الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا «1» .
كما حكى أيضا- سبحانه- أنه لو أجابهم إلى مطالبهم لما آمنوا، لأنهم معاندون جاحدون فقال- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ
«2» .
وقال- سبحانه-: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ «3» .
وبعد أن ساقت السورة الكريمة جانبا من أقوال الذين لا يرجون لقاء الله ومن مقترحاتهم الباطلة ومن معتقداتهم الفاسدة، أتبعت ذلك بتصوير بعض الطبائع البشرية تصويرا صادقا يكشف عن أحوال النفوس في حالتي السراء والضراء فقال- تعالى-:
[سورة يونس (10) : الآيات 21 الى 23]
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
(1) سورة الإسراء الآيات 90- 93.
(2)
سورة يونس الآيتان 95، 96.
(3)
سورة الأنعام الآية 7.
وقوله أَذَقْنَا من الذوق وحقيقته إدراك الطعام ونحوه بالذوق باللسان واستعمل هنا على سبيل المجاز في إدراك ما يسر وما يؤلم من المعنويات كالرحمة والضراء.
قال الآلوسى «والمراد بالناس كفار مكة على ما قيل، لما روى من أن الله- تعالى- سلط عليهم القحط سبع سنين، حتى كادوا يهلكون فطلبوا منه أن يدعو لهم بالخصب، ووعدوه بالإيمان، فلما دعا لهم ورحمهم الله- تعالى- بالمطر، طفقوا يطعنون في آياته- تعالى- ويعاندون نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إن الناس عام لجميع الكفار» «1» .
والضراء من الضر، وهو ما يصيب الإنسان في نفسه من أمراض وأسقام.
والمكر: هو التدبير الخفى الذي يفضى بالممكور به إلى ما لا يتوقعه من مضرة وكيد.
والمعنى: وإذا أذقنا الناس منا رحمة كأن منحناهم الصحة والسعادة والغنى من بعد ضراء أصابتهم في أنفسهم أو فيمن يحبون، ما كان منهم إلا المبادرة إلى الطعن في آياتنا الدالة على قدرتنا، والاستهزاء بها والتهوين من شأنها.
وأسند إذاقته الرحمة إلى ضمير الجلالة، وأسند المساس إلى الضراء، رعاية للأدب مع الله- تعالى-، لأنه وإن كان كل شيء من عنده، إلا أن الأدب معه- سبحانه- يقتضى إسناد الخير إليه والشر إلى غيره كما في قوله- تعالى-: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وفي الحديث: «اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك» .
وإذا الأولى شرطية، والثانية فجائية والجملة بعدها جواب الشرط.
وجاء التعبير بإذا الفجائية في الجواب، للإشارة إلى توغلهم في الجحود والكنود فهم بمجرد أن حلت النعمة بهم محل النقمة، عادوا إلى عنادهم وجهلهم، ونسبوا كل خير إلى غيره- تعالى-.
قال الرازي: «واعلم أنه- تعالى- ذكر هذا المعنى بعينه فيما تقدم من هذه السورة في قوله- تعالى- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ.. إلا أنه- تعالى- زاد في هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها دقيقة أخرى ما ذكرها في تلك الآية، وتلك الدقيقة هي أنهم يمكرون عند وجدان الرحمة.
(1) تفسير الآلوسى ج 11 ص 93.
وفي الآية المتقدمة ما كانت هذه الدقيقة مذكورة فثبت بما ذكرنا أن عادة هؤلاء الأقوام اللجاج والعناد والمكر «1» .
وقوله: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ أمر من الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يبطل مكرهم.
أى: قل يا محمد لهؤلاء الجاحدين الذين يسرعون بالمكر في مقام الشكر، إن الله- تعالى- أسرع مكرا منكم لأنه لا يخفى عليه شيء من مكركم، ولأن الحفظة من الملائكة يسجلون عليكم أقوالكم وأفعالكم، التي تحاسبون عليها في يوم القيامة حسابا عسيرا، وسترون أن مكركم السيئ لا يحيق إلا بكم.
وقوله: أَسْرَعُ أفعل تفضيل من الفعل الثلاثي سرع- كضخم وحسن-، أو من الفعل الرباعي «أسرع» عند من يرى ذلك.
والجملة الكريمة تحقيق للانتقام منهم. وتنبيه على أن مكرهم الخفى غير خاف على الحفظة من الملائكة فضلا عن الخالق- عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وسمى- سبحانه- إنكارهم لآياته واستهزاءهم بها مكرا، لأنهم كانوا كثيرا ما يتجمعون سرا، ليتشاوروا في المؤامرات التي يعرقلون بها سير الدعوة الإسلامية، وفي الشبهات التي يوجهونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ساق- سبحانه- مشهدا حيا. تراه العيون، وتهتز له القلوب، ويجعل المشاعر تتجه إلى الله وحده بالدعاء فقال- تعالى- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
…
والسير معناه: الانتقال من مكان إلى آخر. والتسيير معناه: جعل الإنسان أو الحيوان أو غيرهما يسير بذاته، أو بواسطة دابة أو سفينة أو غيرهما، مما سخره الله- تعالى- له بقدرته ورحمته.
