الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أى: وتغشاهم وتغطيهم ذلة عظيمة ومهانة شديدة، وفي إسناد الرهق إلى أنفسهم دون وجوههم، إيذان بأنها محيطة بهم من كل جانب.
وقوله: ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ أى: ليس لهم أحد يعصمهم أو يجيرهم أو يشفع لهم، بحيث ينجون من عذاب الله- تعالى-.
وقوله: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً تصوير بديع للظلام الحسى والمعنوي الذي يبدو على وجوه هؤلاء الظالمين.
أى: كأنما ألبست وجوههم قطعا من الليل المظلم، والسواد الحالك، حتى صارت شديدة السواد واضحة الكدرة والظلمة.
وقوله: أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ بيان لسوء عاقبتهم، وتعاسة أحوالهم.
أى: أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة، أصحاب النار هم فيها خالدون خلودا أبديا لا نهاية له.
وهكذا نرى في هذه الآيات الكريمة تصويرا بديعا لما عليه المؤمنون الصادقون من صفات حسنة، ومن جزاء كريم، يتجلى في رفع درجاتهم، وفي رضا الله- تعالى- عنهم: كما نرى فيها- أيضا- وصفا معجزا لأحوال الخارجين عن طاعته ووصفا للمصير المؤلم، الذي ينتظرهم يوم القيامة، يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.
ثم حكى- سبحانه- جانبا من الأقوال التي تدور بين المشركين وبين شركائهم يوم القيامة، فقال- تعالى:
[سورة يونس (10) : الآيات 28 الى 30]
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30)
وقوله: نَحْشُرُهُمْ أى نجمعهم يوم القيامة للحساب، يقال: حشر القائد جنده، إذا جمعهم للحرب أو لأمر من الأمور.
ويوم ظرف زمان منصوب بفعل مقدر.
والمعنى: واذكر أيها الرسول الكريم أو أيها الإنسان العاقل، يوم نجمع الناس كافة، لنحاسبهم على أعمالهم في الدنيا.
ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ أى: ثم نقول للمشركين منهم في هذا اليوم العصيب، الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم فلا تبرحوه حتى يقضى الله قضاءه فيكم، فقوله: مَكانَكُمْ ظرف مكان منصوب بفعل مقدر، وقوله وَشُرَكاؤُكُمْ معطوف على ضمير الفعل المقدر، وقوله أَنْتُمْ تأكيد له. أى قفوا مكانكم أنتم وشركاؤكم.
وجاء العطف بثم، للإشارة إلى أن بين حشرهم وبين ما يقال لهم، مواقف أخرى فيها من الأهوال ما فيها، فثم هنا للتراخي النسبي.
وقال- سبحانه- مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ مع أن المشركين كانوا يعتبرون معبوداتهم شركاء الله- من باب التهكم بهم. وللإشارة إلى أن ما عبدوهم لم يكونوا في يوم من الأيام شركاء لله، وإنما المشركون هم الذين وصفوهم بذلك افتراء وكذبا.
وجاء وصفهم بالشرك في حيز الصلة، للإيذان بأنه أكبر جناياتهم وأن شركهم بالله- تعالى- هو الذي أدى بهم إلى هذا المصير المؤلم.
وقوله: فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ أى: ففرقنا بينهم، وقطعنا ما بينهم من صلات، وميزنا بعضهم عن بعض كما يميز بين الخصوم عند التقاضي والمساءلة.
وزيلنا: من التزييل بمعنى التمييز والتفريق، يقال: زيلت الشيء أزيله إذا نحيته وأبعدته، ومنه قوله- تعالى-: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً «1» أى:
لو تميزوا وتفرقوا.
وعبر بالفاء للدلالة على أن هذا التفريق والتمييز قد حدث عقب الخطاب من غير مهلة وجاء الأسلوب بصيغة الماضي مع أن هذا التذييل سيكون في الآخرة، للإيذان بتحقيق الوقوع، وإلى زيادة التوبيخ والتحسير لهم.
وقوله: وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ معطوف على ما قبله.
(1) سورة الفتح الآية 25.
والمراد بالشركاء كل ما عبد من دون الله من إنس وجن وأوثان وغير ذلك.
أى: وقال شركاؤهم الذين أشركوهم في العبادة مع الله- تعالى-: إنكم أيها المشركون لم تكونوا لنا عابدين في الدنيا، وإنما كنتم تعبدون أشياء أخرى زينها الشيطان لكم فانقدتم له بدون تدبر أو تعقل.
والمقصود بقولهم هذا- التبري من المشركين، وتوبيخهم على أفكارهم الفاسدة.
وقوله: فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ تأكيد لهذا التبري والإنكار، ورجوع إلى الشهادة الحق في ذلك.
وإِنْ في قوله إِنْ كُنَّا مخففة من الثقيلة.. أى: فكفى أن يكون الله- تعالى- شهيدا وحكما بيننا وبينكم، فهو- سبحانه- يعلم حالنا وحالكم، ويعلم أننا كنا في غفلة عن عبادتكم لنا، بحيث إننا ما فكرنا فيها ولا رضينا بها.
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة ببيان أحوال الناس في هذا اليوم العظيم فقال:
هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ، وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.
أى: هنالك في ذلك الموقف الهائل الشديد، تختبر كل نفس مؤمنة أو كافرة: ما سلف منها من أعمال، فترى ما كان نافعا أو ضارا من هذه الأعمال، وترى الجزاء المناسب عن كل عمل بعد أن عاد الجميع إلى الله مولاهم الحق، ليقضى بينهم بقضائه العادل، وقد غاب عن المشركين في هذا الموقف ما كانوا يفترونه من أن هناك آلهة أخرى ستشفع لهم يوم القيامة.
وهكذا ترى الآيات الكريمة تصور أحوال الناس يوم الدين تصويرا بليغا مؤثرا، يتجلى فيه موقف الشركاء من عابديهم، وموقف كل إنسان من عمله الذي أسلفه في الدنيا.
وبعد هذا الحديث المعجز عن يوم الحشر وأهواله، ساقت السورة الكريمة بضع آيات فيها الأدلة المقنعة على وحدانية الله وقدرته، ولكن بأسلوب السؤال والجواب، فقال- تعالى: