المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٧

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السابع]

- ‌سورة يونس

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 18]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 19]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 20]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 21 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 24]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 98 الى 103]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 109]

- ‌تفسير سورة هود عليه السلام

- ‌تعريف بسورة هود- عليه السلام

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة هود (11) : آية 12]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة هود (11) : آية 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : آية 35]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 100 الى 102]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 107]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 108 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

- ‌تفسير سورة يوسف

- ‌تعريف بسورة يوسف- عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 15]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 62]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 63 الى 68]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌تفسير سورة الرّعد

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة إبراهيم- عليه السلام

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 52]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة يونس- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة هود- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة يوسف»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة الرعد

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة إبراهيم

الفصل: ‌[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44]

[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44]

وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)

قال الإمام ابن كثير «هذا بيان لإعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة، لا يكون إلا من عند الله- تعالى- الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله ولا في أقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين، ولهذا قال- تعالى-: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ «1» .

(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 417.

ص: 70

والنفي هنا للشأن الذي هو أبلغ في النفي، وأعمق في الدلالة على أن هذا القرآن من عند الله، من نفى الشيء في ذاته مباشرة.

أى: وليس من شأن هذا القرآن المعجز، أن يخترعه أو يختلقه أحد من الإنس أو الجن أو غيرهما لأن ما اشتمل عليه من إعجاز وبلاغة وتشريعات حكيمة، وآداب قويمة، وهدايات جامعة

يشهد بأنه من كلام خالق القوى والقدر.

وقوله: وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ بيان لكمال هداية القرآن الكريم، وهيمنته على الكتب السماوية السابقة.

والمراد بالذي بين يديه: الكتب السابقة على القرآن كالتوراة والإنجيل والزبور.

وقوله بَيْنَ يَدَيْهِ فيه نوع مجاز لأن ما بين يدي الشيء يكون أمامه، فوصف- سبحانه- ما مضى من الكتب بأنها بين يدي القرآن لشدة ظهورها واشتهارها، ومعنى تصديق القرآن للكتب السابقة: تأييده لما اشتملت عليه من دعوة إلى وحدانية الله- تعالى-، ومن أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم عند ظهوره.

وأل في الْكِتابِ للجنس، فالمراد به جنس الكتب السماوية التي أنزلها- سبحانه- على بعض أنبيائه.

والمعنى: ليس من شأن هذا الكتاب في إعجازه وهدايته أن يكون من عند غير الله، لأن غيره- سبحانه- لا يقدر على ذلك، ولكن من شأنه أن يكون مؤيدا للكتب السماوية السابقة فيما دعت إليه من إخلاص العبودية لله- تعالى- ومن اتباع لرسله، وأن يكون مفصلا وموضحا لما اشتملت عليه هذه الكتب من تشريعات وآداب وأحكام.

وقوله تَصْدِيقَ منصوب على أنه معطوف على خبر كان، أو على أنه خبر لكان المقدرة أى: ولكن كان تصديق.

وقوله لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ بيان لمصدره.

أى: هذا الكتاب لا ريب ولا شك في كونه منزلا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الله- تعالى- رب العالمين.

وفصلت جملة لا رَيْبَ فِيهِ عما قبلها لأنها مؤكدة له، ومقررة لمضمونه.

ونفى- سبحانه- عن القرآن الريب على سبيل الاستغراق: مع وقوع الريب فيه من المشركين، حيث وصفوه بأنه أساطير الأولين، لأنه لروعة بيانه، وسطوع حجته، ووضوح دلائله، لا يرتاب ذو عقل متدبر في كونه وحيا سماويا، ومصدر هداية وإصلاح.

ص: 71

فجملة لا رَيْبَ فِيهِ تنفى الريب في القرآن عمن شأنهم أن يتدبروه، ويقبلوا على النظر فيه بروية ومن ارتاب فيه فلأنه لم يقبل عليه بأذن واعية، أو بصيرة نافذة أو قلب سليم.

