

البغاة، وغلبة العداة) - بضم العين المهملة فقط لثبوت الهاء- فهو كقضاة؛ قاله ابن القاصح وغيره.

(وحرزا من كلّ شيطان مارد) : عات خارج عن الطّاعة، (وعين كلّ حاسد، وإن أمسكته) المرأة (الحامل بيمينها وقد اشتدّ عليها الطّلق) - بفتح الطّاء المهملة وسكون اللّام-: وجع الولادة، يقال: طلّقت المرأة، مبنيّا للمفعول طلقا، فهي مطلوقة؛ إذا أخذها المخاض: وهو وجع الولادة. انتهى؛ قاله في «المصباح» .

(تيسّر أمرها) ؛ أي: سهل خلاصها وتيسّرت ولادتها، قال المقرّي: قلت:

وقد جربته فصّح (بحول الله تعالى وقوّته) ؛ لا رب غيره ولا معبود سواه لبريته.

ومن خواصّ مثال النّعل الشّريف أيضا، ومنافعه المنقولة عن الثّقات الّذين لا يمترى في صدق أخبارهم: أنّه أمان من النّظرة والسّحر، وإنّ من لازم حمله كان له القبول التّامّ من الخلق، ولا بدّ أن يزور النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أو يراه في منامه، وإنّه لم يكن في جيش فهزم، ولا في قافلة فنهبت، ولا في سفينة فغرقت، ولا في بيت فأحرق، ولا في متاع فسرق، وذلك ببركة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم. انتهى؛ من مختصر «فتح المتعال» للمصنف رحمه الله تعالى.

ومن أراد المزيد فليراجع «جواهر البحار» في رسالة «بلوغ الآمال» .

(وما أحسن قول) - «ما» تعجّبيّة، بمعنى: شيء عظيم، و «أحسن» فعل تعجّب وفاعله مستتر فيه وجوبا، و «قول» منصوب على المفعولية لفعل التّعجّب- والتقدير: شيء عظيم حسّن قول (أبي بكر) أحمد بن الإمام أبي محمد عبد الله بن الحسين الأنصاري، المدعو ب «حميد» (القرطبيّ) شهرة، وهو مالقي (رحمه الله

ص: 583

ونعل خضعنا هيبة لبهائها

وإنّا متى تخضع لها أبدا نعلو

فضعها على أعلى المفارق إنّها

حقيقتها تاج وصورتها نعل

بأخمص خير الخلق حازت مزيّة

على التّاج حتّى باهت المفرق الرّجل

تعالى) كان مقرئا مجوّدا فقيها، محدّثا ضابطا، نحويّا ماهرا، أديبا كاتبا بارعا، متين الدّين صادق الورع، سريع العبرة، كثير البكاء، معرضا عن الدّنيا، لا يضحك إلا تبسّما نادرا، ثمّ يعقبه بالبكاء والاستغفار، مقتصدا في مطعمه وملبسه، معانا على ذلك، مؤيّدا من الله حتى بلغ من الورع رتبة لم يزاحم عليها، أقرأ ببلده «مالقة» القرآن، ودرس الفقه وأسمع الحديث وأدّب بالعربيّة، ثمّ رحل قاصدا الحجّ؛ فلمّا وصل مصر عظم صيته بها، فمرض وتعذّر عليه الحجّ، فطلب السّلطان زيارته فأبى؛ فألحّ عليه حتى أذن له، فعرض عليه جائزة سنيّة فلم يقبلها، وتوفّي فحضر جنازته السّلطان ومن لا يحصى سنة: - 652- اثنتين وخمسين وستمائة. ومولده سنة 607- سبع- بتقديم السّين على الموحّدة- وستمائة رحمه الله تعالى. آمين.

(ونعل) - بالرّفع أو الجر على ما قبله؛ إن كان قبله شيء، أو خبر مبتدأ محذوف- أي: وهذه نعل (خضعنا) : ذللنا، (هيبة) : إجلالا (لبهائها) :

حسنها حين أبصرناها.

(وإنّا) - بتشديد النّون- (متى نخضع لها أبدا) في كل زمان (نعلو) ، نرتفع.

