الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل العاشر في صفة قوّته صلى الله عليه وسلم]
الفصل العاشر في صفة قوّته صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد البطش.
وعن ابن إسحاق
…
(الفصل العاشر) ؛ من الباب الثّاني (في) بيان ما ورد في (صفة قوّته) القوّة: واحدة القوى، مثل غرفة وغرف، وكان تام القوّة في أعضائه صلى الله عليه وسلم ، كما أنّه تام القوّة في حقوق الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، مراقب لحدوده حافظ لها؛ لا يخاف في الله لومة لائم، وقد جاءت الأخبار الدّالة على قوّته البدنيّة.
فقد أخرج ابن سعد في «الطبقات» ؛ عن محمد بن الحنفيّة مرسلا، ورواه أبو الشّيخ من رواية أبي جعفر معضلا؛ كما قال المناوي، ما «1» ذكره المصنّف في قوله:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد البطش) ؛ أي: القوّة عند الاحتياج إلى ذلك، قد أعطي قوّة أربعين في البطش والجماع؛ كما في خبر الطّبرانيّ عن ابن عمرو.
ولأبي الشّيخ عن علي: كان من أشدّ النّاس بأسا. ومع ذلك فلم تكن الرّحمة منزوعة عن بطشه، لتخلّقه بأخلاق الله، وهو سبحانه ليس له وعيد وبطش شديد؛ ليس «2» فيه شيء من الرّحمة واللّطف.
(وعن) محمد (بن إسحاق) بن يسار المطّلبيّ مولاهم، لأنّ جده يسارا من سبي عين التمر، فهو مطّلبيّ بالولاء، وهو من أهل المدينة المنوّرة، وكان إماما في
(1) مفعول (أخرج ابن سعد) وما عطف عليه.
(2)
جملة ليس وما معها خبر «ليس» التي قبلها.
وغيره: أنّه كان بمكّة رجل شديد القوّة يحسن الصّراع، وكان النّاس يأتونه من البلاد للمصارعة فيصرعهم، فبينما هو ذات يوم في شعب من شعاب مكّة إذ لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:
«يا ركانة؛ ألا تتّقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟» . فقال له: يا محمّد؛ هل من شاهد يدلّ على صدقك؟ فقال: «أرأيتك إن صرعتك، أتؤمن بالله ورسوله؟» . قال: نعم يا محمّد. فقال له: «تهيّأ للمصارعة» . فقال: تهيّأت. فدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المغازي والسّير، له كتاب «السّيرة النّبويّة» التي هذّبها ورواها عنه ابن هشام، وله كتاب «الخلفاء» وكتاب «المبتدأ» وكان من حفّاظ الحديث، وزار الإسكندرية وسكن بغداد فمات بها سنة: - 151- إحدى وخمسين ومائة؛ رحمه الله تعالى.
(و) عن (غيره) في كتاب «السّيرة النّبويّة» : (أنّه كان بمكّة رجل) هو ركانة (شديد القوّة يحسن الصّراع) - بكسر الصاد مصدر؛ صارع مصارعة وصراعا- (وكان النّاس يأتونه من البلاد للمصارعة فيصرعهم) - بابه نفع- (فبينما هو ذات يوم في شعب) - بالكسر- الطريق أو في الجبل (من شعاب مكّة إذ لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: «يا ركانة؛ ألا تتّقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟» ) ، فتؤمن بالله ورسوله، أو كما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقال) أي: ركانة (له: يا محمّد؛ هل) لك (من شاهد يدلّ على صدقك) فيما تقوله؟ (فقال: «أرأيتك)، أي: أخبرني (إن صرعتك؛ أتؤمن بالله ورسوله؟» ) - بهمزة الاستفهام-.
(قال: نعم يا محمّد) ، وصريح هذا أن السّائل له في المصارعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي رواية البلاذري: أنّ السّائل ركانة، فيحتمل أن كلا منهما توارد مع الآخر في السّؤال.
(فقال له: «تهيّا للمصارعة» . فقال: تهيّات. فدنا) منه (رسول الله صلّى الله عليه وسلم
فأخذه، ثمّ صرعه.
قال: فتعجّب ركانة من ذلك، ثمّ سأله الإقالة والعود، ففعل به ثانيا وثالثا، فوقف ركانة متعجّبا، وقال: إنّ شأنك لعجيب.
فأخذه ثمّ صرعه، قال: فتعجّب ركانة من ذلك) ؛ لأنّه كان مستحيلا عنده أنّ أحدا يصرعه.