وقوله- سبحانه أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ انتقال من بيان كون القرآن من عند الله، إلى بيان مزاعمهم فيه.

وأم هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة للاستفهام، أى: بل أيقولون إن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي أتى بهذا القرآن من عند نفسه لا من عند الله.

وقوله قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ. أمر من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم.

أى: قل لهم: يا محمد على سبيل التبكيت والتحدي: إن كان الأمر كما زعمتم من أنى أنا الذي اختلقت هذا القرآن، فأتوا أنتم يا فصحاء العرب بسورة مثل سوره في البلاغة والهداية وقوة التأثير، وقد أبحت لكم مع ذلك أن تدعوا لمعاونتكم ومساعدتكم في بلوغ غايتكم كل من تستطيعون دعوته سوى الله- تعالى- وجاءت كلمة «سورة» منكرة، للإشارة إلى أنه لا يطالبهم بسورة معينة، وإنما أباح لهم أن يأتوا بأية سورة من مثل سور القرآن، حتى ولو كانت كأصغر سورة منه.

والضمير في مِثْلِهِ يعود إلى القرآن الكريم، والمراد بمثله هنا: ما يشابهه في حسن النظم، وجمال الأسلوب، وسداد المعنى، وقوة التأثير.

وقوله: وَادْعُوا من الدعاء، والمراد به هنا: طلب حضور المدعو أى نادوهم.

وكلمة مَنِ في قوله: مَنِ اسْتَطَعْتُمْ تشمل آلهتهم وبلغاءهم وشعراءهم وكل من يتوسمون فيه العون والمساعدة.

وكلمة دُونِ هنا بمعنى غير أى: ادعوا لمساعدتكم كل من تستطيعون دعوته غير الله- تعالى- فإنه وحده القادر على أن يأتى بمثله.

وقوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جملة شرطية، وجوابها محذوف لدلالة الكلام السابق عليه، أى: إن كنتم صادقين في دعواكم أنى افتريت هذا القرآن، فهاتوا سورة مثله مفتراة، فإنكم مثلي في العربية والفصاحة.

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد تحدتهم وأثارت حماستهم، وأرخت لهم الحبل، وعرضت بعدم صدقهم، حتى تتوافر دواعيهم على المعارضة التي زعموا أنهم أهل لها.

ص: 72

قال الآلوسى: «هذه الآية دلالة على إعجاز القرآن، لأنه صلى الله عليه وسلم تحدى مصاقع العرب بسورة ما منه، فلم يأتوا بذلك، وإلا فلو أتوا بذلك لنقل إلينا، لتوفر الدواعي على نقله» «1» .

هذا وقد عقد صاحب الظلال فصلا طويلا للحديث عن إعجاز القرآن فقال: «وقد ثبت هذا التحدي، وثبت العجز عنه، وما يزال ثابتا ولن يزال، والذين يدركون بلاغة هذه اللغة، ويتذوقون الجمال الفنى والتناسق فيها، يدركون أن هذا النسق من القول لا يستطيعه إنسان، وكذلك الذين يدرسون النظم الاجتماعية، والأصول التشريعية، ويدرسون النظام الذي جاء به هذا القرآن، يدركون أن النظرة فيه إلى تنظيم الحاجة الإنسانية ومقتضيات حياتها من جميع جوانبها، والفرص المدخرة فيه لمواجهة الأطوار والتقلبات في يسر ومرونة كل أولئك أكبر من أن يحيط به عقل بشرى واحد، أو مجموعة من العقول في جيل واحد أو في جميع الأجيال، ومثلهم الذين يدرسون النفس الإنسانية ووسائل الوصول إلى التأثير فيها وتوجيهها، ثم يدرسون وسائل القرآن وأساليبه.

فليس هو إعجاز اللفظ والتعبير وأسلوب الأداء وحده، ولكنه الإعجاز المطلق الذي يلمسه الخبراء في هذا وفي النظم والتشريعات والتقسيمات وما إليها

» «2» .

ثم انتقلت السورة الكريمة من توبيخهم على كذبهم وجحودهم، إلى توبيخهم على جهلهم وغباوتهم فقال- تعالى-: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ....

