الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الأدلة عند الشيعة
اعلم أن الأدلة عندهم أربعة: كتاب، وخبر، وإجماع، وعقل. أما (الكتاب) فهو القرآن المنزل الذي لم يبق حقيقاً بأن يستدل به بزعمهم الفاسد، لأنه لا اعتماد على كونه قرآناً إلا إذا أُخذ بواسطة الإمام المعصوم، وليس القرآن المأخوذ من الأئمة موجوداً في أيديهم، والقرآن المعروف غير معتدّ به عند أئمتهم بزعمهم وأنه لا يليق بالاستدلال به لوجهين: الأول: لما روي جماعة من الإمامية عن أئمتهم أن القرآن المنزل وقع فيه تحريف في كلماته عن مواضعها، بل أسقط منه بعض السور (1) وترتيبه هذا أيضاً غير معتدّ لكونه متغيراً عن أصله، وما هو موجود الآن في أيدي المؤمنين هو مصحف عثمان الذي كتبه (2) وأرسل منه سبع نسخ إلى أطراف العالم وألجأ الناس على قبوله وقراءته على ما رتبه وآذى من خالف ذلك، فلا يصح التمسك به ولا يعتمد على نظمه من العام والخاص والظاهر والنص ونحوها، لأنه يجوز أن يكون هذا القرآن الذي بين أيدينا كله أو أكثره منسوخاً بالآيات أو السور التي أسقطت منه أو مخصوصاً بها. الثاني: أن نقلة هذا القرآن مثل ناقلي التوراة والإنجيل، لأن بعضهم كانوا منافقين كالصحابة العظام والعياذ بالله تعالى، وبعضهم كانوا مداهنين في الدين كعوامّ الصحابة فإنهم تبعوا رؤساءهم أي بزعمهم طمعاً في زخارف الدنيا، فارتدوا عن الدين كلهم إلا أربعة أو ستة (3) فغيّروا خطاب الله تعالى، فجعلوا مثلاً مكان (من المرافق) إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] (4) ومكان (أئمة هي أزكى) أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ [النحل:92].
فكما أن التوراة والإنجيل لا يُعمل بهما أصلاً فكذلك هذا القرآن، وكما أن التوراة والإنجيل نُسِخا بالقرآن المجيد فكذلك القرآن نُسخت أشياء كثيرة منه ولا يُعلم نواسخها إلا الأئمة الثلاثة. وأما (الخبر) فقد مرّ بيانه مفصلاً فتذكر. ثم إن ناقل الخبر إما من الشيعة أو غيرهم، ولا اعتبار لغيرهم أصلاً، لأن الصدر الأول من غيرهم (5) الذي هو منتهى الأسانيد كانوا مرتدين ومحرفين كتاب الله تعالى ومعادين أهل بيت النبوة. فلابد أن يكون من الشيعة، وبين الشيعة اختلاف كثير في أصل الإمامة وتعيين الأئمة وعددهم، ولا يمكن إثبات قول من أقوالهم إلا بالخبر، لأن كتاب الله تعالى لا اعتماد عليه، ومع ذلك فهو ساكت عن هذه الأمور، فلو توقف ثبوت الخبر وحجّيته على ثبوت ذلك القول لزم الدور الصريح وهو محال.
(1) مثل سورة الولاية.
(2)
إن مسألة جمع القرآن من قبل عثمان رضي الله عنه من المآثر والمناقب التي يجب أن تُكتب بمداد من الذهب في سجل تاريخ هذا الصحابي رضي الله عنه، ولكنها في نظر أحفاد ابن سبأ مثلبة يتفوه بها ويسطرها الحاقدون في ثنايا بحثهم عن حياة عثمان رضي الله عنه ويروجون لها ويجعلونها من المطاعن.
(3)
((رجال الكشي)) (8)، ((الكافي)) (2/ 244)، ((الاختصاص)):(6، 10)، ((تأويل الآيات)) (1/ 123)، ((الرواشح السماوية)):(71، 141)، ((بحار الأنوار)) (22/ 333، 351)، 352، 400)، (28/ 236)، (64/ 165)، (108/ 306، 308)، (110/ 6)، ((كتاب الأربعين)) (291).
(4)
((فصل الخطاب)) (256)، ((تفسير البرهان)) (1/ 451).
(5)
أي الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً.
وأما (الإجماع) فباطل أيضاً، لأن كونه حجة ليس بالأصالة بل لكون قول المعصوم في ضمنه، فمدار حُجّيته على قول المعصوم لا على نفس الإجماع، وثبوت عصمة الإمام وتعيينه إما بخبره أو بخبر معصوم آخر، فقد جاء الدور الصريح أيضاً. وأيضاً إجماع الصدر الأول والثاني – يعني قبل حدوث الاختلاف في الأمة – غير معتبر، لأنهم أجمعوا على: خلافة أبي بكر وعمر، وحرمة المتعة (1) وتحريف الكتاب، ومنع ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وغصب فَدَك من البتول (2). وبعد حدوث الاختلاف في الأمة وتفرّقهم بفرق مختلفة كيف يتصور الإجماع، ولا سيما في المسائل الخلافية المحتاجة إلى الاستدلال وإقامة الحجة القاطعة.
وأما (العقل) فهو باطل أيضاً لأن التمسك به إما في الشرعيات أو غيرها، فإن كان في الشرعيات فلا يصح التمسك به عند هذه الفرقة أصلاً، لأنهم منكرون أصل القياس ولا يقولون بحجّيته.
(1) انظر كتابنا ((الشيعة والمتعة)).
(2)
انظر كتابنا ((شبهات حول الصحابة والرد عليها)) (أبو بكر الصديق (ص148) وما بعدها).