(ثمّ سأله الإقالة) ممّا توافقا عليه، وهو الإيمان إن صرعه، ولم تكن الموافقة بينهما على قطيع من الغنم كما قد يتوهّم، لأنّ المعاقدة على الغنم إنّما كانت مع ابنه يزيد؛ كما في «الإصابة» .
(والعود) إلى المصارعة (ففعل به) ذلك (ثانيا وثالثا. فوقف ركانة متعجّبا؛ وقال: إنّ شأنك لعجيب) ؛ رواه الحاكم في «المستدرك» ؛ عن أبي جعفر عن أبيه محمد بن ركانة.
ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، من رواية أبي الحسن العسقلاني؛ عن أبي جعفر بن محمد بن ركانة؛ عن أبيه: أنّ ركانة صارع النّبيّ صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
وكذا أخرجه البيهقي؛ من رواية سعيد بن جبير التّابعي المشهور.
قال في «الإصابة» : ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطّلبيّ.
روى البلاذري أنّه قدم من سفر فأخبر خبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بمكّة قبل الإسلام، وكان أشدّ النّاس، فقال: يا محمّد؛ إن صرعتني آمنت بك!. فصرعه فقال: أشهد أنّك ساحر. ثم أسلم بعد، وأطعمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم خمسين وسقا، وقيل: لقيه في بعض جبال مكّة؛ فقال: يا ابن أخي بلغني عنك شيء، فإن صرعتني علمت أنّك صادق، فصارعه فصرعه، وأسلم ركانة في فتح مكّة، وقيل: عقب مصارعته، ومات في خلافة معاوية. قال الزّبير: وقال أبو نعيم: في خلافة عثمان، وقيل:
عاش إلى سنة: - 41- إحدى وأربعين. انتهى باختصار.
وقد صارع النّبيّ صلى الله عليه وسلم جماعة غير ركانة، منهم أبو الأسود الجمحيّ، وكان شديدا، بلغ من شدّته أنّه كان يقف على جلد البقرة، ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه، فيتفرّى الجلد، ولم يتزحزح عنه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصارعة،
…
(وقد صارع النّبيّ صلى الله عليه وسلم جماعة غير ركانة؛ منهم) ابنه يزيد بن ركانة؛ قال أبو عمر بن عبد البر: له ولأبيه صحبة ورواية، روى عنه ابناه عليّ، وعبد الرّحمن، وأبو جعفر الباقر.
وأخرج ابن قانع من طريق يزيد بن أبي صالح؛ عن علي بن يزيد بن ركانة: أنّ أباه أخبره أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ركانة بأعلى مكّة؛ فقال: «يا ركانة، أسلم» .
فأبى، فقال:«أرأيت إن دعوت هذه الشّجرة- لشجرة قائمة- فأجابتني! تجيبني إلى الإسلام؟» . قال: نعم.
فذكر عن ابن عباس قال: جاء يزيد بن ركانة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه ثلثمائة من الغنم، فقال: يا محمّد؛ هل لك أن تصارعني!! قال: «وما تجعل لي إن صرعتك؟» . قال: مائة من الغنم، فصارعه فصرعه. ثم قال: هل لك في العود، قال:«وما تجعل لي؟» قال: مائة أخرى، فصارعه فصرعه، وذكر الثالثة، فقال: يا محمد؛ ما وضع جنبي في الأرض أحد قبلك، وما كان أحد أبغض إليّ منك، وأنا أشهد أن لّا إله إلّا الله وأنّك رسول الله. فقام عنه ورد عليه غنمه؛ ذكره في «الإصابة» ، قد صارع ركانة وابنه جميعا.
ومنهم (أبو الأسود الجمحيّ) - بضمّ الجيم وفتح الميم ومهملة-؛ نسبة إلى جمح: بطن من قريش، كما قاله السّهيليّ، ورواه البيهقيّ.
(وكان شديدا، بلغ من شدّته أنّه كان يقف على جلد البقرة، ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه، فيتفرّى الجلد) ؛ أي: ينشّق ويتقطّع (ولم يتزحزح)، أي: يتحرك، (عنه، فدعا) هو (رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصارعة؛
وقال: إن صرعتني.. آمنت بك، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن.
وأمّا قوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجماع:
فقد قال أنس رضي الله تعالى عنه: إنّه كان صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في السّاعة الواحدة من اللّيل والنّهار؛ وهنّ إحدى عشرة.
