الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير قال الله- تعالى-:
[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (6)
سورة القصص من السور التي افتتحت ببعض الحروف الهجائية..
وقد رجحنا أن هذه الحروف، قد افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم، للإيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن الكريم.
فكأن الله- تعالى- يقول لهؤلاء المعارضين في أن القرآن من عند الله- تعالى-: هاكم القرآن ترونه مؤلفا من حروف هي من جنس الحروف الهجائية، ومنظوما من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم.
فإن كنتم في شك في كون هذا القرآن من عند الله، فهاتوا مثله، أو عشر سور من مثله
أو سورة واحدة من مثله وادعوا من شئتم من الخلق لكي يعاونكم في ذلك.
فلما عجزوا- وهم أهل الفصاحة والبيان- ثبت أن غيرهم أعجز، وأن هذا القرآن من عند الله- تعالى-.
وتِلْكَ اسم إشارة، والمشار إليه الآيات. والمراد بها آيات القرآن الكريم، ويندرج فيها آيات هذه السورة التي معنا.
الْكِتابِ: مصدر كتب كالكتب. وأصله ضم أديم إلى آخر بالخياطة، واستعمل عرفا في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط. والمراد به: القرآن الكريم.
والْمُبِينِ: أى: الواضح المظهر للحق من الباطل، من أبان بمعنى أظهر.
أى: تلك الآيات التي أنزلناها عليك- أيها الرسول الكريم- هي آيات الكتاب المظهر للحق من الباطل، والموضح للخير من الشر، والكاشف عن حقائق الأمور، وعن قصص الأولين.
ثم بين- سبحانه-: ما سيقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السورة فقال: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
وقوله- تعالى- نَتْلُوا من التلاوة بمعنى القراءة المرتلة التي يقصد منها التذكير والإرشاد.
والنبأ: الخبر العظيم المشتمل على أمور من شأنها أن يهتم الناس بها.
وموسى- عليه السلام: هو ابن عمران بن يصهر بن ماهيث بن لاوى بن يعقوب- عليه السلام وكانت ولادة موسى في حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
وفرعون: اسم كان يطلق في القديم على كل ملك لمصر، كما يقال لملك الروم: قيصر، ولملك اليمن: تبع.
ويرى كثير من المؤرخين أن فرعون مصر، الذي ولد وبعث في عهده موسى- عليه السلام هو منفتاح ابن الملك رمسيس الثاني.
قال الآلوسى ما ملخصه: والظاهر أن مِنْ في قوله نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ
…
تبعيضية. والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لمفعول نَتْلُوا المحذوف. وقوله بِالْحَقِّ حال من فاعل نَتْلُوا أى: نتلو ملتبسين بالحق، أو من مفعوله، أى: نتلو شيئا من نبئهما ملتبسا بالحق
…
«1» .
(1) تفسير الآلوسى ج 20 ص 42.
والمعنى: نتلو عليك- أيها الرسول الكريم- تلاوة كلها حق وصدق، شيئا عجيبا، وخبرا هاما، يتعلق بقصة موسى- عليه السلام، وبقصة فرعون.
وقوله- سبحانه-: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أى: نتلو عليك هذه الآيات، لقوم يؤمنون بها، وينتفعون بما اشتملت عليه من هدايات وعبر وعظات.
وقوله- تعالى-: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً
…
كلام مستأنف لتفصيل ما أجمله من النبأ.
وقوله عَلا فِي الْأَرْضِ أى تكبر فيها وطغى، من العلو بمعنى الارتفاع. والمقصود أنه جاوز كل حد في غروره وظلمه وعدوانه. والمراد بالأرض: أرض مصر وما يتبعها من بلاد.
وشِيَعاً جمع شيعة، وهم الأتباع والجماعات، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعته.
أى: إن فرعون طغى وبغى وتجبر في الأرض، وجعل أهلها شيعا وأتباعا له، وصار يستعمل كل طائفة منهم، فيما يريده من أمور دولته، فهذه الطائفة للبناء، وتلك للسحر، وثالثة لخدمته ومناصرته على ما يريد..
وجملة يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ لبيان حال الذين جعلهم شيعا وأحزابا.
والمراد بهذه الطائفة: بنو إسرائيل.
أى: أنه بعد أن جعل أهل مملكته شيعا وأحزابا اختص طائفة منهم بالإذلال والقهر والظلم، فصار يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم. أى: يذبح الذكور من بنى إسرائيل بمجرد ولادتهم، ويترك الإناث أحياء.
قال الإمام الرازي ما ملخصه: وفي ذبح الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:
أحدها: أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال. وذلك يقتضى انقطاع النسل..
ثانيها: أن هلاك الذكور يقتضى فساد مصالح النساء في المعيشة، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال..
ثالثها: أن قتل الذكور عقب الحمل الطويل، وتحمل الكد، والرجاء القوى في الانتفاع به، من أعظم العذاب..
رابعها: أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهن، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات للأعداء، وذلك نهاية الذل والهوان «1» .
(1) تفسير الفخر الرازي ج 1 ص 358.
قالوا: وإنما كان فرعون يذبح الذكور من بنى إسرائيل دون الإناث، لأن الكهنة أخبروه، بأن مولودا سيولد من بنى إسرائيل، يكون ذهاب ملك فرعون على يده.
وقوله- سبحانه-: إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ تعليل وتأكيد لما كان عليه فرعون من تجبر وطغيان.
أى: إن فرعون كان من الراسخين في الفساد والإفساد، ولذلك فعل ما فعل من ظلم لغيره، ومن تطاول جعله يقول للناس: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.
ثم بين- سبحانه- ما اقتضته إرادته وحكمته، من تنفيذ وعيده في القوم الظالمين، مهما احتاطوا وحذروا، ومن إنقاذه للمظلومين بعد أن أصابهم من الظلم ما أصابهم فقال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ.
وقوله نَمُنَّ من المن بمعنى التفضل، ومنه قوله- تعالى-: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
…
أى: لقد تفضل عليهم، وأحسن إليهم.
وقوله: وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ من التمكين، وأصله: أن نجعل للشيء مكانا يستقر فيه، ويحل به. ثم استعير للتسليط وللحصول على القوة بعد الضعف، وللعز بعد الذل.
وقوله: يَحْذَرُونَ من الحذر، بمعنى الاحتراس والاحتراز من الوقوع في الأمر المخيف. يقال: حذر فلان فلانا، إذا خافه واحترس منه.
قال الشوكانى: والواو، في قوله وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ للعطف على جملة، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ لأن بينهما تناسبا من حيث إن كل واحدة منهما، للتفسير والبيان للنبأ.
ويجوز أن تكون حالا من فاعل يَسْتَضْعِفُ بتقدير مبتدأ. أى: ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض.. والأول أولى «1» .
والمعنى: لقد طغا فرعون وبغى، ونحن بإرادتنا وقدرتنا نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ونتفضل على بنى إسرائيل، الذين استضعفوا في الأرض، بأن ننجيهم من ظلمه، وننقذهم من قهره وبغيه.
وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ للأرض المباركة، التي نعطيهم إياها متى آمنوا وأصلحوا، كما قال- تعالى-: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا، وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ
(1) تفسير فتح القدير ج 4 ص 159.