أى: هو- سبحانه- الذي يسيركم بقدرته ورحمته في البر والبحر، بواسطة ما وهبكم من قدرة على السير، أو ما سخر لكم من دواب وسفن وغيرهما مما تستعملونه في سفركم، وكل ذلك من أجل مصلحتكم ومنفعتكم.
ثم قال- تعالى- حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها....
(1) تفسير الفخر الرازي ج 17 ص 65.
والفلك: ما عظم من السفن. ويستعمل هذا اللفظ عند كثير من العلماء للواحد والجمع.
والظاهر أن المراد به هنا الجمع، بدليل قوله وَجَرَيْنَ أى: السفن.
والمراد بالريح الطيبة: الريح المناسبة لسير السفن، والموافقة لا تجاهها.
أى: هو- سبحانه- وحده الذي ينقلكم من مكان إلى آخر في البر والبحر، حتى إذا كنتم في إحدى مرات تسييركم راكبين في السفن التي سخرها لكم، وجرت هذه السفن بمن فيها بسبب الريح الطيبة إلى المكان الذي تقصدونه، وأنتم في حالة فرح غامر، وسرور شامل.. جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ، وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ....
والريح العاصف: هي الريح الشديدة القوية. يقال: عصفت الريح وأعصفت فهي عاصف إذا اشتدت في سرعتها وهيجانها.
والموج: ما ارتفع من مياه البحار، والظن هنا بمعنى اليقين أو الاعتقاد الراجح، وقوله:
أُحِيطَ بِهِمْ، أى: أحاط بهم البلاء من كل ناحية. يقال لمن وقع في بلية: قد أحيط به.
وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بعدوه جعله على حافة الهلاك.
أى بعد أن جرت السفن بهؤلاء القوم في البحر وهم في فرح وحبور، جاءت إليهم ريح عاصفة شديدة السرعة والتقلب، وارتفع إليها الموج من كل مكان، واعتقد ركابها- الذين كانوا منذ قليل فرحين مبتهجين- أنهم قد أحاط بهم الهلاك كما يحيط العدو بعدوه.
وقوله: بِهِمْ فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، لأنه كان الظاهر أن يقال: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بكم لكن جاء الكلام على أسلوب الالتفات للمبالغة في تقبيح أحوالهم، وسوء صنيعهم.
قال صاحب الكشاف «فإن قلت: ما فائدة صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة؟ قلت:
المبالغة، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها، ويستدعى منهم الإنكار والتقبيح» «1» .
وقوله: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ بيان لما قالوه بعد أن داهمتهم الرياح العاصفة، والأمواج العالية وبعد أن أيقنوا أنهم على حافة الموت.
أى في تلك الساعات العصيبة، واللحظات الحرجة، توجهوا إلى الله وحده قائلين: نقسم لك يا ربنا، ويا من لا يعجزك شيء، لئن أنجيتنا من تلك الأهوال التي نحن فيها، لنكونن
(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 231.
من الشاكرين لك، المطيعين لأمرك، المتبعين لشرعك.
وهنا، وبعد هذا الدعاء العريض، هدأت العاصفة. وانخفضت الأمواج، وسكنت النفوس بعض السكون، ووصلت السفن إلى شاطئ الأمان فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة كما صورها القرآن الكريم: فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
…
أى: فحين أنجاهم الله- تعالى- بفضله ورحمته من هذا الكرب العظيم الذي كانوا فيه، إذا هم يسعون في الأرض فسادا. ويرتكبون البغي الفاضح الذي لا يخفى قبحه على أحد.
وقيد البغي بكونه بغير الحق، لأنه لا يكون إلا كذلك، إذا البغي معناه: تجاوز الحق، يقال: بغى الجرح إذا تجاوز حده في الفساد.
فقوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ تأكيد لما يفيده البغي من التعدي والظلم، فهو بغى ظاهر سافر لا يخفى قبحه على أحد.
وقيل قيده بذلك ليخرج البغي على الغير في مقابلة بغيه. فإنه يسمى بغيا في الجملة، لكنه بحق. وهو قول ضعيف، لأن دفع البغي لا يسمى بغيا وإنما يسمى إنصافا من الظالم، ولذا قال القرآن الكريم: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ «1» .
وجاء التعبير بالفاء وإذا الفجائية، للإشعار بأنهم قوم بلغ بهم اللؤم والجحود، أنهم بمجرد أن وطئت أقدامهم بر الأمان، نسوا ما كانوا فيه من أهوال، وسارعوا إلى الفساد في الأرض، دون أن يردعهم رادع، أو يصدهم ترغيب أو ترهيب.
