المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٧

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السابع]

- ‌سورة يونس

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 18]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 19]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 20]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 21 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 24]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 98 الى 103]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 109]

- ‌تفسير سورة هود عليه السلام

- ‌تعريف بسورة هود- عليه السلام

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة هود (11) : آية 12]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة هود (11) : آية 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : آية 35]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 100 الى 102]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 107]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 108 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

- ‌تفسير سورة يوسف

- ‌تعريف بسورة يوسف- عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 15]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 62]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 63 الى 68]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌تفسير سورة الرّعد

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة إبراهيم- عليه السلام

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 52]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة يونس- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة هود- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة يوسف»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة الرعد

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة إبراهيم

الفصل: ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد الله حق لا خلف فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبح إسحاق والحالة هذه، فتعين أن يكون الذبيح إسماعيل، وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه:«1» ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عما دار بين لوط وبين الملائكة وبينه وبين قومه من حوار وجدال فقال- تعالى-:

[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)

(1) تفسير ابن كثير ج 4 ص 266.

ص: 245

- تلك هي قصة لوط مع الرسل الذين جاءوا لإهلاك قومه ومع قومه المجرمين، كما حكتها سورة هود.

- وقد وردت هذه القصة في سور أخرى وبأساليب متنوعة، ومنها سورة الأعراف، والحجر، والشعراء، والنمل، والعنكبوت، والصافات، والذاريات، والقمر..

قال الإمام ابن كثير: ولوط هو ابن هاران بن آزر، فهو ابن أخى إبراهيم، وكان قد آمن مع عمه إبراهيم وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله إلى أهل بلدة سدوم وما حولها يدعوهم إلى وحدانية الله- تعالى-، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها دون أن يسبقهم بها أحد من بنى آدم ولا من غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن أحد من بنى آدم يعهده ولا يألفه ولا يخطر بباله، حتى صنع ذلك أهل سدوم- وهم قرية بوادي الأردن عليهم لعائن الله» «1» .

- وقد بدأ- سبحانه- القصة هنا بتصوير ما اعترى لوطا- عليه السلام من ضيق وغم عند ما جاءته الرسل فقال: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ....

- أى: وحين جاء الملائكة إلى لوط- عليه السلام بعد مفارقتهم لإبراهيم، ساءه وأحزنه مجيئهم، لأنه كان لا يعرفهم، ويعرف أن قومه قوم سوء، فخشي أن يعتدى قومه عليهم، بعادتهم الشنيعة، وهو عاجز عن الدفاع عنهم

قال ابن كثير ما ملخصه: «يخبر الله- تعالى- عن قدوم رسله من الملائكة إلى لوط- عليه السلام بعد مفارقتهم لإبراهيم

فأتوا لوطا- عليه السلام وهو على ما قيل في أرض له. وقيل في منزله، ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون، على هيئة شبان حسان الوجوه، ابتلاء من الله، وله الحكمة والحجة البالغة، فساءه شأنهم

» «2» .

- وقوله: وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً تصوير بديع لنفاد حيلته، واغتمام نفسه وعجزه عن وجود حيلة للخروج من المكروه الذي حل بهم.

قال القرطبي: والذرع مصدر ذرع. وأصله: أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق عن ذلك وضعف ومد عنقه. فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع. وقيل هو من ذرعه القيء أى غلبه.

أى: ضاق عن حبسه المكروه في نفسه.

(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 230. [.....]

(2)

تفسير ابن كثير ج 4 ص 266.

ص: 246

وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم، وما يعلمه من فسوق قومه

» «1» .

- وذَرْعاً تمييز محول عن الفاعل. أى: ضاق بأمرهم ذرعه.

وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ: أى وقال لوط- عليه السلام في ضجر وألم: هذا اليوم الذي جاءني فيه هؤلاء الضيوف، يوم «عصيب» أى: شديد هوله وكربه.

وأصل العصب: الشد والضغط، فكأن هذا اليوم لشدة وقعه على نفسه قد عصب به الشر والبلاء، أى: شد به.

