المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 19] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٠

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد العاشر]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 30]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 52]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 53 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 62]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 63 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 74]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 75 الى 77]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 78 الى 80]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 81 الى 89]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 111]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 112 الى 118]

- ‌تفسير سورة النّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النور (24) : آية 1]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 23 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 46 الى 54]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة النور (24) : آية 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌تفسير سورة الفرقان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 20]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 62]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 63 الى 76]

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 77]

- ‌تفسير سورة الشّعراء

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 10 الى 17]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 18 الى 33]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 43 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 89]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 90 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 122]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 123 الى 140]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 141 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 175]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 176 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 199]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 200 الى 212]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 213 الى 220]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 221 الى 227]

- ‌تفسير سورة النّمل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 7 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 58]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 65 الى 75]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 82 الى 88]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 89 الى 93]

- ‌تفسير سورة القصص

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 21]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 22 الى 28]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 29 الى 35]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 52 الى 55]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 56 الى 61]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 75]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 76 الى 84]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 85 الى 88]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «المؤمنون»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «النور»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الفرقان»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الشعراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النمل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة القصص»

الفصل: ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 19]

صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من الكافرين.

فهم كانوا كفرعون وقومه في جحود الحق الذي جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم مع يقينهم بأنه حق، ولكن حال بينهم وبين الدخول أسباب متعددة، على رأسها العناد، والحسد، والعكوف على ما كان عليه الآباء، والكراهية لتغيير الأوضاع التي تهواها نفوسهم، وزينتها لهم شهواتهم

وبعد أن ساق- سبحانه- هذا الجانب من قصة موسى- عليه السلام، أتبع ذلك بالحديث عن جانب من النعم التي أنعم بها على نبيين كريمين من أنبيائه، وهما داود وسليمان- عليهما السلام فقال- تعالى-:

[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 19]

وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19)

وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً كلام مستأنف مسوق لتقرير قوله- تعالى-: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ إذ القرآن الكريم هو الذي قص

ص: 311

الله- تعالى- فيه أخبار السابقين، بالصدق والحق.

وداود هو ابن يسى، من سبط يهوذا من بنى إسرائيل، وكانت ولادته في بيت لحم سنة 1085 ق. م- تقريبا-، وهو الذي قتل جالوت، كما قال- تعالى-: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ

«1» . وكانت وفاته سنة 1000 ق م تقريبا.

وسليمان هو ابن داود- عليهما السلام ولد بأورشليم حوالى سنة 1043 ق م وتوفى سنة 975 ق م.

وقد جاء ذكرهما في سورتي الأنبياء وسبأ وغيرهما.

ويعتبر عهدهما أزهى عهود بنى إسرائيل، فقد أعطاهما الله- تعالى- نعما جليلة.

والمعنى: والله لقد أعطينا داود وابنه سليمان علما واسعا من عندنا، ومنحناهما بفضلنا وإحساننا معرفة غزيرة بعلوم الدين والدنيا.

أما داود فقد أعطاه- سبحانه- علم الزبور، فكان يقرؤه بصوت جميل، كما علمه صناعة الدروع.. قال- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا، يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ «2» .

وأما سليمان فقد آتاه- سبحانه- ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمه منطق الطير، ورزق الحكم السديد بين الناس. قال- تعالى-: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً «3» .

وقوله- سبحانه- وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بيان لموقفهما من نعم الله- تعالى- عليهما، وهو موقف يدل على حسن شكرهما لخالقهما.

والواو في قوله وَقالا للعطف على محذوف، أى: آتيناهما علما غزيرا فعملا بمقتضاه وشكرا الله عليه، وقالا: الحمد لله الذي فضلنا بسبب ما آتانا من علم ونعم، على كثير من عباده المؤمنين، الذين لم ينالوا ما نلنا من خيره وبره- سبحانه-.

قال صاحب الكشاف: «وفي الآية دليل على شرف العلم، وإنافة محله. وتقدم حملته

(1) سورة البقرة الآية 251.

(2)

سورة سبأ الآية 10.

(3)

سورة الأنبياء الآية 79.

ص: 312

وأهله، وأن نعمة العلم من أجل النعم، وأجزل القسم، وأن من أوتيه فقد أوتى فضلا على كثير من عباد الله..» «1» .

وفي التعبير بقوله- تعالى- فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ

دلالة على حسن أدبهما، وتواضعهما، حيث لم يقولا فضلنا على جميع عباده.

والمراد بالوراثة في قوله- تعالى-: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ

وراثة العلم والنبوة والملك. أى: وورث سليمان داود في نبوته وعلمه وملكه.

قال ابن كثير: «وقوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ. أى: في الملك والنبوة وليس المراد وراثة المال، إذ لو كان كذلك، لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود.. ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة فإن الأنبياء لا تورث أموالهم، أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» «2» .

ثم حكى- سبحانه- ما قاله سليمان على سبيل التحدث بنعم الله عليه، فقال- تعالى-: وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ

أى: وقال سليمان- عليه السلام على سبيل الشكر لله- تعالى-: يا أيها الناس:

علمنا الله- تعالى- بفضله وإحسانه فهم ما يريده كل طائر إذا صوت أو صاح، وأعطانا- سبحانه- من كل شيء نحتاجه وننتفع به في ديننا أو دنيانا.

وقدم نعمة تعليمه منطق الطير، لأنها نعمة خاصة لا يشاركه فيها غيره، وتعتبر من معجزاته- عليه السلام.

