الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستعصم، وهو تصوير واقعي صادق لحالة النفس البشرية الصالحة في المقاومة والضعف، ثم الاعتصام بالله في النهاية والنجاة، ولكن السياق القرآنى لم يفصل في تلك المشاعر البشرية المتداخلة المتعارضة المتغالبة، لأنه المنهج القرآنى لا يريد أن يجعل من هذه اللحظة معرضا يستغرق أكثر من مساحته المناسبة في محيط القصة وفي محيط الحياة البشرية المكتملة كذلك فذكر طرفي الموقف بين الاعتصام في أوله والاعتصام في نهايته، مع الإلمام بلحظة الضعف بينهما، ليكتمل الصدق والواقعية والجو النظيف جميعا..» «1» .
ثم حكت السورة الكريمة بعد ذلك ما قالته بعض النساء، بعد أن شاع خبر امرأة العزيز مع فتاها، وما فعلته معهن من أفعال تدل على شدة مكرها ودهائها، وما قاله يوسف- عليه السلام بعد ان سمع ما سمع من تهديدهن وإغرائهن.. قال- تعالى-:
[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
(1) من تفسير «في ظلال القرآن» للأستاذ سيد قطب ج 12 ص 1981 طبعة دار الشروق.
قوله- سبحانه- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ..
حكاية لما تناقلته الألسنة عن امرأة العزيز، فقد جرت العادة بين النساء، أن يتحدثن عن أمثال هذه الأمور في مجالسهن، ولا يكتمنها خصوصا إذا كانت صاحبة الحادثة من نساء الطبقة المرموقة.. كامرأة العزيز.
والنسوة: اسم جمع لا واحد له من لفظه، ومفردة من حيث المعنى: امرأة.
والمراد بالمدينة: مدينة مصر التي كان يعيش فيها العزيز وزوجته والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لنسوة.
أى: وقال نسوة من نساء مدينة مصر- على سبيل النقد والتشهير والتعجب- إن امرأة العزيز، صاحبة المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، بلغ بها الحال في انقيادها لهواها، وفي خروجها عن طريق العفة.. أنها تراود فتاها عن نفسه، أى: تطلب منه مواقعتها، وتتخذ لبلوغ غرضها شتى الوسائل والحيل.
ولم يبين لنا القرآن الكريم عدد هؤلاء النسوة ولا صفاتهم، لأنه لا يتعلق بذلك غرض نافع، ولأن الذي يهدف إليه القرآن الكريم هو بيان أن ما حدث بين يوسف وامرأة العزيز، قد شاع أمره بين عدد من النساء في مدينة كبيرة كمصر وفي وصفها بأنها «امرأة العزيز» زيادة في التشهير بها. فقد جرت العادة بين الناس، بأن ما يتعلق بأصحاب المناصب الرفيعة من أحداث، يكون أكثر انتشارا بينهم، وأشد في النقد والتجريح.
والتعبير بالمضارع في قوله- سبحانه- تُراوِدُ يشعر بأنها كانت مستمرة على ذلك، دون أن يمنعها منه افتضاح أمرها، وقول زوجها لها «واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين» .
والمراد بفتاها يوسف- عليه السلام ووصفنه بذلك لأنه كان في خدمتها، والمبالغة في رميها بسوء السلوك، حيث بلغ بها الحال في احتقار نفسها، أن تكون مراودة لشخص هو خادم لها..
وجملة «قد شغفها حبا» بيان لحالها معه، وهي في محل نصب حال من فاعل تراود أو من مفعوله والمقصود بها تكرير لومها، وتأكيد انقيادها لشهواتها.
وشغف مأخوذ من الشغاف- بكسر الشين- وهو غلاف القلب، أو سويداؤه أو حجابه، يقال: شغف الهوى قلب فلان شغفا، أى بلغ شغافه.
والمراد أن حبها إياه قد شق شغاف قلبها. وتمكن منه تمكنا لا مزيد عليه و «حبا» تمييز
محول عن الفاعل، والأصل: شغفها حبها إياه.
وجملة إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مقررة لمضمون ما قبلها من لوم امرأة العزيز، وتحقير سلوكها، والمراد بالضلال: مخالفة طريق الصواب.
أى: إنا لنرى هذه المرأة بعين بصيرتنا، وصادق علمنا. في خطأ عظيم واضح بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء، لأنها- وهي المرأة المرموقة وزوجة الرجل الكبير- تراود خادمها عن نفسه.
والتعبير «بإنا لنراها
…
» للإشعار بأن حكمهن عليها بالضلال ليس عن جهل، وإنما هو عن علم وروية، مع التلويح بأنهن يتنزهن عن مثل هذا الضلال المبين الصادر عنها.
وهنا تحكى السورة الكريمة كيف قابلت تلك المرأة الداهية الجريئة، مكر بنات جنسها وطبقتها بمكر أشد من مكرهن بها فقال- تعالى-:
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أى: باغتيابهن لها. وسوء مقالتهن فيها، وسمى ذلك مكرا لشبهه به في الإخفاء والخداع.
