المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٧

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السابع]

- ‌سورة يونس

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 18]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 19]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 20]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 21 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 24]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 98 الى 103]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 109]

- ‌تفسير سورة هود عليه السلام

- ‌تعريف بسورة هود- عليه السلام

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة هود (11) : آية 12]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة هود (11) : آية 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : آية 35]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 100 الى 102]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 107]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 108 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

- ‌تفسير سورة يوسف

- ‌تعريف بسورة يوسف- عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 15]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 62]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 63 الى 68]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌تفسير سورة الرّعد

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة إبراهيم- عليه السلام

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 52]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة يونس- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة هود- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة يوسف»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة الرعد

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة إبراهيم

الفصل: ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54]

ولذا أمر الله تعالى: رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم فقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ....

أى: قل يا محمد لهؤلاء الجاهلين المتعجلين للعذاب: إننى لا أملك لنفسي- فضلا عن غيرها- شيئا من الضر فأدفعه عنها، ولا شيئا من النفع فأجلبه لها، لكن الذي يملك ذلك هو الله وحده، فهو- سبحانه- الذي يملك أن ينزل العذاب بكم في أى وقت يشاء، فلماذا تطلبون منى ما ليس في قدرتي. وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء منقطعا.

ويجوز أن يكون متصلا فيكون المعنى: قل لهم يا محمد إننى لا أملك لنفسي شيئا من الضر أو النفع، إلا ما شاء الله- تعالى- أن يجعلني قادرا عليه منهما، فإننى أملكه بمشيئته وإرادته.

وقدم- سبحانه- الضر على النفع هنا، لأن الآية مسوقة للرد على المشركين، الذين تعجلوا نزول العذاب الذي هو نوع من الضر.

أما الآية التي في سورة الأعراف، وهي قوله- تعالى- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ.. فقد قدم فيها النفع على الضر، لأنها مسوقة لبيان الحقيقة في ذاتها.

وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه شيئا من التصرف في هذا الكون، وللإشعار بأن النفع هو المقصود بالذات من تصرفات الإنسان.

وقوله: لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ تأكيد لما قبله، وتقرير لقدرة الله- تعالى- النافذة.

أى: لكل أمة من الأمم أجل قدره الله- تعالى- لانتهاء حياتها، فإذا حان وقت هذا الأجل هلكت في الحال دون أن تتقدم على الوقت المحدد لموتها ساعة أو تتأخر أخرى.

ثم ساقت السورة الكريمة ألوانا أخرى من الأجوبة التي لقنها الله- تعالى- لرسوله- صلى الله عليه وسلم لكي يرد بها على المشركين الذين تعجلوا العذاب كما صورت أحوالهم عند ما يرون العذاب، فقال- تعالى-:

[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54]

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَاّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54)

ص: 81

وقوله «أرأيتم» بمعنى أخبرونى. وكلمة أرأيت تستعمل في القرآن للتنبيه والحث على الرؤية والتأمل، فهو استفهام للتنبيه مؤداه: أرأيت كذا أو عرفته؟ إن لم تكن أبصرته أو عرفته فانظره وتأمله وأخبرنى عنه.

ولما كانت الرؤية للشيء سببا لمعرفته وللإخبار عنه، أطلق السبب وأريد المسبب فهو مجاز مرسل علاقته السببية والمسببية.

وقوله: بياتا أى: ليلا، ومنه البيت لأنه يبات فيه. يقال: بات يبيت بيتا وبياتا.

والمعنى: أخبرونى أيها الجاهلون الحمقى: أى دافع جعلكم تستعجلون نزول العذاب؟ إن وقوع العذاب سواء أكان بالليل أم بالنهار لا يمكن دفعه، ولا يمكن أن يتعجله عاقل، لأنه- كما يقول صاحب الكشاف-: كل مكروه، مر المذاق، موجب للنفار منه، فكيف ساغ لكم أن تستعجلوا نزول شيء فيه هلاككم ومضرتكم؟!! وقال- سبحانه- بَياتاً ولم يقل ليلا، للإشعار بمجيء العذاب في وقت غفلتهم ونومهم بحيث لا يشعرون به، فهم قد يقضون جانبا من الليل في اللهو واللعب، ثم ينامون فيأتيهم العذاب في هذا الوقت الذي هجعوا فيه.

فالآية الكريمة توبيخ لهم على استعجالهم وقوع شيء من شأن العقلاء أنهم يرجون عدم وقوعه.

ولذا قال القرطبي: «قوله: ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ استفهام معناه التهويل

ص: 82

والتعظيم. أى: ما أعظم ما يستعجلون به. كما يقال لمن يطلب أمرا تستوخم عاقبته: ماذا تجنى على نفسك» «1» .

وجواب الشرط لقوله: إِنْ أَتاكُمْ

محذوف والتقدير: إن أتاكم عذابه في أحد هذين الوقتين أفزعكم وأهلككم فلماذا تستعجلون وقوع شيء هذه نتائجه؟

وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر بعد أن ذكر هذا الوجه فقال: فإن قلت: فهلا قيل ماذا يستعجلون منه؟ قلت: أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإجرام، لأن من شأن المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه، ويهلك فزعا من مجيئه وإن أبطأ- فضلا عن أن يستعجله- ويجوز أن يكون ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ جوابا للشرط كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني «2» .

وقوله- سبحانه- أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ

زيادة في تجهيلهم وتأنيبهم والهمزة داخلة على محذوف، وثُمَّ حرف عطف يدل على الترتيب والتراخي وجيء به هنا للدلالة على زيادة الاستبعاد.

