المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٧

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السابع]

- ‌سورة يونس

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 15 الى 17]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 18]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 19]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 20]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 21 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 24]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 34 الى 36]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يونس (10) : آية 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 94 الى 97]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 98 الى 103]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 104 الى 109]

- ‌تفسير سورة هود عليه السلام

- ‌تعريف بسورة هود- عليه السلام

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة هود (11) : آية 12]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة هود (11) : آية 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 28 الى 31]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : آية 35]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 40 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 100 الى 102]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 107]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 108 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

- ‌تفسير سورة يوسف

- ‌تعريف بسورة يوسف- عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 15]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 62]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 63 الى 68]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌تفسير سورة الرّعد

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 16 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 26]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 43]

- ‌تفسير سورة إبراهيم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة إبراهيم- عليه السلام

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 52]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة يونس- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة هود- عليه السلام

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة يوسف»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة الرعد

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة إبراهيم

الفصل: ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

1-

أن الداعي إلى الله، عليه أن يذكر المدعوين بما يستثير مشاعرهم، ويحقق اطمئنانهم إليه، ويرغبهم في اتباع الحق، ببيان أن اتباعهم لهذا الحق سيؤدي إلى زيادة غناهم وقوتهم وأمنهم وسعادتهم.

وأن الانحراف عنه سيؤدي إلى فقرهم وضعفهم وهلاكهم.

انظر إلى قول هود- عليه السلام: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ، وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.

2-

وأن الداعي إلى الله- تعالى- عند ما يخلص لله دعوته، ويعتمد عليه- سبحانه- في تبليغ رسالته، ويغار عليها كما يغار على عرضه أو أشد.

فإنه في هذه الحالة سيقف في وجه الطغاة المناوئين للحق، كالطود الأشم، دون مبالاة بتهديدهم ووعيدهم.. لأنه قد أوى إلى ركن شديد.

وهذه العبرة من أبرز العبر في قصة هود عليه السلام.

ألا تراه وهو رجل فرد يواجه قوما غلاظا شدادا طغاة، إذا بطشوا بطشوا جبارين، يدلون بقوتهم ويقولون في زهو وغرور: من أشد منا قوة.

ومع كل ذلك عند ما يتطاولون على عقيدته ويراهم قد أصروا على عصيانه.

يواجههم بقوله: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ

أرأيت كيف واجه هود- عليه السلام هؤلاء الغلاظ الشداد بالحق الذي يؤمن به دون مبالاة بوعيدهم أو تهديدهم..؟

وهكذا الإيمان بالحق عند ما يختلط بالقلب

يجعل الإنسان يجهر به دون أن يخشى أحدا إلا الله- تعالى-.

ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم فتحدثت عن قصة صالح- عليه السلام مع قومه، فقال- تعالى-

[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68)

ص: 230

هذه قصة صالح- عليه السلام مع قومه كما ذكرتها هذه السورة، وقد وردت هذه القصة في سور أخرى منها سورة الأعراف، والشعراء، والنمل، والقمر.

وصالح- عليه السلام ينتهى نسبه إلى نوح- عليه السلام فهو صالح بن عبيد بن آصف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود

بن نوح.

وثمود: اسم للقبيلة التي منها صالح، سميت باسم جدها ثمود، وقيل سميت بذلك لقلة مائها، لأن الثمد هو الماء القليل.

ص: 231

وكانت مساكنهم بالحجر- بكسر الحاء وسكون الجيم- وهو مكان يقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وموقعه الآن- تقريبا- المنطقة التي بين الحجاز وشرق الأردن، وما يزال المكان الذي كانوا يسكنونه يسمى بمدائن صالح حتى اليوم.

وقبيلة صالح من القبائل العربية، وكانوا خلفاء لقوم هود- عليه السلام فقد قال- سبحانه-: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً.. «1» .

وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله- تعالى- إليهم صالحا ليأمرهم بعبادة الله وحده.

