المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النور (24) : الآيات 2 الى 3] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٠

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد العاشر]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 30]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 52]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 53 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 62]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 63 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 74]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 75 الى 77]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 78 الى 80]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 81 الى 89]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 111]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 112 الى 118]

- ‌تفسير سورة النّور

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النور (24) : آية 1]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 23 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 40]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 46 الى 54]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة النور (24) : آية 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌تفسير سورة الفرقان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 20]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 62]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 63 الى 76]

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 77]

- ‌تفسير سورة الشّعراء

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 10 الى 17]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 18 الى 33]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 43 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 89]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 90 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 122]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 123 الى 140]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 141 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 175]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 176 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 199]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 200 الى 212]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 213 الى 220]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 221 الى 227]

- ‌تفسير سورة النّمل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 7 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 58]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 65 الى 75]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 82 الى 88]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 89 الى 93]

- ‌تفسير سورة القصص

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 21]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 22 الى 28]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 29 الى 35]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 51]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 52 الى 55]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 56 الى 61]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 75]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 76 الى 84]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 85 الى 88]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «المؤمنون»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة «النور»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الفرقان»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الشعراء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة النمل»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة القصص»

الفصل: ‌[سورة النور (24) : الآيات 2 الى 3]

أحكام، وآداب وتشريعات، إيجابا قطعيا، وأنزلنا فيها آيات بينات واضحات الدلالة على وحدانيتنا، وقدرتنا، وعلى صحة الأحكام التي وردت فيها، لتتذكروها وتعتبروا بها وتعتقدوا صحتها وتنفذوا ما اشتملت عليه من أمر أو نهى.

وجمع- سبحانه- بين الإنزال والفرضية فقال: أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها لبيان أن الغرض منها ليس مجرد الإنزال وإنما الإنزال المصحوب بوجوب تنفيذ الأحكام والآداب التي اشتملت عليها، والتي أنزلت من أجلها.

ومعلوم أن إنزال السورة كلها. يستلزم إنزال هذه الآيات منها فيكون التكرار في قوله- تعالى-: وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لكمال العناية بشأنها، كما هي الحال في ذكر الخاص بعد العام.

و «لعل» في قوله- تعالى- لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ للتعليل. أى: لعلكم تتذكرون ما فيها من آيات دالة على وحدانيتنا وقدرتنا، وعلى سمو تشريعاتنا، فيؤدى بكم هذا التذكر إلى عبادتنا وطاعتنا.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك حد الزاني والزانية، وقبح جريمة الزنا تقبيحا يحمل على النفور، وحرمها على المؤمنين تحريما قاطعا، فقال- تعالى-:

[سورة النور (24) : الآيات 2 الى 3]

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)

فقوله- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي.. شروع في تفصيل الأحكام، التي أشار إليها- سبحانه- في الآية الأولى من هذه السورة، وهي قوله: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها....

والزنا من الرجل معناه: وطء المرأة من غير ملك ولا شبهة ملك ومعناه من المرأة: أن

ص: 78

تمكن الرجل من أن يزنى بها.

والخطاب في قوله- تعالى-: فَاجْلِدُوا

للحكام المكلفين بتنفيذ حدود الله- عز وجل.

قال الجمل: «وفي رفع «الزانية والزاني» وجهان: أحدهما- وهو مذهب سيبويه- أنه مبتدأ خبره محذوف. أى: فيما يتلى عليكم حكم الزانية، ثم بين ذلك بقوله:

فَاجْلِدُوا.. والثاني: - وهو مذهب الأخفش وغيره- أنه مبتدأ. والخبر جملة الأمر، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط..» «1» .

فإن قيل: ما الحكمة في أن يبدأ الله في فاحشة الزنا بالمرأة، وفي جريمة السرقة بالرجل، حيث قال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما

«2» ؟.

فالجواب: أن الزنا من المرأة أقبح، فإنه يترتب عليه فساد الأنساب، وإلحاق الدنس والعار بزوجها وأهلها، وافتضاح أمرها عن طريق الحمل، وفضلا عن ذلك، فإن تمكينها نفسها للرجل: هو الذي كان السبب في اقترافه هذه الفاحشة، فلهذا وغيره قدمت المرأة هنا.