وقال: إن صرعتني آمنت بك. فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن) ، وفي قصّته طول.
(وأمّا قوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجماع! فقد) أعطي الحدّ الكثير الزّائد على العادة من أمر الجماع وقوّة الباءة، وأعطي القدرة على قوّة الشّهوة بكثرة الجماع.
(قال أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (رضي الله تعالى عنه) فيما رواه البخاريّ في «صحيحه» ؛ من طريق هشام؛ عن قتادة بن دعامة، و «النّسائيّ» في «سننه» :
(أنّه كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه) ؛ أي: يجامعهنّ (في السّاعة الواحدة)، المراد بها الزّمن القليل؛ لا السّاعة النّجوميّة (من اللّيل) ؛ أي: مرة (والنّهار) ؛ أي: تارة، (وهنّ) ؛ أي: مجموعهن (إحدى عشرة) - بسكون الشّين وتكسر-؛ تسع زوجاته، ومارية وريحانة سريّتاه، وتمام الحديث: قال قتادة: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟! قال: كنا نتحدّث أنه أعطي قوّة ثلاثين. انتهى.
ووقع عند الإسماعيليّ؛ من رواية أبي موسى عن معاذ بن هشام: «أربعين» بدل «ثلاثين» ؛ قال الحافظ ابن حجر: وهي شاذّة من هذا الوجه.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضّلت على النّاس بأربع: بالسّماحة، والشّجاعة، وكثرة الجماع، وشدّة البطش» . رواه الطّبراني في «الأوسط» .
وأخرج ابن منيع: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على تسع نسوة في ضحوة.
وعن صفوان بن سليم مرفوعا: «أتاني جبريل بقدر فأكلت منها، فأعطيت قوّة أربعين رجلا في الجماع» .
(وأخرج ابن منيع أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على تسع نسوة في ضحوة) .
(و) أخرج ابن سعد في «طبقاته» برجال الصّحيح لكنّه مرسل؛ قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى؛ عن أسامة بن زيد؛
(عن صفوان بن سليم) - بضمّ السّين مصغرا- المدني أبي عبد الله الزّهري «مولاهم» .
تابعيّ صغير ثقة مفت، عابد إمام كبير، قدوة ممن يستشفى بحديثه، وينزل القطر من السّماء بذكره. ويقال: لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة. وأنّه مات وهو ساجد.
ويقال: إن جبهته نقّبت من كثرة السّجود، روى عن ابن عمر وغيره، وعنه مالك وطبقته، روى له السّتة، مات سنة: اثنتين وثلاثين ومائة هجرية رحمه الله تعالى.
(مرفوعا) ؛ مرسلا: (أتاني جبريل بقدر) - بكسر فسكون-: إناء يطبخ فيه؛ مؤنّثة. (فأكلت منها) ؛ بإذن، إذ وضع الطعام إذن، وظاهره أنّها من الجنّة، ولا مانع أنّ طعامها يخرج إلى الدّنيا، لكنّه يسلب الخصوصيّة في حقّ غير نبيّنا، (فأعطيت قوّة) - أي: قدرة- (أربعين رجلا) من رجال أهل الجنّة (في الجماع) .
قيّد به! ليدلّ على أنّ القوّة في غيره أولى، إذ هو محل العجز غالبا، لا سيما عند الكبر، وحديث القدر هذا صحيح مرسل، ووصله ضعيف، ولم يعلم ما في القدر، وزعم أنه هريسة!! لا يصحّ، لأنّ أحاديث الهريسة كلّها واهية، بل قال ابن ناصر: إنّها موضوعة، وقال غيره: ضعيفة جدّا، وقال الذّهبيّ: واهية. انتهى «زرقاني» .
وعن طاووس ومجاهد:
…
(و) أخرج ابن سعد في «الطبقات» ؛ (عن) أبي عبد الرحمن (طاوس) يقرأ بواوين، قيل: وبهمز- قال الصاغاني: والاختيار أن يكتب «طاوس» علما بواو واحدة ك «داود» .
قال ابن معين: لقّب بذلك! لأنّه كان طاوس القراء.
وهو ابن كيسان اليماني، همداني من بني حمير «مولاهم» ، أصله من الفرس، وأمّه مولاة لقوم من حمير، وكان مسكنه مدينة الجند- بفتح الجيم وبفتح النون-: بلدة معروفة باليمن، ويتردّد مع ذلك إلى صنعاء، وربما أقام بها مدّة.