(فضعها) ؛ أي: النّعل أيّها الظّافر بها (على أعلى المفارق) ، الرّأس (إنّها حقيقتها تاج) تزيّن الرّأس كالتّاج، وهو الإكليل (وصورتها نعل)، أي:

كصورته.

(بأخمص خير الخلق حازت) : ضمّت واكتسبت؛ (مزيّة) : فضيلة (على التّاج) الّتي تتزيّن به الملوك، (حتّى باهت المفرق) ؛ بزنة «مسجد» حيث يفرق الشّعر (الرّجل) - بكسر الرّاء وإسكان الجيم-.

ص: 584

شفاء لذي سقم، رجاء لبائس

أمان لذي خوف، كذا يحسب الفضل

وعن بريدة رضي الله تعالى عنه: أنّ النّجاشيّ

(شفاء لذي سقم) - بضمّ فسكون-: مرض (رجاء) - بالمدّ، أي: مرجوة (لبائس) ، من أصابه الضمر- اسم فاعل من بئس-.

(أمان لذي خوف، كذا يحسب) : يعد (الفضل)، من قولهم: حسبت المال- بفتح السّين- أحصيته عددا. هذا ما جاء في نعليه صلى الله عليه وسلم.

(و) أمّا ما جاء في خفّه!! فقد ذكر بعض أهل السّير أنّه كان له صلى الله عليه وسلم عدّة خفاف؛ منها: أربعة أزواج أصابها في خيبر، وقد ثبت في «الصّحيح» من حديث المغيرة رضي الله تعالى عنه، ورواه جمع من الصّحابة رضي الله تعالى عنهم أنّه صلى الله عليه وسلم مسح على خفّيه.

وروى جماعة من المحدّثين؛ منهم الإمام أحمد، وأبو داود، والتّرمذي وحسّنه؛ (عن بريدة) بن الحصيب الأسلميّ (رضي الله تعالى عنه:

أنّ النّجاشيّ) - بفتح النّون على المشهور، وتكسر، وتخفيف الجيم وكسر الشّين المعجمة وتخفيف الياء أفصح من تشديدها، فهي أصليّة؛ لا ياء النّسبة- وتشديد الجيم خطأ، وهو لقب ملوك الحبشة ك «تبّع» لليمن، و «كسرى» للفرس، و «قيصر» للروم والشّام، و «هرقل» للشّام فحسب، و «فرعون» لمصر، وهذه ألقاب جاهلية.

واسم هذا النّجاشي: «أصحمة» - بالصّاد والحاء المهملة- والسّين تصحيف، وقيل: اسمه مكحول بن صعصعة، والنّجاشة بالكسر: الإنفاذ فلعلّه سمّي به لإنفاذ أمره!!.

أرسل إليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميّة الضّمري، وكتب إليه يدعوه إلى الإسلام فأسلم، ومات سنة تسع؛ فأخبرهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم بموته يومه، وخرج بهم وصلّى وصلّوا معه، وكبّر أربعا. وقد تقدّم كلام يتعلّق بالنّجاشي. فراجعه.

ص: 585

أهدى للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خفّين أسودين ساذجين، فلبسهما، ثمّ توضّأ ومسح عليهما.

ومعنى (ساذجين) : لم يخالط سوادهما شيء آخر.

(أهدى) - من الإهداء، بمعنى: إرسال الهديّة، ويتعدّى باللّام وب «إلى» - (للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خفّين) ؛ أي: وقميصا وسراويل وطيلسانا- كما في الباجوري- (أسودين) ؛ نعت للخفّين وكذا قوله: (ساذجين) - بفتح الذّال المعجمة وكسرها؛ أي: غير منقوشين، أو لا شعر عليهما، أو على لون واحد.

(فلبسهما) - بفاء التفريع؛ أو التعقيب- ففيه أن المهدى إليه ينبغي له التصرف في الهديّة عقب وصولها بما أهديت لأجله؛ إظهارا لقبولها ووقوعها الموقع، ووصولها وقت الحاجة إليها، وإشارة إلى تواصل المحبّة بينه وبين المهدي، حتّى أنّ هديته لها مزيّة على ما عنده؛ وإن كان أعلى وأغلى.

