الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استمع إلى السورة الكريمة في ختامها وهي تقول:
[سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 109]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)
والمعنى: قُلْ أيها الرسول الكريم، لجميع من ارتاب في دينك.
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي الذي جئتكم به من عند الله- تعالى-، وترغبون في تحويلي عنه، فاعلموا أنى برىء من شككم ومن أديانكم التي أنتم عليها.
ومادام الأمر كذلك، فأنا «لا أعبد الذين تعبدون من دون الله» من آلهة باطلة في حال من الأحوال.
وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ- تعالى- الذي خلقكم والَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ عند انقضاء آجالكم، ويعاقبكم على كفركم.
وقوله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ تأكيد لإخلاص عبادته صلى الله عليه وسلم لله وحده.
أى: وأمرت من قبل خالقي- عز وجل بأن أكون من المؤمنين بأنه لا معبود بحق سواه.
وأوثر الخطاب باسم الجنس «الناس» مع تصديره بحرف التنبيه، تعميما للخطاب، وإظهارا لكمال العناية بشأن المبلغ إليهم.
وعبر عن شكهم «بإن» المفيدة لعدم اليقين، مع أنهم قد شكوا فعلا في صحة هذا الدين بدليل عدم إيمانهم به، تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه، وتنزيها لساحة هذا الدين عن أن يتحقق الشك فيه من أى أحد، وتوبيخا لهم على وضعهم الأمور في غير مواضعها.
وقدم- سبحانه- ترك عبادة الغير على عبادته- عز وجل، إيذانا بمخالفتهم من أول الأمر، ولتقديم التخلية على التحلية.
وتخصيص التوفي بالذكر، للتهديد والترهيب، أى: ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد، ولأنه أشد الأحوال مهابة في القلوب.
وقوله: وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً
…
معطوف على قوله: أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وحَنِيفاً حال من الدين أو من الوجه، والحنيف: هو المائل عن كل دين من الأديان إلى دين الإسلام.
وخص الوجه بالذكر، لأنه أشرف الأعضاء.
والمعنى: أن الله- سبحانه- أمره بالاستقامة في الدين. والثبات عليه، وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال.
قال الآلوسى: «إقامة الوجه للدين، كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته- تعالى-، والإعراض عما سواه، فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء، يقيم وجهه في مقابلته، بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا، إذ لو التفت بطلت المقابلة، فلذا كنى به عن صرف العمل بالكلية إلى الدين، فالمراد بالوجه الذات.
أى: اصرف ذاتك وكليتك للدين..» «1» .
وقوله- تعالى-: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تأكيد للأمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- وحده. وهو معطوف على أَقِمْ.
(1) تفسير الآلوسى ج 11 ص 178.
أى: استقم على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده واثبت على ذلك، ولا تكونن من الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى.
ثم أضاف- سبحانه- إلى ذلك تأكيدا آخر فقال: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ.
أى: ولا تدع من دون الله في أى وقت من الأوقات ما لا يَنْفَعُكَ إذا دعوته لدفع مكروه أو جلب محبوب وَلا يَضُرُّكَ إذا تركته وأهملته.
فَإِنْ فَعَلْتَ شيئا مما نهيناك عنه فَإِنَّكَ إِذاً تكون مِنَ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بإيرادها مورد المهالك، لإشراكها مع الله- تعالى- آلهة أخرى.
ثم بين- سبحانه- أنه وحده هو الضار والنافع فقال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
«المس» : أعم من اللمس في الاستعمال، يقال: مسه السوء والكبر والعذاب والتعب، أى: أصابه ذلك ونزل به.
والضر: اسم للألم والحزن وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما، كما أن النفع اسم للذة والسرور وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما.
والخير: اسم لكل ما كان فيه منفعة أو مصلحة حاضرة أو مستقبلة.
والمعنى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ كمرض وتعب وحزن، فلا كاشف له، أى: لهذا الضر إِلَّا هُوَ- سبحانه-.
وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ كمنحة وغنى وقوة فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ أى: فلا يستطيع أحد أن يرد هذا الخير عنك.
وعبر- سبحانه- بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى تفضله على عباده بأكثر مما يستحقون من خيرات.
وقوله يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أى: يصيب بذلك الفضل والخير مَنْ يَشاءُ إصابته مِنْ عِبادِهِ.
وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أى: وهو الكثير المغفرة والرحمة لمن تاب إليه، وتوكل عليه، وأخلص له العبادة.
وفي معنى هذه الآية جاء قوله- تعالى-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها،
وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
«1» .
وقال ابن كثير: «وروى ابن عساكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بنداء آخر- أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوجهه للناس فقال: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
…
أى: قل- أيها الرسول الكريم- مخاطبا جميع الناس، سواء منهم من سمع نداءك أم من سيبلغه هذا النداء من بعدك قل لهم جميعا: قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ المتمثل في كتاب الله وفي سنتي مِنْ رَبِّكُمْ وليس من أحد سواه.
فَمَنِ اهْتَدى إلى هذا الحق، وعمل بمقتضاه فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ أى: فإنما تكون منفعة هدايته لنفسه لا لغيره.
وَمَنْ ضَلَّ عن هذا الحق وأعرض عنه فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أى: فإنما يكون وبال ضلاله على نفسه.
وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أى بحفيظ يحفظ أموركم، وإنما أنا بشير ونذير والله وحده هو الذي يتولى محاسبتكم على أعمالكم.
ثم أمره- سبحانه- باتباع ما أوحاه إليه فقال: وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.
أى: وَاتَّبِعْ- أيها الرسول الكريم- في جميع شئونك ما يُوحى إِلَيْكَ من ربك من تشريعات حكيمة، وآداب قويمة..
وَاصْبِرْ على مشاق الدعوة وتكاليفها..
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بينك وبين قومك، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. لأنه هو العليم بالظواهر والبواطن، وهو الذي لا معقب لحكمه.
وبعد: فهذه هي سورة يونس- عليه السلام رأينا ونحن نفسرها كيف أقامت الأدلة على وحدانية الله- عز وجل وعلى كمال قدرته، وشمول علمه، ونفاذ إرادته، وسعة رحمته، وسمو عزته..
(1) سورة فاطر الآية 2.
(2)
تفسير ابن كثير ج 4 ص 234.
وكيف أنها أقامت الأدلة- أيضا- على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عنده- سبحانه.
وكيف أنها ساقت الأدلة على أن يوم القيامة حق، وعلى أحوال الناس فيه، مما يرقق القلوب القاسية، ويبعث في النفوس الخشية وحسن الاستعداد لهذا اليوم الهائل الشديد، وكيف أنها ساقت جانبا من أحوال بعض الأنبياء مع أممهم، وقررت سنة من سنن الله التي لا تتخلف، وهي نجاة رسل الله والمؤمنين بهم، وجعل الرجس على الذين لا يعقلون.
وكيف أنها بينت أحوال الناس في السراء والضراء
…
بيانا صادقا قويا مؤثرا، من شأنه أن يحملهم على التحلي بالأخلاق الكريمة والتخلي عن الأخلاق الذميمة.
نسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وأنس نفوسنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
المدينة المنورة السبت 7 من المحرم سنة 1401 الموافق 15/ 11/ 1980 م