أو قصدن بما قلنه- كما سبق أن أشرنا- إثارتها، لكي تطلعهن على فتاها الذي راودته عن نفسه، ليعرفن السر في هذه المراودة، وعلى هذا يكون المكر على حقيقته. ومثل هذا المكر ليس غريبا على النساء في مثل هذه الأحوال.
وقوله: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ.. إلخ بيان لما فعلته معهن.
أى: أرسلت إلى النسوة اللائي وصفنها بأنها في ضلال مبين، ودعتهن إلى الحضور إليها في دارها لتناول الطعام.
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أى: وهيأت لهن في مجلس طعامها، ما يتكئن عليه من الوسائد والنمارق وما يشبه ذلك.
فالمتكأ: اسم مفعول من الاتكاء، وهو الميل إلى أحد الجانبين في الجلوس كما جرت بذلك
(1) تفسير المنار ج 12 ص 291.
عادة المترفين عند تناول الطعام، وعند ما يريدون إطالة المكث مع انتصاب قليل في النصف الأعلى من الجسم والاستراحة بعد الأكل.
أخرج ابن شيبة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله، وأن يأكل متكئا «1» .
وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً أى: وأعطت كل واحدة من هؤلاء النسوة سكينا ليقطعن به ما يأكلن من لحم وفاكهة.
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الحضارة المادية في مصر في ذلك الوقت كانت قد بلغت شأوا بعيدا، وأن الترف في القصور كان عظيما، فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية» «2» .
وهنا نجد المرأة الجريئة الماكرة، تقول ليوسف- عليه السلام كما حكى القرآن عنها:
«اخرج عليهن» أى ابرز لهن، وادخل عليهن، وهن على تلك الحالة من الأكل والاتكاء وتقطيع ما يحتاج إلى تقطيع الطعام..
وهي ترمى من وراء خروجه عليهن إلى اطلاعهن عليه حتى يعذرنها في حبها له وقد كان لهذه المفاجأة من يوسف لهن وهن مشغولات بما يقطعنه ويأكلنه، أثرها الشديد في نفوسهن، وهذا ما حكاه القرآن الكريم في قوله: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ.
والجملة الكريمة معطوفة على كلام محذوف دل عليه السياق، والتقدير: قالت امرأة العزيز ليوسف اخرج عليهن، فخرج عليهن وهن على تلك الحالة فلما رأينه أكبرنه، أى: أعظمنه، ودهشن لهيئته، وجمال طلعته وحسن شمائله.
وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أى: جرحن أيديهن وخدشنها بالسكاكين التي في أيديهن دون أن يشعرن بذلك، لشدة دهشتهن المفاجئة بهيئة يوسف..
وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً وحاش فعل ماض، واللام في «لله» للتعليل، والمراد بهذه الجملة الكريمة التعبير عن عجيب صنع الله في خلقه أى: وقلن عند ما فوجئن بخروج يوسف عليهن: ننزه الله- تعالى- تنزيها كبيرا عن صفات العجز، ونتعجب تعجبا شديدا من قدرته- سبحانه- على خلق هذا الجمال البديع، وما هذا الذي نراه أمامنا بشرا كسائر
البشر، لتفوقه في الحسن عنهم، وإنما هو ملك كريم من الملائكة المقربين تمثل في هذه الصورة البديعة التي تخلب الألباب.
ووصفوه بذلك بناء على ما ركز في الطباع من تشبيه ما هو مفرط في الجمال والعفة بالملك وتشبيه ما هو شديد القبح والسوء بالشيطان.
وهنا شعرت امرأة العزيز بانتصارها على بنات جنسها، اللائي عذلنها في حبها ليوسف، فقالت لهن على سبيل التفاخر والتشفي، وبدون استحياء أو تلميح: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ.
والفاء هنا فصيحة، والخطاب للنسوة اللائي قطعن أيديهن دهشا من جمال يوسف، والإشارة إليه- عليه السلام.
أى: قالت لهن على سبيل التشفي والتباهي والاعتذار عما صدر منها معه: إن كان الأمر كما قلتن، فذلك هو الملك الكريم الذي لمتنني في حبى له، وقلتن ما قلتن في شأنى لافتتاني به، فالآن بعد رؤيتكن له، وتقطيع أيديكم ذهولا لطلعته، قد علمتن أنى معذورة فيما حدث منى معه
…
ثم جاهرت أمامهن بأنها أغرته بمواقعتها فلم يستجب فقالت:
وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ
…
أى: والله لقد حاولت معه بشتى المغريات أن يطوع نفسه لي، فأبى وامتنع امتناعا بليغا، وتحفظ تحفظا شديدا.
والتعبير بقوله «فاستعصم» للمبالغة في عصمته لنفسه من الزلل، فالسين والتاء للمبالغة، وهو من العصمة بمعنى المنع. يقال: عصمه الطعام أى: منعه من الجوع. وعصم القربة أى:
شدها بالعصام ليمنع نزول الماء منها.
وفي الآية- كما يقول الآلوسى- دليل على أنه- عليه السلام لم يصدر منه ما سوّد به القصّاص وجوه الطروس «1» - أى الأوراق.