أى: أن هؤلاء الأشقياء لم يكتفوا بما قالوه في شأن القرآن الكريم من أقاويل فاسدة، بل هرولوا إلى تكذيب ما فيه من هدايات سامية، وآداب عالية، وأخبار صادقة، بدون فهم أو تدبر، وبدون انتظار لتفسير معانيه وأخباره التي لم يهتدوا إلى معرفتها بعد.

قال صاحب الكشاف قوله بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ أى: بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره، وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم، وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم كالناشئ على التقليد من الحشوية، إذا أحس بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه، وإن كانت أضوأ من الشمس في ظهور الصحة وبيان الاستقامة أنكرها في أول وهلة، واشمأز منها قبل أن يحسن إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر في صحة أو فساد، لأنه لم يشعر قلبه إلا صحة مذهبه، وفساد ما عداه من المذاهب..

(1) تفسير الآلوسى ج 11 ص 119. [.....]

(2)

راجع تفسير في ظلال القرآن ج 11 ص 1785 وما بعدها طبعة دار الشروق.

ص: 73

فإن قلت: فما معنى التوقع في قوله: وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ؟ قلت: معناه أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل، تقليدا للآباء، وكذبوه بعد التدبر تمردا، وعنادا فذمهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم.

ويجوز أن يكون معنى وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب، يعنى أنه كتاب معجز من جهتين: من جهة إعجاز نظمه، ومن جهة ما فيه من الإخبار بالغيوب، فتسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حد الإعجاز، وقبل أن يخبروا إخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه» «1» .

وقال الآلوسى: وعبر- سبحانه- بقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ دون أن يقال. بل كذبوا به من غير أن يحيطوا بعلمه أو نحوه للإيذان بكمال جهلهم به، وأنهم لم يعلموه إلا بعنوان عدم العلم به، وبأن تكذيبهم به إنما هو بسبب عدم إحاطتهم بعلمه، لما أن تعليق الحكم بالموصول مشعر بعلية ما في حيز الصلة له، وأصل الكلام بما لم يحيطوا به علما، إلا أنه عدل منه إلى ما في النظم الكريم لأنه أبلغ.

ونفى إتيان التأويل بكلمة لَمَّا الدالة على توقع منفيها بعد نفى الإحاطة بعلمه بكلمة «لم» لتأكيد الذم، وتشديد التشنيع، فإن الشناعة في تكذيب الشيء، قبل علمه المتوقع إتيانه أفحش منها في تكذيبه قبل علمه مطلقا» «2» .

وقوله كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ تهديد لهم ووعيد على التمادي في العناد.

أى: كما كذب المشركون نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم عن جهل وجحود: كذب الذين من قبلهم أنبياءهم، كقوم نوح وعاد وثمود، فكانت نتيجة هذا التكذيب أن أخذهم الله- تعالى- أخذ عزيز مقتدر.

قال- تعالى-: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ «3» .

ثم فصل- سبحانه- أحوالهم ومواقفهم من القرآن الكريم فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ.

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 238.

(2)

تفسير الآلوسى ج 11 ص 120.

(3)

سورة العنكبوت الآية 40.

ص: 74

أى: ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن، ويتبعك وينتفع بما أرسلت به، ومنهم من لا يؤمن به أبدا لاستحبابه العمى على الهدى.

وعليه يكون المراد بمن يؤمن به، أولئك الذين وفقهم الله لا تباع الحق عن يقين وإذعان.

وقيل إن المعنى: ومن قومك يا محمد أناس يؤمنون في قرارة نفوسهم بأن هذا القرآن من عند الله، ولكنهم يكذبونك جحودا وعنادا ومنهم من لا يؤمن به أصلا لانطماس بصيرته، وإيثاره الغي على الرشد.

وعلى هذا التفسير يكون المراد بمن يؤمن به: أولئك الذين يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، ولكن الغرور والجهل والحسد حال بينهم وبين اتباعه.