قال صاحب تفسير التحرير والتنوير: ومن بديع ترتيب هذه الجمل أنها جاءت على ترتيب حصولها في الوجود، فإن أول ما يسبق إلى نفس الكاره للأمر أن يساء به ويتطلب المخلص منه، فإذا علم أنه لا مخلص له منه ضاق به ذرعا. ثم يصدر تعبيرا عن المعاني يريح به نفسه» «2» .

- ثم بين- سبحانه- ما كان من قوم لوط- عليه السلام عند ما علموا بوجود هؤلاء الضيوف عنده فقال: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ. وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ....

- ويهرعون- بضم الياء وفتح الراء على صيغة المبنى للمفعول- أى: يدفع بعضهم بعضا بشدة، كأن سائقا يسوقهم إلى المكان الذي فيه لوط وضيوفه.

يقال: هرع الرجل وأهرع- بالبناء للمفعول فيهما- إذا أعجل وأسرع لدافع يدفعه إلى ذلك.

قال الآلوسى: والعامة على قراءته مبنيا للمفعول، وقرأ جماعة يهرعون- بفتح الياء مع البناء للفاعل- من هرع- بفتح الهاء والراء- وأصله من الهرع وهو الدم الشديد السيلان، كأن بعضه يدفع بعضا «3» .

أى: وبعد أن علم قوم لوط بوجود هؤلاء الضيوف عند نبيهم، جاءوا إليه مسرعين يسوق بعضهم بعضا إلى بيته من شدة الفرح، ومن قبل هذا المجيء، كان هؤلاء القوم الفجرة، يرتكبون السيئات الكثيرة، التي من أقبحها إتيانهم الرجال شهوة من دون النساء.

وقد طوى القرآن الكريم ذكر الغرض الذي جاءوا من أجله، وأشار إليه بقوله:

(1) تفسير القرطبي ج 9 ص 74.

(2)

تفسير التحرير والتنوير للشيخ ابن عاشور ج 12 ص 135.

(3)

تفسير الآلوسى ج 12 ص 95.

ص: 247

وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ للإشعار بأن تلك الفاحشة صارت عادة من العادات المتأصلة في نفوسهم الشاذة، فلا يسعون إلا من أجل قضائها.

ثم حكى القرآن بعد ذلك ما بادرهم به نبيهم بعد أن رأى هياجهم وتدافعهم نحو داره فقال: قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ

والمراد ببناته هنا: زوجاتهم ونساؤهم اللائي يصلحن للزواج، وأضافهن إلى نفسه لأن كل نبي أب لأمته من حيث الشفقة وحسن التربية والتوجيه.

قال ابن كثير: قوله- تعالى- قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ

يرشدهم إلى نسائهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم، كما قال لهم في آية أخرى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ. وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ

قال مجاهد: لم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكل نبي أبو أمته

وقال سعيد بن جبير: يعنى نساؤهم، هن بناته وهو أب لهم

«1» .

ومنهم من يرى أن المراد ببناته هنا: بناته من صلبه، وأنه عرض عليهم الزواج بهن

ويضعف هذا الرأى أن لوطا- عليه السلام كان له بنتان أو ثلاثة- كما جاء في بعض الروايات- وعدد المتدافعين من قومه إلى بيته كان كثيرا، فكيف تكفيهم بنتان أو ثلاثة للزواج

؟

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، وقد رجحه الإمام الرازي بأن قال ما ملخصه: «وهذا القول عندي هو المختار، ويدل عليه وجوه. منها: أنه قال هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ وبناته اللاتي من صلبه لا تكفى للجمع العظيم، أما نساء أمته ففيهن كفاية للكل..

ومنها: أنه صحت الرواية أنه كان له بنتان وهما: زنتا وزعورا، وإطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز، لما ثبت أن أقل الجمع ثلاثة

» «2» .