وأما في غير الشرعيات فيتوقف العقل على تجريده عن شوائب الوهم والإلف والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب والفكر في صورة الأشكال، وهذه الأمور لا تحصل إلا بإرشاد إمام، لأن كل فرقة من طوائف بني آدم يثبتون بعقولهم أشياء وينكرون أشياء أُخر، وهم متخالفون فيما بينهم بالأصول والفروع، ولا يمكن الترجيح بالعقل فقط، فالتمسك إذن بقول الإمام، ومع ذلك لا يمكن إثبات الأمور الدينية بالعقل الصرف لأنه عاجز عن معرفتها تفصيلاً بالإجماع. نعم يمكنه معرفتها إذا كان مستمداً من الشريعة. وهاهنا فائدة جليلة لها مناسبة مع هذا المقام، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) (1). وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة والشيعة، وقد علم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمي القدر، والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفاً في الأمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهو ضال، مذهبه باطل وفاسد لا يُعبأ به. ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى. وليس المتمسك بهذين الحبلين المتينين إلا أهل السنة، لأن كتاب الله ساقط عند الشيعة عن درجة الاعتبار كما سبق بيانه قريباً، وقد روى الكليني عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله: أن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية (2). وروي عن محمد نصر أنه قال في (لم يكن) اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم (3).وروي عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أسمعه حروفاً من القرآن ليس مما يقرأه الناس. فقال أبو عبد الله: مه اكفف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم اقرأ كتاب الله على حده (4).
وروى الكليني وغيره عن الحكم بن عتيبة قال: قرأ علي بن الحسين (وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث) قال: وكان علي بن أبي طالب محدّثاً.
(1) رواه الترمذي (3788) بنحوه من حديث زيد بن أرقم وقال: حسن غريب. وقال الألباني في صحيح الترمذي: صحيح.
(2)
قال المجلسي في ((مرآة العقول في شرح أخبار الرسول)) (12/ 525): "موثق، وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يُوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر؟ ". أي كيف يُثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟.
(3)
((الكافي)) (2/ 631)، ((بحار الأنوار)) (52/ 364)، ((مشارق الشموس الدرية)) (126)، ((مسند الرضا)) للعطاردي (1/ 385).
(4)
((الكافي)) (2/ 633)، ((بصائر الدرجات)) (193)، ((وسائل الشيعة)) (4/ 821)، ((بحار الأنوار)) (89/ 88)، ((معجم أحاديث المهدي)) (4/ 44)، ((إثبات الهداة)) للحر العاملي (3/ 643)، ((حلية الأبرار)) (2/ 643)، ((تفسير نور الثقلين)) (3/ 170).
وروي عن محمد بن الجهم وغيره عن أبي عبد الله أن أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ [النحل:92]. ليس كلام الله، بل محرّف عن موضعه، والمُنزّل (أئمة هي أزكى من أئمتكم).وقد تقرّر عندهم أن سورة (الولاية) سقطت وكذا أكثر (سورة الأحزاب) فإنها كانت مثل (سورة الأنعام) فأسقط منها فضائل أهل البيت وأحكام إمامتهم. وأُسقط لفظ (ويلك) قبل قوله تعالى لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا [التوبة:40]. وكذا أُسقط لفظ (بعلي بن أبي طالب) بعد قوله تعالى: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [الأحزاب:25](1) وكذا لفظ (آل محمد) الواقع بعد (ظلموا) من قوله تعالى وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227](2) إلى غير ذلك من الأقوال والترهات.
وأما العترة الشريفة فهي بإجماع أهل اللغة تُقال لأقارب الرجل، والشيعة ينكرون نسبة بعض العترة كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يعدون بعضهم داخلاً في العترة كالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاده كالزبير بن صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم بل يبغضون أكثر أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنهم ويسبونهم كزيد بن علي بن الحسين الذي كان عالماً متقياً وكذا يحيى ابنه وكذا إبراهيم وجعفر ابني موسى الكاظم ولقبوا الثاني بالكذاب مع أنه من كبار أولياء الله تعالى.
ولقبوا أيضاً جعفر بن علي أخا الإمام العسكري بالكذاب، ويعتقدون أن الحسن بن الحسن المثنى وابنه عبد الله المحض وابنه محمداً الملقب بالنفس الزكية ارتدوا وحاشاهم من كل سوء.
وكذلك يعتقدون في إبراهيم بن عبد الله وزكريا بن محمد الباقر ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ومحمد بن القاسم بن الحسن ويحيى بن عمر الذي كان من أحفاد زيد بن علي بن الحسين، وكذلك يعتقدون في جماعة حسنيين وحسينيين كانوا قائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين، إلى غير ذلك من الأمور الشنيعة التي يعتقدونها في حق العترة الطاهرة، نعوذ بالله من جميع ذلك، ونبرأ إليه جلّ شأنه من سلوك هاتيك المسالك.
فقد بان لك أن الدين عند هذه الطائفة الشنيعة قد انهدم بجميع أركانه وانقضّ ما تشيّد من محكم بنيانه، حيث إن كتاب الله تعالى قد سبق لك اعتقادهم فيه وعدم اعتمادهم على ظاهره وخافيه، ولا يمكنهم أيضاً التمسك بالعترة المطهرة بناء على زعمهم الفاسد من أن بعضهم كانوا كفرة.
المصدر:
أخبار الشيعة وأحوال رواتها لمحمود شكري الألوسي تحقيق وتعليق محمد مال الله
(1)((بحار الأنوار)) (24/ 398)، ((فصل الخطاب)) (321).
(2)
((تفسير القمي)) (2/ 125)، ((فصل الخطاب)) للنوري (294)، ((منهاج البراعة شرح نهج البلاغة)) للخوئي (2/ 215).