وقوله: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ أى: وربك أعلم بالمفسدين في الأرض بالشرك والظلم والفجور، وسيحاسبهم على ذلك يوم الدين حسابا عسيرا، ويذيقهم العذاب الذي يستحقونه، فالمراد بالعلم هنا لازمه وهو الحساب والعقاب.

وقوله: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ إرشاد من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا ما لج أعداؤه في طغيانهم.

أى: وإن تمادى هؤلاء الأشرار في طغيانهم وفي تكذيبهم لك يا محمد، فقل لهم: أنا مسئول عن عملي أمام الله، وأنتم مسئولون عن أعمالكم أمامه- سبحانه- وأنتم بريئون مما أعمله فلا تؤاخذونى عليه، وأنا برىء كذلك من أعمالكم فلا يؤاخذنى الله عليها.

فالآية الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه. وإعلام له بأن وظيفته البلاغ، أما حسابهم على أعمالهم فعلى الله- تعالى-.

ثم صور- سبحانه- ما عليه أولئك الجاحدون من جهالات مطبقة، وغباء مستحكم فقال- تعالى-: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ.

أى: ومن هؤلاء المشركين- يا محمد- من يستمعون إليك وأنت تقرأ عليهم القرآن وترشدهم إلى ما ينفعهم، ولكنهم يستمعون بلا تدبر أو فهم، فهل أنت- يا محمد- في إمكانك أن تسمع الصم، ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم، لأن الأصم العاقل- كما يقول صاحب الكشاف- ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوى الصوت، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر.

ومنهم- أيضا- من ينظر إليك، ويشاهد البراهين الدالة على صدقك، فإن وجهك ليس بوجه كذاب، ولكنه لا يتبع دعوتك جحودا وعنادا، فهل أنت في إمكانك أن تهدى العمى ولو

ص: 75

انضم إلى فقدان بصرهم فقدان بصيرتهم فأنت ترى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد نعتا على المشركين جهالاتهم، وانطماس بصيرتهم، بحيث صاروا لا ينتفعون بنعم الله التي أنعم بها عليهم.

فقد وصمهم- سبحانه- يفقدان السمع والبصر والعقل، مع أنهم يسمعون ويبصرون ويعقلون، لأنهم لما لم يستعملوا نعم الله فيما خلقت له، صارت هي والعدم سواء.

والاستفهام في الآيتين للإنكار والاستبعاد.

وجواب لو في الآيتين محذوف لدلالة ما قبله عليه، والجملة معطوفة على جملة مقدرة مقابلة لها. أى: أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون، على معنى أفأنت تستطيع إسماعهم في الحالتين؟ كلا لا تستطيع ذلك وإنما القادر على ذلك هو الله وحده.

ثم بين- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

أى: إن الله- تعالى- قد اقتضت سننه في خلقه، أن لا يظلمهم شيئا، كأن يعذبهم- مثلا- مع إيمانهم وطاعتهم له، أو كأن ينقصهم شيئا من الأسباب التي يهتدون باستعمالها إلى ما فيه خيرهم.. ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم، بإيرادها موارد المهالك عن طريق اجتراح السيئات، واقتراف الموبقات، الموجبة للعقوبات في الدنيا والآخرة.

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة، قد نفت تصور أن يكون هذا القرآن من عند غير الله، وتحدت المشركين أن يأتوا بسورة مثله، ووصمتهم بالتسرع في الحكم على شيء لم يحيطوا بعلمه، وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت على دعوة الحق، سواء استجاب له الناس أم لم يستجيبوا، وأن الله- تعالى- قد اقتضت حكمته ألا يعذب الناس إلا إذا فعلوا ما يوجب العقوبة، وصدق الله إذ يقول: ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً.

وبعد أن بينت السورة الكريمة أحوال أولئك المشركين في الدنيا، ومواقفهم من الدعوة الإسلامية، أتبعت ذلك بالحديث عن أحوالهم يوم الحشر، ومن استعجالهم للعذاب، وعن رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم، فقال- تعالى-:

ص: 76