والمعنى: أن لوطا- عليه السلام عند ما رأى تدافعهم نحو بيته لارتكاب الفاحشة التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين، قال لهم: برجاء ورفق يا قَوْمِ هؤلاء نساؤكم اللائي بمنزلة بناتي ارجعوا إليهن فاقضوا شهوتكم معهن فهن أطهر لكم نفسيا وحسيا من التلوث

(1) تفسير ابن كثير ج 4 ص 268.

(2)

تفسير الفخر الرازي ج 18 ص 32.

ص: 248

برجس اللواط، وأفعل التفضيل هنا وهو أَطْهَرُ ليس على بابه، بل هو للمبالغة في الطهر.

قال القرطبي: وليس ألف أطهر للتفضيل، حتى يتوهم أن في نكاح الرجال طهارة، بل هو كقولك الله أكبر- أى كبير-

ولم يكابر الله- تعالى- أحد حتى يكون الله- تعالى- أكبر منه

» «1» .

ثم أضاف إلى هذا الإرشاد لهم إرشادا آخر فقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي....

قال الجمل: ولفظ الضيف في الأصل مصدر، ثم أطلق على الطارق ليلا إلى المضيف، ولذا يقع على المفرد والمذكر وضديهما بلفظ واحد، وقد يثنى فيقال: ضيفان، ويجمع فيقال:

«أضياف وضيوف

» «2» .

وتخزون: من الخزي وهو الإهانة والمذلة. يقال: خزي الرجل يخزى خزيا

إذا وقع في بلية فذل بذلك.

أى: بعد أن أرشدهم إلى نسائهم، أمرهم بتقوى الله ومراقبته، فقال لهم: فاتقوا الله.

ولا تجعلوني مخزيا مفضوحا أمام ضيوفى بسبب اعتدائكم عليهم، فإن الاعتداء على الضيف كأنه اعتداء على المضيف.

ويبدو أن لوطا- عليه السلام قد قال هذه الجملة ليلمس بها نخوتهم إن كان قد بقي فيهم بقية من نخوة، ولكنه لما رأى إصرارهم على فجورهم وبخهم بقوله:

أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يهدى إلى الرشد والفضيلة. وينهى عن الباطل والرذيلة.

فيقف إلى جانبي، ويصرفكم عن ضيوفى؟

ولكن هذا النصح الحكيم من لوط لهم لم يحرك قلوبهم الميتة الآسنة. ولا فطرتهم الشاذة المنكوسة. بل ردوا عليه بقولهم:

قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ.

أى: قال قوم لوط له بسفاهة ووقاحة: لقد علمت يا لوط علما لا شك معه، أننا لا رغبة لنا في النساء، لا عن طريق الزواج ولا عن أى طريق آخر، فالمراد بالحق هنا: الرغبة والشهوة.

(1) تفسير القرطبي ج 9 ص 86.

(2)

حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 413.

ص: 249

قال الشوكانى: قوله ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ أى: ما لنا فيهن من شهوة ولا حاجة، لأن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق، ومعنى ما نسبوه إليه من العلم أنه قد علم منهم المكالبة على إتيان الذكور وشدة الشهوة إليهم، فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حاجة لهم إلى النساء. ويمكن أن يريدوا: أنه لا حق لنا في نكاحهن

» «1» .

وقولهم: وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ إشارة خبيثة منهم إلى العمل الخبيث الذي ألفوه، وهو إتيان الذكور دون النساء أى: وإنك لتعلم علما يقينيا الشيء الذي نريده فلماذا ترجعنا؟! وقولهم هذا الذي حكته الآية الكريمة عنهم، يدل دلالة واضحة على أنهم قد بلغوا النهاية في الخبث والوقاحة وتبلد الشعور..

لذا رد عليهم لوط- عليه السلام رد اليائس من ارعوائهم عن غيهم، المتمنى لوجود قوة إلى جانبه تردعهم وتكف فجورهم

قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.

والقوة: ما يتقوى به الإنسان على غيره.

وآوى: أى ألجأ وأنضوى تقول: أويت إلى فلان فأنا آوى إليه أويّا أى: انضممت إليه.

