المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٧

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السابع]

- ‌سورة يونس

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 18]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 19]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 20]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 21 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 24]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 98 الى 103]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 109]

- ‌تفسير سورة هود عليه السلام

- ‌تعريف بسورة هود- عليه السلام

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة هود (11) : آية 12]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة هود (11) : آية 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : آية 35]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 100 الى 102]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 107]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 108 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

- ‌تفسير سورة يوسف

- ‌تعريف بسورة يوسف- عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 15]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 62]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 63 الى 68]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌تفسير سورة الرّعد

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة إبراهيم- عليه السلام

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 52]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة يونس- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة هود- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة يوسف»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة الرعد

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة إبراهيم

الفصل: ‌[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36]

الحق مأخوذ من ضلال الطريق، وهو العدول عن سمته، يقال: ضل الطريق وأضل الشيء إذا أضاعه..» «1» .

وقوله: فَأَنَّى تُصْرَفُونَ أى: فكيف تصرفون وتتحولون عن الحق إلى الضلال، بعد اعترافكم وإقراركم بأن خالقكم ورازقكم ومدبر أمركم هو الله- تعالى- وحده.

فأنى هنا بمعنى كيف، والاستفهام لإنكار واقعهم المخزى واستبعاده والتعجب منه.

ومن الأحكام التي تؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن الحق والباطل، والهدى والضلال، نقيضان لا يجتمعان، لأن النقيضين يمتنع أن يكونا حقين وأن يكونا باطلين في وقت واحد بل متى ثبت أن أحدهما هو الحق، وجب أن يكون الآخر هو الباطل.

ثم بين- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف ولا تتبدل، فقال- تعالى-:

كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.

والكاف للتشبيه بمعنى مثل. وحقت بمعنى وجبت وثبتت.

والمراد بالكلمة هنا: حكمه وقضاؤه- سبحانه-.

والمعنى: مثل ما ثبت أن الله- تعالى- هو الرب الحق، وأنه ليس بعد الحق إلا الضلال، ثبت- أيضا- الحكم والقضاء منه- سبحانه- على الذين فسقوا عن أمره، وعموا وصموا عن الحق، أنهم لا يؤمنون به، لأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا.

فالمراد بالفسق هنا: التمرد في الكفر، والسير فيه إلى أقصى حدوده.

ثم ساق- سبحانه- أنواعا أخرى من الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته.

فقال:

[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36]

قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَاّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36)

(1) تفسير القرطبي ج 8 ص 336.

ص: 65

أى: قل يا محمد لهؤلاء الغافلين عن الحق: هل من شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله، أو أشركتموهم مع الله، من له القدرة على أن يبدأ خلق الإنسان من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة

ثم ينشئه خلقا آخر، ثم يعيده إلى الحياة مرة أخرى بعد موته؟

قل لهم يا محمد: الله وحده هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، أما شركاؤكم فهم أعجز من أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له

وإذا كان الأمر كذلك من الوضوح والظهور فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ والإفك الصرف والقلب عن الشيء. يقال: أفكه عن الشيء يأفكه أفكا، إذا قلبه عنه وصرفه.

أى فكيف ساغ لكم أن تصرفوا عقولكم عن عبادة الإله الحق، إلى عبادة أصنام لا تنفع ولا تضر؟!.

وجاءت جملة قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ.. بدون حرف العطف على ما قبلها للإيذان باستقلالها في حصول المطلوب، وإثبات المقصود.

وساق- سبحانه- الأدلة بأسلوب السؤال والاستفهام، لأن الكلام إذا كان واضحا جليا ثم ذكر على سبيل الاستفهام، وتفويض الجواب إلى المسئول كان ذلك أبلغ وأوقع في القلب.

وجعل- سبحانه- إعادة المخلوقات بعد موتها حجة عليهم في التدليل على قدرته مع عدم اعترافهم بها، للإيذان بسطوع أدلتها، لأن القادر على البدء يكون أقدر على الإعادة كما قال- تعالى- وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ.. «1» .

فلما كان إنكارهم لهذه الحقيقة الواضحة من باب العناد أو المكابرة، نزل إنكارهم لها منزلة العدم.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «فإن قلت: كيف قيل لهم هل من

(1) سورة الروم الآية 27.

ص: 66

شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده، وهم غير معترفين بالإعادة؟.

قلت: قد وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما إن دفعه دافع كان مكابرا رادا الظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه، ودلالة على أنهم في إنكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فأمره بأن ينوب عنهم في الجواب. يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فتكلم أنت عنهم..» «1» .

وقوله: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ. حجة أخرى تدمغ جهلهم، جيء بها لتكون دليلا على قدرة الله على الهداية والإضلال، عقب إقامة الأدلة على قدرته- سبحانه- على بدء الخلق وإعادتهم.

أى: قل لهم يا محمد- أيضا- على سبيل التهكم من أفكارهم: هل من شركائكم من يستطيع أن يهدى غيره إلى الدين الحق، فينزل كتابا، أو يرسل رسولا، أو يشرع شريعة، أو يضع نظاما دقيقا لهذا الكون. أو يحث العقول على التدبر والتفكر في ملكوت السموات والأرض

؟

قل لهم يا محمد: الله وحده هو الذي يفعل كل ذلك، أما شركاؤكم فلا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من ذلك أو من غيره.

وقوله: أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى.. توبيخ آخر لهم على جهالاتهم وغفلتهم عن إدراك الأمور الواضحة.

