المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٠

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد العاشر]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 30]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 52]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 53 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 62]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 63 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 74]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 75 الى 77]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 78 الى 80]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 81 الى 89]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 111]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 112 الى 118]

- ‌تفسير سورة النّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النور (24) : آية 1]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 23 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 46 الى 54]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة النور (24) : آية 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌تفسير سورة الفرقان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 20]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 62]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 63 الى 76]

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 77]

- ‌تفسير سورة الشّعراء

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 10 الى 17]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 18 الى 33]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 43 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 89]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 90 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 122]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 123 الى 140]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 141 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 175]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 176 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 199]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 200 الى 212]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 213 الى 220]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 221 الى 227]

- ‌تفسير سورة النّمل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 7 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 58]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 65 الى 75]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 82 الى 88]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 89 الى 93]

- ‌تفسير سورة القصص

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 21]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 22 الى 28]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 29 الى 35]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 52 الى 55]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 56 الى 61]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 75]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 76 الى 84]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 85 الى 88]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «المؤمنون»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «النور»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الفرقان»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الشعراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النمل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة القصص»

الفصل: ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

النافعة، لكي تعقلوا ما اشتملت عليه من هدايات، توصلكم متى انتفعتم بها إلى السعادة والفلاح.

وبعد أن ساقت السورة الكريمة ما ساقت من أحكام وآداب منها ما يتعلق بالحدود، ومنها ما يتعلق بالاستئذان، ومنها ما يتعلق بالتستر والاحتشام، ومنها ما يتعلق بتنظيم العلاقات بين الأقارب والأصدقاء

بعد كل ذلك اختتمت ببيان ما يجب أن يكون عليه المؤمنون من أدب مع رسولهم صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-:

[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)

روى ابن إسحاق في سبب نزول هذه الآيات ما ملخصه: أنه لما كان تجمع قريش وغطفان في غزوة الأحزاب، ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم خندقا حول المدينة وعمل معه المسلمون فيه، فدأب فيه ودأبوا، وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك، رجال من المنافقين، وجعلوا يورّون- أى يستترون- بالضعيف من العمل، ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن. وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة

ص: 158

التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذن في اللحوق لحاجته، فيأذن له، فإذا قضى حاجته، رجع إلى ما كان فيه من العمل رغبة في الخير واحتسابا له. فأنزل الله هذه الآيات في المؤمنين وفي المنافقين «1» .

والمراد بالأمر الجامع في قوله: وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ: الأمر الهام الذي يستلزم اشتراك الجماعة في شأنه، كالجهاد في سبيل الله، وكالإعداد لعمل من الأعمال العامة التي تهم المسلمين جميعا.

والمعنى: إن من شأن المؤمنين الصادقين، الذين آمنوا بالله ورسوله حق الإيمان أنهم إذا كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر جامع من الأمور التي تقتضي اشتراكهم فيه، لم يفارقوه ولم يذهبوا عنه، حتى يستأذنوه في المفارقة أو في الذهاب، لأن هذا الاستئذان دليل على قوة الإيمان، وعلى حسن أدبهم مع نبيهم صلى الله عليه وسلم.

قال الآلوسى: وقوله: وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ

معطوف على آمَنُوا داخل معه في حيز الصلة، والحصر باعتبار الكمال. أى: إنما الكاملون في الإيمان الذين آمنوا بالله- تعالى-، وبرسوله صلى الله عليه وسلم من صميم قلوبهم، وأطاعوا في جميع الأحكام التي من جملتها ما فصل من قبل. وإذا كانوا معه صلى الله عليه وسلم على أمر مهم يجب إجماعهم في شأنه كالجمعة والأعياد والحروب، وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع

لم يذهبوا عنه صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ في الذهاب فيأذن لهم

«2» .

وخص- سبحانه- الأمر الجامع بالذكر، للإشعار بأهميته ووجوب البقاء معه صلى الله عليه وسلم حتى يعطيهم الإذن بالانصراف، إذ وجودهم معه يؤدى إلى مظاهرته صلى الله عليه وسلم ومعاونته في الوصول إلى أفضل الحلول لهذا الأمر الهام.

ثم مدح- سبحانه- الذين لا يغادرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانوا معه على أمر جامع حتى يستأذنوه فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.

أى: إن الذين يستأذنونك في تلك الأحوال الهامة، والتي تستلزم وجودهم معك، أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله حق الإيمان، لأن هذا الاستئذان في تلك الأوقات دليل على طهارة نفوسهم، وصدق يقينهم، وصفاء قلوبهم.

ثم بين- سبحانه- وظيفته- صلى الله عليه وسلم فقال: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ، فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

(1) السيرة النبوية لابن إسحاق ج 3 ص 230.

(2)

تفسير الآلوسى ج 18 ص 223.

ص: 159

أى: فإذا استأذنك هؤلاء المؤمنون في الانصراف، لقضاء بعض الأمور والشئون التي هم في حاجة إليها، فأنت مفوض ومخير في إعطاء الإذن لبعضهم وفي منعه عن البعض الآخر، إذ الأمر في هذه المسألة متروك لتقديرك- أيها الرسول الكريم-.