والركن في الأصل: القطعة من البيت أو الجبل، والمراد به هنا الشخص القوى الذي يلجأ إليه غيره لينتصر به

ولو شرطية وجوابها محذوف، والتقدير: قال لوط- عليه السلام بعد أن رأى من قومه الاستمرار في غيهم، ولم يقدر على دفعهم- على سبيل التفجع والتحسر: لو أن معى قوة أدفعكم بها لبطشت بكم.

ويجوز أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أى: ليت معى قوة أستطيع بمناصرتها لي دفع شركم.

وقوله أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ معطوف على ما قبله، أو ليتني أستطيع أن أجد شخصا قويا من ذوى المنعة والسلطان أحتمى به منكم ومن تهديدكم لي

قالوا: وإنما قال لوط- عليه السلام ذلك لأنه كان غريبا عنهم، ولم يكن له نسب أو عشيرة فيهم.

وهنا- وبعد أن بلغ الضيق بلوط ما بلغ- كشف له الملائكة عن حقيقتهم، وبشروه بما يدخل الطمأنينة على قلبه قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ أى: إنا رسل

(1) تفسير فتح القدير ج 2 ص 514.

ص: 250

ربك أرسلنا إليك لنخبرك بهلاكهم، فاطمئن فإنهم لن يصلوا إليك بسوء في نفسك أو فينا.

روى أن الملائكة لما رأوا ما لقيه لوط- عليه السلام من الهم والكرب بسببهم قالوا له: يا لوط إن ركنك لشديد

ثم ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم، فارتدوا على أدبارهم يقولون النجاء، وإليه الإشارة بقوله- تعالى- في سورة القمر: وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ.

وقوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ أى: فاخرج من هذه القرية مصحوبا بالمؤمنين من أهلك في جزء من الليل يكفى لابتعادك عن هؤلاء المجرمين.

قال القرطبي: قرئ «فاسر وفأسر بوصل الهمزة وقطعها لغتان فصيحتان. قال- تعالى- وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ وقال سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ

وقيل «فأسر» بالقطع تقال لمن سار من أول الليل.. وسرى لمن سار في آخره، ولا يقال في النهار إلا سار

» «1» .

وقوله: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ

معطوف على ما قبله وهو قوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ....

أى: فأسر بأهلك في جزء من الليل، ولا يلتفت منكم أحد إلى ما وراءه، اتقاء لرؤية العذاب، إِلَّا امْرَأَتَكَ يا لوط فاتركها ولا تأخذها معك لأنها كافرة خائنة، ولأنها سيصيبها العذاب الذي سينزل بهؤلاء المجرمين. فيهلكها معهم.

قال الإمام الرازي ما ملخصه: قوله إِلَّا امْرَأَتَكَ قرأ ابن كثير وأبو عمرو إِلَّا امْرَأَتَكَ بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.

قال الواحدي: من نصب فقد جعلها مستثناة من الأهل، على معنى: فأسر بأهلك إلا امرأتك أى فلا تأخذها معك

وأما الذين رفعوا فالتقدير: ولا يلتفت منكم أحد لكن امرأتك تلتفت فيصيبها ما أصابهم.

روى عن قتادة أنه قال: إنها كانت مع لوط حين خرج من القرية، فلما سمعت العذاب التفتت وقالت وا قوماه فأصابها حجر فأهلكها» «2» .

(1) تفسير القرطبي ج 9 ص 79.

(2)

تفسير الفخر الرازي ج 18 ص 36.

ص: 251

وقوله- سبحانه- إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ بشارة أخرى للوط- عليه السلام الذي تمنى النصرة على قومه.

أى: إن موعد هلاك هؤلاء المجرمين يبتدئ من طلوع الفجر وينتهى مع طلوع الشمس، أليس الصبح بقريب من هذا الوقت الذي نحدثك فيه؟

قال- تعالى- في سورة الحجر: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ أى: وهم داخلون في وقت الشروق. فكان ابتداء العذاب عند طلوع الصبح وانتهاؤه وقت الشروق.

والجملة الكريمة إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ

كالتعليل للأمر بالإسراء بأهله بسرعة، أو جواب عما جاش بصدره من استعجاله العذاب لهؤلاء المجرمين.

والاستفهام في قوله- سبحانه- أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ للتقرير أى: بلى إنه لقريب.

قال الآلوسى: روى أنه- عليه السلام سأل الملائكة عن موعد هلاك قومه فقالوا له موعدهم الصبح. فقال: أريد أسرع من ذلك. فقالوا له أليس الصبح بقريب. ولعله إنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ أفظع، ولأنه أنسب بكون ذلك عبرة للناظرين «1» .

ثم حكى- سبحانه- في نهاية القصة ما حل بهؤلاء المجرمين من عذاب فقال: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.

أى: «فلما أمرنا» بإهلاك هؤلاء القوم المفسدين جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها أى: جعلنا أعلى بيوتهم أسفلها، بأن قلبناها عليهم، وهي عقوبة مناسبة لجريمتهم حيث قلبوا فطرتهم، فأتوا الذكران من العالمين وتركوا ما خلق لهم ربهم من أزواجهم

وقوله: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ زيادة في عقوبتهم ولعنهم.

أى: جعلنا أعلى قراهم أسفلها، وأمطرنا عليها حجارة مِنْ سِجِّيلٍ أى: من حجر وطين مختلط، قد تجحر وتصلب مَنْضُودٍ أى: متتابع في النزول بدون انقطاع موضوع بعض على بعض، من النضد وهو وضع الأشياء بعضها إلى بعض.

مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ أى: معلمة بعلامات من عند ربك لا يعلمها إلا هو، ومعدة إعدادا خاصا لإهلاك هؤلاء القوم.

(1) تفسير الآلوسى ج 12 ص 101.

ص: 252

وَما هِيَ أى تلك القرى المهلكة مِنَ الظَّالِمِينَ وهم مشركو مكة بِبَعِيدٍ أى: ببعيدة عنهم، بل هي قريبة منهم، ويمرون عليها في أسفارهم إلى الشام.

قال- تعالى- وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ

«1» .

أى: وإنكم يا أهل مكة لتمرون على هؤلاء القوم المهلكين من قوم لوط في وقت الصباح أى النهار، وتمرون عليهم بالليل أفلا تعقلون ذلك فتعتبروا وتتعظوا؟؟

ويجوز أن يكون الضمير في قوله وَما هِيَ يعود إلى الحجارة التي أهلك الله بها هؤلاء القوم.

أى: وما هي تلك الحجارة الموصوفة بما ذكر من الظالمين ببعيد، بل هي حاضرة مهيئة بقدرة الله- تعالى- لإهلاك الظالمين بها.

والمراد بالظالمين ما يشمل قوم لوط، ويشمل كل من عصى الله وتجاوز حدوده، ولم يتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهكذا كانت نهاية قوم لوط، فقد انطوت صفحتهم كما انطوت من قبلهم صفحات قوم نوح وهود وصالح- عليهم الصلاة والسلام- هذا ومن العبر والأحكام التي نأخذها من هذه الآيات الكريمة، أنه لا بأس على المسلم من أن يستعين بغيره لنصرة الحق الذي يدعو إليه، ولخذلان الباطل الذي ينهى عنه.

فلوط- عليه السلام عند ما رأى من قومه الإصرار على غوايتهم ومفاسدهم تمنى لو كانت معه قوة تزجرهم وتردعهم وتمنعهم عن فسادهم.

وقد علق الإمام ابن حزم على ما جاء في الحديث الشريف بشأن لوط- عليه السلام فقال ما ملخصه:

وظن بعض الفرق أن ما جاء في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم «رحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد» إنما هو من باب الإنكار على لوط- عليه السلام في قوله لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.

والحق أنه لا تخالف بين القولين، بل كلاهما حق، لأن لوطا- عليه السلام إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش. من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين، وما جهل قط لوط- عليه السلام أنه يأوى من ربه- تعالى- إلى أمنع قوة، وأشد ركن.

(1) سورة الصافات الآيتان 137- 138.

ص: 253