الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 27]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَاّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَاّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَاّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27)
وقوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ
…
جواب لقسم محذوف. أى والله لقد أرسلنا نوحا إلى قومه. والدليل على هذا القسم وجود لامه في بدء الجملة.
وافتتحت القصة بصيغة القسم لأن المخاطبين بها لما لم يحذروا ما نزل بقوم نوح بسبب كفرهم نزلوا منزلة المنكر لرسالته.
وينتهى نسب نوح- عليه السلام إلى شيث بن آدم- عليه السلام وقد ذكر نوح في القرآن في ثلاثة وأربعين موضعا.
وقوم الرجل: هم أقرباؤه الذين يجتمعون معه في جد واحد وقد يقيم الرجل بين الأجانب فيسميهم قومه مجازا للمجاورة.
وكان قوم نوح يعبدون الأصنام: فأرسل الله إليهم نوحا ليدلهم على طريق الرشاد.
قال ابن كثير: قال ابن عباس وغير واحد من علماء التفسير: كان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا. فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك الصالحين فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم. فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين: ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا فلما تفاقم الأمر بعث الله- تعالى- رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده» «1» .
وقوله: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ
…
بيان للوظيفة التي من أجلها أرسل الله- تعالى- نوحا إلى قومه.
قال الشوكانى: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الهمزة في إِنِّي على تقدير
(1) تفسير ابن كثير ج 3 ص 222.
حرف الجر أى: أرسلناه بأنى. أى: أرسلناه متلبسا بذلك الكلام وهو أنى لكم نذير مبين.
وقرأ الباقون بالكسر على إرادة القول. أى: أرسلناه قائلا لهم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ «1» .
ونذير من الإنذار وهو إخبار معه تخويف..
ومبين: من الإبانة بمعنى التوضيح والإظهار..
أى: أرسلناه إلى قومه فقال لهم يا قوم: إنى لكم محذر تحذيرا واضحا من موجبات العذاب التي تتمثل في عبادتكم لغير الله- تعالى-.
واقتصر على الإنذار لأنهم لم يعملوا بما بشرهم به وهو الفوز برضا الله- تعالى- إذا ما أخلصوا له العبادة والطاعة.
وجملة أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ بدل من قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أى أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله.
وقوله: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ جملة تعليلية، تبين حرص نوح الشديد على مصلحة قومه ومنفعتهم.
أى إنى أحذركم من عبادة غير الله، لأن هذه العبادة ستؤدى بكم الى وقوع العذاب الأليم عليكم، وما حملني على هذا التحذير الواضح إلا خوفي عليكم، وشفقتي بكم، فأنا منكم وأنتم منى بمقتضى القرابة والنسب.
ووصف اليوم بالأليم على سبيل المجاز العقلي، وهو أبلغ من أن يوصف العذاب بالأليم، لأن شدة العذاب لما بلغت الغاية والنهاية في ذلك، جعل الوقت الذي تقع فيه وقتا أليما أى مؤلما.
ثم حكى- سبحانه- ما رد به قوم نوح عليه فقال: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ، ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ، وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ.
والمراد بالملإ: أصحاب الجاه والغنى من قوم نوح. وهذا اللفظ اسم جمع لا واحد له من لفظه كرهط وهو- كما يقول الآلوسى-: مأخوذ من قولهم فلان ملئ بكذا: إذا كان قادرا عليه
…
أو لأنهم متمالئون أى متظاهرون متعاونون، أو لأنهم يملؤون القلوب والعيون
…
ووصفهم بالكفر، لتسجيل ذلك عليهم من أول الأمر زيادة في ذمهم.
(1) تفسير فتح القدير للشوكانى ج 2 ص 493.
أى: بعد هذا النصح الحكيم الذي وجهه نوح- عليه السلام لقومه، رد عليه أغنياؤهم وسادتهم بقولهم ما نَراكَ يا نوح إلا بشرا مثلنا، أى: إلا إنسانا مثلنا، ليست فيك مزية تجعلك مختصا بالنبوة دوننا
…
فهم- لجهلهم وغبائهم- توهموا أن النبوة لا تجامع البشرية، مع أن الحكمة تقتضي أن يكون الرسول بشرا من جنس المرسل إليهم، حتى تتم فائدة التفاهم معه، والاقتداء به في أخلاقه وسلوكه.
وقد حكى القرآن قولهم هذا في أكثر من موضع، ومن ذلك قوله- تعالى- وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ
…
«1» .
ثم إنهم في التعليل لعدم اتباع نبيهم لم يكتفوا بقولهم ما نراك إلا بشر مثلنا: بل أضافوا إلى ذلك قولهم: وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ ومرادهم بقولهم:
أَراذِلُنا أى فقراؤنا ومن لا وزن لهم فينا.
قال الجمل: ولفظ أَراذِلُنا فيه وجهان: أحدهما أنه جمع الجمع فهو جمع أرذل- بضم الذال- جمع رذل- بسكونها- نحو كلب وأكلب وأكالب
…
ثانيهما: انه جمع مفرد وهو أرذل كأكبر وأكابر.. والأرذل هو المرغوب عنه لرداءته» «2» .
ومرادهم بقولهم: بادِيَ الرَّأْيِ أى: أوله من البدء. يقال: بدأ يبدأ إذا فعل الشيء أولا وعليه تكون الياء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها ويؤيده قراءة أبى عمرو «بادئ الرأى» .
أى: وما نراك اتبعك يا نوح إلا الذين هم أقلنا شأنا وأحقرنا حالا من غير أن يتثبتوا من حقيقة أمرك، ولو تثبتوا وتفكروا ما اتبعوك ويصح أن يكون مرادهم بقولهم بادِيَ الرَّأْيِ أى اتبعوك ظاهرا لا باطنا، ويكون لفظ بادِيَ من البدو بمعنى الظهور.
يقال: بدا الشيء يبدو بدوا وبدوءا وبداء أى ظهر وعليه يكون المعنى: وما نراك اتبعك يا نوح إلا الذين هم أهوننا أمرا، ومع ذلك فإن اتباعهم لك إنما هو في ظاهر أمرهم، أما بواطنهم فهي تدين بعقيدتنا.
(1) سورة المؤمنون الآية 33، 34.
(2)
حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 391. [.....]