وقوله- تعالى- وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ فيه إشارة إلى أنه كان الأولى بهؤلاء المؤمنين، أن يبقوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ينتهوا من حل هذا الأمر الجامع الذي اجتمعوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من أجله، وحتى يأذن لهم صلى الله عليه وسلم في الانصراف دون أن يطلبوا منه ذلك، فإن الاستئذان قبل البت في الأمر الهام الذي يتعلق بمصالح المسلمين جميعا، غير مناسب للمؤمنين الصادقين، ويجب أن يكون في أضيق الحدود، وأشد الظروف، ومع كل ذلك، فالله- تعالى- واسع المغفرة لعباده عظيم الرحمة بهم.

ثم أكد الله- تعالى- وجوب التوقير والتعظيم لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً....

ولأهل العلم في تفسير هذه الآية أقوال من أهمها: أن المصدر هنا وهو لفظ «دعاء» مضاف إلى مفعوله، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه مدعو، فيكون المعنى:

لا تجعلوا- أيها المؤمنون- دعاءكم الرسول إذا دعوتموه، ونداءكم له إذا ما ناديتموه، كدعاء أو نداء بعضكم لبعض، وإنما عليكم إذا ما ناديتموه أن تنادوه بقولكم، يا نبي الله، أو يا رسول الله، ولا يليق بكم أن تنادوه باسمه مجردا، بأن تقولوا يا محمد.

كما أن من الواجب عليكم أن تخفضوا أصواتكم عند ندائه توقيرا واحتراما له صلى الله عليه وسلم والمتتبع للقرآن الكريم، يرى أن الله- تعالى- لم يناد رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم باسمه مجردا، وإنما ناداه بقوله: يا أيها المدثر، يا أيها الرسول، يا أيها النبي

وإذا كان اسمه صلى الله عليه وسلم قد ورد في القرآن الكريم في أكثر من موضع، فإن وروده لم يكن في معرض النداء، وإنما كان في غيره كما في قوله- تعالى- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ

«1» .

فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن أن ينادوا أو يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه مجردا، كما يخاطب بعضهم بعضا.

ومن العلماء من يرى أن المصدر هنا مضاف إلى فاعله، فيكون المعنى: لا تقيسوا دعاءه

(1) سورة الفتح الآية 29.

ص: 160

إياكم على دعاء بعضكم بعضا، بل يجب عليكم متى دعاكم لأمر أن تلبوا أمره بدون تقاعس أو تباطؤ.

وعلى كلا التفسيرين فالآية الكريمة تدل على وجوب توقير الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه.

وشبيه بها قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ «1» .

ثم حذر- سبحانه- المنافقين من سوء عاقبة أفعالهم فقال: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

وقد هنا للتحقيق. ويتسللون من التسلل، وهو الخروج في خفاء مع تمهل وتلصص.

وقوله لِواذاً مصدر في موضع الحال أى: ملاوذين. والملاوذة معناها: الاستتار بشيء مخافة من يراك، أو هي الروغان من شيء إلى شيء على سبيل الخفاء.

أى: إن الله- تعالى- عليم بحال هؤلاء المنافقين الذين يخرجون من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم في خفاء واستتار: بحيث يخرجون من الجماعة قليلا قليلا، يستتر بعضهم ببعض حتى يخرجوا جميعا.

قالوا: وكان المنافقون تارة يخرجون إذا ارتقى الرسول صلى الله عليه وسلم المنبر. ينظرون يمينا وشمالا. ثم يخرجون واحدا واحدا. وتارة يخرجون من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وتارة يفرون من الجهاد يعتذرون بالمعاذير الباطلة.

وعلى أية حال فالآية الكريمة تصور خبث نفوسهم، والتواء طباعهم، وجبن قلوبهم، أبلغ تصوير، حيث ترسم أحوالهم وهم يخرجون في خفاء متسللين، حتى لا يراهم المسلمون.

والفاء في قوله- تعالى-: فَلْيَحْذَرِ

لترتيب ما بعدها على ما قبلها. والضمير في قوله: عَنْ أَمْرِهِ يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الله- تعالى- والمعنى واحد، لأن الرسول مبلغ عن الله- تعالى-.

والمخالفة معناها: أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو فعله.

والمعنى: فليحذر هؤلاء المنافقون الذين يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويصدون الناس عن دعوته. ويتباعدون عن هديه، فليحذروا من أن تصيبهم فتنة، أى: بلاء وكرب يترتب عليه

(1) سورة الحجرات الآيتان 2، 3.

ص: 161

افتضاح أمرهم، وانكشاف سرهم، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يستأصلهم عن آخرهم، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

قال القرطبي: وبهذه الآية احتج الفقهاء على أن الأمر للوجوب، ووجهها أن الله- تعالى- قد حذر من مخالفة أمره، وتوعد بالعقاب عليها بقوله: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فتحرم مخالفته، ويجب امتثال أمره» «1» .

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بقوله: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

أى: له- سبحانه- ما في السموات والأرض من موجودات خلقا وملكا وتصرفا وإيجادا قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ أيها المكلفون من طاعة أو معصية، ومن استجابة لأمره أو عدم استجابة.

وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أى: ويعلم- سبحانه- أحوال خلقه جميعا يوم يرجعون إليه يوم القيامة. فيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.

وَاللَّهُ- تعالى- بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ بحيث لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وبعد: فهذه هي سورة «النور» وهذا تفسير محرر لها.

نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.

وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم كتبه الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى القاهرة- مدينة نصر ظهر السبت 20 من ربيع الآخر 1405 هـ الموافق 11/ 1/ سنة 1985 م

(1) تفسير القرطبي ج 12 ص 322.

ص: 162