الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الخامس في صفة سلاحه صلى الله عليه وسلم]
الفصل الخامس في صفة سلاحه صلى الله عليه وسلم عن ابن سيرين
…
(الفصل الخامس)، من الباب الثّالث (في) بيان ما ورد في (صفة سلاحه صلى الله عليه وسلم :
والسّلاح آلة الحرب، فكلّ عدّة للحرب فهو سلاح، وفي «المصباح» ؛ السّلاح: ما يقاتل به في الحرب، ويدافع به. والتذكير أغلب من التّأنيث، فيجمع على التّذكير: أسلحة، وعلى التّأنيث: سلاحات. انتهى.
ويطلق السّلاح على السّيف وحده؛ كما في «القاموس» .
قال التّرمذيّ في «الشّمائل» : حدّثنا محمد بن شجاع البغدادي؛ قال: حدّثنا أبو عبيدة الحداد؛ عن عثمان بن سعد؛ (عن) محمد (بن سيرين) (الأنصاري، مولاهم، أبو بكر البصري التّابعي، الإمام في التفسير، والحديث، والفقه، وعبر الرؤيا، والمقدّم في الزّهد والورع؛ قال محمد بن سعد: كان ثقة، مأمونا، عاليا، رفيعا، فقيها، إماما كثير العلم، ورعا.
وأولاد سيرين ستّة: محمّد ومعبد وأنس ويحيى وحفصة وكريمة، وكلهم رواة ثقات، وكان أبوهم من سبي عين التّمر، وهو مولى أنس بن مالك؛ كاتبه على عشرين ألف درهم فأداها وعتق.
وكانت أمّ ابن سيرين اسمها صفيّة مولاة لأبي بكر الصّديق، رضي الله تعالى عنه، طيّبها ثلاث من أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ودعون لها وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريّا منهم: أبيّ بن كعب يدعو وهم يؤمنون.
وكان سيرين يكنّى: «أبا عمرة» ، وولد لمحمّد بن سيرين ثلاثون ولدا من امرأة
قال: صنعت سيفي على سيف سمرة بن جندب، وزعم سمرة أنّه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حنفيّا؛ نسبة لبني حنيفة؛ لأنّهم معروفون بحسن صنعة السّيوف.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضّة.
واحدة، زوجة له عربيّة، ولم يبق منهم غير عبد الله بن محمّد.
واتفقوا على أنّ ابن سيرين توفّي بالبصرة سنة: - 110- عشر ومائة، بعد الحسن بمائة يوم. قال حمّاد بن زيد: مات الحسن أوّل رجب سنة: - 110- عشر ومائة، وصلّيت عليه، ومات ابن سيرين لتسع مضين من شوّال سنة: - 110- عشر ومائة رحمهما الله تعالى.
(قال: صنعت) - من الصّنع، أي: أمرت بأن يصنع؛ وفي بعض نسخ «الشمائل» : صغت- (سيفي على سيف سمرة بن جندب) رضي الله تعالى عنهما؛ أي: على تمثال سيفه في الشّكل والوضع وجميع الكيفيّات. (وزعم سمرة) يعني: قال: فإنّ الزّعم قد يأتي بمعنى القول المحقّق (أنّه صنع) - بناؤه للفاعل؛ أو للمفعول- (سيفه) - مرفوع أو منصوب- (على) هيئة (سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أي: على تمثاله في الشّكل والوضع وجميع الكيفيّات.
قال: (وكان)، أي: سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم (حنفيّا) . والحنفيّ: قال الباجوري: (نسبة لبني حنيفة) ؛ قبيلة مسيلمة الكذّاب، (لأنّهم معروفون بحسن صنعة السّيوف) ، فيحتمل أنّ صانعه كان منهم، ويحتمل أنّه أتى به من عندهم، وهذه الجملة: يعني قوله «وكان حنفيّا» من كلام سمرة فيما يظهر، ويحتمل أنّها من كلام ابن سيرين على الإرسال. انتهى.
(و) أخرج التّرمذيّ في «الجامع» و «الشّمائل» ، وأبو داود والنّسائي والدّارمي؛ (عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضّة) .
و (القبيعة) - بوزن الطّبيعة-: ما على طرف مقبض السّيف، يعتمد الكفّ عليها لئلّا يزلق.
وعن جعفر بن محمّد
…
والمراد بالسّيف هنا: ذو الفقار، وكان لا يكاد يفارقه، ودخل به مكّة يوم الفتح، واقتصر في هذا الخبر على القبيعة، وفي رواية ابن سعد؛ عن عامر قال: أخرج إلينا علي بن الحسين سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا قبيعته من فضّة، وإذا حلقته الّتي يكون فيها الحمائل من فضّة.