ولا ينحصر ذلك في التألّف ونحوه، بل مثله من يعتقد صلاحه أو علمه أو يقصد جبر خاطره، أو دفع شرّه، أو نفوذ شفاعته عنده في مهمّات النّاس، وأشباه ذلك.

ويؤخذ من الحديث أنّه ينبغي قبول الهديّة حتّى من أهل الكتاب، فإنّه كان وقت الإهداء كافرا؛ كما قاله ابن العربيّ، ونقله عنه الزّين العراقي. وفيه أيضا: عدم اشتراط صيغة، بل يكفي البعث والأخذ.

(ثمّ توضّأ؛ ومسح عليهما) ، فيه أنّ الأصل في الأشياء المجهولة الطّهارة، وفيه جواز المسح على الخفّين، وهو إجماع من يعتدّ به، وقد روى المسح على الخفّين سفرا وحضرا ثمانون صحابيا، وأحاديثه متواترة، ومن ثمّ قال بعض الحنفيّة: أخشى أن يكون إنكاره، أي: من أصله كفرا. انتهى «مناوي» .

(ومعنى ساذجين) - بفتح الذّال المعجمة وكسرها-: (لم يخالط سوادهما شيء) أي: لون (آخر) . قال المحقّق أبو زرعة؛ وليّ الدّين العراقي الحافظ ابن الحافظ: وهذه اللّفظة تستعمل في العرف لذلك المعنى، ولم أجدها في كتب اللّغة بهذا المعنى، ولا رأيت المصنّفين في غريب الحديث ذكروها؛ وقال القسطلاني:

ص: 586

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: أهدى دحية للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خفّين، فلبسهما.

السّاذج: معرّب شاذة «1» .

(وعن المغيرة بن شعبة) الثّقفي الصّحابي الجليل- وتقدّمت ترجمته- (رضي الله تعالى عنه، قال: أهدى دحية) - بكسر الدّال عند الجمهور، وقال ابن ماكولا بالفتح، ذكره في «جامع الأصول» -.

وهو دحية بن خليفة بن فضالة بن فروة الكلبي، أسلم قديما وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهده كلّها بعد بدر، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى هرقل.

وحديثه في «الصّحيحين» ، وكان جبريل يأتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم في صورته، وكان من أجمل النّاس، وحكي أنّه كان إذا قدم من الشّام لم تبق معصر إلّا خرجت تنظر إليه.

والمعصر: الّتي بلغت سنّ المحيض.

روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث، روى عنه خالد بن زيد، وعبد الله بن شدّاد، والشّعبي، وغيرهم، وشهد اليرموك، وسكن المزّة القرية المعروفة بجنب دمشق، وبقي إلى خلافة معاوية رضي الله تعالى عنهما.

(للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خفّين فلبسهما) . وهذا الحديث رواه التّرمذي عن شيخه قتيبة بن سعيد؛ عن يحيى بن زكريّا؛ عن الحسن بن عيّاش؛ عن أبي إسحاق الشيباني؛ عن الشّعبي؛ عن المغيرة

فذكره، وعقّبه بقوله: وقال إسرائيل: عن جابر؛ عن عامر: وجبّة فلبسهما حتّى تخرّقا لا يدري النّبيّ صلى الله عليه وسلم أذكيّ هما أم لا.

قال في «المواهب» وشرحها: رواه التّرمذي في «الجامع» و «الشمائل» والطّبراني. انتهى.

(1) والعامّة تصحّفه إلى «سادة» .

ص: 587

وروى الطّبرانيّ في «الأوسط» عن الحبر:

قال الباجوري، وملا علي قاري في «جمع الوسائل» :(وروى الطّبرانيّ)، الحافظ: سليمان بن أحمد اللخمي، المحدّث الكبير، (في)«معجمه (الأوسط) » .

والمعجم في اصطلاحهم: ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصّحابة أو الشّيوخ أو البلدان أو غير ذلك، والغالب أن يكون مرتّبا على حروف الهجاء؛ والطّبرانيّ له ثلاثة معاجم:«كبير» ، و «صغير» ، و «أوسط» .

