الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الإمام ابن كثير: وقوله: إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً دعاء لهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن رحمته واسعة، وأن حمله عظيم وأن من تاب إليه تاب عليه، فهؤلاء مع كذبهم.
وافترائهم. وفجورهم. وبهتهم. وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا، يدعوهم- سبحانه- إلى التوبة والإقلاع عما هم عليه من كفر إلى الإسلام والهدى. كما قال- تعالى-: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود. قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة.. «1»
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك شبهة ثالثة، تتعلق بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنكروا أن يكون الرسول من البشر وأن يكون آكلا للطعام وماشيا في الأسواق، فقال- تعالى-:
[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 11]
وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11)
(1) تفسير ابن كثير ج 6 ص 102.
ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآيات أن جماعة من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد بما جئت به مالا جمعنا لك المال حتى تكون أغنانا، وإن كنت تريد ملكا، جعلناك ملكا علينا..
فقالوا: فإن كنت غير قابل شيئا مما عرضنا عليك، فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا..
فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله- تعالى- بعثني بشيرا ونذيرا» فأنزل الله تعالى في قولهم ذلك.. «1» .
والضمير في قوله- تعالى-: وَقالُوا يعود إلى مشركي قريش و «ما» استفهامية بمعنى إنكار الوقوع ونفيه، وهي مبتدأ، والجار والمجرور بعدها الخبر. وجملة «يأكل الطعام» حال من الرسول.
أى: أن مشركي قريش لم يكتفوا بقولهم إن محمد صلى الله عليه وسلم قد افترى القرآن، وإن القرآن أساطير الأولين. بل أضافوا إلى ذلك أنهم قالوا على سبيل السخرية والتهكم والإنكار لرسالته: كيف يكون محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا، وشأنه الذين نشاهده بأعيننا. أنه «يأكل الطعام» كما يأكل سائر الناس «ويمشى في الأسواق» أى: ويتردد فيها كما نتردد طلبا للرزق. «لولا أنزل إليه ملك» أى: هلا أنزل إليه ملك يعضده ويساعده ويشهد له بالرسالة «فيكون» هذا الملك «معه نذيرا» أى: منذرا من يخالفه بسوء المصير.
«أو يلقى إليه» أى: إلى الرسول صلى الله عليه وسلم «كنز» أى: مال عظيم يغنيه عن التماس الرزق بالأسواق كسائر الناس، وأصل الكنز، جعل المال بعضه على بعض وحفظه. من كنز التمر في الوعاء، إذا حفظه. «أو تكون له» صلى الله عليه وسلم «جنة يأكل منها» أى: حديقة مليئة بالأشجار المثمرة، لكي يأكل منها ونأكل معه من خيرها.
«وقال الظالمون» فضلا عن كل ذلك «إن تتبعون» أى: ما تتبعون «إلا رجلا مسحورا» أى: مغلوبا على عقله، ومصابا بمرض قد أثر في تصرفاته.
(1) تفسير الآلوسى ج 18 ص 237.
فأنت ترى أن هؤلاء الظالمين قد اشتمل قولهم الذي حكاه القرآن عنهم- على ست قبائح- قصدهم من التفوه بها صرف الناس عن اتباعه صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآيات: أى: إن صح أنه رسول الله فما باله حاله كحالنا «يأكل الطعام» كما نأكل، ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد. يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش، ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكا إلى، اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك، حتى يتساندا في الإنذار والتخويف، ثم نزلوا- أيضا- فقالوا: وإن لم يكن مرفودا بملك، فليكن مرفودا بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلا له بستان يأكل منه ويرتزق
…
وأراد بالظالمين: إياهم بأعيانهم. وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوا.. «1» .
وقد رد الله- تعالى- على مقترحاتهم الفاسدة، بالتهوين من شأنهم وبالتعجيب من تفاهة تفكيرهم، وبالتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم فقال: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا.
أى: انظر- أيها الرسول الكريم- إلى هؤلاء الظالمين، وتعجب من تعنتهم، وضحالة عقولهم. وسوء أقاويلهم. حيث وصفوك تارة بالسحر. وتارة بالشعر. وتارة بالكهانة. وقد ضلوا عن الطريق المستقيم في كل ما وصفوك به. وبقوا متحيرين في باطلهم، دون أن يستطيعوا الوصول إلى السبيل الحق. وإلى الصراط المستقيم.
فالآية الكريمة تعجيب من شأنهم، واستعظام لما نطقوا به. وحكم عليهم بالخيبة والضلال، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما قالوه في شأنه.
ثم أضاف- سبحانه- إلى هذه التسلية. تسلية أخرى لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً.
أى: جل شأن الله تعالى، وتكاثرت خيراته، فهو- سبحانه- الذي- إن شاء- جعل لك في هذه الدنيا- أيها الرسول الكريم- خيرا من ذلك الذي اقترحوه من الكنوز والبساتين، بأن يهبك جنات عظيمة تجرى من تحت أشجارها الأنهار، ويهبك قصورا فخمة ضخمة.
(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 265.