المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٧

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السابع]

- ‌سورة يونس

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 18]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 19]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 20]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 21 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 24]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 98 الى 103]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 109]

- ‌تفسير سورة هود عليه السلام

- ‌تعريف بسورة هود- عليه السلام

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة هود (11) : آية 12]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة هود (11) : آية 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : آية 35]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 100 الى 102]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 107]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 108 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

- ‌تفسير سورة يوسف

- ‌تعريف بسورة يوسف- عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 15]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 62]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 63 الى 68]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌تفسير سورة الرّعد

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة إبراهيم- عليه السلام

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 52]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة يونس- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة هود- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة يوسف»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة الرعد

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة إبراهيم

الفصل: ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ (66)

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70)

والأولياء: جمع ولى مأخوذ من الولي بمعنى القرب والدنو، يقال: تباعد فلان من بعد ولى أى: بعد قرب.

ص: 94

والمراد بهم: أولئك المؤمنون الصادقون الذي صلحت أعمالهم، وحسنت بالله- تعالى- صلتهم، فصاروا يقولون ويفعلون كل ما يحبه، ويجتنبون كل ما يكرهه.

قال الفخر الرازي: «ظهر في علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب، فولى كل شيء هو الذي يكون قريبا منه. «1»

والقرب من الله إنما يتم إذا كان القلب مستغرقا في نور معرفته، فإن رأى رأى دلائل قدرته، وإن سمع سمع آيات وحدانيته، وإن نطق نطق بالثناء عليه، وإن تحرك تحرك في خدمته، وإن اجتهد اجتهد في طاعته، فهنالك يكون في غاية القرب من الله- تعالى- ويكون وليا له- سبحانه-.

وإذا كان كذلك كان الله- وليا له- أيضا- كما قال: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ.

وقد افتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح أَلا وبحرف التوكيد إِنَّ لتنبيه الناس إلى وجوب الاقتداء بهم، حتى ينالوا ما ناله أولئك الأولياء الصالحون من سعادة دنيوية وأخروية.

وقوله: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ تمييز لهم عن غيرهم ممن لم يبلغوا درجتهم.

والخوف: حالة نفسية تجعل الإنسان مضطرب المشاعر لتوقعه حصول ما يكرهه.

والحزن اكتئاب نفسي يحدث للإنسان من أجل وقوع ما يكرهه.

أى: أن الخوف يكون من أجل مكروه يتوقع حصوله، بينما الحزن يكون من أجل مكروه قد وقع فعلا.

والمعنى: ألا إن أولياء الله الذين صدق إيمانهم، وحسن عملهم، لا خوف عليهم من أهوال الموقف وعذاب الآخرة، ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم من الدنيا، لأن مقصدهم الأسمى رضا الله- سبحانه-، فمتى فعلوا ما يؤدى إلى ذلك هان كل ما سواه.

وقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ استئناف مسوق لتوضيح حقيقتهم فكأن سائلا قال: ومن هم أولياء الله؟ فكان الجواب هم الذين توفر فيهم الإيمان الصادق، والبعد التام عن كل ما نهى الله- تعالى- عنه.

وعبر عن إيمانهم بالفعل الماضي، للإشارة إلى أنه إيمان ثابت راسخ. لا تزلزله الشكوك، ولا تؤثر فيه الشبهات.

(1) تفسير الفخر الرازي ج 17 ص 126.

ص: 95

وعبر عن تقواهم بالفعل الدال على الحال والاستقبال للإيذان بأن اتقاءهم وابتعادهم عن كل ما يغضب الله من الأقوال والأفعال، يتجدد ويستمر دون أن يصرفهم عن تقواهم وخوفهم منه- سبحانه- ترغيب أو ترهيب.

وقوله- سبحانه-هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ

زيادة تكريم وتشريف لهم.

والبشرى والبشارة: الخبر السار، فهو أخص من الخبر، وسمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهي ظاهر جلد الإنسان، فيجعله متهلل الوجه، منبسط الأسارير، مبتهج النفس.