والمعنى: إنكم أيها الجاهلون لستم بصادقين فيما تطلبون، لأنكم قبل وقوع العذاب تتعجلون وقوعه، فإذا ما وقع وشاهدتم أهواله. وذقتم مرارته.. آمنتم بأنه حق، وتحول استهزاؤكم به إلى تصديق وإذعان وتحسر.

وقوله: آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ قصد به زيادة إيلامهم وحسرتهم ولفظ آلْآنَ ظرف زمان يدل على الحال الحاضرة، وهو في محل نصب على أنه ظرف لفعل مقدر.

أى: قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب: آلآن آمنتم بأنه حق؟ مع أنكم قبل ذلك كنتم به تستهزءون، وتقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ألا فلتعلموا: أن إيمانكم في هذا الوقت غير مقبول، لأنه جاء في غير أوانه، وصدق الله إذ يقول: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ، وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ «3» .

وقوله: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ

(1) تفسير القرطبي ج 8 ص 350.

(2)

تفسير الكشاف ج 2 ص 240.

(3)

سورة غافر الآيتان 84، 85.

ص: 83

تأكيد لتوبيخهم وتأنيبهم بعد أن نزل بهم العذاب، وهو معطوف على لفظ «قيل» المقدر قبل لفظ آلْآنَ.

أى: قيل لهم: آلآن آمنتم بأن العذاب حقيقة بعد أن كنتم به تستعجلون؟ ثم قيل لهؤلاء الظالمين الذين أصروا على الكفر واقتراف المنكرات: ذوقوا عذاب الخلد أى العذاب الباقي الدائم، إذ الخلد والخلود مصدر خلد الشيء إذا بقي على حالة واحدة لا يتغير.

والاستفهام في قوله: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ للنفي والإنكار. أى لا تجزون إلا بالجزاء المناسب لما كنتم تكسبونه في الدنيا من كفر بالحق، وإيذاء للدعاة إليه، وتكذيب بوحي الله- تعالى-.

ثم قال- سبحانه- وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ النبأ: كما يقول الراغب. خبر ذو فائدة عظيمة، يحصل به علم أو غلبة ظن «1» .

والاستنباء: طلب الأخبار الهامة.

أى: إن هؤلاء الضالين يطلبون منك- أيها الرسول الكريم- على سبيل التهكم والاستهزاء، أن تخبرهم عن هذا العذاب الذي توعدتهم به، أهو واقع بهم على سبيل الحقيقة، أم هو غير واقع ولكنك تحدثهم عنه على سبيل الإرهاب والتهديد؟

وقوله: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ إرشاد من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى الجواب الذي يرد به عليهم.

ولفظ إِي بكسر الهمزة وسكون الياء- حرف جواب وتصديق بمعنى نعم، إلا أنه لا يستعمل إلا مع القسم.

أى: قل لهم يا محمد: نعم وحق ربي إن العذاب الذي أخبرتكم به لا محيص لكم عنه وما أنتم بمعجزى الله- تعالى- إذا أراد أن ينزله بكم في أى وقت يريده، بل أنتم في قبضته وتحت سلطانه وملكه، فاتقوا الله، بأن تخلصوا له العبادة، وتتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاءكم به من عنده- سبحانه-.

وقد أكد سبحانه- الجواب عليهم بأتم وجوه التأكيد، لأنهم كانوا قوما ينكرون أشد الإنكار أن يكون هناك عذاب وحساب وبعث وجنة ونار.

قال ابن كثير: «وهذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان، يأمر الله- تعالى- رسوله فيهما أن يقسم به على من أنكر المعاد، أما الآية الأولى فهي قوله

(1) المفردات في غريب القرآن ص 481.

ص: 84

- تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ.. «1» وأما الآية الثانية فهي قوله- تعالى-: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ.. «2» .

وجملة وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ إما معطوفة على جواب القسم، أو مستأنفة سبقت لبيان عجزهم عن الخلاص، وتأكيد وقوع العذاب عليهم.

ثم بين- سبحانه- أنهم لن يستطيعوا افتداء أنفسهم من العذاب عند وقوعه فقال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ.

أى: ولو أن لكل نفس تلبست بالظلم بسبب شركها وفسوقها، جميع ما في الأرض من مال ومتاع، وأمكنها أن تقدمه كفداء لها من العذاب يوم القيامة، لقدمته سريعا دون أن تبقى منه شيئا حتى تفتدى ذاتها من العذاب المهين.

ومفعول لَافْتَدَتْ محذوف. أى لافتدت نفسها به.

ولو هنا امتناعية، أى: امتنع افتداء كل نفس ظالمة، لامتناع ملكها لما تفدى به ذاتها وهو جميع ما في الأرض من أموال، ولامتناع قبول ذلك منها فيما لو ملكته على سبيل الفرض.

وقوله وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ بيان لما انتابهم من حسرات عند مشاهدتهم لأهوال العذاب المعد لهم.

وأَسَرُّوا من الإسرار بمعنى الإخفاء والكتمان. يقال: أسر فلان الحديث. أى: خفض صوته به، ويقابله الإعلان والجهر، ومنه قوله- تعالى- وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

والندامة والندم: ما يجده الإنسان في نفسه من آلام وحسرات على أقوال أو أفعال سيئة، فات أوان تداركها.

أى: وأخفى هؤلاء الظالمون الندامة حين رأوا بأبصارهم مقدمات العذاب، وحين أيقنوا أنهم لا نجاة لهم منه، ولا مصرف لهم عنه.

قال صاحب الكشاف: «قوله- سبحانه- وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه، ولم يخطر ببالهم، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه، ما سلبهم قواهم، وبهرهم، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع، سوى إسرار الندم

(1) سورة سبأ الآية 3.

(2)

سورة التغابن الآية 7.

ص: 85