ثم قالت أمامهن بعد ذلك في تبجح واستهتار وتهديد: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ.
أى: والله لقد راودته عن نفسه فاستعصم، والله لئن لم يفعل ما آمره به، - وأنا سيدته الآمرة الناهية لا غيرى- ليسجنن عقوبة له، وليكونا من الصاغرين، أى: من الأذلاء
(1) تفسير الآلوسى ج 12 ص 209.
المهانين المقهورين، من الصغار. يقال: صغر فلان- كفرح- يصغر صغارا، إذا ذل وهان.
قالوا: وأكدت السجن بالنون الثقيلة وبالقسم لتحققه في نظرها، وأكدت الصغار بالنون الخفيفة لأنه غير متحقق فيه، ولأنه من توابع السجن ولوازمه.
وفي هذا التهديد ما فيه من الدلالة على ثقتها من سلطانها على زوجها، وأنه لا يستطيع أن يعصى لها أمرا، مع أنه عزيز مصر..
ويترامى على مسامع يوسف- عليه السلام هذا التهديد السافر
…
فيلجأ إلى ربه مستجيرا به. ومحتميا بحماه ويقول: «رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه..» .
أى: قال يوسف- عليه السلام متضرعا إلى ربه- تعالى- يا رب السجن الذي هددتنى به تلك المرأة ومن معها، أحب إلى، وآثر عندي مما يدعونني إليه من ارتكاب الفواحش.
وقال أحب إلى مما يدعونني إليه، ولم يقل مما تدعوني إليه امرأة العزيز، لأنهن جميعا كن مشتركات في دعوته إلى الفاحشة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، بعد أن شاهدن هيئته وحسنه، وبعد أن سمعن ما قالته في شأنه ربة الدار..
قال الآلوسى: «وإسناد الدعوة إليهن، لأنهن خوفنه من مخالفتها، وزين له مطاوعتها.
فقد روى أنهن قلن له أطع مولاتك، واقض حاجتها، لتأمن عقوبتها.. وروى أن كل واحدة منهن طلبت الخلوة به لنصيحته، فلما خلت به دعته إلى نفسها
…
وقوله: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ واعتراف منه- عليه السلام بضعفه البشرى الذي لا قدرة له على الصمود أمام الإغراء، إذا لم يكن معه عون الله- تعالى- وعنايته ورعايته.
وأَصْبُ من الصبوة وهي الميل إلى الهوى، يقال: صبا فلان يصبو صبوا وصبوة، إذا مال إلى شهوات نفسه واتبع طريق الشر، ومنه ريح الصبا، وهي التي تميل إليها النفوس لطيب نسيمها واعتدال هوائها.
والمعنى: وإلا تدفع عنى يا إلهى كيد هؤلاء النسوة، ومحاولاتهن إيقاعى في حبائلهن، أمل إليهن. وأطاوعهن على ما يردنه منى، وأكن بذلك من الجاهلين السفهاء الذين يخضعون لأهوائهم وشهواتهم، فيقعون في القبائح والمنكرات.
وقوله- سبحانه- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بيان
لتقبل الله- تعالى- لدعائه بفضله ورحمته.
أى: فاستجاب الله- تعالى- ليوسف دعاءه وضراعته، فدفع عنه بلطفه وقدرته كيد هؤلاء النسوة ومكرهن، بأن أدخل اليأس في نفوسهن من الطمع في استجابته لهن، وبأن زاده ثباتا على ثباته، وقوة على قوته، فلم ينخدع بمكرهن، ولم تلن له قناة أمام ترغيبهن أو ترهيبهن.
«إنه» سبحانه «هو السميع» لدعاء الداعين، والمجيب لضراعة المخلصين «العليم» بأحوال القلوب، وبما تنطوى عليه من خير أو شر.
وقال- سبحانه- فَاسْتَجابَ بفاء التعقيب للإشارة إلى أنه- سبحانه- بفضله وكرمه، قد أجاب دعاء عبده يوسف- عليه السلام بدون تأخير أو إبطاء.
قال الإمام ابن كثير: وقوله- سبحانه- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ
…
وذلك لأن يوسف- عليه السلام عصمه الله عصمة عظيمة، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع، واختار السجن على ذلك، وهذا في غاية مقامات الكمال، أنه مع شبابه وجماله وكماله، تدعوه سيدته، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة، فيمتنع من ذلك ويختار السجن خوفا من الله، ورجاء في ثوابه.
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنى أخاف الله» «1» .
ثم ساقت لنا السورة الكريمة بعد ذلك قصة دخول يوسف- عليه السلام السجن، مع ثبوت براءته، مما نسب إليه، وكيف أنه وهو في السجن لم ينس الدعوة إلى عبادة الله- تعالى- وحده، وترك عبادة ما سواه، وكيف أنه أقام الأدلة على صحة ما يدعو إليه، وفسر لصاحبيه في السجن رؤياهما تفسيرا صادقا صحيحا..
استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى كل ذلك بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول:
(1) تفسير ابن كثير ج 4 ص 313. طبعة دار الشعب. [.....]