وأما جريمة السرقة، فالغالب أن الرجال أكثر إقداما عليها، لأنها تحتاج إلى جسارة وقوة، واجتياز للمخاطر

لذا قدم الرجل على المرأة فيها.

وقوله- تعالى- وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ.. نهى منه- سبحانه- عن التهاون في تنفيذ حدوده، وحض على إقامتها بحزم وقوة، والرأفة: أعلى درجات الرحمة.

يقال: رؤف فلان بفلان- بزنة كرم- إذا اشتد في رحمته، وفي العناية بأمره.

أى: أقيموا- أيها الحكام- حدود الله- تعالى- على الزانية والزاني بأن تجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، دون أن تأخذكم شفقة أو رحمة في تنفيذ هذه الحدود، ودون أن تقبلوا في التخفيف عنهما شفاعة شفيع، أو وساطة وسيط، فإن الله- تعالى- الذي شرع هذه الحدود. وأمر بتنفيذها بكل شدة وقوة، أرحم بعباده وبخلقه منكم. والرحمة والرأفة في تنفيذ أحكامه، لا في تعطيلها. ولا في إجرائها على غير وجهها.

وقوله- سبحانه-: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.. تأكيد لما قبله، وإلهاب لمشاعرهم، لتنفيذ حدود الله- تعالى-.

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 3 ص 206.

(2)

سورة المائدة الآية 38.

ص: 79

أى: إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا حقا، فأقيموا حدود الله، واجلدوا الزانية والزاني مائة جلدة، لا تأخذكم بهما رأفة أو شفقة في ذلك.

وقوله- سبحانه-: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بيان لما يجب على الحكام أن يفعلوه عند تنفيذ العقوبة والأمر بشهود عذابهما للاستحباب لا للوجوب.

والمراد بعذابهما: إقامة الحد عليهما، والطائفة في الأصل: اسم فاعل من الطواف، وهو الدوران والإحاطة. وتطلق الطائفة عند كثير من اللغويين على الواحد فما فوقه.

قال الآلوسى: «والحق أن المراد بالطائفة هنا، جماعة يحصل بهم التشهير والزجر، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص فرب شخص يحصل تشهيره وزجره بثلاثة. وآخر لا يحصل تشهيره وزجره بعشرة وللقائل بالأربعة هنا وجه وجيه» «1» .

ولعل السبب في وجاهة رأى القائلين بالأربعة أن هذا العدد هو الذي يثبت به الزنا.

أى: وليشهد إقامة الحد على الزانية والزاني، عدد من المؤمنين، ليكون زيادة في التنكيل بمن يرتكب هذه الفاحشة، وأدعى إلى الاعتبار والاتعاظ وأزجر لمن تسول له نفسه الإقدام على تلك الجريمة النكراء.

ثم أضاف- سبحانه- إلى تقبيح أمر الزنا تقبيحا آخر أشد وأخزى فقال: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ

والظاهر أن المراد بالنكاح هنا: العقد الذي تترتب عليه المعاشرة الزوجية، لأن أكثر ورود لفظ النكاح في القرآن. أن يكون بمعنى العقد، بل قال بعضهم إنه لم يرد إلا بهذا المعنى.

أى: أنه جرت العادة أن الشخص الزاني لا يتزوج إلا زانية مثله أو مشركة وكذلك المرأة الزانية لا تميل بطبعها إلا إلى الزواج من رجل زان مثلها أو من رجل مشرك وذلك لأن المؤمن بطبعه ينفر من الزواج بالمرأة الزانية، وكذلك المرأة المؤمنة تأنف من الزواج بالرجل الزاني.

فالآية الكريمة تحكى بأسلوب بديع ما تقتضيه طبيعة الناس في التآلف والتزاوج، وتبين أن المشاكلة في الطباع علة للتلاقي، وأن التنافر في الطباع علة للاختلاف.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وبدئ هنا بالزاني، لأن الآية مسوقة للحديث عن النكاح، والرجل هو الذي يتولاه، وهو الأصل فيه، لأنه هو الذي يلتمسه عن طريق الخطبة وما يتبعها من خطوات توصله إلى

(1) تفسير الآلوسى ج 18 ص 84.