(والقبيعة) - بفتح القاف وكسر الموحّدة- (بوزن الطّبيعة) ؛ قال الباجوري وغيره: هي (ما على طرف مقبض السّيف) فوق الغمد يمسكه من فضّة أو حديد أو غيرهما، (يعتمد الكفّ عليها؛ لئلّا يزلق) .
وفي الحديث دليل على جواز تحلية السّيف وسائر آلات الحرب بالفضّة. قال العلّامة ابن حجر الهيتمي: الحاصل أنّ الذّهب لا يحل للرّجال مطلقا؛ لا استعمالا، ولا اتّخاذا، ولا تضبيبا، ولا تمويها، لا لآلة الحرب ولا لغيرها، وكذا الفضّة إلّا في التضبيب، والخاتم، وتحلية آلة الحرب، وما وقع في بعض الرّوايات من حلّ التمويه تارة وحرمته أخرى!! محمول على تفصيل علم من مجموع كلامهم؛ وهو أنّه إن حصل شيء ما بالعرض على النّار من ذلك الممّوه حرمت استدامته كابتدائه، وإن لم يحصل منه شيء حرم الابتداء فقط.
أمّا نفس التّمويه الذي هو الفعل والإعانة عليه والتسبّب فيه!! فحرام مطلقا، ويأتي هنا التّفصيل في تمويه الرّجال الخاتم وآلة الحرب الذّهب. انتهى.
(و) أخرج ابن سعد؛ من طريق سليمان بن بلال؛ (عن جعفر) الصادق أبي عبد الله الإمام (ابن) الإمام (محمّد) الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السّبط بن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، الهاشميّ المدنيّ.
أمّه فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّديق رضي الله تعالى عنهم.
عن أبيه: كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي:
أسفله- وحلقته وقبيعته.. من فضّة.
روى عن أبيه، والقاسم بن محمد، ونافع، وعطاء، ومحمّد بن المنكدر، والزّهري وغيرهم. روى عنه محمد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسّفيانان، وابن جريج، وشعبة، ويحيى القطّان، وآخرون.
واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته. قال عمرو بن المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنّه من سلالة النّبيّين.
ولد سنة: - 80- ثمانين هجرية، وتوفّي سنة: - 148- ثمان وأربعين ومائة هجريّة. رحمه الله تعالى.
(عن أبيه) محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، القرشي الهاشمي المدني، أبي جعفر، المعروف ب «الباقر» ، سمّي بذلك!! لأنّه بقر العلم، أي: شقّه فعرف أصله وعلم خفيّه.
وأمّه أمّ عبد الله بنت حسن بن علي بن أبي طالب.
وهو تابعيّ جليل، إمام بارع، مجمع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم، سمع جابرا وأنسا، وسمع جماعات من كبار التابعين، كابن المسيّب وابن الحنفيّة وغيرهما.
روى عنه أبو إسحاق السّبيعي، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، والأعرج؛ وهو أسنّ منه، والزّهري، وربيعة، وخلائق آخرون من التّابعين وكبار الأئمّة.
وروى له البخاريّ ومسلم، وتوفّي سنة: - 114- أربع عشرة ومائة، وقيل:
ثمانية عشرة، وقيل: سبعة عشرة، وهو ابن ثلاث وستّين سنة، وقيل: ابن ثلاث وسبعين، وقيل: ابن ثلاث وخمسين سنة، والله أعلم رحمه الله تعالى.
قال (كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: أسفله)، يعني: أسفل غمده، وهذا تفسير للنّعل. وفي «المصباح» : نعل السّيف الحديدة الّتي في أسفل جفنه، مؤنّثة، (وحلقته) - بإسكان اللّام وفتحها لغة في السّكون- وهي ما في أعلاه، تجعل فيه العلاقة. (وقبيعته) الثلاثة (من فضّة) .
وقد كان له صلى الله عليه وسلم سيوف متعدّدة؛ فقد كان له:
سيف يقال له: (المأثور) ؛ وهو أوّل سيف ملكه عن أبيه.
وله سيف يقال له: (القضيب) .
وله سيف يقال له: (القلعي) - نسبة إلى قلع- موضع
…
وأخرج ابن سعد أيضا؛ من طريق جرير بن حازم؛ عن قتادة؛ عن أنس قال:
كانت نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضّة، وقبيعته وما بين ذلك حلق فضة.