وهو من كبار التّابعين والعلماء والفضلاء والصّالحين، بل هو أحد الأبدال، أدرك خمسين من الصحابة وصحبهم وأخذ عنهم، وروى عن أبي هريرة، وابن عبّاس، وعائشة، وعليّ بن أبي طالب وابن عمر، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وغيرهم رضي الله عنهم.
قال الزمخشري: كان خلق طاوس يحكي خلق الطاوس.
وذكر ابن الجوزي في كتاب «صفوة الصفوة» : أنّه صلّى الصّبح بوضوء العشاء أربعين سنة.
روى عنه ابنه عبد الله، ومجاهد، وعمرو بن دينار، وعطاء، وابن المنكدر، والزهري، وغيره ممن لا يحصون كثرة، واتفقوا على جلالته وفضيلته، ووفور علمه وصلاحه وحفظه وتثبّته، وكان معظّما عند سائر النّاس.
وكان كثير الحجّ إلى بيت الله تعالى، يقال: إنّه حجّ أربعين حجّة، وكانت وفاته بمكّة يوم التّروية؛ سنة: ستّ ومائة، وقد بلغ عمره بضعا وتسعين سنة رحمه الله تعالى.
(و) عن (مجاهد) مرسلا، وهو أبو الحجّاج مجاهد بن جبر المكي المخزومي «مولاهم» وهو تابعيّ إمام؛ متّفق على جلالته وإمامته.
أعطي صلى الله عليه وسلم قوّة أربعين رجلا في الجماع.
وفي رواية عن مجاهد: قوّة بضع وأربعين رجلا من أهل الجنّة.
وعن زيد بن أرقم
…
سمع ابن عمر وابن عباس، وجابرا وأبا سعيد، وأبا هريرة، وغيرهم من الصّحابة، ومن التّابعين طاوسا وابن أبي ليلى وآخرين.
روى عنه طاوس وعكرمة، وعمرو بن دينار، وأبو الزّبير، والأعمش وخلائق لا يحصون. واتفقوا على إمامته وجلالته وتوثيقه، وهو إمام في الفقه والتفسير والحديث، ومناقبه كثيرة مشهورة، مات وهو ساجد سنة: إحدى ومائة؛ وعمره ثلاث وثمانون سنة. وقيل غير ذلك، رحمه الله تعالى؛
(أعطي صلى الله عليه وسلم قوّة أربعين رجلا في الجماع) . ولا ينافيه رواية الصّحيح السّابقة «قوّة ثلاثين» ، لجواز أنّهم تحدثوا بذلك قبل بلوغهم الزّيادة.
(وفي رواية عن مجاهد) أنّه أعطي (قوّة بضع) - بكسر الباء-: من الثلاثة إلى التّسعة، (وأربعين رجلا من أهل الجنّة) . رواها الحارث بن أبي أسامة.
وفي «الحلية» لأبي نعيم عن مجاهد: قوّة أربعين رجلا، كلّ رجل من رجال أهل الجنّة.
وروى التّرمذيّ: «إنّ رجال أهل الجنّة؛ قوّة كلّ رجل منهم بقوّة سبعين رجلا» . وصحّحه؛ وروى «بقوّة مائة رجل» . وقال: صحيح غريب؛ قلت:
فعلى هذا كان صابرا عنهن غاية الصّبر، لكثرة الاشتياق إليهنّ. انتهى «شرح الشفاء» لملا علي قاري.
(و) روى الإمام أحمد، والنّسائي، وصحّحه الحاكم؛ (عن) أبي عمرو:
(زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس بن النّعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ المدنيّ.
غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، استصغر يوم أحد، وكان يتيما في
رفعه: «إنّ الرّجل من أهل الجنّة ليعطى قوّة مئة في الأكل والشّرب والجماع والشّهوة» .
حجر عبد الله بن رواحة، وسار معه في غزوة مؤتة.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون حديثا؛ اتفق البخاريّ، ومسلم على أربعة، وانفرد البخاريّ بحديثين، وانفرد مسلم بستة، روى عنه أنس بن مالك، وابن عباس، وخلائق من التابعين.
نزل الكوفة وتوفّي بها سنة: ستّ وخمسين. وقيل: ثمان وستين، رضي الله تعالى عنه (رفعه) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:( «إنّ الرّجل من أهل الجنّة ليعطى قوّة مائة) في رواية الطّبراني: مائة رجل- (في الأكل والشّرب والجماع والشّهوة» ) عطف سبب على مسبّب، لأنّ الجماع يتسبّب عن الشّهوة.