ص: 80

إتمام عقد الزواج، والمرأة- في هذا الباب- تكون في العادة مطلوبة لا طالبة، ومرغوبة لا راغبة.

وجمع- سبحانه- بين رغبة الزاني ورغبة الزانية لتأكيد ما يليق بكليهما من الميل الدنىء.

والطبع الوضيع. والسلوك الخبيث. وأن كل واحد منهما ألعن من صاحبه في ولوج الطريق القبيح.

واسم الإشارة في قوله- تعالى-: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعود على الزنا. وعلى الزواج من الزواني، لما فيه من التشبيه بالفاسقين، ومن التعرض للعقوبة وسوء السيرة.

أى: وحرم ذلك الذي نهيناكم عنه- وهو الزنا والاقتران بمن يرتكبه- على المؤمنين الأطهار، الذين ينزهون أنفسهم عن الوقوع في السوء والفحشاء.

هذا. وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: ما رواه الترمذي وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: كان رجل يقال له «مرثد بن أبى مرثد» كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتى بهم المدينة. قال: وكانت امرأة بغىّ بمكة يقال لها «عناق» وكانت صديقة له- أى في الجاهلية- وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة قال:

فجاءت «عناق» فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إلى عرفتني، فقالت: مرثد؟

فقلت: مرثد فقالت: مرحبا وأهلا. هلم فبت عندنا الليلة. فقال: فقلت: يا عناق.

حرم الله الزنا. فقالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم. قال: فتبعني ثمانية ودخلت الخندمة- أى جبل بمكة- فانتهيت إلى غار

فأعماهم الله- تعالى- عنى. ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته إلى المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناقا؟ أنكح عناقا؟ - مرتين-، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد شيئا حتى نزلت هذه الآية: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا مرثد. الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.. فلا تنكحها. «1»

هذا. ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى:

1-

ظاهر قوله- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ..

يفيد أن هذا الجلد لكل من ارتكب هذه الفاحشة سواء أكان محصنا أم غير محصن.

ولكن هذا الظاهر قد فصلته السنة الصحيحة. حيث بينت أن هذا الحد، إنما هو لغير

(1) تفسير ابن كثير ج 6 ص 9.

ص: 81

المحصن. أما المحصن- وهو المتزوج أو من سبق له الزواج- فإن حده الرجم حتى يموت.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: «هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد» .

وللعلماء فيه تفصيل ونزاع، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا: وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا: وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل.

فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية. ويزاد على ذلك أن يغرّب عاما عند جمهور العلماء.

وحجتهم في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة، أن أعرابيين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله، إن ابني كان عسيفا- أى أجيرا- عند هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبرونى أن على ابني جلد مائة وتغريب عام. وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس- وهو رجل من قبيلة أسلم- إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها، فاعترفت فرجمها.

ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلده مائة. إذا كان بكرا لم يتزوج فأما إذا كان محصنا فإنه يرجم.

وثبت في الصحيحين من حديث مالك- مطولا-، أن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- قام فخطب الناس فقال:«أيها الناس، إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف» .

وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ما عزا والغامدية، إلا أن جمهور الفقهاء يرون أنه يكتفى بالرجم، ولا يجلد قبل الرجم، لأنه لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه جلد أحدا من الزناة المحصنين قبل أن يرجمهم، ومن الفقهاء من يرى أنهم يجلدون ثم يرجمون بعد ذلك «1» وقال بعض العلماء ما ملخصه: اعلم أن رجم الزانيين المحصنين، دلت عليه آيتان من

(1) راجع تفسير ابن كثير ج 6 ص 3 وما بعدها.

ص: 82

كتاب الله- تعالى-، إحداهما: نسخت تلاوتها وبقي حكمها، والثانية: باقية التلاوة والحكم.

أما التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، فهي قوله- تعالى-: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة- وقد ورد ذلك في روايات متعددة- وتدل هذه الروايات على أن الصحابة قرءوها ووعوها. وعقلوها. وأن حكمها باق لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، والصحابة فعلوه من بعده.