قال الباجوريّ في حاشية «الشّمائل» : (وقد كان له صلى الله عليه وسلم سيوف متعدّدة)، ذكر في «المواهب» أنّها تسعة؛ (فقد كان له سيف يقال له:«المأثور» ) - بهمزة ساكنة ومثلّثة- (وهو أوّل سيف ملكه عن أبيه) ؛ أي: ورثه منه؛ ذكره اليعمري.
وهي مسألة نزاع، حتّى قال بعضهم: ليس في كون الأنبياء يرثون نقل.
وبعضهم قال: لا يرثون كما لا يورثون، وإنّما ورث أبويه قبل الوحي، وصرّح شيخ الإسلام زكريّا في «شرح الفصول» بأنّهم يرثون، وبه جزم الفرضيّون.
وذكر الواقديّ أنّه صلى الله عليه وسلم ورث من أبيه أمّ أيمن وخمسة أجمال وقطعة من غنم ومولاه شقران وابنه صالحا، وقد شهد بدرا، ومن أمّه دارها بالشّعب، ومن زوجته خديجة دارها بمكّة بين الصّفا والمروة، وأموالا.
(وله سيف يقال له: «القضيب» ) - بفتح القاف وكسر الضّاد المعجمة وسكون التّحتيّة وموحّدة آخره- يطلق بمعنى اللّطيف من السّيوف، وبمعنى السّيف القاطع؛ كما في «النور» ، وقيل: إنّ القضيب ليس بسيف، بل هو قضيبه الممشوق. قال العراقي في «ألفيّة السّيرة» :
وقيل: ذا قضيبه الممشوق
…
كان بأيدي الخلفا يشوق
(وله سيف يقال له: القلعي) - بضم القاف وفتحها، وبفتح اللّام ثمّ عين مهملة- (نسّبة إلى قلع) - بفتحتين فعين مهملة آخره-:(موضع) هو قلعة
بالبادية. وله سيف يقال له: (البتّار) . وسيف يدعى:
(الحتف) . وسيف يدعى: (المخذم) ، بكسر الميم.
وسيف يدعى: (الرّسوب) .
(بالبادية)، يقال لها: مرج- بالجيم- قريب من حلوان على طريق همذان؛ كما في «العيون» .
(وله سيف يقال له: «البتّار» ) - بفتح الباء وتشديد التّاء، ثمّ راء آخره- أي:
القاطع.
(و) له (سيف يدعى: الحتف) - بفتح الحاء المهملة وسكون التّاء، ثمّ فاء- وهو الموت، ومن قال: الحيف؛ بالتّحتيّة!! فهو سبق قلم، إذ الحيف هو الجور، ولا معنى له هنا.
(و) له (سيف يدعى: «المخذم» - بكسر الميم) الأولى وسكون الخاء المعجمة وفتح الذّال المعجمة ثمّ ميم آخره- وهو القاطع.
(و) له (سيف يدعى: «الرّسوب» ) - بفتح الرّاء وضمّ السّين المهملة وسكون الواو فموحّدة آخره- أي: يمضي في الضريبة، ويغيب فيها، وهو فعول من رسب يرسب، بضمّ السّين؛ إذا ذهب إلى أسفل واستقرّ، لأنّ ضربته تغوص في المضروب به وتثبت فيه. قيل: إنّه من السّيوف السّبعة الّتي أهدت بلقيس لسليمان؛ كما في «النور» .
قال في «المواهب» مع الشرح: والمخذم والرّسوب أصابهما من الفلس بضمّ الفاء وإسكان اللّام-: صنم كان ل «طي» ، كان الحارث قلّده إيّاهما، فبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم عليّا سنة تسع فهدمه وغنم سبيا وشاء ونعما وفضة، فعزل علي له صلى الله عليه وسلم صفيا السّيفين. وذكر ابن هشام عن بعض أهل العلم أنّه عليه الصلاة والسلام وهبهما لعليّ، وذكر أبو الحسن المدائني أنّ زيد الخيل أهداهما للمصطفى صلى الله عليه وسلم لمّا وفد عليه. والله أعلم. انتهى.
وسيف يقال له: (الصّمصامة) . وسيف يقال له: (اللّحيف) .
وسيف يقال له: (ذو الفقار) . و (الفقر) : الحفر.
(و) له (سيف يقال له: «الصّمصامه» ) - بالهاء- ذكره اليعمري، ويقال له:
الصّمصام، بدونها- بفتح الصّاد المهملة وإسكان الميم فيهما-: السّيف الصّارم الّذي لا ينثني، كان سيف عمرو بن معد يكرب، وكان مشهورا فوهبه صلى الله عليه وسلم لخالد بن سعيد بن العاص.