وخصّها!! لأنّ ما عداها راجع إليها، إذ الملبس والمسكن من الشّهوة، ولا يرد أنّ كثرة الأكل والشّرب في الدّنيا مجمع على ذمّها، لأنّه لما ينشأ عنها من فتور وتوان وتثاقل عن العبادة، ومن أمراض؛ كتخمة وقولنج، وأهل الجنّة مأمونون من ذلك كلّه، إذ كل ما فيها لا يشبه شيئا ممّا في الدّنيا إلّا في مجرّد الاسم، ألا ترى أنّه زاد في رواية الطّبرانيّ في «الكبير» برجال ثقات:«حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده، فإذا بطنه قد ضمر» !! انتهى «زرقاني» .
خاتمة: قال في «المواهب» : لمّا كان عليه الصلاة والسلام ممّن أقدر على القوّة في الجماع، وأعطي الكثير منه؛ أبيح له من عدد الحرائر ما لم يبح لغيره، وهو الزيادة على أربع.
قال ابن عبّاس: تزوّجوا؛ فإنّ أفضل هذه الأمّة أكثرها نساء. رواه البخاريّ؛ يشير إليه صلى الله عليه وسلم، وقيّد بهذه الأمّة!! ليخرج مثل سليمان عليه الصلاة والسلام، فإنّه كان أكثر نساء من المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر العسقلاني: والذي يظهر أن مراد ابن عبّاس بالخير: النّبي صلى الله عليه وسلم، وبالأمّة أخصّاء أصحابه، وكأنّه أشار إلى أن ترك التزوّج
مرجوح، إذ لو كان راجحا ما آثر النبيّ صلى الله عليه وسلم غيره، وكان- مع كونه أخشى لله تعالى وأعلمهم به؛ كما صحّ في الحديث- يكثر التزوّج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطّلع عليها الرّجال؛ وقد جاء عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- من ذلك الكثير الطيّب، ولإظهار المعجزة البالغة في خرق العادة، بكونه كان لا يجد ما يتمتّع به من القوت غالبا، وإن وجد؛ فكان يؤثر بأكثره ويصوم كثيرا ويواصل، والصوم يضعف النكاح، بل هو له وجاء، ومع ذلك فكان يدور على نسائه في السّاعة الواحدة، ولا يطاق ذلك إلّا مع قوّة البدن!! وقوّة البدن تابعة لما يقوم به من استعمال المقوّيات من مأكول ومشروب، وهي عنده- عليه الصلاة والسلام نادرة قليلة جدّا؛ أو معدومة أصلا.
وقال بعض العلماء في حكمة زيادته على أربع: لما كان الحرّ لفضله على العبد يستبيح من النّساء أكثر ممّا يستبيح العبد؛ وجب أن يكون النّبي صلى الله عليه وسلم لفضله على جميع الأمّة يستبيح من النّساء أكثر ممّا تستبيحه الأمّة، ولزيادة فضله على جميع الخلق لم يتقيّد ما أبيح له بعدد، ولم يقصر ما يباح له على ضعف ما يباح للحرّ فقط.
قالوا: ومن فوائد ذلك زيادة التّكليف في القيام بهنّ مع تحمّل أعباء الرّسالة، فيكون ذلك أعظم لمشاقّه وأكثر لأجره.
ومنها: أنّ النّكاح في حقّه عبادة مطلقا.
ومنها: نقل محاسنه الباطنة، فقد تزوج عليه الصلاة والسلام أمّ حبيبة بنت أبي سفيان؛ وكان أبوها في ذلك الوقت عدوه ويحاربه، وتزوّج صفيّة بنت حيي؛ وقد قتل أباها وعمّها وزوجها في غزوة خيبر، فلو لم يطّلعن من بواطن أحواله على أنّه أكمل خلق الله تعالى؛ لكانت الطباع البشريّة تقتضي نفرتهنّ عنه، وميلهن إلى آبائهنّ وقرابتهنّ، فكان في كثرة النّساء عنده بيان لمعجزاته، ولمعرفة كماله باطنا، كما عرف منه الرّجال كماله ظاهرا، وهذه حكم ونكات لا تتزاحم، بل كلّ من ظهر له شيء منها أبداه. انتهى كلام «المواهب» مع شيء من الشّرح.