وأما الآية التي هي باقية التلاوة والحكم، فهي قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ «1» ، على القول بأنها نزلت في رجم اليهوديين الزانيين بعد الإحصان، وقد رجمهما النبي صلى الله عليه وسلم وقصة رجمه لهما مشهورة، ثابتة في الصحيح. وعليه فقوله: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ أى: عما في التوراة من حكم الرجم، وذم المعرض عن الرجم في هذه الآية.

يدل على أنه ثابت في شرعنا فدلت الآية- على هذا القول- أن الرجم ثابت في شرعنا.

وهي باقية التلاوة

«2»

2-

كذلك أخذ العلماء من قوله- تعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ

أنه لا تجوز الشفاعة في الحدود، كما لا يجوز إسقاط الحد لأن في ذلك تعطيلا لتنفيذ شرع الله- تعالى- على الوجه الأكمل.

قال الآلوسى ما ملخصه: «قوله- تعالى-: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ..

أى في طاعته وإقامة حده الذي شرعه. والمراد النهى عن التخفيف في الجلد. بأن يجلدوهما جلدا غير مؤلم، أو بأن يكون أقل من مائة جلدة. أو بإسقاط الحد بشفاعة أو نحوها.

لما صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على حبّه أسامة بن زيد حين شفع في فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية، التي سرقت قطيفة أو حليا، وقال له:«يا أسامة، أتشفع في حد من حدود الله- تعالى-، ثم قام صلى الله عليه وسلم فخطب فقال: «أيها الناس، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله- تعالى- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .

وكما تحرم الشفاعة، يحرم قبولها، فعن الزبير بن العوام- رضى الله عنه- قال:«إذا بلغ الحد إلى الإمام، فلا عفا الله- تعالى- عنه إن عفا» «3» .

(1) سورة آل عمران الآية 23.

(2)

راجع: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ج 6 ص 5 وما ببعدها للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.

(3)

تفسير الآلوسى ج 18 ص 83.

ص: 83

3-

يرى كثير من الفقهاء أن التحريم في قوله- تعالى-: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ للتنزيه، وعبر عنه بلفظ «حرّم» للتغليظ والتنفير من الإقدام على زواج المؤمن من الزانية، أو على زواج المؤمنة من الزاني.

ويرى آخرون أن التحريم على ظاهره، وأنه لا يجوز للمؤمن أن يتزوج بالزانية. وكذلك لا يجوز للمؤمنة أن تتزوج بالزاني.

وقد فصل القول في هذه المسألة بعض العلماء فقال ما ملخصه: اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف بالزانية ونكاح العفيفة بالزاني.

فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة- أبو حنيفة ومالك والشافعى- إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية.. لأن الله- تعالى- قال:

وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ

«1» وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة.

وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: لا يجوز تزويج الزاني العفيفة، ولا عكسه، وهو مذهب الإمام أحمد. وقد روى عن الحسن وقتادة.

ومن أدلتهم الآية التي نحن بصددها، وهي قوله- تعالى-: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً لأنها قد حرمت في نهايتها أن يتزوج التقى بالزانية، أو التقية بالزاني «2» .

وعلى أية حال فالمتدبر في هاتين الآيتين يراهما، تشددان العقوبة على من يرتكب جريمة الزنا، وتنفران من الاقتراب منها وممن يقع فيها أعظم تنفير، لأن الإسلام حرص على أن ينتشر العفاف والطهر بين أفراد المجتمع الإسلامى، وشرع من وسائل الوقاية ما يحمى الأفراد والجماعات من الوقوع في هذه الرذيلة.

وبعد أن نفر- سبحانه- من جريمة الزنا أعظم تنفير، وأمر بتنفيذ عقوبته في مرتكبها بدون رأفة أو تساهل

أتبع ذلك بتشريعات أخرى من شأنها أن تحمى أعراض الناس وأنفسهم من اعتداء المعتدين، فقال- تعالى-:

(1) سورة النساء الآية 24. [.....]

(2)

راجع تفسير: «أضواء البيان» ج 6 ص 72 وما بعدها.

ص: 84