وقوله: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ..

معطوف على ما قبله من قصتي نوح وهود- عليهما السلام أى: وأرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم في النسب والموطن صالحا- عليه السلام فقال لهم تلك الكلمة التي قالها كل نبي لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده، فهو الإله الذي خلقكم ورزقكم، وليس هناك من إله سواه يفعل ذلك.

ثم ذكرهم بقدرة الله- تعالى- وبنعمه عليهم فقال: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها.

والإنشاء: الإيجاد والإحداث للشيء على غير مثال سابق.

واستعمركم من الإعمار ضد الخراب فالسين والتاء للمبالغة. يقال: أعمر فلان فلانا في المكان واستعمره، أى جعله يعمره بأنواع البناء والغرس والزرع.

أى: اعبدوا الله- تعالى- وحده، لأنه- سبحانه- هو الذي ابتدأ خلقكم من هذه الأرض، وأبوكم آدم ما خلق إلا منها وهو الذي جعلكم المعمرين لها، والساكنين فيها تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً....

قال- تعالى- في شأنهم.. أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ. وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. «2» .

فأنت ترى أن صالحا- عليه السلام قد ذكرهم بجانب من مظاهر قدرة الله ومن أفضاله عليهم، لكي يستميلهم إلى التفكر والتدبر، وإلى تصديقه فيما يدعوهم إليه.

والفاء في قوله فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ للتفريع على ما تقدم.

(1) سورة الأعراف الآية 74.

(2)

سورة الشعراء الآيات من 146- 150.

ص: 232

أى: إذا كان الله- تعالى- هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فعليكم أن تخلصوا له العبادة، وأن تطلبوا مغفرته عما سلف منكم من ذنوب.

ثم تتوبوا إليه توبة صادقة: تجعلكم تندمون على ما كان منكم في الماضي من شرك وكفر، وتعزمون على التمسك بكل ما يرضى الله- تعالى- في المستقبل.

ثم فتح أمامهم باب الأمل في رحمة الله- تعالى- فقال: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

أى: إن ربي قريب الرحمة من المحسنين، مجيب لدعاء الداعين المخلصين، فاقبلوا على عبادته وطاعته، ولا تقنطوا من رحمة الله.

ثم حكى القرآن ما رد به قوم صالح عليه فقال: قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا....

أى: قال قوم صالح له بعد أن دعاهم لما يسعدهم: يا صالح لقد كنت فينا رجلا فاضلا نرجوك لمهمات الأمور فينا لعلمك وعقلك وصدقك.. قبل أن تقول ما قلته، أما الآن وبعد أن جئتنا بهذا الدين الجديد فقد خاب رجاؤنا فيك، وصرت في رأينا رجلا مختل التفكير.

فالإشارة في قوله قَبْلَ هذا إلى الكلام الذي خاطبهم به حين بعثه الله إليهم.

والاستفهام في قولهم أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا للتعجيب والإنكار.

أى: أجئتنا بدعوتك الجديدة لتنهانا عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤنا من قبلنا؟

لا، إننا لن نستجيب لك، وإنما نحن قد وجدنا آباءنا على دين وإننا على آثارهم نسير.

ثم ختموا ردهم عليه بقولهم: وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ.

ومريب: اسم فاعل من أراب. تقول: أربت فلانا فأنا أريبه، إذا فعلت به فعلا يوجب لديه الريبة أى: القلق والاضطراب.

أى: لن نترك عبادة الأصنام التي كان يعبدها آباؤنا، وإننا لفي شك كبير، وريب عظيم من صحة ما تدعونا إليه.

فانظر كيف قابل هؤلاء السفهاء الدعوة إلى الحق بالتصميم على الباطل، ولكن صالحا- عليه السلام لم ييأس بل يرد عليهم بأسلوب حكيم فيقول:

قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً، فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ، فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ.