فالكبير: مؤلّف في أسماء الصّحابة على حروف المعجم عدا مسند أبي هريرة، فإنّه أفرده في مصنّف، يقال: إنّه أورد فيه ستّين ألف حديث في اثني عشر مجلّدا، وفيه قال ابن دحية: هو أكبر معاجم الدّنيا؛ وإذا أطلق في كلامهم «المعجم» فهو المراد، وإذا أريد غيره قيّد.

والأوسط: ألّفه في أسماء شيوخه، وهم قريب من ألفي رجل، حتّى أنّه روى عمّن عاش بعده لسعة روايته وكثرة شيوخه، وأكثره من غرائب حديثهم، قال الذّهبيّ: فهو نظير كتاب «الأفراد» للدّار قطني؛ بيّن فيه فضيلته وسعة روايته، ويقال: إنّ فيه ثلاثين ألف حديث، وهو في ستّ مجلّدات كبار، وكان يقول فيه:

هذا الكتاب روحي؛ لأنّه تعب فيه؛ قال الذهبي: وفيه كلّ نفيس وعزيز ومنكر.

والصغير: وهو في مجلّد، يشتمل على نحو من ألف وخمسمائة حديث بأسانيدها، لأنّه خرّج فيه عن ألف شيخ، كلّ شيخ حديثا أو حديثين. انتهى. من «الرسالة المستطرفة» .

ورواه البيهقي في «الدعوات الكبير» بإسناد صحيح كلاهما؛ (عن الحبر) بفتح الحاء وكسرها؛ لغتان، - أي: العالم؛ سمّي بذلك!! لأنّه يحبر في عبارته، أي: يحسّنها، والمراد به هنا الصّحابي الجليل عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حبر الأمّة وترجمان القرآن- وتقدمت ترجمته- رضي الله تعالى عنه.

ص: 588

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة.. أبعد المشي، فانطلق ذات يوم لحاجته، ثمّ توضّأ ولبس خفّه، فجاء طائر أخضر فأخذ الخفّ الآخر فارتفع به، ثمّ ألقاه، فخرج منه أسود سالخ- أي: حيّة- فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله بها، اللهمّ؛ إنّي أعوذ بك من شرّ من يمشي على بطنه، ومن شرّ من يمشي على رجليه، ومن شرّ من يمشي على أربع» .

(قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة)، - أي: قضاء الحاجة، يعني البراز- (أبعد المشي) ؛ أي: ذهب بعيدا مستترا عن أعين النّاس كما هو معروف في آداب قضاء الحاجة (فانطلق ذات يوم) فقعد تحت شجرة (لحاجته) فنزع خفّيه (ثمّ توضّأ، ولبس خفّه)، أي: أحدهما (فجاء طائر أخضر فأخذ الخفّ الآخر فارتفع به) في السّماء وحلّق به، (ثمّ ألقاه) إلى الأرض، (فخرج منه) ؛ أي:

الخفّ، أي: انسلّت منه (أسود سالخ) - الخاء المعجمة آخره- وهو من أسماء الحيّات، كما قال المصنّف؛ (أي: حيّة) . قال في «شرح القاموس» : والأنثى أسوده، ولا توصف ب «سالخة» ، ويقال: أسود سالخ، وأسودان سالخ، وأساود سالخة، وسوالخ، وسلّخ، وسلّخة، كما في «القاموس» .

(فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله بها) ثمّ قال: (اللهمّ) - أي:

يا الله- (إنّي أعوذ) - أي: اعتصم- (بك من شرّ من يمشي على بطنه) - كالحيّات والثّعابين- (ومن شرّ من يمشي على رجليه) - كالآدمي- (ومن شرّ من يمشي على أربع» ) - كالأنعام-.

وأخرج الطّبراني في «الكبير» ؛ عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفّيه فلبس أحدهما، ثمّ جاء غراب فاحتمل الآخر فرمى به، فخرجت منه حيّة؛ فقال:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفّيه حتّى ينفضهما» . انتهى. وهذا من علامات نبوّته صلى الله عليه وسلم وقد عدّ ذلك في معجزاته.

ص: 589