المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٠

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد العاشر]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 30]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 52]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 53 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 62]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 63 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 74]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 75 الى 77]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 78 الى 80]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 81 الى 89]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 111]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 112 الى 118]

- ‌تفسير سورة النّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النور (24) : آية 1]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 23 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 46 الى 54]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة النور (24) : آية 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌تفسير سورة الفرقان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 20]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 62]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 63 الى 76]

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 77]

- ‌تفسير سورة الشّعراء

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 10 الى 17]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 18 الى 33]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 43 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 89]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 90 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 122]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 123 الى 140]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 141 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 175]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 176 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 199]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 200 الى 212]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 213 الى 220]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 221 الى 227]

- ‌تفسير سورة النّمل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 7 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 58]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 65 الى 75]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 82 الى 88]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 89 الى 93]

- ‌تفسير سورة القصص

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 21]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 22 الى 28]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 29 الى 35]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 52 الى 55]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 56 الى 61]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 75]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 76 الى 84]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 85 الى 88]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «المؤمنون»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «النور»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الفرقان»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الشعراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النمل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة القصص»

الفصل: ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

عائشة. ثم استأذن نساءه- رضى الله عنهن- أن يمرّض في بيتها، وفيه توفى في حجرها» «1» .

هذه بعض الأحكام والآداب التي تؤخذ من هذه الآيات، ومن أراد المزيد فليرجع إلى أمهات كتب التفسير، ففيها ما يشبع وينفع.

وبعد أن بين- سبحانه- قبح جريمة الزنا، وشناعة جريمة القذف، وعقوبة كل من يقع في هاتين الجريمتين، أتبع ذلك ببيان الآداب التي تحمل المتمسك بها على التحلي بالفضيلة والنقاء والطهر

وبدأ- سبحانه- بآداب الاستئذان فقال- تعالى-:

[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29)

ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات، أن امرأة من الأنصار جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنى أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتى الأب فيدخل على وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلى وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزل قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا.

فقال أبو بكر- رضى الله عنه- يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق

(1) راجع تفسير القاسمى ج 12 ص 4494.

ص: 108

الشام، ليس فيها ساكن، فأنزل الله- تعالى-: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ «1» .

والمراد بالبيوت في قوله- تعالى-: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً.. البيوت المسكونة من أصحابها، بدليل قوله- سبحانه- بعد ذلك، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ.

وقوله- تعالى-: تَسْتَأْنِسُوا، من الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف، فهو من آنس الشيء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا، ومنه قوله- تعالى- فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً، قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً.. «2» أى: قال لأهله إنى رأيت نارا.

ويصح أن يكون من الاستئناس الذي هو ضد الاستيحاش، لأن الذي يقرع باب غيره لا يدرى أيؤذن له أم لا، فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له أهل البيت في الدخول، زالت وحشته، ودخل وهو مرتاح النفس.

وعلى هذا المعنى يكون الكلام من باب المجاز، حيث أطلق اللازم وهو الاستئناس، وأريد الملزوم وهو الإذن في الدخول.

والمعنى: يا من آمنتم بالله- تعالى- حق الإيمان، لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم التي تسكنونها، والتي هي مسكونة لسواكم «حتى تستأنسوا» ، أى: حتى تعلموا أن صاحب البيت قد أذن لكم، ورضيت نفسه بدخولكم «وتسلموا على أهلها» أى: وتسلموا السلام الشرعي على أهل هذه البيوت الساكنين فيها.

وعبر- سبحانه- عن الاستئذان في الدخول بالاستئناس، لأنه يوحى بأن القادم قد استأنس بمن يريد الدخول عليهم وهم قد أنسوا به، واستعدوا لاستقباله، فهو يدخل عليهم بعد ذلك وهم متهيئون لحسن لقائه. فإذا ما صاحب كل ذلك التسليم عليهم. كان حسن اللقاء أتم وأكمل.

وقوله ذلِكُمْ: أى الاستئناس والتسليم قبل الدخول خَيْرٌ لَكُمْ من الدخول بدون استئناس أو استئذان أو تسليم.

وقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ متعلق بمحذوف، ولعل هنا للتعليل. أى: أرشدناكم إلى هذا الأدب السامي، وبيناه لكم، كي تعملوا به، وتكونوا دائما متذكرين له، وتتركوا اقتحام

(1) تفسير القرطبي ج 12 ص 213.

(2)

سورة القصص الآية 29.

ص: 109

بيوت غيركم بدون استئذان منهم.