(و) له (سيف يقال له: «اللّحيف» ) ، سيف مشهور؛ ذكره اليعمريّ.
(و) له (سيف يقال له: «ذو الفقار» ) - بفتح الفاء وكسرها- لأنّه كان في وسطه مثل فقرات الظّهر. وقيل: سمّي بذلك، لأنّه كان فيه حفر صغار حسان، والفقرة بالضمّ: الحفرة في الأرض الّتي فيها الوديّة.
(والفقر) - بضمّ الفاء وفتح القاف- كعمر؛ جمع فقرة بضمّ فسكون، وهي (الحفر) - بضمّ ففتح جمع حفرة- بضمّ الحاء- وهو أشهر أسيافه صلى الله عليه وسلم وهو الّذي رأى فيه الرّؤيا يوم أحد، وهو سيف سليمان بن داود- عليهما السلام أهدته بلقيس مع ستّة أسياف، ثمّ وصل إلى العاص بن منبّه بن الحجّاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، المقتول كافرا ببدر قتله عليّ بن أبي طالب وأخذ سيفه هذا، ثمّ صار إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر من الغنيمة، وكان هذا السّيف لا يفارقه صلى الله عليه وسلم بعد أن ملكه، يكون معه في كلّ حرب يشهدها، وكانت قائمته- أي: مقبضه- وقبيعته وحلقته وذؤابته- أي: علّاقته- وبكراته ونعله كلّها من فضّة، ويقال: إنّه صار لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه في الجنّة، ولعلّه كان يأخذه منه في الحروب، أو أنّه أعطاه له عند موته، وفيه قيل: لا فتى إلّا عليّ، ولا سيف إلّا ذو الفقار.
ومن الغريب ما رواه الطّبراني في «الكبير» ، وابن عدي في «الكامل» : أنّ الحجّاج بن علاط أهداه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ كان عند الخلفاء العبّاسيين. والله أعلم.
وسيأتي مزيد كلام يتعلّق بذي الفقار في الفصل السادس.
وقد ذكروا في معجزاته: أنّه صلى الله عليه وسلم دفع لعكّاشة جذل حطب؛
…
(وقد ذكروا) - أي: العلماء في كتبهم، أي: عدّوا- (في معجزاته) الدّالة على نبوّته وصدق رسالته، جمع معجزة؛ وهي الأمر الخارق للعادة، المقرون بالتّحدي، الدّال على صدق الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام.
وسمّيت معجزة!! لعجز البشر عن الإتيان بمثلها.
وللمعجزة أركان أربعة لا بدّ منها؛
أحدها: أن تكون خارقة للعادة.
ثانيها: أن تكون مقرونة بالتّحدي، وهو طلب المعارضة.
وقال المحقّقون: التّحدّي: هو دعوى الرّسالة، فما جاء بعدها من الخوارق فهو معجزة، وإن لم يطلب الإتيان بالمثل الّذي هو المعنى الحقيقي للتّحدّي.
وثالثها: أن لا يأتي أحد بمثل ما أتى به المتحدّي.
ورابعها: أن تقع على وفق دعوى المتحدّى بها.
(أنّه صلى الله عليه وسلم دفع لعكاشة) - بضمّ العين مع تخفيف الكاف وتشديدها، والتشديد رواية الأكثرين- وهو أبو محصن؛ عكّاشة بن محصن- بكسر الميم وفتح الصاد- ابن حرثان- بضم الحاء المهملة وسكون الرّاء وثاء مثلثة- ابن قيس بن مرة بن بكير- بالموحّدة- ابن غنم بن دودان- بدالين مهملتين، الأولى مضمومة- ابن أسد بن خزيمة بن مدركة الأسدي، حليف بني عبد شمس.
الصّحابي الجليل.
وهو من السّبعين ألف الذين يدخلون الجنّة بغير حساب؛ كما في «الصحيحين» رضي الله عنه. وشهد بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا.
قالوا: وانكسر سيفه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم (جذل) - بكسر الجيم وفتحها وسكون الذّال المعجمة- واحد الأجذال؛ أي: أصل (حطب) . قال الشّامي:
والمراد هنا: العرجون- بضمّ المهملة- أصل العذق- بكسر العين- الذي يفرج
حين انكسر سيفه يوم بدر، وقال:«اضرب به» ، فعاد في يده سيفا صارما طويلا أبيض شديد المتن، فقاتل به، ثمّ لم يزل عنده يشهد به المشاهد إلى أن استشهد.