أى قال صالح- عليه السلام لقومه: يا قوم أخبرونى إن كنت على حجة واضحة من ربي ومالك أمرى.

ص: 233

وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً أى: وأعطانى من عنده لا من عند غيره رحمة عظيمة حيث اختارني لحمل رسالته. وتبليغ دعوته.

وجملة فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ جواب الشرط وهو قوله إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ.

أى: إذا كان الله- تعالى- قد منحني كل هذه النعم، وأمرنى بأن أبلغكم دعوته فمن ذا الذي يجيرني ويعصمني من غضبه، إذا أنا خالفت أمره أو قصرت في تبليغ دعوته، احتفاظا برجائكم في، ومسايرة لكم في باطلكم؟

لا، إننى سأستمر في تبليغ ما أرسلت به إليكم، ولن يمنعني عن ذلك ترغيبكم أو ترهيبكم.

وقوله فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ تصريح منه بأن ما عليه هو الحق الذي لا يقبل الشك أو الريب، وأن مخالفته توصل إلى الهلاك والخسران.

والتخسير: مصدر خسر، يقال خسر فلان فلانا إذا نسبه إلى الخسران. أى: فما تزيدونني بطاعتكم ومعصية ربي غير الوقوع في الخسران، وغير التعرض لعذاب الله وسخطه وحاشاى أن أخالف أمر ربي إرضاء لكم.

فالآية الكريمة تصور تصويرا بليغا ما كان عليه صالح- عليه السلام من إيمان عميق بالله- تعالى-، ومن ثبات على دعوته ومن حرص على طاعته- سبحانه- ثم أرشد صالح- عليه السلام إلى المعجزة الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه فقال:

وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً.. أى: معجزة، واضحة دالة على صدقى وفي إضافة الناقة إلى الله- تعالى- تعظيم لها وتشريف لحالها، وتنبيه على أنها ناقة مخصوصة ليست كغيرها من النوق التي تستعمل في الركوب والنحر وغيرهما. لأن الله- تعالى- قد جعلها معجزة لنبيه صالح- عليه السلام ولم يجعلها كغيرها.

وقد ذكر بعض المفسرين من صفات هذه الناقة وخصائصها. ما لا يؤيده نقل صحيح، لذا أضربنا عن كل ذلك صفحا، ونكتفي بأن نقول: بأنها كانت ناقة ذات صفات خاصة مميزة، تجعل قوم صالح يعلمون عن طريق هذا التمييز لها عن غيرها أنها معجزة دالة على صدق نبيهم- عليه السلام فيما يدعوهم إليه.

وقوله: فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ أمر لهم بعدم التعرض لها بسوء وتحذير لهم من نتائج مخالفة أمره.

ص: 234

أى: اتركوا الناقة حرة طليقة تأكل في أرض الله الواسعة ومن رزقه الذي تكفل به لكل دابة، واحذروا أن تمسوها بشيء من السوء مهما كان قليلا، فإنكم لو فعلتم ذلك عرضتم أنفسكم لعذاب الله العاجل القريب.

والتعبير بقوله فَيَأْخُذَكُمْ بفاء التعقيب وبلفظ الأخذ، يفيد سرعة الأخذ وشدته، لأن أخذه- سبحانه- أليم شديد.

ولكن قوم صالح- عليه السلام لم يستمعوا إلى تحذيره، بل قابلوه بالطغيان والعصيان، فَعَقَرُوها أى: فعقروا الناقة وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ «1» .

والفاء معطوفة على محذوف: أى فخالفوا ما نهاهم عنه نبيهم فعقروها أى نحروها وأصل العقر: قطع عرقوب البعير، ثم استعمل في النحر لأن ناحر البعير يعقله ثم ينحره فقال لهم صالح- عليه السلام بعد عقرها تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.

والتمتع: الانتفاع بالمتاع، وهو اسم لما يحتاج إليه الإنسان في هذه الحياة من مأكل ومشرب وغيرهما.