ثم بين- سبحانه- حالة أخرى توجب عليهم الاستئذان، فقال: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ

أى: فإن لم تجدوا في هذه البيوت أحدا، بأن كانت خالية من سكانها لظرف من الظروف، فلا يصح لكم- أيضا- أن تدخلوها، حتى يؤذن لكم في دخولها ممن يملك الإذن بذلك.

قال صاحب الكشاف: «وذلك أن الاستئذان لم يشرع لئلا يطلع الدامر- أى الداخل بغير إذن- على عورة، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط، وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم، ويتحفظون من اطلاع أحد عليها، ولأنه تصرف في ملك غيرك، فلا بد من أن يكون برضاه. وإلا أشبه الغصب والتغلب» «1» .

فالآية الأولى لبيان حكم دخول البيوت المسكونة بأهلها، وهذه لبيان حكم دخول البيوت الخالية من سكانها.

وقوله- تعالى-: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ بيان لما يجب عليهم في حالة عدم الإذن لهم بالدخول.

أى: وإن قيل لكم من جهة أهل البيت ارجعوا ولا تدخلوا، فارجعوا ولا تلحوا في طلب الدخول، فإن هذا الرجوع هو أطهر لأخلاقكم، وأبقى لمرءوتكم. من الإلحاح في الاستئذان، ومن الوقوف على أبواب أصحابها قد تكون أحوالهم لا تسمح لكم بالدخول عليهم.

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تذييل قصد به التحذير من مخالفة ما أمر الله- تعالى- به، وما نهى- سبحانه- عنه.

أى: والله- تعالى- لا تخفى عليه خافية من أعمالكم، فأصلحوها، والتزموا باتباع ما أمركم به، وما نهاكم عنه، فإنه- سبحانه- سيجازيكم عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.

فالمقصود من هذا الإخبار: إفادة لازمه وهو المجازاة على هذه الأعمال.

وقوله- سبحانه-: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ بمنزلة الاستثناء من الأحكام التي اشتملت عليها الآيتان السابقتان.

فقد ذكر المفسرون أنه لما نزلت آية الاستئذان، قال بعض الصحابة يا رسول الله. كيف

(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 228. [.....]

ص: 110

بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام وبيت المقدس، وهي على ظهر الطريق، وليس فيها ساكن من أربابها، فنزلت هذه الآية.

والمراد بالمتاع: التمتع والانتفاع بها.

أى: ليس عليكم- أيها المؤمنون- حرج أو إثم في أن تدخلوا بغير استئذان بيوتا غير معدة لسكنى طائفة معينة من الناس، بل هي معدة لينتفع بها من يحتاج إليها من دون أن يتخذها مسكنا له، كالرباطات، والفنادق، والحوانيت، والحمامات، وغير ذلك من الأماكن المعدة للراحة المؤقتة لا للسكن والإقامة.

وقوله: فِيها مَتاعٌ لَكُمْ أى: فيها حق تمتع وانتفاع لكم، كالوقاية من الحر والبرد.

وكتبادل المنافع فيما بينكم بالبيع أو الشراء، وغير ذلك مما يتناسب مع وظيفة هذه البيوت غير المسكونة.

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ وعيد وتحذير آخر لأولئك الذين يدخلون البيوت ولا يرعون حرمتها، بل يبيحون لعيونهم ولجوارحهم، ما لم تبحه آداب الإسلام، وتعاليمه، كالتطلع إلى العورات. وما يشبه ذلك من المقاصد السيئة.

أى: والله- تعالى- وحده يعلم ما تظهرونه وما تخفونه من أقوال وأعمال، وسيحاسبكم عليها، فاحذروا أن تسلكوا مسلكا لا يرضى خالقكم عنكم.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:

1-

أن على كل إنسان- سواء أكان رجلا أم امرأة- أن يستأذن ويسلم قبل الدخول على غيره في بيته، لأن الله- تعالى- يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها

فهذا نهى صريح عن الدخول بدون استئذان.

إلا أن جمهور الفقهاء يرون أن الطلب في الاستئناس على سبيل الوجوب وفي السلام على سبيل الندب، كما هو حكم السلام في غير هذا الموطن.

2-

يرى بعض العلماء أن القادم يبدأ بالاستئذان قبل السلام، كما جاء في الآية الكريمة، ويرى كثير منهم تقديم السلام على الاستئذان، لأن الواو لا تستلزم الترتيب، ولأن هناك أحاديث متعددة، تفيد أن السلام مقدم على الاستئذان، ومنها ما أخرجه الترمذي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«السلام قبل الكلام» «1» .

(1) تفسير ابن كثير ج 6 ص 29.

ص: 111

وبعض العلماء فصل في هذه المسألة فقال: إن كان القادم يرى أحدا من أهل البيت، سلم أولا ثم استأذن في الدخول، وإن كان لا يرى أحدا منهم قدم الاستئذان على السلام.