وينعطف؛ ويقطع منه الشّماريخ فيبقى على النخلة يابسا.
(حين انكسر سيفه يوم بدر) ، قال ابن هشام، في «شرح بانت سعاد» : اليوم يطلق على أربعة أمور:
أحدها: مقابل اللّيلة، ومنه (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ)[7/ الحاقة] .
الثّاني: مطلق الزّمان كقوله تعالى (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ)[16/ الأنفال] ،
(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ)[141/ الأنعام] ، (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)(30)[القيامة] .
المراد: ساعة الاحتضار، وتقول: فلان اليوم يعمل كذا.
والثّالث: مدة القتال؛ نحو: يوم حنين؛ ويوم بعاث: وهو يوم للأوس والخزرج- وهو بضمّ الباء الموحّدة وبالعين المهملة وبالثّاء المثلّثة؛ أي: ومنه يوم بدر المذكور في المتن.
الرّابع: الدّولة، ومنه (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ)[140/ آل عمران] . انتهى كلام ابن هشام.
(وقال) له: ( «اضرب به» ) ؛ أي: قاتل به يا عكاشة، فأخذه منه فهزه؛ (فعاد في يده سيفا صارما) أي: ماضيا (طويلا) ؛ أي: طويل القامة، (أبيض) الحديدة (شديد المتن) ؛ أي: الظّهر، من إضافة الوصف إلى فاعله؛ أي:
شديدا متنه، أو المراد بالمتن هنا: الذّات، تسمية للكلّ باسم جزئه.
(فقاتل به) حتّى فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك السّيف يسمّى: العون بفتح المهملة وإسكان الواو وبالنون- (ثمّ لم يزل) السّيف (عنده يشهد به المشاهد) ، وشهد أحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكان من أجمل الرّجال، واستمر ذلك السّيف معه (إلى أن استشهد) في قتال المرتدّين زمن
ودفع صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش يوم أحد- وقد ذهب سيفه- عسيب نخل،
…
أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه؛ قتله طلحة بن خويلد الأسدي- وله أربع وأربعون سنة- رضي الله تعالى عنه؛ روى عنه أبو هريرة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
أجمعين.
(و) عدّوا في معجزاته صلى الله عليه وسلم أنّه (دفع صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش) - بتقديم الجيم على الحاء المهملة- وهو أبو محمّد؛ عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرّة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي.
أمّه آمنة بنت عبد المطّلب، عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة؛ هو وأخوه أبو أحمد وعبيد الله وأختهم زينب بنت جحش أمّ المؤمنين، وأمّ حبيبة وحمنة بنات جحش، فأمّا عبيد الله فتنصّر؛ ومات بالحبشة نصرانيّا.
وهاجر عبد الله، وأخوه أبو أحمد، وأهله إلى المدينة، وأمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سريّة، وهو أوّل أمير أمّره، وغنيمته أوّل غنيمة في الإسلام.
ثمّ شهد بدرا واستشهد يوم أحد، وكان من دعائه يوم أحد: أن يقاتل ويستشهد ويقطع أنفه وأذنه ويمثّل به في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فاستجاب الله دعاءه فاستشهد وعمل الكفّار به ذلك، وكان يقال له: المجدّع في الله تعالى، وكان عمره حين استشهد نيّفا وأربعين سنة، ودفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد، رضي الله تعالى عنهما.
قال الزّبير بن بكّار: وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم أحد- وقد ذهب سيفه-) ؛ أي: انقطع في أثناء القتال وانكسر؛ أعطاه (عسيب نخل) ؛ أي: عرجون نخلة، وإن كان العسيب هو الجريدة من النّخل، مستقيمة دقيقة يكشط خوصها، لكنّ المراد هنا العرجون، كما ذكره الزّبير بن بكّار.
فرجع في يده سيفا. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربة يمشى بها بين يديه؛ فإذا صلّى.. ركزها بين يديه.
وكان صلى الله عليه وسلم رايته سوداء، ولواؤه أبيض.
(فرجع) ؛ أي: فعاد (في يده سيفا) فقاتل به حتى قتل- رضي الله تعالى عنه- قتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثّقفي، ثمّ قتله عليّ بن أبي طالب بعده، وكان ذلك السّيف يسمّى العرجون، باسم أصله قبل الآية الباهرة، ولم يزل يتوارث حتى بيع من «بغا» التّركي من أمراء المعتصم بالله إبراهيم، الخليفة العبّاسيّ في بغداد، بمائتي دينار، وهذا نحو حديث عكّاشة؛ لأنّ سيف عكّاشة يسمّى العون، وهذا يسمّى العرجون.