وقيل: إنه علم منطق جميع الحيوانات. وإنما ذكر الطير لأنه أظهر في النعمة، ولأن الطير كان جندا من جنده، يسير معه لتظليله من الشمس.

قال الآلوسى: «والجملتان- علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شيء- كالشرح للميراث.

وعن مقاتل: أنه أريد بما أوتيه النبوة والملك وتسخير الجن والإنس والشياطين والريح.

وعن ابن عباس: هو ما يريده من أمر الدنيا والآخرة» «3» .

وعبر عن نعم الله- تعالى- عليه بنون العظمة فقال أُوتِينا ولم يقل أوتيت،

(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 353.

(2)

تفسير ابن كثير ج 6 ص 192. [.....]

(3)

تفسير الآلوسى ج 19 ص 164.

ص: 313

للإشعار بأنه عبد من عباد الله المطاعين، الذين سخر لهم جنودا من الجن والإنس والطير، ليكونوا في خدمته، وليستعملهم في وجوه الخير لا في وجوه الشر، فهو لم يقل ذلك على سبيل التباهي والتعالي، وإنما قاله على سبيل التحدث بنعمة الله.

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ يعود إلى ما أعطاه الله- تعالى- إياه من العلم والملك وغيرهما.

أى: إن هذا الذي أعطانا إياه من العلم والملك، وكل شيء تدعو إليه الحاجة، لهو الفضل الواضح، والإحسان الظاهر منه- عز وجل ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر ملك سليمان- عليه السلام فتقول:

وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.

والحشر: الجمع. يقال: حشر القائد جنده إذا جمعهم لأمر من الأمور التي تهمه.

وقوله: يُوزَعُونَ من الوزع بمعنى الكف والمنع. يقال: وزعه عن الظلم وزعا، إذا كفه عنه.

ومنه قول عثمان بن عفان- رضى الله عنه-: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» .

ومنه قول الشاعر:

ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى

من الناس، إلا وافر العقل كامله

والمعنى: وجمع لسليمان- عليه السلام عساكره وجنوده من الجن والإنس والطير فَهُمْ يُوزَعُونَ أى: فهم محبوسون ومجموعون بنظام وترتيب، بحيث لا يتجاوز أحدهم مكانه أو منزلته أو وظيفته المسئول عنها.

فالتعبير بقوله يُوزَعُونَ يشعر بأن هؤلاء الجنود مع كثرتهم، لهم من يزعهم عن الفوضى والاضطراب، إذ الوازع في الحرب، هو من يدير أمور الجيش، وينظم صفوفه، ويرد من شذ من أفراده إلى جادة الصواب.

ولقد ذكر بعض المفسرين هنا أقوالا في عدد جيش سليمان، رأينا أن نضرب عنها صفحا، لضعفها ويكفينا أن نعلم أن الله- تعالى- قد سخر لسليمان جندا من الجن والإنس والطير، إلا أن عدد هؤلاء الجنود مرد علمه إلى الله- تعالى- وحده، وإن كان التعبير القرآنى يشعر بأن هؤلاء الجند المجموعين، يمثلون موكبا عظيما، وحشدا كبيرا.

ثم حكى- سبحانه- ما قاتله نملة عند ما رأت هذا الجيش العظيم المنظم، فقال

ص: 314

- تعالى-: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ، قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ، لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.

وحَتَّى هنا ابتدائية. أى: يبتدأ بها الكلام، وقوله قالَتْ نَمْلَةٌ جواب إذا.

وقوله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ من الحطم، وأصله: كسر الشيء.. يقال: حطم فلان الشيء إذا كسره، والمراد به هنا: الإهلاك والقتل.

والمعنى: وحشر لسليمان جنوده، فسار هؤلاء الجنود في قوة ونظام، حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ أى: على مكان يعيش فيه النمل في مملكة سليمان قالَتْ نَمْلَةٌ على سبيل النصح والتحذير بعد أن رأت سليمان وجنوده: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ أى:

ادخلوا أماكن سكناكم، وابتعدوا عن طريق هذا الجيش الكبير، وانجوا بأنفسكم، كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون بكم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم عدى أَتَوْا بعلى؟ قلت: يتوجه على معنين:

أحدهما: أن إتيانهم كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء

والثاني: أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره، من قولهم أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره..

فإن قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ ما هو؟ قلت: يحتمل أن يكون جوابا للأمر، وأن يكون نهيا بدلا من الأمر. والذي جوز أن يكون بدلا منه: أنه في معنى: لا تكونوا حيث أنتم فيحطمكم، على طريقة: لا أرينك هاهنا» «1» .

أى: لا تحضر ها هنا بحيث أراك.

ثم بين- سبحانه- ما فعله سليمان بعد أن أدرك ما قالته النملة لأفراد جنسها، فقال- تعالى-: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها أى: فسمع قولها السابق فاهتزت نفسه، وتبسم ضاحكا من قولها، لفطنتها إلى تحذير أبناء جنسها، ولسروره بما قالته عنه وعن جيشه، حيث وصفتهم بأنهم لا يقدمون على إهلاك النمل، إلا بسبب عدم شعورهم بهم.

وقوله ضاحِكاً حال مؤكدة لأنه قد فهم الضحك من التبسم. وقيل: هو حال مقدرة لأن التبسم أول الضحك.

ثم حكى- سبحانه- ما نطق به سليمان بعد ذلك فقال: وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ....

(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 356.

ص: 315