أى: لهم ما يسرهم ويسعدهم في الدنيا من حياة آمنة طيبة، ولهم- أيضا- في الآخرة ما يسرهم من فوز برضوان الله، ومن دخول جنته.

قال الآلوسى ما ملخصه: «والثابت في أكثر الروايات، أن البشرى في الحياة الدنيا، هي الرؤيا الصالحة.. فقد أخرج الطيالسي وأحمد والدارمي والترمذي.. وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله- تعالى-هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

فقال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له» .

وقيل المراد بالبشرى: البشرى العاجلة نحو النصر والغنيمة والثناء الحسن، والذكر الجميل، ومحبة الناس، وغير ذلك.

ثم قال: وأنت تعلم أنه لا ينبغي العدول عما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير ذلك إذا صح. وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن، فالأولى أن تحمل البشرى في الدارين على البشارة بما يحقق نفى الخوف والحزن كائنا ما كان

» «1» .

وقوله: تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ

أى: لا تغيير ولا خلف لأقوال الله- تعالى- ولا لما وعد به عباده الصالحين من وعود حسنة، على رأسها هذه البشرى التي تسعدهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

واسم الإشارة في قوله- تعالى-لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

يعود إلى ما ذكر من البشرى في الدارين.

أى: ذلك المذكور من أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه، والذي لا يفوقه نجاح أو فضل.

(1) تفسير الآلوسى ج 12 ص 152.

ص: 96

هذا، وقد نقل الشيخ القاسمى- رحمه الله كلاما حسنا من كتاب «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان» فقال ما ملخصه:

هذه الآيات أصل في بيان أولياء الله، وقد بين- سبحانه- في كتابه، وبين رسوله في سنته أن لله أولياء من الناس، كما أن للشيطان أولياء.

وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون. كما في هذه الآية، وفي الحديث الصحيح:«من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، أو فقد آذنته بالحرب..»

والولاية ضد العداوة، وأصل الولاية المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم، وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.. فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان

وإذا كان أولياءه الله هم المؤمنون المتقون، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله- تعالى- فمن كان أكمل إيمانا وتقوى، كان أكمل ولاية لله. فالناس متفاضلون في ولاية الله- عز وجل بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى.

ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدى الفرائض، ولا يجتنب المحارم، كان كاذبا في دعواه، أو كان مجنونا.

وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات، فلا يتميزون بلباس دون لباس، ولا بحلق شعر أو تقصير.. بل يوجدون في جميع طبقات الأمة. فيوجدون في أهل القرآن، وأهل العلم، وفي أهل الجهاد والسيف، وفي التجار والزراع والصناع

وليس من شرط الولي أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين..» «1» .

وبعد أن بين- سبحانه- ما عليه أولياؤه من سعادة دنيوية وأخروية، أتبع ذلك بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما لقيه من أعدائه من أذى فقال:، وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ، إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً، هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

أى: ولا يحزنك يا محمد ما قاله أعداؤك في شأنك، من أنك ساحر أو مجنون، لأن قولهم هذا إنما هو من باب حسدهم لك، وجحودهم لدعوتك.

(1) تفسير القاسمى ج 9 ص 3374، طبعة الحلبي سنة 1958.

ص: 97

والنهى عن الحزن- وهو أمر نفسي لا اختيار للإنسان فيه- المراد به هنا النهى عن لوازمه، كالإكثار من محاولة تجديد شأن المصائب، وتعظيم أمرها، وبذلك تتجدد الآلام، ويصعب نسيانها.

وفي هذه الجملة الكريمة تسلية له صلى الله عليه وسلم وتأنيس لقلبه، وإرشاد له إلى ما سيقع له من أعدائه من شرور، حتى لا يتأثر بها عند وقوعها.