(و) أخرج الطّبراني في «الكبير» ، عن عصمة بن مالك قال:
(كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربة) - بفتح الحاء المهملة وسكون الرّاء، ثمّ باء موحّدة، آخره هاء-: رمح قصير يشبه العكّازة، وهي المسمّاة ب «العنزة» ، (يمشى بها) - بالبناء للمفعول- (بين يديه)، أي: يحملها شخص على عاتقه، (فإذا صلّى ركزها بين يديه) فيتخذها سترة يصلي إليها إذا كان في غير بناء، فإذا رآها شخص مرّ من خلفها، وكان يمشي بها، أي: يتوكّأ عليها أحيانا، وكان له حراب غيرها أيضا.
(و) أخرج التّرمذيّ، وابن ماجه، والحاكم؛ في «الجهاد» ؛ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- قال:(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته) تسمّى: العقاب، كما ذكره ابن القيّم. وكانت (سوداء) ؛ أي: غالب لونها أسود، بحيث ترى من بعد سوداء، لا أنّ لونها أسود خالص، (ولواؤه أبيض) قال ابن القيّم: ربما جعل فيه السّواد. انتهى.
وهذا الحديث رواه الحاكم وسكت عنه ولم يصحّحه، لأنّ فيه يزيد بن حبّان، مضعّف؛ وقيل: بل هو مجهول الحال. وساقه ابن عدي من مناكير حبّان بن عبيد الله.
وعن الزّبير بن العوّام
…
نعم؛ رواه التّرمذيّ في «العلل» ؛ عن البراء، من طريق آخر بلفظ: كانت سوداء مربّعة من نمرة، ثمّ قال: سألت عنه محمّدا- يعني: البخاري- فقال:
حديث حسن. انتهى.
ورواه الطّبرانيّ باللّفظ المذكور من هذا الوجه وزاد: مكتوب عليه: لا إله إلّا الله؛ محمّد رسول الله. انتهى.
والرّاية: العلم الكبير، واللّواء: العلم الصّغير، فالرّاية هي الّتي يتولّاها صاحب الحرب ويقاتل عليها، وإليها تميل المقاتلة.
واللّواء: علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار؛ ذكره جمع.
وقال ابن العربي: اللّواء: ما يعقد في طرف الرّمح ويكون عليه. والرّاية:
ما يعقد فيه ويترك حتّى تصفّقه الرّياح. انتهى «مناوي» .
وفي «الحفني؛ على الجامع» : الراية: ما يربط في الرّمح، تضربه الرياح، وهي إلى النّصف أو أكثر، بخلاف اللّواء؛ فهو ما يربط صغيرا في أعلى الرّمح، ويكون مع السّلطان أو أمير الجيش ليجتمع له الجيش عند القتال. انتهى.
(و) أخرج التّرمذي في «الجامع» و «الشمائل» ؛ (عن) أبي عبد الله (الزّبير) - بضمّ الزّاي مصغّرا- (بن العوّام) - بتشديد الواو- بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي القرشيّ الأسديّ المدنيّ، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصّي.
أمّه صفيّة بنت عبد المطّلب؛ عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمت وهاجرت إلى المدينة؛ أسلم الزّبير قديما في أوائل الإسلام؛ وهو ابن خمس عشرة سنة في قول.
وكان إسلامه بعد إسلام أبي بكر الصّديق بقليل، فكان رابعا أو خامسا.
وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنّة، وأحد السّتّة أصحاب الشّورى، وهاجر إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة، وآخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مسعود حين آخى بين المهاجرين بمكّة؛ فلما قدم المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين سلمة بن سلامة بن وقش.
رضي الله تعالى عنه قال: كان على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان، فنهض إلى الصّخرة؛ فلم يستطع، فأقعد طلحة
…
وكان الزّبير أوّل من سلّ سيفا في سبيل الله، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة وحصار الطّائف والمشّاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد اليرموك وفتح مصر، ومناقبه كثيرة جمّة.
وكان الزبير رضي الله عنه يوم الجمل قد ترك القتال وانصرف، فلحقه جماعة من الغواة؛ فقتلوه بوادي السّباع بناحية البصرة- وقبره هناك- في جمادى الأولى سنة: - 36- ستّ وثلاثين، وكان عمره حينئذ سبعا وستّين سنة. وقيل: ستّا وستّين. وقيل: أربعا وستّين.
(رضي الله تعالى عنه) وأرضاه، وعن سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قال: كان على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد) - أي: في يوم وقعة أحد- (درعان) .
زاد في رواية: درعه ذات الفضول، ودرعه فضّة، وكان عليه يوم حنين درعان:
ذات الفضول والسّغدية، ولم يظاهر بين درعين إلّا في هذين اليومين.
(فنهض إلى الصّخرة)، أي: أسرع متوجّها نحوها ليعلوها فيراه المسلمون؛ فيعلمون حياته؛ فيجتمعون عليه. يقال: نهض عن مكانه؛ إذا قام عنه، ونهض إلى العدو؛ أسرع إليه، ونهض إلى فلان؛ تحرّك إليه بالقيام.
(فلم يستطع) ؛ أي: فلم يقدر على الارتفاع على الصّخرة لضعف طرأ عليه بسبب ما حصل له من شجّ رأسه وجبينه الشّريف، واستفراغ الدّم الكثير منهما.
وقيل: لثقل درعه الدّالّ على نفاسته وقوّته ومزيد منعه لما يحصل لصاحبه. وقيل:
لعلوّ الصّخرة. والأظهر: الأوّل.
(فأقعد) ؛ أي: أجلس (طلحة) بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب؛ أبو محمد القرشي، التيمي، المكّي، المدنيّ.
تحته، وصعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى استوى على الصّخرة، قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «أوجب طلحة» - أي: فعل فعلا أوجب لنفسه بسببه الجنّة.
أحد العشرة الّذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة، وأحد الثّمانية السّابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الّذين أسلموا على يد أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وأحد السّتّة أصحاب الشّورى.
وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلحة الخير» ، و «طلحة الجود» ، وهو من المهاجرين الأوّلين، ولم يشهد بدرا، ولكن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره كمن حضر. وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد.
وروي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثون حديثا؛ اتفق البخاريّ ومسلم على حديثين، وانفرد البخاريّ بحديثين، وانفرد مسلم بثلاثة.
وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الأولى سنة: - 36- ستّ وثلاثين.
وهذا لا خلاف فيه، وكان عمره أربعا وستّين سنة، على خلاف في ذلك، وقبره بالبصرة مشهور يزار ويتبرّك به، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
(تحته) فصار طلحة كالسّلّم؛ (وصعد) - بكسر العين- (النّبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ أي:
فوضع رجله فوقه وارتفع (حتّى استوى على الصّخرة) ؛ أي: استقرّ عليها.
(قال) - أي: الزّبير-: (سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «أوجب طلحة» ) رضي الله تعالى عنه- (أي: فعل فعلا) هو إعانته له صلى الله عليه وسلم على الارتفاع على الصّخرة الّذي ترتّب عليه جمع شمل المسلمين وإدخال السّرور يومئذ على كلّ حزين.
و (أوجب لنفسه بسببه الجنّة) ، ويحتمل أنّ ذلك الفعل هو جعله نفسه فداء له صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم حتّى أصيب ببضع وثمانين طعنة، وشلّت يده في دفع الأعداء عنه، ولا مانع من إرادة الجميع؛ وكان أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه إذا ذكر أحدا
وكان له صلى الله عليه وسلم سبعة أدرع؛ فقد كان له:
درع تسمى: (ذات الفضول) ؛ سمّيت بذلك لطولها.
ودرع تسمى: (ذات الوشاح) . ودرع تسمى: (ذات الحواشي) . ودرع تسمى: (فضّة) . ودرع تسمى: (السّغديّة) ؛ قال: ذلك يوم كان كلّه لطلحة رضي الله تعالى عنه.
(وكان له صلى الله عليه وسلم سبعة أدرع) ؛ جمع درع- بكسر الدّال المهملة وسكون الرّاء، وفي آخره عين مهملة-: جبّة من حديد تصنع حلقا حلقا، وتلبس للحرب، وهي الزّرديّة؛ كما قال ابن الأثير.
والدّرع مؤنّثة في الأكثر، وقد تذكّر، وتجمع على أدرع، ودروع، وأدراع، (فقد كان له درع تسمى:«ذات الفضول» ) - بالضّاد المعجمة قبلها فاء مضمومتين- (سمّيت بذلك لطولها) ؛ من الفضل: الزّيادة.
أرسل بها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر، وهي الّتي رهنها عند أبي الشّحم اليهودي، على ثمن شعير اشتراه لأهله، وكان ثلاثين صاعا، وكان الدّين إلى سنة.