وهذا الرأى وجاهته ظاهرة، لأن فيه جمعا بين الأدلة.

3-

لا صحة لما ذكره بعضهم من أن أصل الآية «حتى تستأذنوا» ، وأن الكاتبين أخطئوا في كتابتهم فكتبوا «حتى تستأنسوا» ، وذلك لأن جميع الصحابة أجمعوا على كتابة «حتى تستأنسوا» في جميع نسخ المصحف العثماني، وعلى تلاوة الآية بلفظ «تستأنسوا» ومضى على ذلك إجماع المسلمين في كل مكان، سواء في كتابتهم للمصحف أم في قراءتهم له.

قال القرطبي: إن مصاحف الإسلام كلها، قد ثبت فيها «حتى تستأنسوا» وصح الإجماع فيها من لدن عثمان، فهي لا تجوز مخالفتها. وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح.. وقد قال الله- تعالى- لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «1» وقال- سبحانه- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «2» . سورة الحجر الآية 9.

4-

ظاهر قوله- تعالى-: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا.. أن الاستئذان غير مقيد بعدد، إلا أن السنة الصحيحة قد بينت أن الاستئذان يكون ثلاث مرات فإن لم يؤذن له بعدها انصرف.

ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ما رواه البخاري عن أبى سعيد الخدري قال:

كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى- كأنه مذعور- فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت فقال: ما منعك- أى من الدخول-؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع.

فقال لي: لتأتين بالبينة. فهل منكم أحد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؟ فقام معه أبى بن كعب، فأخبر عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.

قال بعض العلماء: «والراجح أن الواجب إنما هو الاستئذان مرة. فأما كمال العدد ثلاثا فهو حق المستأذن إن شاء أكمله، وإن شاء اقتصر على مرة أو مرتين. فقد ثبت أن عمر بن الخطاب استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، فلم يؤذن له فرجع، فتبعه غلام فقال له: ادخل فقد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم «3» .

5-

ظاهر قوله- تعالى- لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا يفيد أنهم

(1) سورة فصلت الآية 42.

(2)

تفسير القرطبي ج 13 ص 214.

(3)

راجع تفسير آيات الأحكام ج 3 ص 149 لفضيلة الشيخ محمد على السائس- رحمه الله.

ص: 112

ليس عليهم استئذان في دخول بيوتهم. إلا أن هذا الظاهر يصح حمله على الزوجة. لأنه يجوز بين الزوج وزوجته من الأحوال ما لا يجوز لأحد غيرهما، ومع ذلك فإنه ينبغي أن يشعر الرجل زوجته بقدومه، حتى لا يفاجئها بما تكره له أن يطلع عليه.

ورحم الله الإمام ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهذه الآيات: وهذا- أى عدم الاستئذان على الزوجة- محمول على عدم الوجوب، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها.. ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا «1» .

وأما بالنسبة لغير زوجته، كأمه، وأخواته، وبنيه وبناته البالغين، فإنه يلزمه أن يستأذن عليهم، لأنه إن دخل عليهم بدون استئذان، فقد تقع عينه على ما لا يصح الاطلاع عليه.

ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى. ما أخرجه مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأستأذن على أمى؟ قال: «نعم قال: ليس لها خادم غيرى، أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال صلى الله عليه وسلم أتحب أن تراها عريانة؟ قال:

لا.. قال: فاستأذن عليها» «2» .

وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع: كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم، لم يدخل عليه إلا بإذن.

6-

وردت أحاديث متعددة في كيفية الاستئذان، وفي التحذير من التطلع إلى بيوت الغير بدون إذن.

فمن آداب الاستئذان أن لا يقف المستأذن أمام الباب بوجهه. ولكنه يجعل الباب عن يمينه أو عن يساره، ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما أخرجه أبو داود عن عبد الله بن بشر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: السلام عليكم.

كذلك من آداب الاستئذان أن لا يقول المستأذن «أنا» في الرد على رب المنزل، وإنما يذكر اسمه، ففي صحيح البخاري عن جابر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبى، فدققت الباب، فقال: من ذا؟ قلت: أنا. فقال: أنا، أنا، كأنه كرهها» «3» .

ولعل السر في النهى عن الرد بلفظ «أنا» أن هذا اللفظ يعبر به كل واحد عن نفسه، فلا تحصل به معرفة شخصية المستأذن، والمقصود بالاستئذان الإفصاح لا الإبهام.

(1) تفسير ابن كثير ج 6 ص 40.

(2)

تفسير القرطبي ج 12 ص 219.

(3)

تفسير ابن كثير ج 6 ص 38.

ص: 113