الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يذكرهم بأنه لا يأمرهم إلا بما يأمر به نفسه، ولا ينهاهم إلا عما ينهاهم عنه وأنه ليس ممن يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ، إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ
…
ثم يذكرهم بمصارع السابقين، ويحذرهم من أن يسلكوا مسلكهم، لأنهم لو فعلوا ذلك لهلكوا كما هلك الذين من قبلهم: وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ....
ثم يفتح لهم باب الأمل في عفو الله عنهم متى استغفروه وتابوا إليه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ.
ثم تراه يثور عليهم عند ما يراهم يتجاوزون حدودهم بالنسبة لله- تعالى- وللحق الذي جاءهم به من عنده- سبحانه-: أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ، وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا، إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ. وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
…
وهكذا نجد شعيبا- عليه السلام وهو خطيب الأنبياء كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم يرشد قومه إلى ما يصلحهم ويسعدهم بأسلوب حكيم، جامع لكل ألوان التأثير، والتوجيه السديد.
وليت الدعاة إلى الله في كل زمان ومكان يتعلمون من قصة شعيب.. عليه السلام مع قومه أسلوب الدعوة إلى الله- تعالى.
ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن قصص الأنبياء مع أقوامهم، بالإشارة إلى قصة موسى- عليه السلام مع فرعون وملئه، فقال- تعالى-:
[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 99]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
وموسى- عليه السلام هو ابن عمران، من نسل «لاوى» بن يعقوب.
ويرى بعض المؤرخين أن ولادة موسى كانت في حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وأن بعثته كانت في عهد منفتاح بن رمسيس الثاني.
والمراد بالآيات: الآيات التسع المشار إليها في قوله- تعالى- «ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات
…
» «1» .
وهي: العصا، واليد البيضاء، والسنون العجاف، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
والسلطان المبين: الحجة الواضحة، والبرهان الظاهر على صدقه، وسمى ذلك سلطانا لأن صاحب الحجة والبرهان على ما يدعى، يقهر ويغلب من لا حجة ولا برهان معه، كما يقهر السلطان غيره.
والمعنى: ولقد أرسلنا نبينا موسى- عليه السلام بمعجزاتنا الدالة على صدقه، وبحجته القوية الواضحة، الشاهدة على أنه رسول من عندنا، إلى فرعون وملئه الذين هم خاصته، وسادات قومه وكبراؤهم
…
وخصهم بالذكر مع فرعون، لأنهم هم الذين كانوا ينفذون أوامره، ويعاونونه على فساده والضمير في قوله فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ يعود إلى الملأ.
أى: فاتبعوا أمره في كل ما قرره من كفر، وفي كل ما أشار به من فساد.
وفي هذه الجملة الكريمة- كما يقول الزمخشري- تجهيل لهم، حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل، وذلك أنه ادعى الألوهية وهو بشر مثلهم، وجاهر بالعسف والظلم والشر الذي لا يأتى إلا من شيطان مارد، فاتبعوه وسلموا له دعواه، وتتابعوا على طاعته.
(1) سورة الإسراء الآية 101.
وقال- سبحانه- فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ولم يقل فاتبعوا أمره، للتشهير به، والإعلان عن ذمه الذي صرح به في قوله- سبحانه- وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ.
والرشيد بزنة- فعيل- من الفعل رشد من باب نصر وفتح: هو الشخص المتصف بإصابة الرأى، وجودة التفكير، وأضيف الرشد إلى الأمر على سبيل المجاز، مبالغة في اشتمال أمر فرعون على ما يناقض الرشد والسداد، ويطابق الغي والفساد.
أى: ما شأن فرعون وأمره بذي رشد وهدى، بل هو محض الغي والضلال، فكان من الواجب على ملئه أن ينبذوه ويهملوه، بدل أن يطيعوه ويتبعوه
…
ثم بين- سبحانه- سوء مصيره ومصير أتباعه فقال: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ.