أى: قل لهم يا محمد: أفمن يهدى غيره إلى الحق وهو الله- تعالى-. أحق أن يتبع فيما يأمر به وينهى عنه، أم من لا يستطيع أن يهتدى بنفسه إلا أن يهديه غيره أحق بالاتباع؟

لا شك أن الذي يهدى غيره إلى الحق أحق بالاتباع من الذي هو في حاجة إلى أن يهديه غيره.

وقوله: فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ استفهام قصد به التعجيب من أحوالهم التي تدعو إلى الدهشة والغرابة.

أى: ما الذي وقع لكم، وما الذي أصابكم في عقولكم حتى صرتم تشركون في العبادة مع الله الخالق الهادي، مخلوقات لا تهدى بنفسها وإنما هي في حاجة إلى من يخلقها ويهديها.

قال الإمام الرازي: «واعلم أن الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أولا ثم بالهداية

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 236.

ص: 67

ثانيا، عادة مطردة في القرآن، فقد حكى- سبحانه- عن إبراهيم أنه ذكر ذلك فقال:

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وعن موسى أنه قال: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى وأمر محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى. وهو في الحقيقة دليل شريف، لأن الإنسان له جسد وله روح، فالاستدلال على وجود الصانع بأحوال الجسد هو الخلق، والاستدلال بأحوال الروح هو الهداية، فهاهنا أيضا لما ذكر دليل الخلق في الآية الأولى وهو قوله: مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أتبعه بدليل الهداية في هذه الآية «1» .

وقوله: أَمَّنْ لا يَهِدِّي ورد فيه ست قراءات، منها قراءة يعقوب وحفص بكسر الهاء وتشديد الدال، ومنها قراءة حمزة والكسائي بالتخفيف كيرمى، ومنها قراءة ابن كثير وابن عامر وورش عن نافع «يهدى» فتح الياء والهاء وتشديد الدال.. «2» .

والاستثناء في قوله: أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى مفرغ من أعم الأحوال.

والتقدير: أفمن يهدى إلى الحق أحق بالاتباع، أم من لا يستطيع الهداية إلا أن يهديه إليها غيره أحق بالاتباع؟

وجاء قوله- سبحانه- فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ باستفهامين متواليين، زيادة في توبيخهم وتقريعهم، ولفت أنظارهم إلى الحق الواضح الذي لا يخفى على كل ذي عقل سليم.

وقوله: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا

توبيخ آخر لهم على انقيادهم للأوهام والظنون، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من إساءات.

أى: إن هؤلاء الذين أعرضوا عن دعوتك يا محمد، لا يتبعون في عقائدهم وعبادتهم لغير خالقهم سوى الظنون والأوهام التي ورثها الأبناء عن الآباء.

وخص أكثرهم بالذكر، لأن هناك قلة منهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم لا يتبعونه عنادا وجحودا وحسدا، كما قال- تعالى- فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ «3» .

ويجوز أن يكون- سبحانه- خص أكثرهم بالذكر، للإشارة إلى أن هناك قلة منهم تعرف الحق، وستتبعه في الوقت الذي يريده الله- تعالى.

(1) تفسير الفخر الرازي ج 17 ص 90.

(2)

راجع تفسير القرطبي ج 8 ص 341.

(3)

سورة الأنعام الآية 33.

ص: 68

والتنكير في قوله ظَنًّا للتنويع. أى لا يتبع أكثرهم إلا نوعا من الظن الواهي الذي لا يستند إلى دليل أو برهان.

وقوله: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً استئناف مسوق لبيان شأن الظن وبطلانه.

والمراد بالظن هنا: ما يخالف العلم واليقين، والمراد بالحق: العلم والاعتقاد الصحيح المطابق للواقع.

أى: إن الظن الفاسد المبنى على الأوهام لا يغنى صاحبه شيئا من الإغناء، عن الحق الثابت الذي لا ريب في ثبوته وصحته.

وقوله شَيْئاً مفعول مطلق أى: لا يغنى شيئا من الإغناء، ويجوز أن يكون مفعولا به على جعل يغنى بمعنى يدفع.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ تذييل قصد به التهديد والوعيد.

أى: إن الله- تعالى- عليم بأقوالهم وأفعالهم، وسيحاسبهم عليها يوم القيامة، وسينالون ما يستحقونه من عقاب بسبب أقوالهم الباطلة. وأفعالهم الفاسدة.

قال صاحب المنار ما ملخصه: «استدل العلماء بهذه الآية على أن العلم اليقيني واجب في الاعتقاديات، ويدخل في الاعتقاديات الإيمان بأركان الإسلام وغيرها من الفرائض والواجبات القطعية، والإيمان بتحريم المحظورات القطعية كذلك

أما ما دون العلم اليقيني مما لا يفيد إلا الظن فلا يؤخذ به في الاعتقاد وهو متروك للاجتهاد في الأعمال، كاجتهاد الأفراد في الأعمال الشخصية، واجتهاد أولى الأمر في الإدارة والسياسة، مع التقيد بالشورى وتحرى العدل..» «1» .

وبعد أن ساقت السورة الكريمة ألوانا من البراهين الدالة على وحدانية الله- تعالى-، وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عند الله تعالى، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن القرآن الكريم، فتحدت أعداءه أن يأتوا بسورة مثله، ووصفتهم بالجهالة وسفاهة الرأى، وصورت أحوالهم ومواقفهم من دعوة الحق تصويرا بليغا. استمع إلى السورة الكريمة وهي تتحدث عن كل ذلك فتقول:

(1) تفسير المنار ج 11 ص 364.

ص: 69