وقوله: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ تعليل للنهى على طريقة الاستئناف، فكأنه صلى الله عليه وسلم قد قال: وما لي لا أحزن وهم قد كذبوا دعوتي؟ فكان الجواب: إن الغلبة كلها، والقوة كلها لله وحده لا لغيره، فهو- سبحانه- القدير على أن يغلبهم ويقهرهم ويعصمك منهم، وهو السَّمِيعُ، لأقوالهم الباطلة، الْعَلِيمُ بأفعالهم القبيحة، وسيعاقبهم على ذلك يوم القيامة عقابا أليما.

ولا تعارض بين قوله- سبحانه- إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وبين قوله في آية أخرى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ «1» ، لأن كل عزة لغيره- سبحانه- فهي مستمدة من عزته، وكل قوة من تأييده وعونه، والرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، إنما صاروا أعزاء بفضل ركونهم إلى عزة الله- تعالى- وإلى الاعتماد عليه، وقد أظهرها- سبحانه- على أيديهم تكريما لهم.

ولذا قال القرطبي «2» رحمه الله قوله: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أى: القوة الكاملة، والغلبة الشاملة، والقدرة التامة لله وحده، فهو ناصرك ومعينك ومانعك. وجَمِيعاً نصب على الحال، ولا يعارض هذا قوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فإن كل عزة بالله فهي كلها لله، قال- سبحانه- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ «3» .

ثم قال- تعالى- أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ أى: ألا إن لله وحده ملك جميع من في السموات ومن في الأرض من إنس وجن وملائكة.

وجاء التعبير القرآنى هنا بلفظ مَنْ الشائع في العقلاء، للإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بغيرهم، لأنهم إذا كانوا مع شرفهم وعلو منزلتهم مملوكين لله- تعالى- كان غيرهم ممن لا يعقل أولى بذلك.

قال صاحب الكشاف قوله: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ يعنى العقلاء

(1) سورة المنافقون آية 8.

(2)

تفسير القرطبي ج 8 ص 359.

(3)

سورة الصافات آية 180.

ص: 98

المميزين وهم الملائكة والثقلان، وإنما خصهم بالذكر ليؤذن أن هؤلاء إذا كانوا له وفي ملكه، فهم عبيد كلهم، وهو- سبحانه- ربهم، ولا يصلح أحد منهم للربوبية، ولا أن يكون شريكا له فيها، فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له ندا وشريكا، وليدل على أن من اتخذ غيره ربا من ملك أو إنس، فضلا عن صنم أو غير ذلك، فهو مبطل تابع لما أدى إليه التقليد وترك النظر» «1» .

وقوله: وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ.

أى: وما يتبع هؤلاء المشركون في عبادتهم لغير الله شركاء في الحقيقة، وإنما يتبعون أشياء أخرى سموها من عند أنفسهم شركاء جهلا منهم، لأن الله- تعالى- تنزه وتقدس عن أن يكون له شريك أو شركاء في ملكه أو في عبادته.

وعلى هذا التفسير تكون ما في قوله وَما يَتَّبِعُ نافية، وقوله شُرَكاءَ مفعول يتبع، ومفعول يدعون محذوف لدلالة ما قبله عليه، أى: وما يتبع الذين يدعون من دون الله آلهة شركاء.

ويجوز أن تكون ما استفهامية منصوبة بقوله يَتَّبِعُ، ويكون قوله شُرَكاءَ منصوب بقوله يَدْعُونَ وعليه يكون المعنى.

أى شيء يتبع هؤلاء المشركون في عبادتهم؟ إنهم يعبدون شركاء سموهم بهذا الاسم من عند أنفسهم، أما هم في الحقيقة فلا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.

وقوله: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أى: ما يتبعون في عبادتهم لغير الله إلا الظن الذي لا يغنى عن الحق شيئا، وإلا الخرص المبنى على الوهم الكاذب، والتقدير الباطل.

وأصل الخرص: الحزر والتقدير للشيء على سبيل الظن لا على سبيل الحقيقة.

قال الراغب: وحقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له خرص، سواء أكان مطابقا للشيء أم مخالفا له، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل الخارص في خرصه- أى: كفعل من يخرص الثمر على الشجر- وكل من قال قولا على هذا النحو قد يسمى كاذبا وإن كان قوله مطابقا للمقول المخبر عنه.