ويقدم- كينصر- بمعنى يتقدم مأخوذ من الفعل قدم- بفتح الدال- تقول: قدم الرجل يقدم قدما وقدوما بمعنى: تقدم، ومنه قادمة الرحل بمعنى مقدمته.
وقوله فَأَوْرَدَهُمُ من الإيراد وهو جعل الشيء واردا إلى المكان- وداخلا فيه.
والورد- بكسر الواو- يطلق على الماء الذي يرد إليه الإنسان والحيوان للشرب.
والمعنى: يتقدم فرعون قومه يوم القيامة إلى جهنم، كما كان يتقدمهم في الكفر في الدنيا، فأوردهم النار، أى: فدخلها وأدخلهم معه فيها.
وعبر بالماضي مع أن ذلك سيكون يوم القيامة لتحقيق الوقوع وتأكده، وقد صرح القرآن بأنهم سيدخلون النار بمجرد موتهم فقال- تعالى-: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ «1» .
وقوله وبئس الورد المورود، أى: وبئس الورد الذي يردونه النار، لان الورد- الذي هو النصيب المقدر للإنسان من الماء- إنما يذهب إليه قاصده لتسكين عطشه، وإرواء ظمئه، وهؤلاء إنما يذهبون إلى النار التي هي الضد من ذلك.
ثم صرح- سبحانه- بلعتهم في الدارين فقال: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ
…
أى: إن اللعنة والفضيحة لحقت بهم واتبعتهم في الدنيا وفي الأخرى، كما قال- تعالى- في آية أخرى: وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ «2» .
(1) سورة غافر الآية 45.
(2)
سورة القصص الآية 42.
وجملة بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ مستأنفة لإنشاء ذم اللعنة، والمخصوص بالذم محذوف دل عليه ذكر اللعنة، أى بئس الرفد هي.
الرفد العطاء والعون يقال رفد فلان فلانا يرفده رفدا أى أعطاه وأعانه على قضاء مصالحه، أى: بئس العطاء المعطى لهم تلك اللعنة المضاعفة التي لا بستهم في الدنيا والآخرة.
وسميت اللعنة رفدا على سبيل التهكم بهم، كما في قول القائل: تحية بينهم ضرب وجيع.
فكأنه- سبحانه- يقول: هذه اللعنة هي العطاء المعطى من فرعون لأتباعه الذين كانوا من خلفه كقطيع الأغنام الذي يسير خلف قائده بدون تفكر أو تدبر
…
وبئس العطاء عطاؤه لهم
…
وإلى هنا تكون هذه السورة الكريمة قد حدثتنا عن قصة نوح مع قومه، وعن قصة هود مع قومه، وعن قصة صالح مع قومه، وعن قصة إبراهيم مع الملائكة، وعن قصة لوط مع قومه ومع الملائكة، وعن قصة شعيب مع قومه، وعن قصة موسى مع فرعون وملئه.
ويلاحظ أن السورة الكريمة قد ساقت لنا تلك القصص حسب ترتيبها التاريخى والزمنى، لأهداف من أهمها:
1-
إبراز وحدة العقيدة في دعوة الأنبياء جميعا، فكل نبي قد قال لقومه: اعبدوا الله مالكم من إله غيره
…
ثم يسوق لهم الأدلة على صدقه فيما بلغه عن ربه.
2-
إبراز أن الناس في كل زمان ومكان فيهم الأخيار الذين يتبعون الرسل، وفيهم الأشرار الذين يحاربون الحق
…
3-
بيان العاقبة الحسنة التي انتهى إليها المؤمنون بسبب إيمانهم وصدقهم وعملهم الصالح
…
والعاقبة السيئة التي انتهى إليها الكافرون بسبب كفرهم وإعراضهم عن الحق
…
قال- تعالى- فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ «1» .
ثم ساقت السورة بعد ذلك حتى نهايتها آيات كريمة اشتملت على تعليقات وتعقيبات
(1) سورة العنكبوت آية 40.