(و) كان له (درع تسمى: «ذات الوشاح» ) - بكسر الواو وخفّة الشّين المعجمة، فألف فمهملة-
(و) كان له (درع تسمى: «ذات الحواشي» ) - جمع حاشية- وهي في الأصل جانب الثوب.
(و) كان له (درع تسمى: «فضّة» ) - بكسر الفاء- أصابها من بني قينقاع؛ بطن من يهود المدينة.
(و) كان له (درع تسمى: «السّغديّة» ) - بضمّ السّين والغين المعجمة السّاكنة ودال مهملة، ويقال: بفتح السّين وإسكان العين ودال مهملات، قال بعضهم:
بالعين المهملة، منسوبة للسّعد؛ وهي جبال معروفة.
قيل: هي درع سيّدنا داوود الّتي لبسها لقتال جالوت.
ودرع تسمى: (البتراء) . ودرع تسمى: (الخرنق) .
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل مكّة وعليه مغفر.
وفي «معرّب» الجواليقي: إنّه بالسين والصّاد لأنّه قياس في كلّ سين معها حرف استعلاء- وقد أصابها النّبيّ صلى الله عليه وسلم من بني قينقاع- وهي درع عكبر القينقاعي.
و (قيل: هي درع سيّدنا داود الّتي لبسها لقتال جالوت) الكافر؛ كما حكاه اليعمري ومغلطاي.
(و) كان له (درع تسمى: «البتراء» ) - بفتح الموحّدة وسكون الفوقيّة والمدّ- سمّيت بذلك لقصرها.
(و) كان له (درع تسمى: «الخرنق» ) - بكسر الخاء المعجمة وإسكان الرّاء وكسر النّون وقاف- سميت باسم ولد الأرنب؛ كما في «العيون» وغيرها.
(و) أخرج البخاريّ ومسلم وأبو داود والتّرمذيّ والنّسائي وابن ماجه والتّرمذيّ في «الشمائل» - واللفظ له- كلّهم؛ من طريق مالك؛ عن الزّهري.
(عن أنس بن مالك) - وتقدمت ترجمته- (رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل مكّة) يوم الفتح (وعليه مغفر) ، ولا يعارضه ما مرّ من أنّه دخل مكّة وعليه عمامة سوداء!! لأنّه لا مانع من أنّه لبس العمامة السّوداء فوق المغفر، أو تحته؛ وقاية لرأسه من صدأ الحديد، ففي رواية «المغفر» الإشارة إلى كونه متأهّبا للقتال، وفي رواية «العمامة» الإشارة إلى كونه دخل غير محرم؛ كما صرّح به القسطلّاني.
فإن قلت: دخول مكّة وعليه المغفر يشكل عليه خبر «لا يحلّ لأحدكم أن يحمل بمكّة السّلاح» . رواه مسلم؛ عن جابر رضي الله تعالى عنه!!
و (المغفر) - بوزن منبر- زرد من حديد ينسج بقدر الرّأس يلبس تحت القلنسوة.
قلت: لا إشكال؛ لأنّه محمول على حمله في قتال لغير ضرورة، وهذا كان لضرورة، على أنّ مكّة أحلّت له ساعة من نهار، ولم تحلّ لأحد قبله ولا بعده. أمّا حمله فيها في غير قتال! فهو مكروه. والله أعلم.
(والمغفر) - بكسر الميم وفتح الفاء- (بوزن منبر) ؛ من الغفر، وهو السّتر، والمراد به هنا:(زرد من حديد ينسج بقدر الرّأس يلبس تحت القلنسوة)، وفي «المغرب» : ما يلبس تحت البيضة، ويطلق على البيضة أيضا.
وفرّق بعضهم بين المغفر والبيضة؛ بأنّ المغفر يشبه القلنسوة، وربّما يكون في حديدة تنزل على الأنف، وفي البيضة طول.
زاد الدّارقطني في «الفوائد» والحاكم في «الإكليل» : من حديد، وفي طرفها الأعلى احديداب قريب بيضة النّعامة، ولها حلق تنزل إلى العنق والكفّين والصّدر.
وزعم بعض أهل السّير أنّ للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مغفرين يقال لأحدهما: الوشح، وللآخر: السّبوع. وقال بعضهم: كانت له بيضة، وكانت في رأسه يوم أحد.
وينبغي أن يعلم أن الدّروع والبيضة والمغفر من جملة السّلاح؛ لأنّ السّلاح يطلق على ما يقتل به، وعلى ما يدفع به، وهؤلاء مما يدفع بها؛ كما تقدم في أوّل الباب. والله أعلم.