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 244.

ص: 99

وقيل: الخرص: الكذب كما في قوله- تعالى- وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أى يكذبون «1» .

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر نعمه على عباده فقال- تعالى- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً....

أى: الله وحده- سبحانه- هو الذي جعل لكم الليل مظلما، لكي تستقروا فيه بعد طول الحركة في نهاركم من أجل معاشكم، وهو الذي جعل لكم النهار مضيئا لكي تبصروا فيه مطالب حياتكم.

والجملة الكريمة بيان لمظاهر رحمة الله- تعالى- بعباده، بعد بيان سعة علمه، ونفاذ قدرته، وشمولها لكل شيء في هذا الكون.

وقوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أى: إن في ذلك الجعل المذكور لدلائل واضحات لقوم يسمعون ما يتلى عليهم سماع تدبر وتعقل، يدل على سعة رحمة الله- تعالى- بعباده، وتفضله عليهم بالنعم التي لا تحصى.

ثم شرع- سبحانه- في بيان أقبح الرذائل التي تفوه بها المشركون فقال: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً.....

والمراد بهؤلاء القائلين: اليهود الذين قالوا: عزير ابن الله- والنصارى الذين قالوا:

المسيح ابن الله، وكفار العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله، وغيرهم ممن نحا نحوهم في تلك الأقوال الشائنة.

وقوله: سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تنزيه له- عز وجل عما قالوا، في حقه من أقاويل باطلة.

أى: تنزه وتقدس عن أن يكون له ولد، لأنه هو الغنى بذاته عن الولد وعن كل شيء، وهو المالك لجميع الكائنات علويها وسفليها، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره، وغيره محتاج إليه، وخاضع لسلطان قدراته.

قال- تعالى-: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ، وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ

(1) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص 146- بتصرف وتلخيص.

ص: 100

عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً «1» .

وقوله: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا تجهيل لهم ورد عليهم. وإِنْ هنا نافية، ومِنْ مؤكدة لهذا النفي، ومفيدة للعموم. والسلطان: الحجة والبرهان.

أى: ما عندكم دليل ولا شبهة دليل على ما زعمتموه من أن لله ولدا، وإنما قلتم ما قلتم لانطماس بصيرتكم، واستحواذ الشيطان على نفوسكم.

وقوله- سبحانه- أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ توبيخ آخر لهم على جهلهم وكذبهم.

أى: أتقولون على الله- تعالى- قولا، لا علم لكم به، ولا معرفة لكم بحقيقته؟ إن قولكم هذا لهو دليل على جهلكم وعلى تعمدكم الكذب والبهتان.

قال الآلوسى: «وفي الآية دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة. وأن العقائد لا بد لها من قاطع، وأن التقليد بمعزل من الاهتداء» «2» .

وقوله: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ إنذار لهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا على شركهم.

أى: قل لهؤلاء المشركين على سبيل الإنذار والتهديد: إن الذين يفترون على الله الكذب بنسبة الولد إليه، والشريك له، لا يفلحون ولا يفوزون بمطلوب أصلا.

وقوله- سبحانه- مَتاعٌ فِي الدُّنْيا بيان لتفاهة ما يحرصون عليه من شهوات الحياة الدنيا. وهو خبر لمبتدأ محذوف.

أى: أن ما يتمتعون به في الدنيا من شهوات وملذات، هو متاع قليل مهما كثر، لأنه إلى فناء واندثار.

ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم بعد أن غرتهم الدنيا بشهواتها فقال: ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.

أى: ثم إلينا لا إلى غيرنا مرجعهم يوم القيامة، ثم نحاسبهم حسابا عسيرا على أقوالهم الذميمة، وأفعالهم القبيحة، ثم نذيقهم العذاب الشديد بسبب كفرهم بآياتنا، وتكذيبهم لنبينا صلى الله عليه وسلم.

(1) سورة مريم الآيات 88- 95.

(2)

تفسير الآلوسى ج 11 ص 156.

ص: 101