والتعبير بقوله فِي الْأَرْضِ للإشارة إلى أن بغيهم قد شمل أقطارها، ولم يقتصر على جانب من جوانبها.
وقوله- سبحانه- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ خطاب منه- سبحانه- لأولئك البغاة في كل زمان ومكان، قصد به التهديد والوعيد.
أى: يا أيها الناس الذين تضرعوا إلينا في ساعات الشدة، وهرولوا إلى البغي بعد زوال تلك الشدة، اعلموا أن بغيكم هذا مرجعه إليكم لا إلى غيركم فأنتم وحدكم الذين تتحملون سوء عاقبته في الدنيا والآخرة.
(1) سورة الشورى الآية 41.
واعلموا أن هذا البغي إنما تتمتعون به متاع الحياة الدنيا التي لا بقاء لها، وإنما هي إلى زوال وفناء.
واعلموا كذلك أن مردكم إلينا بعد هذا التمتع الفاني. فنخبركم يوم الدين بكل أعمالكم، وسنجازيكم عليها بالجزاء الذي تستحقونه.
وقوله: إِنَّما بَغْيُكُمْ مبتدأ وخبره عَلى أَنْفُسِكُمْ أى هو عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم.
وقوله: مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا: قرأ حفص عن عاصم مَتاعَ بفتح العين على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر. أى: تتمتعون به متاع الحياة الدنيا الزائلة الفانية.
وقرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو متاع الحياة الدنيا. وقوله:
ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تذييل قصد به تهديدهم على بغيهم، ووعيدهم عليه بسوء المصير حتى يرتدعوا وينزجروا.
هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:
1-
أن من الواجب على العاقل أن يكثر من ذكر الله في حالتي الشدة والرخاء، وأن لا يكون ممن يدعون الله عند الضر وينسونه عند العافية، ففي الحديث الشريف:«تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» .
2-
ان الناس جبلوا على الرجوع إل الله وحده عند المصائب والمحن، وفي ذلك يقول الآلوسى: «روى أبو داود والنسائي وغيرهما عن سعد بن أبى وقاص قال: لما كان يوم الفتح فر عكرمة بن أبى جهل فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أصحاب السفينة لركابها: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغنى عنكم شيئا. فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، ما ينجيني في البر غيره. اللهم إن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوا كريما. قال: فجاء فأسلم.
وفي رواية ابن سعد عن أبى مليكه: أن عكرمة لما ركب السفينة وأخذتهم الريح فجعلوا يدعون الله- تعالى- ويوحدونه فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله- تعالى-. قال: «فهذا ما يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا بنا» . فرجع وأسلم
…
» «1» .
وقال الفخر الرازي: «يحكى أن واحدا قال لجعفر الصادق: اذكر لي دليلا على إثبات
(1) تفسير الآلوسى ج 11 ص 97.
الصانع؟ فقال له: أخبرنى عن حرفتك: فقال: أنا رجل أتجر في البحر. فقال له: صف لي كيفية حالك. فقال: ركبت البحر فانكسرت السفينة وبقيت على لوح واحد من ألواحها، وجاءت الرياح العاصفة. فقال جعفر: هل وجدت في قلبك تضرعا ودعاء. فقال: نعم.
فقال جعفر: فإلهك هو الذي تضرعت إليه في ذلك الوقت» «1» .
وقد ساق صاحب المنار قصة ملخصها «أن رجلا إنجليزيا قرأ ترجمة قوله- تعالى- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. فراعته بلاغة وصفها لطغيان البحر.. وكان يعمل قائدا لإحدى السفن.. فسأل بعض المسلمين: أتعلمون أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد سافر في البحار؟ فقالوا له: لا.. فأسلم الرجل لأنه اعتقد أن القرآن ليس من كلام البشر وإنما هو كلام الله- تعالى
…
» «2» .
3-
دل قوله- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ
…
على أن البغي يجازى أصحابه عليه في الدنيا والآخرة.
فأما في الآخرة فهو ما دل عليه إنذار أهله بأنه- سبحانه- سيجازيهم عليه أسوأ الجزاء.
وأما في الدنيا فبدليل قوله- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ويؤيده ما رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من ذنب يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة سوى البغي وقطيعة الرحم» «3» .
قال الآلوسى. وفي الآية من الزجر عن البغي ما لا يخفى «فقد أخرج أبو نعيم والخطيب والديلمي وغيرهم عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث هن رواجع على أهلها: المكر والنكث والبغي» ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ. وقوله- تعالى- فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وقوله- تعالى- وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما» .
(1) تفسير الفخر الرازي ج 17 ص 27.
(2)
راجع تفسير المنار ج 11 ص 344.
(3)
راجع تفسير المنار ج 11 ص 343.