الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة القصص (28) : الآيات 52 الى 55]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55)
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها: أنها نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشيّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا عليه، قرأ عليهم سورة يس، فجعلوا يبكون وأسلموا.
وقيل: نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا من اليهود.
وقيل: نزلت في نصارى نجران.
وعلى أية حال فالآيات الكريمة تمدح قوما من أهل الكتاب أسلموا، وتعرض بالمشركين الذين أعرضوا عن دعوة الإسلام، مع أن في اتباعها سعادتهم ورشدهم.
والضمير في قوله مِنْ قَبْلِهِ يعود إلى القرآن الكريم، أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالموصول من آمن من أهل الكتاب، والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل.
أى: الذين آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى من قبل نزول القرآن عليك- أيها الرسول الكريم- هم به يؤمنون، لأنهم يرون فيه الحق الذي لا باطل معه، والهداية التي لا ننشوبها ضلالة.
وَإِذا يُتْلى عليهم هذا القرآن قالُوا بفرح وسرور آمَنَّا بِهِ بأنه كلام الله- تعالى- إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا أى: إنه الكتاب المشتمل على الحق الكائن من عند ربنا وخالقنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ أى: من قبل نزوله مُسْلِمِينَ وجوهنا لله- تعالى-، ومخلصين له العبادة.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فرق بين الاستئنافين إِنَّهُ وإِنَّا؟
قلت: الأول تعليل للإيمان به، لأن كونه حقا من الله حقيق بأن يؤمن به. والثاني: بيان لقوله: آمَنَّا بِهِ لأنه يحتمل أن يكون إيمانا قريب العهد وبعيده، فأخبروا أن إيمانهم به متقادم، لأن آباءهم القدماء قرءوا في الكتب الأول ذكره وأبناءهم من بعدهم، «1» .
ثم بين- سبحانه- ما أعده لهؤلاء الأخيار من ثواب فقال: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا.
أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات الكريمة يؤتون أجرهم مضاعفا بسبب صبرهم على مغالبة شهواتهم، وبسبب صبرهم على ما يستلزمه اتباع الحق من تكاليف.
قال القرطبي: قوله- تعالى- أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ثبت في صحيح مسلم عن أبى موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين:
رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله- عز وجل وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن تغذيتها، ثم أدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران» .
قال علماؤنا: لما كان كل واحد من هؤلاء مخاطبا بأمرين من جهتين استحق كل واحد منهم أجرين، فالكتابى كان مخاطبا من جهة نبيه، ثم إنه خوطب من جهة نبينا، فأجابه واتبعه فله أجر الملتين» «2» .
وقوله- تعالى- وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ بيان لصفة أخرى من صفاتهم الحسنة.
ويَدْرَؤُنَ من الدرء بمعنى الدفع ومنه الحديث الشريف: «ادرءوا الحدود بالشبهات» .
أى: لا يقابلون السيئة بمثلها، وإنما يعفون ويصفحون، ويقابلون الكلمة الخبيثة بالكلمة الحسنة.
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أى: ومما أعطيناهم من مال يتصدقون، بدون إسراف أو تقتير.
وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ أى: وإذا سمعوا الكلام الساقط الذي لا خير فيه.
انصرفوا عنه تكرما وتنزها.
(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 420.
(2)
تفسير القرطبي ج 13 ص 297.