والمراد بدارهم: أماكن سكناهم التي يعيشون فيها.

أى: قال لهم نبيهم بعد نحرهم للناقة: عيشوا في بلدكم هذا، متمتعين بما فيه من نعم لمدة ثلاثة أيام: فقط، فهي آخر ما بقي لكم من متاع هذه الدنيا، ومن أيام حياتكم.

ذلِكَ الوعد بنزول العذاب بكم بعد هذه المدة القصيرة.

وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فيه لأنه صادر من الله- تعالى- الذي لا يخلف وعده.

وعبر عن قرب نزول العذاب بهم بالوعد على سبيل التهكم بهم.

قال الجمل: «مكذوب» يجوز أن يكون مصدرا على وزن مفعول، وقد جاء منه ألفاظ نحو: المجلود والمعقول والمنشور والمغبون، ويجوز أن يكون اسم مفعول على بابه وفيه تأويلان: أحدهما: غير مكذوب فيه، ثم حذف حرف الجر فاتصل الضمير مرفوعا مستترا في الصفة ومثله: يوم مشهود. والثاني: أنه جعل هو نفسه غير مكذوب، لأنه قد وفى به، وإذا وفي به فقد صدق» «2» .

ولقد تحقق ما توعدهم به نبيهم، فقد حل بهم العذاب في الوقت الذي حدده لهم، قال

(1) سورة الأعراف الآية 77. [.....]

(2)

حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 408.

ص: 235

- تعالى- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا أى: فلما جاء أمرنا بإنزال العذاب بهم في الوقت المحدد.

نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا أى برحمة عظيمة كائنة منا.

ونجيناهم أيضا مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ أى: من خزي وذل ذلك اليوم الهائل الشديد الذي نزل فيه العذاب بالظالمين من قوم صالح- عليه السلام فأبادهم.

فالتنوين في قوله يَوْمِئِذٍ عوض عن المضاف إليه المحذوف.

وقوله- سبحانه- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين عما أصابهم من أذى.

أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- هو القوى الذي لا يعجزه شيء، العزيز الذي لا يهون من يتولاه ويرعاه، فلا تبتئس عما أصابك من قومك، فربك قادر على أن يفعل بهم، ما فعله بالظالمين السابقين من أمثالهم.

ثم صور القرآن الكريم حال هؤلاء الظالمين تصويرا يدعو إلى الاعتبار والاتعاظ فقال:

وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها، أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ.

والصيحة: الصوت المرتفع الشديد. يقال: صاح فلان إذا رفع صوته بقوة. وأصل ذلك تشقيق الصوت، من قولهم: انصاح الخشب والثوب، إذا انشق فسمع له صوت.

وجاثِمِينَ: من الجثوم وهو للناس وللطير بمنزلة البروك للإبل. يقال: جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم

إذا وقع على صدره، ولزم مكانه فلم يبرحه.

ويغنوا فيها: أى يقيموا فيها. يقال: غنى فلان بالمكان يغنى إذا أقام به وعاش فيه في نعمة ورغد.

أى: وأخذ الذين ظلموا من قوم صالح- عليه السلام عن طريق الصيحة الشديدة التي صيحت بهم بأمر الله- تعالى- فَأَصْبَحُوا بسببها فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ أى:

هلكى صرعى، ساقطين على وجوههم، بدون حركة

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أى: كأن هؤلاء القوم الظالمين لم يقيموا في ديارهم عمرا طويلا وهم في رخاء من عيشهم.

أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ أى: ألا إن هؤلاء الظالمين من قبيلة ثمود، كفروا نعمة ربهم وجحودها ألا بعدا وسحقا وهلاكا لهؤلاء المجرمين من قبيلة ثمود.

وفي تكرار حرف التنبيه أَلا وتكرار لفظ ثَمُودَ تأكيد لطردهم من رحمة الله،

ص: 236